
الأجندة الأفريقية لمواجهة التغير المناخي.. أولوية الرئيس السيسي في قمة المناخ (Cop26)
تمثل مشاركة القيادة المصرية الحالية في قمة المناخ في جلاسكو (cop26)، التزامًا مصريًا نحو عرض أولويات القارة الأفريقية للتحدث بصوت واحد حول جميع الأمور المتعلقة بتغير المناخ وتحقيق نتائج حاسمة بشأن العديد من القضايا المهمة، وذلك تمهيدًا لاستضافة مصر المؤتمر القادم لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغيرات المناخية (cop27) في 2022 نيابًة عن القارة بأكملها، والذي ستمتلك فيه أفريقيا زمام المبادرة العالمية لطرح الرؤى وتوجيه الأولويات العالمية بما يتفق مع احتياجات وأولويات القارة وتحقيق أهدافها.
فجاءت مشاركة الرئيس السيسي في الشق رفيع المستوى من قمة الأمم المتحدة الحالية تتعلق بمحوري “دور الدول الصناعية المعنية بالانبعاثات الخاصة بالصناعات الكبيرة في زيادة حرارة كوكب الأرض وظاهرة الاحتباس الحراري” و “معاناة الدول النامية من هذه التداعيات المناخية وسبل مواجهتها”، كما ستشهد المشاركة المصرية حلقة نقاشية ولقاءات ثنائية، أعد لها الجانب المصري لتحفيز تنفيذ الرؤية المصرية بشكل خاص، والرؤية الموحدة الأفريقية بشكل عام.
التحضيرات المسبقة للوصول لرؤية أفريقية موحدة حول تغيرات المناخ
تنبثق الرؤية المصرية في قضايا تغير المناخ في الحصول على تعهدات من جانب الدول الصناعية الكبرى تجاه الدول النامية بتقديم المساعدات للتغلب على التداعيات الناجمة عن التغيرات المناخية، مع ضرورة تأكيد التزام الدول الكبرى مقابل الدول النامية بالمعايير الدولية لخفض الانبعاثات خاصة الغازات الدفيئة والوفاء بتعهداتها في إطار اتفاقية باريس لتغير المناخ.
وفي ضوء هذه الرؤية، والاستراتيجية الوطنية للتغير المناخي التي أطلقتها الدولة المصرية بشأن تغير المناخ، تنطلق مصر مع شركاءها من أبناء القارة لوضع آلية قابلة للتنفيذ، وهو ما ظهر في اللقاء الثالث على مدار عامين مع رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي نيابة عن الرئيس السيسي ولجنة القادة والرؤساء الأفارقة المعنيين بتغير المناخ، والذي بدوره ثمن الجهود الأفريقية التي أكدت التزامها نحو مواجهة تحدي المناخ بالرغم من تعاملها مع جائحة كورونا بكفاءة من خلال برنامج التحفيز الأخضر، وإيجاد حلول مبتكرة كما رحب بدوره بتقرير رئيس لجنة المفاوضين الأفارقة لتغير المناخ وبمشروع القرار المُقدم حول تعامل أفريقيا مع تغير المناخ والتعافي الأخضر من الجائحة، وكانت مصر قد مثلت القارة في صندوق المناخ الأخضر مع كل من تنزانيا وجنوب أفريقيا والسودان والجابون، وهو آلية التمويل التي تعتمد عليها الدول الأفريقية لتمويل مشروعات التكيف والحد من الانبعاثات في القارة.
كما قامت مصر نيابة عن القارة الأفريقية في التفاعل مع قضايا المناخ وفقًا لتصريحات رئيس الوزراء، والتي ظهرت في شكل مفاوضات رسمية حيث تولت مصر رئاسة مجموعة الـ 77 للدول النامية والصين خلال عام 2018، ومجموعة المفاوضين الأفارقة لتغير المناخ عامي 2018 و2019، ورئاسة لجنة القادة والرؤساء الأفارقة المعنيين بتغير المناخ، ومؤتمر وزراء البيئة الأفارقة أعوام 2015 و2016، والمبادرتين الأفريقيتين التي أطلقهما الرئيس السيسي للتكيف والطاقة المتجددة خلال الدورة الـ 15 لمؤتمر الأطراف في باريس في 2015، وخلال قمة الأمم المتحدة للمناخ في 2019 ترأست مصر بالشراكة مع جمهورية مالاوي والمملكة المتحدة تحالف التكيف والتحمل ممثلة عن القارة الأفريقية، والرئاسة المشتركة لمجموعة أصدقاء التكيف في نيويورك.
وساهمت مصر في تحقيق رؤية “متوسط أكثر إخضرارًا”، فأصدرت مصر أول سندات خضراء على الإطلاق والأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو ما سلط رئيس الوزراء الضوء عليه في إطار الأجندة البيئية الجديدة للاتحاد من أجل المتوسط “نحو 2030: أجندة من أجل متوسط أكثر إخضرارًا”، خلال لقاؤه ورانس تيمرمانس النائب التنفيذي الأول لرئيس المفوضية الأوروبية، والسفير ناصر كامل، الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط، وعقدت رئاسة الوزراء ثلاثة اجتماعات للجنة العليا للمجلس الوطني للتغيرات المناخية لوضع مسودة الاستراتيجية الوطنية تمهيدًا لإطلاقها خلال أعمال مؤتمر الأطراف الـ 26، والتي تهدف إلى تعزيز ريادة مصر على الصعيد الدولي وتقليل الآثار السلبية الناجمة عن تغير المناخ من خلال التنسيق الدولي وتكامل الأدوار.
كما تعمل مصر على إعداد تقرير الإبلاغ الوطني الرابع حول جهودها في مواجهة التغيرات المناخ، والذي سيتضمن تحديث وتعزيز الإجراءات وسياسات وتدابير للتخفيف من آثاره والتكيف معه، ومعلومات عن الوعي والبحوث والمراقبة المنهجية، ونقل التكنولوجيا، للوصول إلى عالم خالي من الكربون بحلول عام 2050.
التحديات والأولويات الأفريقية وعرض النموذج المصري لمواجهة التغيرات المناخية
جاءت كلمة الرئيس السيسي بقمة مؤتمر الأطراف لتعبر عن محوري دور الدول الصناعية الكبرى في زيادة حرارة الكوكب، والتزاماتها تجاه الدول النامية بشكل عام والدول الأفريقية بوجه خاص، في ظل الجهود التي تحاول تلك الدول القيام بها، وعرض النموذج المصري في مواجهة تلك التغيرات المناخية، في ضوء تحقيق الهدف الدولي باعتبارها قضية ذات تأثير عالمي، “في الحاجة الملحة لتعزيز عمل المناخ لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية”.
يتمثل النموذج المصري في مبادرة تطبيق نموذج تنموي مستدام يهدف إلى الوصول بالمشروعات الخضراء إلى 50% بحلول 2025، 100% بحلول 2030، فتعمل مصر على وصول مصادر الطاقة المتجددة من 20 % من مزيج الطاقة المصرية إلى 42% بحلول عام 2035، هذا إلى جانب العمل على التحول إلى النقل النظيف من خلال التوسع في إنشاء المدن الذكية والمستدامة وشبكات المترو والسيارات والقطارات الكهربائية وتجهيز البنية التحتية اللازمة لذلك.
هذا إلى جانب مشروعات ترشيد استخدام المياه مثل تبطين الترع والإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية. كما انتهت مصر من إعداد الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، للتكامل بين السياسات والأهداف والإجراءات المكملة لجهود الدولة التنموية، وفي ضوء هذا العمل المؤسسي أصدرت مصر الطرح الأول للسندات الخضراء بقيمة 750 مليون دولار.
وعن مشاكل التمويل باعتباره أكبر تحدي يواجه الدول النامية، أكد الرئيس السيسي على ارتباط قدرة تلك الدول على تنفيذ التزاماتها في ضوء حجم الدعم والتمويل الذي تحصل عليه، معربًا عن القلق “إزاء الفجوة بين التمويل المتاح وحجم التمويل الذي تحتاجه الدول النامية لمواجهة أثار التغيرات المناخية”.
وعن ضرورة وفاء الدول الكبرى بالتزاماتها في ضوء ما تكبده للدول النامية والدول الأفريقية من معاناة لا تتسبب فيها ذاتها، والتي تبذل ما في وسعها لمواجهة تلك التأثيرات؛ فطالب الرئيس السيسي بضرورة وفاء الدول المتقدمة بتعهداتها بتوفير 100 مليار دولار سنويًا لمواجهة الدول النامية للتغير المناخي، ودعا العالم معاملة أفريقيا تعامل خاص وفقا لحجم التحديات التي تواجهها القارة الأفريقية لمواجهة أثار التغيرات المناخية، متطلعًا إلى استضافة مصر لقمة المناخ باسم القارة الأفريقية، من أجل تعزيز عمل المناخ الدولي للوصول لنتائج مؤتمر باريس”.
ريادة مصرية دولية وإقليمية ودعم مؤسسية الدول
تأتي مشاركة الرئيس السيسي في قمة المناخ تلبية لدعوة رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، رئيس الدورة الحالية لمؤتمر الأطراف، لما لمصر من باعٍ ودور مؤثر على المستويين الإقليمي والدولي في هذا المجال، والذي ثمن الجهود المصرية في عهد الرئيس السيسي لتحقيق التنمية.
وظهر الدور المصري المحوري في كثرة اللقاءات الثنائية والاستقبال الذي تلقاه الرئيس السيسي لمناقشة القضايا المختلفة في برنامج مكثف يتضمن عقد مباحثات مع رئيس الوزراء البريطاني، لبحث تعزيز العلاقات الثنائية وتحقيق المصالح المشتركة للدولتين في كافة الجوانب العسكرية والأمنية والمعلوماتية والسياسية والتجارية والاقتصادية، فضلًا عن تبادل للخبرات وعرض النماذج الناجحة لمواجهة فيروس كورونا ما بين البلدين، والتي شهدت طفرة نوعية خلال الأعوام الأخيرة، فضلاً عن مواصلة المشاورات والتنسيق المتبادل حول عدد من الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
كما التقى السيد الرئيس على هامش أعمال القمة مع عدد من رؤساء الدول والحكومات على المستوى الدولي والإقليمي، لتعميق الدلالة حول ملفات الأمن القومي المصري ودوائر الاهتمام المصرية وخلق نوع من الرؤى المشتركة حول القضايا ذات الاهتمام المشترك الإقليمية والدولية، والتي ظهرت في لقاءات الرئيس والسيد أرمين سركيسيان رئيس جمهورية أرمينيا وهو اللقاء الثاني في أقل من شهر في ضوء تغير شكل القوى الدولية، وفتح علاقات الصداقة لخلق نوع من توازن القوى الدولية في القضايا ذات الاهتمام المشترك، بالإضافة إلى لقاءه مع المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل، والسيدة أورسولا فون دير لاين رئيس المفوضية الأوروبية.
هذا إلى جانب الدور المحوري المصري مع دول مجلس التعاون الخليجي، فالتقى الرئيس السيسي والشيخ صباح الخالد الصباح رئيس مجلس الوزراء الكويتي، والأمير تميم بن حمد آل ثان أمير دولة قطر. وعن الموقف المصري تجاه البلاد التي تشهد نوعًا من الحراك والأزمات والتي يساندها الجانب المصري في إطار دعم مؤسسية الدول والحفاظ على حقوقها في ظل القانون الدولي، التقى الرئيس والسيد نجيب ميقاتي رئيس الوزراء اللبناني والسيد محمد اشتية رئيس الوزراء الفلسطيني والسيد عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة الليبية.
وينطلق الموقف المصري في الإقليم في إطار الحفاظ على استعادة مفهوم وأركان الدولة الوطنية والحوار السياسي ودعم مؤسسات الدول وتعزيز قدرة جيوشها الوطنية، وحكوماتها المركزية، بما يساهم في تقويض الجماعات المسلحة والمتطرفة وحماية حدود الدول، وبالتالي الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية على اعتبار مصر ركيزة محورية لاستقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط، وهو ما ظهر في لقاء الرئيس السيسي ومستشار النمسا ألكسندر شالنبرج، في ظل العلاقات الجيدة بين البلدين والتي ظهرت في اللقاءات الثنائية رفيعة المستوى بين البلدين خلال الفترة الأخيرة، وتم التطرق كذلك إلى تطورات القضية الفلسطينية وسبل إحياء عملية السلام على أساس المرجعيات الدولية.
سد النهضة وندرة المياه على رأس الأجندة المصرية بجلاسكو
يعد لقاء الرئيس السيسي والسيد مارك روته، رئيس وزراء هولندا، بمثابة أيقونة تبرز دور مصر كبوابة أفريقية، من خلال تعزيز سبل التعاون الثلاثي بين مصر وهولندا في أفريقيا لدعم التنمية في القارة، وإمكانية توطين الاستثمارات الهولندية في مصر في ظل المناخ المشجع للاستثمار وكون مصر بوابة للتصدير للقارة الأفريقية.
هذا بجانب التباحث حول آخر المستجدات على صعيد الملفات والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وتأكيد رئيس وزراء هولندا على حرص بلاده على تعزيز التعاون مع مصر لصون السلم والأمن الإقليميين في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، في ضوء الجهود المصرية المبذولة التي تؤكد على ضرورة الوصول إلى حلول سياسية لمختلف الأزمات الذي يمر بها محيطها الإقليمي المضطرب بما يساهم في عودة الاستقرار والأمن للدول.
كما يدل اللقاء على عمق التحرك المصري في قضايا المناخ وخاصة في إدارة المياه لمواجهة ندرة المياه في ظل التعاون القائم بين البلدين في هذا المجال، والاستفادة من الخبرات الهولندية في المشروعات المرتبطة بأنظمة الري والزراعة، وإدارة الموانئ وتعزيز التعاون القائم بين قناة السويس وميناء روتردام، هذا غير بحث سبل دفع العلاقات بين البلدين في المجالات ذات الاهتمام المشترك، خاصة التبادل التجاري والسياحة والهجرة.
وعن أزمة سد النهضة، ظهرت الدبلوماسية المصرية والتحركات السياسية في حلحلة القضية وتوضيح الموقف المصري للعالم في لقاء الرئيس السيسي بمقر إقامته مع مستشار النمسا ألكسندر شالنبرج، واللذان استعرضا التطورات المتعلقة بقضية سد النهضة في ضوء ما توليه مصر من أولوية قصوى تجاه حقوقها التاريخية في مياه نهر النيل، باعتبارها قضية وجودية تستوجب قيام المجتمع الدولي ببذل كافة الجهود الممكنة من أجل التوصل لاتفاق قانوني مُلزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد على نحو يحفظ الأمن المائي لمصر، خاصة في ضوء ما تضمنه البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن الدولي بشأن السد، وهو ما جاء على لسان المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية السفير بسام راضي.
كما اشتملت التحركات على لقاء الرئيس السيسي والرئيس “فيليكس تشيسيكيدي”، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، والرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي الذي يعد بمثابة تأكيد على الدعم المصري لإنجاح الكونغو خلال فترة رئاستها لتحقيق التطلعات التنموية للقارة الأفريقية والترويج لقضاياها ومواقفها في المحافل الدولية، هذا إلى جانب مساعي الكونغو لتسوية أزمة سد النهضة في ظل رؤيتها القائمة على العودة لطاولة المفاوضات للتوصل لاتفاق ملزم قانونًا بشأن ملء وتشغيل السد، تحت مظلة الاتحاد الأفريقي بما يتسق مع البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن الدولي وهو ما يتسق مع الموقف المصري.
ختامًا، جاءت المشاركة المصرية في قمة المناخ في ضوء الدور المصري المحوري الإقليمي والأفريقي، واعتبارها بوابة العالم للقارة السمراء، من خلال تسليط الضوء على التحديات التي تواجه القارة الأفريقية، وطرح الحلول وسبل تعزيز جهودها لمواجهة تلك التغيرات، في ظل فجوة التمويل، هذا إلى جانب اللقاءات الثنائية التي لم تنس القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك في ضوء الرؤية المصرية للحفاظ على أركان الدول الوطنية ومؤسساتها، ولم تخلو الأجندة المصرية من توضيح الرؤية المصرية في قضية سد النهضة والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المائية في ظل ما يتعرض له العالم من تغيرات مناخية قد تؤثر على إدارة المياه عالميًا تحتاج لتكاتف الجهود الدولية للحفاظ على الموارد المائية الوطنية للدول.
باحثة بالمرصد المصري