تغير المناخ

هل تنجح قمة المناخ “COP26” في القضاء على “الآمال المحبطة” لقمة العشرين بروما؟

بعد انتهاء قمة مجموعة العشرين في روما أمس، اتجه قادة مجموعة العشرين إلى قمة المناخ التي تستضيف أكثر من 120 من قادة العالم في جلاسكو اليوم الاثنين، حيث إن تلك الدول يمكنها “تحقيق النجاح أو دفن الأمل في الحفاظ على هدف زيادة سنوية بـ 1,5 درجة مئوية في متناول اليد”. وأكد البيان الختامي الذي تم التفاوض حوله، على هدف اتفاق باريس وهو “الحفاظ على متوسط الاحترار دون درجتين مئويتين، ومواصلة الجهود لحصره في نطاق 1,5 درجة”.

وقد كشف تقرير “اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغيير المناخ IPCC” الصادر في 9 أغسطس الماضي أن التغيرات الأخيرة في النظام المناخي أصبحت غير مسبوقة منذ قرون، وأن كوكب الأرض يتجه نحو الاحترار الكارثي بمقدار 2.7 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، إذ باتت لا توجد منطقة في العالم محصنة ضد الكوارث المناخية.

ماذا نتج عن البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين في روما؟

انتهت المناقشات في العاصمة الإيطالية روما في إطار قمة مجموعة العشرين التي تركز هذه المرة على قضية البيئة وحماية المناخ، وأصدر رؤساء الدول الصناعية الكبرى بيانًا ختاميًا الأحد “31 أكتوبر 2021″، يُنظر إليه كورقة أساسية تحدد مسار مؤتمر جلاسكو الدولي للمناخ الذي انطلق في نفس التوقيت.

لكن الالتزامات التي قطعتها دول مجموعة الـ 20 في قمة روما لم تقنع المنظمات المدافعة عن البيئة والأمم المتحدة؛ إذ أعلن ” أنطونيو جوتيريش” الأمين العام للأمم المتحدة أن قمة مجموعة العشرين في روما اختتمت الأحد على “خيبة أمل”. وكتب على تويتر “أرحب بالتزام مجموعة العشرين المتجدد إيجاد حلول على الصعيد العالمي لكنني أغادر روما بآمال محبطة – حتى لو لم تُدفن بعد”. وأضاف “في طريقي إلى كوب 26 في جلاسكو للحفاظ على هدف 1,5 درجة”.

Image

ونددت المديرة التنفيذية لمنظمة “جرينبيس” جينيفر مورغن، بالبيان الختامي لقمة مجموعة العشرين ووصفته بأنه “ضعيف ويفتقر إلى الطموح والرؤية”. وقالت نائبة رئيس منظمة “غلوبال سيتيزن” فريدريكه رودر “كل ما رأيناه أنصاف إجراءات أكثر منه تدابير ملموسة”.

أما الرئيس الأمريكي جو بايدن فأرجع السبب في خيبة الأمل التي خرجت بها قمة مجموعة العشرين إلى روسيا والصين اللتين رأى أنهما لم تظهرا أي التزامات للتصدي لتغير المناخ، حيث تمثل دول مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل نحو 80% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.

وقد التزمت دول مجموعة العشرين في بيانها مرة أخرى بالهدف الذي سعت إلى تحقيقه في عام 2020، وهو تقديم حوالي 100 مليار دولار أمريكي سنويًا لمساعدة الدول الفقيرة. وبعد قمتهم في روما، اتجه قادة مجموعة العشرين مباشرة إلى جلاسكو حيث افتتح مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، وهو اجتماع هام لمستقبل البشرية ويستمر أسبوعين لمناقشة تغيرات المناخ وتأثيراتها المختلفة.

التأثيرات المختلفة لتغيرات المناخ

تشـير تقديـرات الأمم المتحدة إلى أنـه وفقـًا للمسـار الحالي لانبعاثات ثاني أكســيد الكربـون، مــن المتوقع أن ترتفــع درجــة الحـرارة بمقدار 3 إلى 5 درجـات مئويـة بحلـول نهايـة القـرن. وقد شهدت العديد من الدول مؤخرًا سلسلة من الكوارث الطبيعية من فيضانات وأعاصير وموجات حر وجفاف قاسية وحرائق غابات، ويقدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن التكيف مع تغير المناخ والتعامل مع الأضرار سيكلف الدول النامية ما بين 140- 300 مليار دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2030.

ارتفاع درجة الحرارة يؤدي إلى ازدياد معدل درجات الحرارة وحموضة مياه البحر، مما يؤثر على ابيضاض الشعاب المرجانية، وهذا يؤثر على تراجع السياحة في بلدان حوض البحر الأحمر والذي سيتأثر به بشكل خاص مصر والأردن، وله كذلك تأثير على تآكل الشواطئ وارتفاع مستويات البحار، مما يؤثر على السياحة الشاطئية وخاصة على العديد من الدول العربية وعلى رأسها مصر التي تعتمد على السياحة كأحد أهم مصادر العملة الصعبة.

وستؤدي التغيرات المناخية أيضًا إلى انقراض نحو 20- 30 % من النباتات والحيوانات، مما يؤدي تأثيرات ضارة على صحة الانسان نتيجة اختلال النظام وانتقال الأوبئة؛ فتغيير المناخ أصبح عاملًا للضغط على النظام البيئي؛ إذ يؤدي إلى تغيرات في هطول الأمطار ودرجات الحرارة. 

وقد حدد المجلس الاستشاري الألماني المعني بالتغير العالمي للمناخ 4 مسارات لاحتمالية ارتباط تغير المناخ بالصراع وهي: تدهور موارد المياه العذبة، وانعدام الأمن الغذائي، وزيادة وتيرة الكوارث الطبيعية وشدتها، وزيادة أنماط الهجرة، وفي نفس السياق حصر تقرير صادر في سبتمبر 2021 “للمعهد الملكي للشؤون الدولية “Chatham House” 6 مجالات تؤدي إلى الاضرار بأمن واستقرار الدول وتهيئ بيئة خصبة للفقر نتيجة انعدام الأمن الغذائي والمائي، بالإضافة إلى المشاكل الصحية والهجرة، الأمر الذي يؤدي إلى الصراعات والتطرف وعدم الاستقرار المجتمعي بسبب التغيرات المناخية، وهي:

  1. الاضطرابات الاقتصادية والتجارية:  

حيث تشكل موجات الحر وحرائق الغابات والفيضانات والجفاف بشكل سلبي على الأمن الغذائي والبنية التحتية للطاقة والمياه، فضلًا عن أنها تؤدي إلى حالات تخلف عن السداد في الأعمال التجارية على نطاق لا تستطيع صناعة التأمين مواجهته. ويخشى الخبراء أن يؤدي فشل الشركات إلى انخفاض كبير في الإنفاق الاستهلاكي، إذ ستشهد أسواق الأسهم أيضًا تحولات مفاجئة نتيجة تدمير البنية التحتية والمحاصيل، مما يؤدي إلى بيع الأصول، وانخفاض أسعار الأسهم، ونقص في صناديق المعاشات التقاعدية، وفي النهاية تقويض الأسواق المالية. 

  1. ضغوطات الهجرة:

إن المخاطر المناخية المباشرة ستؤدي على الأرجح إلى انعدام الأمن الغذائي وفقدان سبل العيش، مما يؤدي إلى نزوح الأشخاص وضغوط الهجرة، ويُقدر أن هذه الضغوط ستؤدي على الأرجح إلى خسائر في الأرواح، وانتهاكات لحقوق الإنسان، وزيادة الضغوط على المؤسسات العامة والبنية التحتية، وتدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية، والذي سينتج عنه تصاعد الصراع والعنف وعدم الاستقرار السياسي، فعلى الصعيد العالمي بلغ عدد النازحين داخليًا سنويًا بسبب الكوارث المتعلقة بالطقس في شكل حرارة شديدة وجفاف وفيضانات وعواصف وحرائق غابات في الفترة من 2008 إلى 2020 نحو 21.8 مليون شخص.

  1. انعدام الأمن الغذائي:

تؤدي التغيرات المناخية إلى ظهور الكثير من الأمراض الحيوانية والنباتية التي تساهم في نقص المحاصيل مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات المجاعات وسوء التغذية، إضافةً إلى زيادة أسعار السلع والمنتجات الغذائية، إلى جانب حدوث تغييرات في سُبل العيش والفقر الناتج وخاصة سُبل عيش المزارعين؛ إذ إنه من المرجح أن يبيع هؤلاء المزارعون مواشيهم وأراضيهم، وكل هذه المظاهر ستؤدي إلى تفاقم الفقر والتوترات المجتمعية والهجرة والصراع.

  1. الأزمات الصحية:

من المرجح أن يزيد تغير المناخ من انتشار الأمراض المعدية الناشئة والأمراض المنقولة، حيث يعطل تغير المناخ النظم البيئية ويزيد من خطر انتقال الأمراض، الأمر الذي جعل العلماء يحذرون لسنوات عديدة من احتمال زيادة الأوبئة نتيجة لتغير المناخ، وعلى مدى العقود الماضية كان عدد الأمراض المعدية الناشئة إما لديها القدرة على الانتقال إلى البشر، أو أنها حققت بالفعل هذه القفزة، والتي زادت بشكل ملحوظ في عام 2008.

وقد وجدت دراسة نُشرت في مجلة “Nature” العلمية أنه على مدار العقد الماضي كان ما يقرب من ثلث الأمراض المعدية الناشئة محمولة بالنواقل. وذكرت مجلة “لانسيت” في عام 2019 أن الملاءمة المناخية لانتقال مسببات الأمراض آخذة في الازدياد. وبالنظر إلى تقديرات البنك الدولي فإنه من المرجح أن يؤدي تغير المناخ إلى نزوح حوالي 140 مليون شخص بحلول عام 2050، من داخل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية “يمثلان معًا حوالي 55 في المائة من سكان العالم النامي”.

  1. مخاطر بشأن مستقبل أمن الطاقة:

يشعر الخبراء بالقلق إزاء مجموعتين منفصلتين من مخاطر أمن الطاقة، المجموعة الأولى تتعلق بالكهرباء؛ فمن المرجح أن تؤدي زيادة الجزر الحرارية الحضرية وانخفاض مياه التبريد داخل محطات الطاقة الحرارية، إلى زيادة الطلب ونقص العرض، ويخشى الخبراء أن يتفاقم هذا السيناريو بفعل ضوابط التصدير، مما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي، ويصل في النهاية إلى نقص في خدمات التبريد، وبالتالي الإجهاد الحراري والوفيات. 

فيما تتعلق المجموعة الثانية من المخاطر بتدهور جودة الهواء، مما يؤدي إلى زيادة القيود على النقل وبالتالي انخفاض الطلب على النفط، الأمر الذي يؤدي إلى فرض قيود على عمليات شركات النفط. ويخشى الخبراء أن يؤدي هذا إلى فشل شركات النفط، وفي نهاية المطاف إلى حدوث صدمات في أسعار النفط. ويُذكر أن النقص العالمي الأخير في رقائق أشباه الموصلات جزئيًا أدى إلى إغلاق مصانع الإنتاج بسبب انقطاع التيار الكهربائي أثناء موجة البرد غير الطبيعية في تكساس في فبراير 2021. 

  1. تهديد الأمن الوطني والدولي:

من المتوقع أن تتسبب التأثيرات المناخية المتتالية في ارتفاع معدلات الوفيات، وتؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي وزيادة انعدام الأمن الوطني، وتغذية الصراع الإقليمي والدولي، وتصبح المجتمعات ذات الأنظمة السياسية الضعيفة غير مستقرة مما قد يؤدي إلى سيطرة الجماعات المتطرفة، كما يؤدي إلى العنف والصراع بين المواطنين والتنافس بين الدول من أجل تأمين الموارد لمواطنيها. 

ووفقًا لتقرير الاتجاهات العالمية 2040 الصادر عن مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي سيؤدي تغير المناخ بشكل متزايد إلى تفاقم المخاطر على الأمن البشري والوطني وإجبار الدول على اتخاذ خيارات صعبة ومقايضات. حيث سيتم توزيع الأعباء بشكل غير متساوٍ، مما يؤدي إلى زيادة المنافسة، والمساهمة في عدم الاستقرار، وإجهاد الاستعداد العسكري، وتشجيع الحركات السياسية.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى