دول المغرب العربي

تدابير استثنائية جديدة.. هل ينجح الرئيس التونسي في إتمام تغيير النظام؟

يكرس الرئيس التونسي قيس سعيّد بقراراته الأخيرة (22 سبتمبر) التي تتضمن تدابير استثنائية جديدة، وتعطيل العمل ببعض فصول الدستور، ومواصلة تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، وتشكيل لجنة لإعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية؛ من القطيعة مع النظام السياسي ما قبل قرارات (25 يوليو). وتمثل هذه القرارات خطوة متقدمة في مسار تغيير النظام التونسي بشكل كامل، وكتابة دستور جديد عوضًا عن دستور 2014.

تغيير بنيوي

يواصل الرئيس سعيّد الرهان على شعبيته التي زادت بشكل كبير بعد قرارات 25 يوليو والشعبية الآخذة في الانخفاض الحاد لكافة الأحزاب والنخب السياسية في إتمام المسار الذي بدأه بالانتقال إلى نظام سياسي جديد، ولذلك عمد في الكلمة التي ألقاها (20 سبتمبر) في مدينة سيدي بوزيد إلى التأكيد على أن الشعب هو صاحب السيادة، وإذا تعذر على الشعب ممارسة سيادته عبر الانتخابات والاستفتاء فقد تم السطو على إرادته، وأن التدابير الاستثنائية التي أصدرها في 25 يوليو وما تلاها إنما هي استكمال لمطالب الثورة التي انطلقت شراتها (17 ديسمبر 2010).

وكذلك الأمر في ديباجة التدابير الاستثنائية الأخيرة، مؤكدًا فيها أن “الدستور نص على أن الشعب هو صاحب السيادة، وحيث إذا تعذر على الشعب التعبير عن إرادته وممارسة سيادته والتعبير عنها في ظل الأحكام الدستورية السارية، تغلب السيادة على الأحكام المتعلقة بممارستها، وحيث عبر الشعب التونسي في أكثر من مناسبة عن رفضه للآليات المتعلقة بممارسة السيادة وطرق التعبير عنها، وحيث تعطلت دواليب الدولة وصار الخطر لا داهمًا بل واقعًا وخاصة داخل مجلس نواب الشعب، وحيث إن المبدأ هو أن السيادة للشعب وإذا تعارض المبدأ مع الإجراءات المتعلقة بتطبيقه يقتضي ذلك تغليب المبدأ على الأشكال والإجراءات.. يصدر الأمر الرئاسي الآتي نصه…..”. 

ويمكن وصف هذه التدابير الجديدة -التي كانت متوقعة إلى حد كبير- بأنها إعلان دستوري انتقالي مصغر يمثل تغييرًا جذريًا في بنية النظام السياسي التونسي وآلية تسيير الأمور داخل الدولة، لا سيّما وأنها تتضمن تعليق العمل بالدستور، ويجمع سعيّد بموجبها بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ويعطي نفسه حق إصدار مراسيم قانونية للنصوص ذات الصبغة التشريعية، وتنشر مباشرة في الجريدة الرسمية بعد مداولة مجلس الوزراء، وتكون غير قابلة للطعن بالإلغاء، وهو ما يعني أن البرلمان التونسي لن يعود لممارسة سلطاته من جديد حتى إجراء الانتخابات المبكرة.

وبالنظر إلى التدابير المتعلقة بالسلطة التنفيذية التي منحت صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، يمكن فهم لماذا تأخر سعيّد في اختيار رئيس حكومة حتى الآن؛ إذ كان يفتقد إلى إطار قانوني ودستوري يمكن من خلاله تعيين الحكومة، ولذلك آثر الانتظار حتى إصدار هذه التدابير الاستثنائية التفصيلية والتي تنص على أن الحكومة تؤدي اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية وتنفذ السياسة العامة للدولة في ضوء توجيهات رئيس الجمهورية، وتكون مسؤولة عن تصرفها أمامه.

وعمد سعيّد إلى طمأنة المجتمعين الدولي والمدني داخل تونس حول حالة حقوق الإنسان والمكتسبات التي حصل عليها التونسيون بعد ثورة 2011 فيما يتعلق بالحقوق والحريات، ولذلك استثنى البابين الأول والثاني من دستور 2014 واللذين يتعلقان بالحريات الفردية والعامة من قراره بتعليق العمل بالدستور، فضلًا عن التأكيد على أن مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية المزمع إعدادها بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي يجب أن تهدف إلى التأسيس لنظام ديمقراطي يضمن الحقوق والحريات العامة والفردية.

عقبات وتحديات

تبقى الخطوة المنتظرة من رئيس الجمهورية التونسية هي الإعلان عن التشكيلة الحكومية الجديدة التي سيختار رئيسها بنفسه وستؤدي اليمين الدستورية أمامه، وهي مطلب أساسي لتفكيك حالة الضبابية التي اعترت المشهد منذ 25 يوليو، وعبرت عنه كافة القوى الدولية التي التقى سعيّد ممثليها خلال الأسابيع الماضية، وكذلك القوى داخل تونس، وخاصة الاتحاد العام للشغل الذي رغم تأكيده المتكرر على دعمه لقرارات الرئيس التونسي إلا أنه ما انفك يطالب بالإسراع في تشكيل الحكومة، وآخرها تصريح الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي بأن “المطالبة بتشكيل حكومة ليست جريمة ويجب حكومة تتولى الاستجابة إلى الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد”.

الضبابية الشديدة التي سيطرت على المشهد التونسي خلال الأسابيع الماضية أفرزت تحديًا جديدًا أمام قيس سعيّد وهو احتمالات تراجع شعبيته التي يواصل الرهان عليها؛ فعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي تظهر الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها سعيّد دونًا عن بقية سياسيي تونس، فإن هذه الشعبية قد شهدت انخفاضًا محدودًا في استطلاع شهر سبتمبر عن استطلاع أغسطس من 91.4% إلى 90.1%، وكذا تراجعت معدلات الثقة الكبيرة في سعيّد من 82% إلى 72%، وتراجعت مؤشرات الثقة بأن البلاد تسير على الطريق الصحيح من 77.2% إلى 71.7%. وقد كانت المظاهرات التي خرجت في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس (18 سبتمبر) ورفعت شعارات مناوئة لقيس سعيد ومنددة بما وصفته بـ”الانقلاب” مؤشرًا إضافيًا على هذا التحدي الذي سيواجه سعيّد، لا سيّما وأنها المظاهرات الأولى منذ 25 يوليو. 

وتأتي هذه المظاهرات انعكاسًا لتحدٍ آخر ترتسم ملامحه منذ أسابيع بعدما بدأت توجهات الرئيس التونسي في الاتضاح بشأن تغيير النظام السياسي والقفز على التركيبة السياسية الحالية. يتمثل هذا التحدي في أن الأحزاب السياسية التونسية باتت مدركة لأن النظام الذي يريد سعيّد رسمه هو نظام رئاسي بامتياز، ومن ثم لن يكون لها دور حيوي في هذا النظام، ولذلك فهي تريد أن تضمن لها حضورًا قويًا في المستقبل السياسي التونسي، وبدأت في التراجع نسبيًا عن التأييد المطلق لقيس سعيّد. 

ولذلك نجد تصريح الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي بأن القرارات الأخيرة انقلاب على الدستور وباطلة، وكذلك أبدت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسى تخوفها من أن يقصي القانون الانتخابي الجديد حزبها من الاستحقاق التشريعي المقبل، مضيفة “اليوم الدولة متمثلة في شخص واحد وهذا خطير”، وأن الرئيس يرفض حل البرلمان لأن الدستور يلزمه بانتخابات مبكرة في غضون 45 يومًا، وحينها سيحظى حزبها “الدستوري الحر” بالأغلبية، مشددة على وجود “تحفظات” من الرئيس ضد حزبها.

وبناء على ذلك فإن التوجهات الجديدة للرئيس التونسي والتي تتعارض مع الأحزاب قد تجد معارضة شرسة خلال الفترة المقبلة تلجأ فيها الأحزاب إلى زيادة الضغط على سعيّد لتكون ممثلة في اللجنة التي سيتولى تشكيلها لإعداد التعديلات المتعلقة بالنظام السياسي، وقد تلجأ إلى حشد التونسيين للتظاهر بصورة كبيرة، اعتمادًا على حالة القلق التي تنتابهم من طول مدة تسيير أمور الدولة دون حكومة، وعدم وجود معالجة حقيقية للأوضاع الاقتصادية حتى الآن، وعدم وجود إطار زمني محدد للمسار الذي يسلكه الرئيس. وبالنظر إلى رغبة سعيّد في أن يكون النظام السياسي رئاسيًا تمامًا فإن المواجهة لن تكون مستبعدة، وطريقه نحو التغيير الشامل لن تكون معبدة.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد عبد الرازق

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى