
تصاعد استهداف “داعش-خراسان” لشيعة أفغانستان.. “رسائل ودلالات”
في أحدث هجماته على الأراضي الأفغانية، تبنى تنظيم “داعش-خراسان” يوم الجمعة (15 أكتوبر 2021) تفجيرا انتحاريا على مسجد للشيعة في مدينة “قندهار” الأفغانية؛ أسفر عن مقتل 62 شخصاً على الأقل، وإصابة 70 آخرين.
ويأتي هذا الهجوم بعد أسبوع من وقوع هجوم آخر مُماثل تبناه التنظيم، استهدف مسجد “سعيد آباد” الشيعي في مدينة “خان آباد” الواقعة بولاية “قندوز” شمال أفغانستان؛ وأسفر عن سقوط نحو 46 قتيلاً، وأكثر من 143 جريحاً على الأقل. ليُضاف بذلك إلى سلسلة الهجمات الدامية التي شنّها التنظيم مُستهدفاً من خلالها توجيه “ضربات استراتيجية” لحركة “طالبان” منذُ سيطرة الأخيرة على الحكم في أفغانستان (15 أغسطس 2021).
وفي هذا السياق، تحاول هذه ” الورقة ” تسليط الضوء على سلسلة الهجمات الأخيرة التي شنّها فرع تنظيم “داعش- خراسان” ضد الأقلية الشيعية، وما تتضمنه تلك الهجمات من رسائل ودلالات، تشي بأن التنظيم يتحرك بخطوات محسوبة نحو توسيع نطاق عملياته لتعزيز سيطرته على المناطق الجغرافية ذات الأهمية الاستراتيجية في أفغانستان.
دلالات الهجوم
ثمة دلالات مهمة للهجمات الأخيرة لتنظيم “داعش-خراسان” من حيثُ الزمان والمكان، نُسلط الضوء على أبرزها فيما يلي:
• تحول عملياتي ناحية الشمال والجنوب: كانت الهجمات السابقة لتنظيم “داعش-خراسان” تتركز غالباً في مناطق شرق البلاد والعاصمة كابول. لكن المُلاحظ من سلسلة الهجمات الأخيرة التي شنها التنظيم خلال الأسابيع الماضية، أنه بدأ يوسع نطاق هجماته، موجهاً بوصلته إلى استهداف مناطق استراتيجية في شمال وجنوب البلاد، وهو ما يحمل معه عدة دلالات مهمة، كالتالي:
- أولاً: استهداف تنظيم “داعش-خراسان” ولاية قندوز شمال البلاد، وولاية قندهار في الجنوب يشي بأن التنظيم يرغب في إيجاد موطئ قدم له في منطقتين ذات أهمية استراتيجية كبيرة عسكرياً واقتصادياً. فمن ناحية تتمتع ولاية قندوز بموقع جغرافي جعلها ممرا تجاريا مهما في منطقة وسط آسيا، كما تُشكل منفذاً إلى المقاطعات الأفغانية الشمالية الغنية بالمعادن، وهو ما قد يستفيد منه التنظيم لتعزيز وجوده في أفغانستان. ومن ناحية أخرى تمتلك ولاية قندهار الجنوبية أهمية استراتيجية كمركز تجاري؛ حيثُ تُسيطر على الطريق التجاري الرئيسي الذي يربط شبة القارة الهندية بالشرق الأوسط وآسيا الوسطى. كما أن الولاية لها أهمية رمزية كبيرة لدى طالبان؛ إذ تُعد مسقط رأس الحركة، وبالتالي قيام فرع تنظيم “داعش” في أفغانستان بشن هجماته في هذه الولاية يرسل برسالة إلى “طالبان” بأنه قادر على ضربها في عقر دارها.

- ثانيا: التركيز على استهداف مساجد للأقلية الشيعية، قد يكون بادرة لإشعال شرارة حرب طائفية قد تنزلق معها أفغانستان نحو مزيد من الفوضى، وبالتالي ينجح “داعش” في إظهار عجز حكومة “طالبان” عن توفير الأمن للأقليات ولكافة أطياف الشعب الأفغاني.
• دلالة التوقيت: ليست هذه المرة الأولى التي يشن فيها “داعش” هجماته ضد الشيعة الأفغان، فمنذ تشكيله في أفغانستان عام (2015)، شن التنظيم العديد من الهجمات الدامية ضد الأقلية الشيعية في البلاد. ولكن تنفيذ سلسلة الهجمات الأخيرة في الوقت الراهن يحمل ثلاث دلالات: الأولى، هي حرص تنظيم “داعش” على استغلال حالة “الفراغ الأمني” الذي تعيشه أفغانستان حالياً منذ سقوطها في قبضة حركة طالبان، لشن هجماته تمهيداً لتأسيس قاعدة ارتكاز محتملة لقيادة أفرعه بعد تراجعه في معاقله التقليدية بسوريا والعراق. والثانية، هي أن هجمات “داعش” الأخيرة استهدفت الشيعة ميدانياً، لكنها تهدف بالأساس إلى ضرب طالبان سياسياً. وبمعنى آخر، تأتي هذه الهجمات لتفرض تحدياً أمنياً كبيراً أمام حكومة طالبان الجديدة التي تواجه بالفعل جُملة من الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية منذُ تشكيلها في سبتمبر (2021). والثالثة، هي أن هذه الهجمات تأتي بالتزامن مع تكثيف طالبان لتحركاتها الخارجية لنيل الدعم الإقليمي والدولي لحكومتها الجديدة، وبالتالي يهدف “داعش” من خلال هجماته الدامية التي كانت تسير بوتيرة متسارعة خلال الأسابيع القليلة الماضية، إلى تقويض مساعي حكومة طالبان لكسب ثقة الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي، الذي يعوّل على الحركة لضمان عدم تحوّل أفغانستان إلى بؤرة لنشر الإرهاب وعدم الاستقرار في المنطقة.
ولعل دعوة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، أمس، بعدم التسرع في الاعتراف الرسمي بحركة طالبان في أعقاب هجوم قندهار، مؤشرا على أن القوى الإقليمية والدولية ستعيد النظر مرة أخرى بحذر شديد في ثقتها بقدرة طالبان على إرساء الأمن والاستقرار في أفغانستان.
• دلالة اختيار هوية مُنفذ “هجوم قندوز”: الانتحاري الذي نفذ الهجوم على مسجد “إسلام آباد” بقندوز يُدعى “محمد الإيجوري”، وهو ينتمي إلى أقلية مسلمي الإيجور، التي تعيش في إقليم “شينجيانج” المتاخم للشريط الحدودي الضيق بين أفغانستان والصين. وربما يعد اختيار “داعش” لهوية منفذ الهجوم من أقلية الإيجور إشارة واضحة إلى أن التنظيم يُخطط مستقبلاً لاستقطاب عناصر هذه الأقلية التي كانت مُقربة من حركة طالبان، ولكنها باتت تعيش الآن حالة من الرعب خوفاً من قيام الحركة بترحيلهم إلى الصين في إطار “النهج البراجماتي” الذي يحكم تصرفاتها للتقرب من بكين.
هل تستطيع طالبان مواجهة “داعش-خراسان”؟
على الرغم من ملاحقة القوات الخاصة التابعة لحركة طالبان، عناصر تنظيم” داعش-خراسان” بعد كل هجوم، إلا أن الأخير لايزال قادراً على القيام بعمليات فادحة، يذهب ضحيتها عشرات سواء ممن ينتمون إلى الحركة، أو المدنيون الأفغان. وفي السياق ذاته يمكن القول بأن طالبان في الوقت الراهن قد يكون لديها القدرة على شن “هجمات مضادة” لهجمات “داعش”، لكنها تعجز عن توجيه “ضربات استباقية” للحيلولة دون وقوع مثل هذه الهجمات.
ويمكن إيعاز عدم قدرة حركة طالبان على مواجهة “داعش” في الوقت الراهن إلى عدة عوامل: الأول، هو أن الحركة لا تمتلك منظومة أمنية قوية ومتناغمة من جيش وشرطة واستخبارات وغيرها، يمكنها تتبع تحركات التنظيم، والحيلولة دون تنفيذ هجماته قبل وقوعها. والثاني، هو أن طالبان ليست مُتفرغه حالياً لمواجهة التحديات الأمنية فقط؛ فثمة تحديات أخرى تُؤرق الحركة وتضع حكومتها أمام اختبار حقيقي حول قدرتها على إدارة الدولة الأفغانية، أبرزها: مواجهة الانهيار الاقتصادي، ومحاولة كسب ثقة الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي والحيلولة دون سقوط البلاد في براثن حرب أهلية. والثالث، هو أن الحركة لا تمتلك حتى الآن استراتيجية واضحة لمكافحة الإرهاب، فضلاً عن افتقارها للموارد المادية اللازمة لإنشاء منظومة أمنية متكاملة. وقد أشرنا من قبل في مقالة بعنوان “عقبات قائمة .. ماهي التحديات التي تواجه حكومة طالبان الجديدة؟” إلى أن ما تمتلكه طالبان من موارد مادية يكفي فقط لبقائها كحركة مسلحة على الساحة الأفغانية، لكنها لا تكفي بالتأكيد لتمويل إنشاء جيش وأجهزة امنية نظامية قادرة على إرساء الأمن والاستقرار في البلاد.
وبناء على ما سبق، ليس لدى “طالبان” ما يؤهلها للقضاء على تنظيم “داعش-خراسان” في الوقت الراهن، لذا من المتوقع أن يشن الأخير مزيدا من هجماته الدامية خلال الفترة المقبلة، ومن المتوقع أيضا أن تشهد الساحة الأفغانية تحركات جديدة من بعض القوى الإقليمية والدولية وعلى رأسها الصين، إيران وروسيا.
ختاما، يمكن القول إن تنظم “داعش-خراسان” يمثل تحديا كبيرا أمام حركة “طالبان”، كونها هي الجهة المسؤولة الآن عن الأمن والاستقرار في أفغانستان، بعد سيطرتها الكاملة على الحكم في البلاد. ولتحقيق هذا الأمر يتعين على “طالبان” العمل على كسب ثقة كافة أطراف الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي، والإسراع في العبور من المرحلة الانتقالية بالإعلان عن تشكيل كافة مؤسسات الدولية التشريعية والأمنية وغيرها؛ ومن ثم يتسنى لها التصدي للجماعات الإرهابية.
باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع



