مصر

“الأبد هو الآن”.. عندما تمتزج الحضارة المصرية القديمة بالفن المعاصر

بمشاركة نخبة من الفنانين المصريين والعالميين وخبراء ومؤسسات فنية رائدة في العالم، وتحت رعاية وزارتي “الآثار والسياحة” و”الخارجية” ومنظمة اليونسكو، وبدعم من سفارات الولايات المتحدة وسويسرا وفرنسا في مصر والمجلس الثقافي البريطاني، انطلق معرض”D’Égypte” في نسخته الرابعة للعام الثالث على التوالي وهو أول معرض للفن المعاصر على هضبة الأهرامات بالجيزة التي يمتد تاريخها لأكثر من 4500 عام.

التأثير العالمي العميق لمصر

يعتبر هذا المعرض بمثابة نقلة عالمية، فهو معرض فني دولي يعكس التأثير العالمي العميق لمصر القديمة ويعتمد على الشمولية المستمرة للممارسات الثقافية المعاصرة. سواء مارسه المصريون القدماء أو الفنانون المعاصرون، فإن صناعة الفن تسمح لجيل واحد بأن يشهد للحاضر ويتحدث إلى الجيل الذي يليه. إنها مهمة لا هوادة فيها تعكس موهبة البشرية الدائمة في خلق الأعمال التي تلهم الخيال، والأعمال التي تكشف عن عجب الإنسانية نفسها، وثباتها، من خلال الفنون

.

الثقافة المصرية هدية للبشرية

لطالما شعر الغرب بالرهبة من هذه الحضارة العريقة غير العادية، التي أثرت في الأجيال بالاكتشافات المتعددة في العلوم والفنون والرياضيات والعدالة الاجتماعية والتنمية الثقافية والابتكار، إن “مصر” الحضارة تمكنت من اختراع وبناء آثار لا يمكننا كبشر حتى يومنا هذا أن نفهمها ولم نتمكن من تكرارها. لذا تعد الثقافة المصرية بمثابة هدية للبشرية، والغرض من هذا المعرض هو عرض هذه الكنوز بشكل معاصر على المستوى الدولي لبقية العالم. 

يمثل المعرض دمجًا للتراث القديم والفن المعاصر في أقدم وآخر ما تبقى من عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، والتي بقيت اليوم كموقع تراث عالمي لليونسكو. يشارك في المعرض بعض الخبراء والمؤسسات الرائدة في العالم، مع خبرة ومعرفة على مدى قرون في علم المصريات والتاريخ الأثري للهضبة، والتاريخ القديم لأهرامات الجيزة الكبرى، وتستمر فعاليات معرض «الأبد هو الآن» الذي تم افتتاحه في منطقة أهرامات الجيزة حتى 7 نوفمبر القادم، ويتضمن أعمال فنية تعرض لأول مرة لفنانين محليين وعالميين.

وهذه هي المرة الرابعة التي تختار فيها Art D’Égypte موقعا تاريخياً فريداً في مصر لمعرضها، حيث شهدت نسخة عام 2017 إقامة المعرض الأول في المتحف المصري بميدان التحرير، وانتقلت في نسخة 2018 إلى قصر ومتحف المنيل، ثم جرى تنظيم المعرض في شارع المعز العريق في العام 2019 وهو أحد مواقع اليونسكو للتراث العالمي في القاهرة التاريخية.

الأعمال العالمية المشاركة

يشارك في المعرض 10 من أبرز وأشهر الفنانين المعاصرين على مستوى العالم من بينهم: الفنان الروسي ألكسندر بونوماريف، والفنانة الأمريكية جيزيلا كولون، والفنان البرازيلي هواو تريفيسان، والفنان الفرنسي جي آر، والفنان الإيطالي الأمريكي لورينزو كوين، والفنان المصري معتز نصر، والفنانة المصرية المقيمة في لوس أنجلوس شيرين جرجس، بالإضافة إلى الفنانين البريطانيين شوستر موسلي، وستيفن كوكس را، والفنان السعودي الأمير سلطان بن فهد.  وتضم أعمالهم مجموعات من أجمل قطع التركيبات التي تدمج التراث القديم مع الفن المعاصر في محيط أقدم وآخر عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، والتي نراها اليوم باقية كموقع تراثي عالمي لليونسكو.

شيرين جرجس صاحبة عمل فني يحمل اسم “لقد عدت هنا”، وبحسب الموقع الرسمي للمعرض فإنه نصب تذكاري يعد تكريمًا للتاريخ الطويل للمرأة التي رفعت ودعمت المجتمع والثقافة المصرية بمرور الوقت.

شكل التمثال مستوحى من شكل “سيستروم” القديمة، وهي آلة موسيقية مقدسة استخدمتها كاهنات إيزيس أثناء طقوس وعمليات الشفاء والتطهير، ومنقوشة بأنماط فرعونية وتحمل أجزاء من قصيدة للشاعرة المصرية درية شفيق، ارتفاع القطعة من الرمال يدعو الجمهور إلى تذكر قوة عملهن، وعند رؤيته فإنه يخلق إحساس بالنداء والاستجابة من الحاضر إلى الماضي كأنه صدى عبر الزمن.

وتم ربط العمل الفني برائحة زيت الياسمين المستخرج من المزارع المصرية المحلية حيث تعمل النساء في حصد الازهار، إذ يكون الصوت والرائحة بمثابة صدى للطقوس التي تم إجراؤها في المكان نفسه منذ عدة قرون.

الفنان التشكيلي لورينز أنتوني كوين والذي شارك بأعمال كثيرة في كثير من الدول، وعبر عن العديد من الأفكار مثل الصلابة والصمود ولكنه يعتبر مشاركته في هذا المعرض مختلفة تماما لأنه يشارك بعمل في قلب التاريخ والعراقة، ولست موجودًا للتنافس مع أقدم الحضارات في العالم.
فكرة عمل نجل الفنان العالمي أنتوني كوين التي تجسد التقاء اليدين تشبه الأهرامات في شموخها، وقد استخدم خامات شفافة حتى لا يحجب رؤية المشهد الأثري، وهذا العمل مكوّن من 36 ألف قطعة حديد، واستغرق تنفيذه 9 أشهر.

شارك فنان الشارع جي آر ف بالمعرض أيضًا، من خلال دمج صور بأماكن، وتأتي مشاركته في المعرض بمصر بعد مشاركات دولية في شوارع العالم، من ضواحي باريس إلى الأحياء الفقيرة في البرازيل وشوارع نيويورك، إذ يجذب انتباه الأشخاص الذين ليسوا من زوار المتحف.

وعبر الفنان لورينزو كوين عن مشاركته بالمعرض بسبب حبه للفن المصري القديم، ولطالما اقتنع أن الفن لديه القدرة على خداع الموت وجعل الشخص خالدًا، ويقول: “عندما اقتربت من إمكانية عرض إحدى منحوتاتي أمام أروع إبداعات البشرية الخالدة، كان ذلك بمثابة حلم تحقق.. أدركت أيضًا أنها كانت مهمة شاقة لأنه لا يوجد فنان على وجه الأرض اليوم يمكنه أن يساوي جمالها وكمالها”. وصمم منحوتة خاصة بموقع الأهرامات المصرية القديمة، وهي منحوتة تحدد العلاقة البشرية عبر الزمن لأن في رأيه البشر مهووسون بالوقت، ومع ذلك هناك أماكن على الأرض لا يزال الوقت فيها ثابتًا.

وشارك الفنان معتز ناصر في المعرض بعمل فني أطلق عليه اسم “برزخ”، والفنان أليكساندر بونوميراف بعمل فني يسمى “أوروبوروس”، وعمل “الخلود” للفنانة جيزيلا كولون.

وجهة ثقافية متميزة وبلد سياحي آمن

ليس هناك أبدع من أهرامات الجيزة أحد أعظم الآثار في العالم والتي تعبر عن الحضارة المصرية، وواحدة من عجائب الدنيا السبع، لتستضيف مثل هذا الحدث الفني والثقافي العالمي، إذ يتماشى هذا الحدث الفني المميز مع رؤية واستراتيجية مصر للمشروع الذي يجمع بين أصالة الماضي وتطور وجمال الحاضر، والتكنولوجيا والمعرفة.

وإيمانًا بأن بلدنا وأهلنا من المصريين يستحقون التعبير عنهم بذلك الفن الممزوج بالأصالة والتكنولوجيا، لذا فمصر تساند مثل تلك الفعاليات التي تعد واحدة من أهم وسائل التواصل مع المجتمعات والثقافات الاخرى بشكل كبير، والتي تسهم في الترويج لها كوجهة ثقافية وفنية متميزة، وكذلك الترويج للمعالم السياحية المصرية العريقة، مما يساعد على تنشيط القطاع السياحي.

دور الشركات الراعية

ترعى “أورنچ مصر” مصر الحدث الفني ضمن أنشطتها المتواصلة للمسؤولية المجتمعية، وفي ظل اهتمامها الكبير بدعم الفعاليات الثقافية التي تبرز التأثير العالمي العميق لمصر ويرسخ من مكانتها الدولية كعاصمة للفن والثقافة والجمال والحضارة، وحرصت على تقديم جميع أشكال الدعم للمعرض الفني الدولي Art D’Égypte كونه نسخة 2021 تجسد الفنون التي مارسها المصريون القدماء إلى جانب أعمال الفنانين المعاصرين، بما يسمح بحوار فني راقي بين الأجيال وإلهام خيال الحضور بباقة من الأعمال التي تكشف تنوع الإنسانية وتعدد ثقافاتها.

وسيتسنى للحضور الوصول إلى الإنترنت عبر شبكة واي فاي مجانية توفرها “أورنچ مصر”، كما تسهل الشركة على زوار المعرض التعرف على جميع تفاصيل الحدث وفعالياته عبر تطبيق خاص من تطوير مختبرات أورنچ (أورنچ لاب).

كما قامت شركة أوراسكوم بيراميدز للمشروعات بعمل مخطط تفصيلي بالتنسيق مع المجلس الأعلى للآثار ووزارة السياحة والآثار لتطوير منطقة الزيارة، لتشمل خدمات للزائرين ومنها تشغيل ساحات انتظار للسيارات والحافلات السياحية وتوفير وتشغيل أتوبيسات كهربائية لنقل الزائرين لمناطق الزيارة داخل هضبة الأهرامات ومجمع المطاعم ومظلات بالأماكن المكشوفة، وتوفير عيادة للإسعافات الأولية للزائرين وكذلك عربة كهربائية لنقل المترددين على العيادة وتصميم وتنفيذ أكشاك بيع الهدايا والتذكارات. 

وعلى هامش فاعليات معرض “الأبد هو الآن”، تقدم “آرت دي إيجيبت” أيضاً أول إنسان آلي فائق الواقعية في العالم، حيث يمكنه الرسم والنحت والمشاركة في تنفيذ أعمال فنية. تم برمجة الأجزاء والتقنيات في ذراع هذا الروبوت الذي يحمل اسم “Ai-Da” بواسطة الطالبين المصريين بجامعة “ليدز” “صلاح العبد” وزياد عباس”. وسوف تقدم “آرت دي إيجيبت” الأعمال الفنية التي نفذها الروبوت في المعرض الذي ينطلق من الحادي والعشرين من أكتوبر ولمدة يومين، لكن أعمال الروبوت سوف يستمر عرضها حتى الثامن والعشرين من نفس الشهر.

الآن.. وإلى الأبد

المعرض العالمي المقام على الأرض المصرية الساحرة هو بمثابة مصدر لإلهام الفنانين، فهو يعرض كيف كانت مصر القديمة، وكيف أثرت على الفن والفنانين من جميع أنحاء العالم، فهذا المعرض هو رسالة أمل للبشرية وتكريم متواضع للحضارة التي تصمد أمام اختبار الزمن، ولذا ومن خلال الفن، فإننا نأتي بالعالم إلى مصر.. ومصر إلى العالم.

Website |  + posts

باحثة بالمرصد المصري

مي صلاح

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى