الاقتصاد الدوليأوروبا

أزمة الوقود في بريطانيا… الأسباب والتداعيات

تفاقمت أزمة الوقود الحادة التي شهدتها المملكة المتحدة خلال الأيام الماضية والتي تمثلت أهم مشاهدها في تزايد الإقبال بشكل غير منطقي على محطات الوقود من أصحاب السيارات القلقين بشأن احتمالية نفاد البنزين وبناء على ذلك اضطرت العديد من المحطات إلى وقف البيع أو إغلاق أبوابها بسبب تهافت المواطنين على الشراء.

وتضاف أزمة وقود السيارات إلى عدة أزمات تتصاعد في بريطانيا في الآونة الأخيرة، أبرزها ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي التي ساهمت في ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء، بالتوازي مع مرور القارة الأوروبية بأكملها بأزمة نقص إمدادات الغاز الطبيعي حيث تواصل أسعار الغاز وفواتير الكهرباء الارتفاع بشكل غير مسبوق بما يهدد التعافي الذي تحاول الاقتصادات الأوروبية تسجيله عقب الركود الناتج عن الجائحة.

ملامح الأزمة

برزت أهم ملامح الأزمة الحالية في الطوابير الطويلة التي شهدتها عدة مدن بريطانية، ففي محطة في ليتون، أحد أحياء شرق لندن، اصطفت حوالي 50 سيارة يوم الإثنين الماضي فيما أمضى بعض المستهلكين قسطًا من الليل في انتظار التزود بالوقود. 

وعلى الرغم من تأكيد وزير النقل في الحكومة أن البلاد تمتلك كميات كافية من مشتقات البترول في مصافي التكرير ومنافذ الاستيراد، إلا أن رابطة منافذ التجزئة لبيع البنزين قد أعلنت أن أكثر من ثلثي المحطات في أنحاء البلاد فارغة من الوقود، فيما تعاني البقية من نقص حاد في أحد أنواع الوقود على الأقل.

واندلعت شجارات عند بعض ساحات محطات الوقود وسط تسابق السائقين للحصول على الوقود، وأظهرت صور على وسائل التواصل الاجتماعي إقبال بعض المواطنين على ملء زجاجات المياه القديمة بالبنزين.

ونتيجة لذعر المواطنين، فقد ارتفع الطلب على وقود السيارات خلال الأيام الماضية بنحو 500% تقريبًا ولا توجد أي توقعات بانتهاء التهافت على شراء الوقود قريبًا حيث تعاني محطات الوقود في عدة مناطق من نفاد الإمدادات.

أسباب ومؤشرات

أكدت الحكومة البريطانية أن أزمة الوقود التي تشهدها البلاد حاليًا لا تعود إلى نقص في الوقود أو المنتجات الاستهلاكية، وإنما نقصًا في سائقي الشاحنات المتاحين مما أدى إلى تعطيل عمليات تسليم الوقود.، وتقدر جمعية النقل البري، أن بريطانيا تعاني من نقص بلغ 100 ألف سائق شاحنة ثقيلة.

 وهو ما أثار التساؤل وسط الأوساط الإعلامية يدور حول “لماذا تعاني المملكة المتحدة من عجز في عدد سائقي الشاحنات؟”.

  1. أزمة كورونا:

كان لوباء كورونا تأثيرً ملموسًا على جميع المجالات والأنشطة في ظل تطبيق الإجراءات الهادفة لاحتواء انتشاره كالحجر الصحي وإغلاق الحدود وفرض حظر التجوال، وبناء على ذلك لم يكن قطاع الشحن بعيدًا عن متناول تداعيات تلك الإجراءات. وخلال عام 2020، غادر حوالى 14 ألف سائق أوروبي ولم يعودوا حتى الآن، وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني.

كما أسفر عن قواعد الحجر الصحي تأخر إصدار العديد رخص قيادة المركبات الثقيلة حيث صرح رئيس رابطة تجار البترول “براين مادرسن” أن هناك 40 ألف طلب معلق للحصول على تراخيص سوق مركبات ثقيلة من قبل البريطانيين.

وعلى صعيد آخر، تعطلت عملية تعيين سائقين جدد خلال الوباء فضلًا عن توقف عملية تدريبهم بسبب إغلاق مراكز التدريب  في نفس الوقت الذي تقاعد فيه السائقون الأكبر سنًا مما ساهم في تفاقم أزمة عجز السائقين.

  1. خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: 

يعتبر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ثاني أهم سبب في أزمة نقص سائقي الشاحنات، وفقًا لمسح لسائقي الشاحنات في بريطانيا تم إجرائه في يوليو شمل 615 سائقًا، حيث تسبب وباء كورونا في عودة العديد من السائقين إلى بلادهم ولكنهم لم يتمكنوا من العودة بسبب متطلبات التأشيرة التي فرضت بعد “البريكسيت”.

وقبل خروج المملكة المتحدة الفعلي من الاتحاد الأوروبي, سمحت حرية الحركة لسائقي الشاحنات من جميع أنحاء أوروبا بالعثور على وظيفة بمجرد وصولهم البلد، لكن قواعد الهجرة الجديدة المرتبطة بالخروج من السوق الموحدة أدت إلى تعقيد وصول هؤلاء السائقين الجدد، حيث أصبحت إجراءات الهجرة الجديدة أكثر تعقيدًا. 

تداعيات الأزمة

ترتب على أزمة الوقود في بريطانيا العديد من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية، والتي يٌمكن حصرها على النحو الآتي:

  1. تعديل سياسة الهجرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: 

قررت الحكومة تعديل سياسة الهجرة ومنح ما يصل إلى 10500 تأشيرة عمل موقتة في الفترة التي تتراوح بين أكتوبر وحتى ديسمبر للتعويض عن النقص الحاد في عدد سائقي الشاحنات وكذلك الموظفين في القطاعات الرئيسية للاقتصاد البريطاني. وكذلك، أعفت الحكومة قطاع موزعي الوقود مؤقتًا من قوانين المنافسة حتى يتمكنوا من إعطاء الأولوية للتسليم إلى المناطق الأكثر حاجة إليه.

  1. إغلاق عدد من محطات تزويد الوقود:

أعلنت شركة “بريتش بتروليوم ” إغلاق 20 موقعًا لضخ البنزين من إجمالي 1200 موقع تابع لها، بالإضافة إلى تأكيدها على تأثر ما يتراوح بين 50 إلى 100 موقع بنقص نوعًا واحدًا من الوقود على الأقل، كما أكدت شركة “إسو” أن بعض محطات الوقود التابعة لها قد طالتها بالأزمة، فيما كشفت سلسلة محلات التجزئة “تيسكو” عن تأثر اثنتين من محطاتها البالغ عددها 500 محطة.

  1. تزايد احتمالية الاستعانة بالجيش:

أفادت بعض التقارير الصحفية أن بريطانيا وضعت الجيش فى حالة تأهب بسبب الأزمة ، وكشفت إنها ستضع الآن عددًا محدودًا من سائقي الناقلات العسكرية في حالة استعداد للاستعانة بهم إذا لزم الأمر.

  1. ارتفاع أسعار البنزين:

أعلن مركز الأنشطة الإقليمية ارتفاع أسعار البنزين إلى أعلى مستوى لها في ثماني سنوات بسبب ارتفاع تكلفة بيع الوقود بالجملة، حيث قفز متوسط سعر لتر البنزين في جميع أنحاء المملكة المتحدة من 135.87 بنس يوم الجمعة الماضية إلى 136.59 بنس يوم الأحد، وهو أعلى مستوى منذ سبتمبر 2013.

  1. تراجع قيمة العملة المحلية:

انخفض الجنيه الإسترليني مقابل الدولار اليوم إلى أدنى مستوى في ثمانية أشهر ، حيث تصاعدت المخاوف من احتمالية أن تؤدي أزمة الوقود إلى تباطؤ حاد في النمو الاقتصادي بالتوازي مع ارتفاع التضخم.

  1. ارتفاع أجور السائقين: 

قفزت رواتب ومعاشات سائقي الشاحنات في بريطانيا إلى مستويات قياسية وأصبحت لأول مرة في تاريخ البلاد تتفوق على دخول ورواتب المحامين والأطباء والمديرين التنفيذيين وكبار الموظفين وأصحاب المهن العالية والمؤهلين، وذلك في الوقت الذي يتوقع أن تواصل فيه الارتفاع بسبب الظروف التي تشهدها البلاد.

وبحسب إعلان لسلسلة متاجر التجزئة “ويتروز” فإن الرواتب المعروضة من أجل استقطاب سائقين للشاحنات تزيد عن معدل رواتب المحامين والأطباء وبعض المديرين التنفيذيين، حيث يقدم المتجر ما يصل إلى  53.780 ألف  جنيه إسترليني كراتب سنوي لسائقي مركبات البضائع الكبيرة.

وخلاصة ما سبق أن أزمة الوقود التي تشهدها بريطانيا في الوقت الحالي قد لا تنتهي في الأجل القصير ولهذا أطلقت الحكومة العديد من التحذيرات بشأن تأثير عمليات الشراء المحموم للبنزين؛ إذ أكدت العديد من التصريحات أن الأزمة الحقيقية في البلاد لا تكمن في نقص الوقود ولكن في العجز المتواجد  في أعداد السائقين ونمط الشراء غير المبرر من المستهلكين.

+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

بسنت جمال

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى