مصر

كيف نقرأ دلالات وانعكاسات إنهاء حالة الطوارئ في مصر؟

سنوات شاقة وطريق طويل عاشتها مصر في سبيل الوصول لإلغاء حالة الطوارئ بظروفها الاستثنائية؛ تضحيات كبيرة من المصريين ودماء سالت من شهداء الوطن من الجيش والشرطة، وخطوات وإجراءات كثيرة اتُخذت في سبيل الإصلاحات الاقتصادية والتنموية الشاملة، بالإضافة إلى الحالة الأمنية التي باتت مستقرة وآمنة، مما يسمح للجهات الأمنية باتخاذ ما يلزم لمواجهة الإرهاب وحفظ الأمن دون اللجوء إلى قرارات الطوارئ الاستثنائية.

ما هي حالة الطوارئ؟ وماذا يعني إلغاء العمل بها؟

حالة الطوارئ هي وسيلة تلجأ إليها كافة الدول وليس مصر فقط عندما يتعرض أمنها واستقرارها للتهديد فتستخدم حالة الطوارئ لإعادة الاستقرار. ووفقًا لأحكام الدستور المصري فإنه عندما تعلن حالة الطوارئ ويستدعى قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 لتطبيق أحكامة يترتب على ذلك منح رئيس الجمهورية سلطات استثنائية بأن يتخذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام، ويسمح لأجهزة الدولة أن تتخذ الإجراءات المناسبة بحظر كافة أشكال التجمع والتظاهر إذا ثبت وراء ذلك خطورة قد تمس الأمن الوطني أو تنال من استقرار البلاد أو أمن المواطنين.

ويمنح قانون الطوارئ للجهات الأمنية اتخاذ ما يلزم لمواجهة أخطار الإرهاب، وحفظ الأمن بجميع أنحاء البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين. ووفقا للدستور أيضًا، فإن الحالات التي يتوجب الاستناد إليها لفرض الطوارئ تشمل الحرب أو حالة تهدد بوقوع حرب، وحدوث اضطرابات داخلية أو كوارث عامة أو انتشار وباء، مما يعني تعرض الأمن العام في أراضي الجمهورية أو مناطق منها للخطر.

وفي هذه اللحظة يكون قد مر 7 عقود على تطبيق حالة الطوارئ بمصر؛ إذ تم تطبيقه لأول مرة عام 1952 عقب حريق القاهرة، واستمر حتى تم إلغاؤه في الستينيات، وعاد عقب نكسة 1967، ثم ألغاه الرئيس السادات ليعود عقب اغتياله عام 1981، ويستمر طوال فترة الرئيس مبارك. ثم ألغي العمل به بعد أحداث يناير، وتم رجوع فرض حالة الطوارئ لمدد قصيرة، أما بعد ثورة 30 يونيو وخلال فترة حكم الرئيس السيسي البلاد فكان هناك ضرورة لفرض حالة الطوارئ جراء ما حدث من فوضى عارمة في سيناء التي كانت بوابة مفتوحة للإرهاب، ومهاجمة مؤسسات، وإحداث فتنة طائفية.. إلخ.

فتم استدعاء إعلان فرض حالة الطوارئ لأول مرة في عهد الرئيس السيسي في 25 أكتوبر 2014، على مناطق معينة في شمال سيناء، بعد الهجوم الإرهابي على تمركز “كرم القواديس” الأمني في مدينة الشيخ زويد شمال سيناء، ما أسفر عن استشهاد وجرح عشرات الجنود، وفي أبريل 2017 أعلنت مصر فرض حالة الطوارئ للمرة الأولى في عهد السيسي على كامل أنحاء الجمهورية، وذلك في أعقاب حادث تفجير كنيستي مارجرجس بطنطا والمرقسية في الإسكندرية بشكل متزامن، واللذين أوقعا عشرات الأشخاص بين قتيل وجريح، ومنذ ذلك الحين، تم تمديد حالة الطوارئ، الذي كان يجرى كل ثلاثة أشهر.

وخلال فترة تطبيق حالة الطوارئ/ تم تفعيل قانون الطوارئ الذي ينص على نظام قضائي خاص هو محاكم أمن الدولة طوارئ “للجنح”، ومحاكم أمن الدولة العليا طوارئ “للجنايات”، والتي لا يجوز الطعن على أحكامها، ولا تكون هذه الأحكام نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية.

أما الآن وقد تم إلغاء حالة الطوارئ، فلن يقف أي مصري أمام محكمة أمن دولة طوارئ سواء جزئية أو عليا، علمًا بأنه وفقًا للمادة 19 من قانون الطوارئ والتي تنص على أنه عند انتهاء حالة الطوارئ، تظل محاكم أمن الدولة قائمة؛ حيث إن القضايا التي صدرت بها أحكام عن محاكم أمن الدولة طوارئ والتي بالفعل ينفذ المحكوم عليهم العقوبة فيها، لا يتم إلغاء الأحكام التي أدينوا بها، وأيضًا تختص بنظر القضايا التي تكون قد أحيلت إليها في ظل حالة الطوارئ، وتتابع نظرها وفقًا للإجراءات المتبعة أمامها. 

والمتهمون الذين صدرت بحقهم أحكام من محكمة أمن الدولة طوارئ ولم يصدق على الأحكام بالنسبة لهم حتى الآن يظلوا خاضعين للتصديق الذي نص عليه قانون الطوارئ وفقًا لما هو منصوص عليه في المواد 17- 18- 19- 20 من قانون 162 لسنة 1958. أما الجرائم التي تكون قيد التحقيق ولم يُحل المتهمون فيها إلى المحاكم، ولم تتصرف النيابة العامة بشأنهم ففي هذه الحالة تحال إلى المحاكم العادية المختصة.

دلالات إلغاء حالة الطوارئ

  • إعلاء القيادة السياسية لمصلحة الوطن والمواطن:

بموجب القانون والدستور في حالة الطوارئ والإضرار بأمن مصر يمتلك رئيس الجمهورية سلطات استثنائية تقلص من الحقوق والحريات الدستورية، ولكن وفق ما آلت إليه مصر من أمن واستقرار الآن وبإرادة منفردة من القيادة السياسية، قرر الرئيس السيسي تقييد هذه الاستثناءات، فالآن حين تحققت ضمانة أمن الوطن انتفت الإجراءات الاستثنائية ويستطيع المواطن أن يتمتع بكافة حقوقه دون قيد أو شرط، وهذا ما اتضح جليًا في إشادة الرئيس بالمصريين وأنهم كانوا عنصرًا أساسيًا في إلغاء حالة الطوارئ بصبرهم وتقبلهم للإجراءات الاستثنائية، وتحملهم لمحن الوطن وتعثراته، من منطلق أن دفع الضرر عن الوطن مقدم على جلب المنفعة لهم.

  • استعادة الأمن:

لم يكن ليتم إلغاء حالة الطوارئ في مصر بعد فرضها لمدة تزيد عن 7 سنوات عانت مصر فيها من ويلات الإرهاب التي أسفرت عن مزيد من الخسائر البشرية من شهداء مصر الذين ضحوا بأنفسهم من أجل صمود الوطن وسلامته؛ بدون تقديرات الجهات السيادية والأمنية وتأكيدهم أن الدولة ماضية في فرض الأمن والاستقرار دون الحاجة لإجراءات استثنائية. الأمر الذي يؤكد للعالم كله أن مصر آمنة وماضية في تحقيق التنمية، كما يضع مصر في مصاف الدول المستقرة أمنيًا، وذلك بعد النجاحات الكبيرة التي حققتها أجهزة الأمن في القضاء على البؤر والخلايا الإرهابية، ما يعني انتصار الدولة بشكل حاسم في معركتها ضد النيل من أمن واستقرار الوطن.

انعكاسات إلغاء حالة الطوارئ

  • على الوضع السياسي وحقوق الإنسان:

انتقدت دول أجنبية كثيرة الأوضاع السياسية وحقوق الإنسان، دون الأخذ في الاعتبار الظروف غير الطبيعية التي كانت تمر به الدولة المصرية والتي استدعت فرض ظروف استثنائية، واليوم تشيد هذه الدول بقرار إلغاء مد حالة الطوارئ الذي جاء بناءً على استقرار الأوضاع الداخلية الأمنية والسياسية والاجتماعية، الوضع الذي يمكن القوانين الاعتيادية من السيطرة على أي خروج عن القانون.

كما نجد أن قرار إلغاء حالة الطوارئ يتكامل مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي تم إطلاقها مؤخرًا وفق رؤية مصرية خالصة نابعة من متطلبات الواقع المصري، فبذلك القرار سيتم رفع أي قيود تفرض على الأشخاص بكافة أنحاء الدولة المختلفة، بجانب إلغاء فرض حظر التجوال بالمحافظات لأي سبب، مما سيعزز الحقوق السياسية والمدنية والشخصية من جهة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى تحت لواء منظومة أمنية قادرة على فرض وتحقيق الأمن والاستقرار.

  • على الوضع الاقتصادي:

إلغاء حالة الطوارئ له مردود إيجابي على مناخ الاقتصاد في مصر، لأنه يعطي صورة إيجابية لدى العالم بأن مصر لا تعاني من أي اضطرابات سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الأمني وأن استثماراتهم في مصر آمنة، ما يعزز من جذب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر، بجانب أنه سيجعل السياحة أكثر حراكًا وجذبًا مما يؤدي إلى تدفق النقد الأجنبي المباشر الذي يؤثر بشكل رئيس على ميزان المدفوعات. 

وسينعكس قرار إلغاء حالة الطوارئ أيضًا على الاستثمارات في قطاع السياحة والذي يتأثر بشكل كبير بالأنماط السياسية الموجودة في البلاد، وقد كان لهذا القرار ردود أفعال واسعة وإشادات من دول ومنظمات إقليمية ودولية، الأمر الذي سيكون له مردود مباشر على زيادة تدفق الأفواج السياحية.

ختامًا، إن قرار إلغاء حالة الطوارئ يعد خطوة أخرى مهمة من الخطوات نحو الجمهورية الجديدة بعد المشروع القومي التنموي “حياة كريمة”، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان. وكذا، يعد إسكاتًا لجميع المغرضين والمحرضين الذين ظلوا يستغلون تطبيق حالة الطوارئ لمهاجمة الدولة المصرية بأنها تمنع الحريات، علمًا بأن محكمة أمن الدولة طوارئ تتكون من قضاة عاديين، ولكن الفرق بينها وبين القضاء العادي في أن الأحكام غير قابلة للطعن عليها، إذ إنها تقدر باعتبارات حالة الطوارئ بأنها استثنائية.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى