
كيف نفهم سياقات إطلاق المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية؟
في ظل اهتمام رئاسي، عكفت الدولة المصرية في جمهوريتها الجديدة على الاهتمام بالأسرة المصرية والارتقاء بالعنصر البشري، كمكون أساسي من مقومات الأمن القومي المصري. وفي خطوة مفصلية لجني ثمار ما مضى من خطوات على مدار سنوات، قامت الدولة بإطلاق “المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية”، والذي يهدف إلى الوقوف أمام مشكلة الزيادة السكانية، وفهم أسبابها، ومحاولة علاجها؛ عن طريق الارتقاء بخصائص السكان وتحسين جودة حياة الأسرة المصرية، والارتقاء بالتعليم والصحة، ورفع الوعي بقضية الزيادة السكانية، كي لا يمتد أثرها السلبي إلى المجتمع ككل، لأن ذلك سيؤدي إلى حدوث اختلالات في النظام المجتمعي.
فلسفة المشروع
المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية يتم تنفيذه خلال الفترة من عام 2021 إلى 2023، ويسعى إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية، من بينها: ضبط معدلات النمو السكاني والارتقاء بخصائص وجودة حياة الأسرة المصرية، وكذلك رفع الوعي بقضية الزيادة السكانية، ويتضمن عدة محاور، هي: التمكين الاقتصادي، والتدخل الخدمي، وأيضًا التدخل الثقافي والتوعوي والتعليمي، وكذا يشمل محوري التحول الرقمي والتدخل التشريعي:
• محور التمكين الاقتصادي للسيدات: والذي يتضمن تدريب مليون سيدة على ريادة الأعمال، وتنفيذ البرامج والدورات التدريبية لصالح المرأة، إلى جانب تنفيذ مليون مشروع متناهي الصغر، وتدريب 2 مليون سيدة على إدارة المشروعات ومحو الأمية الرقمية والشمول المالي وتأهيلهن لسوق العمل طبقًا للفرص الاستثمارية بكل محافظة.
• محور التدخل الخدمي: من خلال توفير وسائل تنظيم الأسرة بالمجان للجميع، إلى جانب تأهيل عدد كبير من الطاقم الطبي.
• محور إنشاء منظومة إلكترونية باسم “منظومة الأسرة المصرية”: لميكنة خدمات صندوق تأمين الأسرة وربطها بوحدات صحة وتنمية الأسرة، وكذا إنشاء المرصد الديموغرافي لرصد الخصائص والمؤشرات السكانية على مستوى الجمهورية وتحليلها ورفع تقارير لأكثر المحافظات والقرى احتياجًا للتدخل.
• محور رفع الوعي بالمفاهيم الأساسية للقضية السكانية: حيث من المستهدف تنفيذ 12 مليون زيارة منزلية، و30 ألف ندوة و500 فعالية تستهدف 6 ملايين سيدة في سن الإنجاب، والعمل على تطوير ورفع كفاءة الرائدات المجتمعيات ومكلفات الخدمة العامة.
• محور التدخل التشريعي: يستهدف وضع إطار تشريعي يكون تجريم زواج القاصرات فيه على رأس الأولويات، وتغليظ العقوبة لتشمل ولي الأمر، وكذلك تغليظ العقوبة على عمالة الأطفال، وتجريم عدم تسجيل المواليد.
• بالإضافة إلى تأسيس صندوق حكومي لتأمين وتنمية الأسرة المصرية، يمنح حوافز للأسر الملتزمة بمحددات ضبط النمو السكاني.
علمًا بأن تنفيذ هذا المشروع القومي سيكون خلال العام الأول بمحافظات المرحلة الأولى من المبادرة الرئاسية “حياة كريمة”، بما يشمل نحو 1520 قرية على مستوى 52 مركزًا في 20 محافظة.
مشروع تنمية الأسرة.. بين المسببات والأبعاد
يتبلور المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية حول معالجة قضية النمو السكاني والتي تُعد العائق الأساسي أمام جهود التنمية؛ فإذا نظرنا إلى الإحصائيات السكانية نجد أن عدد سكان مصر بلغ عام 1850 نحو 5.2 مليون نسمة. وفي ظل الزيادة السكانية تضاعف العدد من 20 مليون عام 1950 إلى 40 مليون عام 1978. وفي عام 2005 بلغ نحو 70 مليون نسمة، إلى أن بلغ عدد سكان مصر في الداخل 87.9 مليون نسمة في عام 2015، وفي عام 2016 وصلوا إلى 92 مليون نسمة، في حين وصلوا 94.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد 2017، وفي بداية عام 2018 وصل عدد السكان إلى 96.3 مليون نسمة، وفي عام 2019 وصل إلى 98 مليون نسمة، أما في عام 2020 فوصل إلى 100 مليون نسمة في الداخل، وبلع العدد في 2021 نحو 102 مليون نسمة، واليوم فقد تخطى عدد سكان مصر الـ 103 مليون نسمة.
وإذا نظرنا إلى هذه الإحصائيات نجد أن النمو السكاني في مصر يفوق متوسط النمو السكاني في العالم؛ إذ يبلغ معدله 2.6% سنويًا مقابل 1.2%. وتشير النظرة المتعمقة للوضع السكاني في مصر إلى أن مصر تسجل مولودًا كل 15 ثانية تقريبًا، ما يعني 2.5 مليون مولود سنويًا، وأن استمرار معدل الانجاب على هذه الوتيرة سيصل بسكان مصر عام 2030 لما يقرب من 120 مليون نسمة، بجانب أن معدل الزيادة السكانية في مصر يتجاوز خمسة أضعاف الدول المتقدمة.
وبهذا، فإن من الآثار المترتبة على ارتفاع الكثافة السكانية زيادة المخصصات العامة للإنفاق على الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والمواصلات والإسكان والحماية الاجتماعية. ويترتب على زيادة معدلات الإنجاب، كذلك صعوبة في رعاية الأبناء، وانخفاض المستوى المعيشي للأسرة، وعمالة الأطفال، والزواج المبكر، وهجرة الأسر للعمل بالمدن. الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع عدد السكان بالمناطق الحضرية مسببًا “العشوائيات” وهو ما يمثل عبئًا وخطرًا قائمًا ومتجددًا.
ومن النتائج الخطيرة المترتبة على الزيادة السكانية أيضًا التهامها للمورد المائي، فمن المعروف أن موارد مصر من مياه النيل ثابتة وهي 55 مليار متر مكعب، وتصل ببعض الموارد الأخرى إلى 60: 62 مليار م3. فيما يعرف الفقر المائي بأنه وصول نصيب الفرد في السنة إلى 1000 م3، ومع ارتفاع الزيادة السكانية وصل نصيب الفرد إلى 550: 580 م3، أي وصلنا إلى ضعف معدل الفقر المائي، رغم جهود الدولة في تحلية المياه، وتطهير البحيرات، وتبطين الترع، ومعالجة مياه الصرف الصحي والزراعي. وهو ما يستدعي إطلاق مثل المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، لمعالجة أحد مسببات هذه المشكلة.
المعالجة المصرية لحقوق الإنسان
دائمًا ما كانت الزيادة السكانية تقضي على جهود التنمية، وتقف عائقا أمام المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، وتحقيق الرفاه المستحق؛ لأن النمو السكاني يفرض ضغوطًا كبيرة على الموارد المصرية، ويعيق جهود الدولة المبذولة في التنمية من أجل مكافحة الفقر والبطالة، ويشمل تهديدًا للاستقرار الاجتماعي، ويجعل من الصعب توفير واستيعاب مطالب الحاضر، ويهدد مستقبل الأجيال القادمة.
وقد عرّف إعلان “الحق في التنمية” الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1986 عملية التنمية بأنها عملية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، تهدف إلى تحقيق التحسن المتواصل لرفاهية كل السكان، والتي يمكن عن طريقها إعمال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وكذا، تضمن التقرير الصادر عن معهد الموارد العالمية حصرًا لعشرة تعريفات للتنمية المستدامة، وقد قسم التقرير هذه التعريفات إلى أربع مجموعات: اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية وبيئية؛ واندرجت القضية السكانية تحت المجموعة الاجتماعية: وتعني العمل على استقرار النمو السكاني ورفع مستوى المعيشة، والحد من الفقر.
ويأتي ارتفاع معدلات الزيادة السكانية ضمن أحد أهم التحديات التي تسعى الدولة إلى مواجهتها في إطار جهودها لتحقيق التنمية المستدامة من خلال رؤية مصر 2030، وما تضمنته من محاور وبرامج تنفيذية في البعد الاجتماعي تتعلق بالسكان والصحة وتمكين المرأة والشباب وتحقيق العدالة الاجتماعية. وقد قامت الدولة في هذا الإطار ببرامج الحماية الاجتماعية من خلال برنامج تكافل وكرامة، وزيادة الدعم العيني والنقدي للفئات المستحقة، ونظام جديد للتأمينات الاجتماعية والمعاشات، ورعاية الأشخاص بلا مأوى، وأطفال الشوارع، ووحدات علاج الإدمان والتعاطي، وتطبيق نظام التأمين الصحي الشامل، وبناء وحدات الإسكان الاجتماعي في كل مدن ومحافظات مصر، وبناء مجتمعات عمرانية جديدة.
ومن الخطوات الفعلية التي حققتها مصر أيضًا هي زيادة نسبة مشاركة المرأة “تمكين المرأة” في سوق العمل، وسنت الدولة القوانين للتمثيل النسبي للمرأة في كافة مجالات الحياة السياسية، وزيادة مستويات تعليم المرأة، والبقاء في سوق العمل بعد الإنجاب؛ إذ راعت الدولة جميع الظروف التي تدفع المرأة إلى ترك العمل، بالإضافة إلى حماية الطفل والأقليات المختلفة والحماية الاجتماعية والإصلاح الاقتصادي وتحقيق الكرامة الإنسانية كأحد أهم المحاور لحقوق الإنسان ومواجهة التحديات التي كان أبرزها المشاكل الاقتصادية التي كان لها تأثير على الخدمات التي يمكن أن تقدمها الدولة في التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية.
ولا يمكن أن نتحدث عن حقوق الإنسان ولا نذكر مشروع القرن الحادي والعشرين “حياة كريمة” لتنمية الريف المصري والذي راعى كافة مجالات حقوق الإنسان، بعدما عانى الريف من انعدام المقومات الأساسية؛ إذ يستهدف تغيير حياة 60 مليون مصري من إحداث طفرة شاملة للقرى الأكثر احتياجًا لتحقيق تنمية مستدامة لهم تشمل البنية التحتية، والخدمات الأساسية، وتطوير الخدمات العامة، وتحسين مستوى الدخل بإقامة المشروعات المختلفة، لإحداث تغيير إيجابي في مستوى معيشتهم، وخلق واقع جديد من التنمية الشاملة المستدامة لهذه التجمعات الريفية.
فلم تتوان مبادرة حياة كريمة في حفظ حقوق الإنسان، فنجدها مؤخرًا وقعت برتوكول تعاون مع بنك ناصر الاجتماعي تحت مبادرة “أولادنا مستقبلنا” للأطفال الأيتام والتي من خلالها سيتم فتح حساب بنكي للأطفال الأيتام وإيداع مبلغ لكل حساب بنكي، مع إعطاء الحساب عائدًا أعلى من أي عائد موجود في البنوك، حتى يتسنى لكل طفل يتيم فور بلوغه السن القانونية الحصول على مبلغ مالي يساعده في حياته.
وقد وقعت مؤسسة حياة كريمة أيضًا برتوكول تعاون “لمبادرة إبدا” لمساعدة المصانع المتعثرة. وأيضًا اهتمت بالثقافة والفنون حيث وقعت المؤسسة برتوكول تعاون مع وزارة الثقافة بهدف تفعيل الشراكة الاستراتيجية وتنفيذ محور بناء الإنسان المصري، والارتقاء بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والثقافي للأسر المصرية في القرى الأكثر احتياجًا تحت مظلة المبادرة الرئاسية “حياة كريمة”. وعلاوة على ذلك، قامت الدولة المصرية بتطوير العشوائيات وبناء سكن كريم ملائم لجميع فئات الشعب المصري لكي يحيوا حياة كريمة، هذا بالإضافة إلى المشاريع القومية العملاقة في كل ربوع مصر.
وإجمالًا؛ فإن المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، والذي خرج أمس إلى النور هو نتيجة الجهود الوطنية لكافة مؤسسات الدولة المصرية، والتي وضعت حلولًا جذرية لمشكلاتها المزمنة وعدم الاعتماد على المسكنات والتسويف، فعملت على إقامة العديد من المشروعات التنموية القومية في كل ربوع مصر لتحسين جودة حياة المواطنين، وكان على رأس اهتماماتها محور الاستثمار في البشر، وبناء الإنسان، والارتقاء بواقعه المُعاش.