مصر

” الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان” ..بين “شمولية المفهوم” و “رفض الازدواجية”

لم تدرك الدول الأجنبية التي تنادي بالحريات بأن الدولة المصرية عكفت على وضع ميثاق لاستراتيجية حقوق الانسان بمفهومها الشامل فلا حرية شخصية وسياسية بدون تنمية مجتمعية وتعليمية وحرية عقيدة وتثقيف الشعوب بمفهومي “حقوق الإنسان” و”الأمن القومي”.

فمرارًا ما يغُض العالم البصر وقد يكون عن عمد، عن الخطوات الفعلية التي حققتها مصر على أرض الواقع من تمكين المرأة وحماية الطفل والأقليات المختلفة والحماية الاجتماعية والاصلاح الاقتصادي وتحقيق الكرامة الانسانية كأحد أهم المحاور لحقوق الانسان ومواجهة كم من التحديات، كان أبرزها المشاكل الاقتصادية التي كان لها تأثير على الخدمات التي يمكن أن تقدمها الدولة، في التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية، والتي بذلت الدولة المصرية جهودًا مكثفة لإيجاد الحلول والخروج من هذه التحديات.

فما يحدث في مصر من تنمية مجتمعية واصلاح اقتصادي وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان بمفهوم مصري وطني هو ترجمة لبناء دولة مدنية ديمقراطية. 

دلالات الاستراتيجية المصرية

يتضح من إطلاق الاستراتيجية الوطنية المصرية لحقوق الإنسان دلالات معينه منها:

• أن مصر ترى ضرورة أن تنظر الدول الخارجية إلى ملف حقوق الإنسان في مصر وفقًا لما تشهده من تهديدات عملت على زعزعة الاستقرار وبث الفتنة في المجتمع المصري؛ فالدولة المصرية بعد أحداث يناير 2011 إلى قيام ثورة 30 يونيو 2013 مرت بالعديد من التحديات منها تحديات اقتصادية وتحديات إرهابية وانتكاسات لبعض مؤسسات الدولة مما استدعى اتخاذ قرارات في اتجاهات وأولويات محددة فرضتها الظروف الراهنة آنذاك، وعلى الرغم مما مرت به مصر من أحداث وتغييرات متلاحقة في تلك الفترة إلا أنه بمجرد عودة الاستقرار في 2014، ومع تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي قيادة البلاد، بدأت الدولة المصرية في التعاطي مع كافة الملفات برؤى وطنية تراعي كافة أبعاد حقوق الإنسان، وتستند إلى ركائز أساسية بما في ذلك “الارتباط الوثيق بين الديمقراطية وحقوق الإنسان” و “الموازنة بين الفرد والحقوق الاجتماعية”.

• رفض مصر دائمًا تسييس ملف حقوق الإنسان ودائما ما ترد على الانتقادات الخارجية تجاه حقوق الإنسان بموضوعية ووفقًا لما هو كائن من تطورات على أرض الواقع وليس للافتراضات التي يدّعونها وفقًا لمعلومات مغلوطة تستقيها منظمات دولية مسيسة من جماعات داخلية لها أجندات غير وطنية. وأيضًا رفض مصر لمحاولات منظمات حقوق الإنسان الأجنبية لجذبها للبعد عن هويتها والتركيز فقط على جانب واحد من جوانب حقوق الإنسان وهي الحقوق السياسية، كدليل على إتاحة حقوق الانسان، متناسيين بأن لكل دولة محددات وفقًا لتحدياتها وثقافة واحتياجات وأولويات شعبها، وهو الأمر الذي تداركته الدولة المصرية فلم تنصاع لهذه المحاولات، وأرست في عهد جمهوريتها الجديدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتنموية انطلاقًا لتقوية الحقوق السياسية.

• حجم الإصلاحات التي دعت إليها وثيقة الاستراتيجية المكونة من 78 صفحة، والتي صدرت في 11 سبتمبر عام 2021 ويمتد أفقها الزمني حتى سبتمبر 2026، والتي شملت إصلاحات قانونية لحماية الحقوق المدنية والسياسية وتدريب موظفي الدولة بهدف غرس الشعور بالوعي والالتزام بحقوق الإنسان داخل مؤسسات الدولة.

• احترام الدولة المصرية لحقوق الانسان وتعزيز الكرامة الانسانية ليس للمصريين فقط بل أيضًا للاجئين والمهاجرين وتوفير نواحي الحياة الانسانية لهم ودمجهم في المجتمع المصري وتمتعهم بكافة الخدمات التي يحصل عليها المواطن المصري رغم ما ينطوي عليه ذلك من أعباء اقتصادية على كاهل الدولة المصرية، ورغم أن مصر من البلدان المتلقية لأدنى مستويات من التمويل بشأن اللاجئين.

• حرية تشكيل الأحزاب والنقابات العمالية والنقابية والجمعيات الأهلية، وقد أعلن عام 2022 هو عام المجتمع المدني”، وذلك لحماية الحقوق المدنية وتعزيز المشاركة في الحياة السياسية والعامة مما يتيح الفرصة لإدارة حوار وطني حول أوضاع الأحزاب والنقابات وعدم اقتصار مفهوم المجتمع المدني على الجمعيات الخيرية.

• أن التطور الحاصل في ملف حقوق الإنسان جاء عاكسًا لسماع واستجابة الدولة وقيادتها السياسية لمجمل الرؤى والأطروحات التي صدرت من كافة منظمات حقوق الإنسان والمراكز البحثية؛ والتي كان أبرزها التوصيات التي خرجت من مؤتمر “حقوق الإنسان… بناء عالم ما بعد الجائحة” الذي قام به “المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية” والذي تناول حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، وذلك في وجود كيانات متعددة ممثلين عن حقوق الانسان داخليًا وخارجيًا؛ والتي كان من بينها:

إعادة النظر في المدد الخاصة بالحبس الاحتياطي، والعمل على إيجاد آليات لتفادي طول هذه المدة، وذلك في إطار خطة شاملة لتطوير التشريعات والقوانين استجابة للتطورات والتحديات المستجدة.

وتوسيع المجال السياسي عبر تشجيع الشباب على الانضمام للأحزاب، وممارسة العمل السياسي الحزبي لإثقال قدراتهم السياسية بطريقة تمكنهم من تولي المناصب القيادية في المستقبل.

وأيضًا التشديد على أهمية دور المجتمع المدني في تعزيز ملف حقوق الإنسان بوصفه مسألة تشاركية متعددة الأبعاد.

وإعادة تنشيط دور لجنة العفو الرئاسي لمراجعة مواقف الشباب المحبوس على ذمة قضايا ولم تصدر بحقهم أحكامًا قضائية، ممن لم يتورطوا في أعمال عنف أو إرهاب مع العمل على تطوير آليات عملها بما يتلاءم مع المستجدات الراهنة.

وحشد الموارد قطريًا وعالميًا لتحفيز جهود التنمية المستدامة التي تراعي حقوق الأجيال الحالية والمستقبلية ومراعاة الأبعاد البيئية.

وكل ما سبق أدى إلى الانفتاح على آفاق جديدة فجاءت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بمفهومها الشامل؛ لضمان الحقوق المتكاملة بدون أي مقايضة بين الحقوق السياسية والمدنية والشخصية من جهة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية منة جهة أخرى وفي نفس التوقيت تحقق أولويات الأمن القومي والحماية من الإرهاب، فدعت الاستراتيجية إلى وضع الإطار اللازم لضوابط ومبررات ومدد الحبس الاحتياطي، ونشر الوعي العام بثقافة التجمع السلمي والشروط القانونية لتيسير المظاهرات. كما أنه من المتوقع بعد إعلان الرئيس السيسي عام 2022 عام المجتمع المدني؛ أن يشهد عام 2022 تنفيذ فكرة “العفو العام” عن المحبوسين احتياطيًا ممن لم يتورطوا في أعمال عنف و إرهاب و الإضرار بالأمن القومي المصري.

نقلة نوعية

نجد أن الدولة المصرية عملت في جمهوريتها الجديدة على تحقيق طفرات نوعية في كافة المجالات التي تعزز من حقوق الإنسان بمفهومها الشامل من حيث: 

ترسيخ حرية العقيدة بعدما عانت الكنائس بمصر من عناصر لديها عنصرية وكراهية ضد الأديان المختلفة، مما استدعى من الدولة المصرية تأمينها وتشديد الحراسة عليها لمواجهة الفكر المتطرف.

كما عانى اقتصاد البلاد، فعكفت الدولة المصرية على اتخاذ إجراءات الحماية الاجتماعية بهدف تخفيف آثاره على محدودي الدخل والفئات الأكثر تضررًا من خلال تبني مجموعة من السياسات والمبادرات والبرامج؛ مثل معاش تكافل وكرامة، وزيادة الدعم العيني والنقدي للفئات المستحقة، وأيضًا المشروع القومي الأعظم لتطوير الريف المصري “حياة كريمة” الذي يستهدف تغيير حياة أكثر من 58 مليون مواطن، من إحداث طفرة شاملة للبنية التحتية والخدمات الأساسية والارتقاء بجودة حياة المواطنين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإحداث تغيير إيجابي في مستوى معيشتهم، وخلق واقع جديد من التنمية الشاملة المستدامة لهذه التجمعات الريفية. كما قامت الدولة بتطوير جميع العشوائيات وبناء سكن كريم ملائم لجميع فئات الشعب المصري لكي يحييوا حياة كريمة، هذا بالإضافة للمشاريع القومية العملاقة في كل ربوع مصر.

وعندما وجدت الدولة المصرية أن الأحزاب السياسية في مصر تعمل بدون برنامج شامل أو تواجد ملموس على الأرض، وكذا بدون منهج مناسب لبناء مهارات الشباب وعدم تركيزها على تطوير قدرات أعضائها، فعملت على بناء مهارات وقدرات الكوادر الشبابية والحزبية على القيادة من خلال برامج مختلفة وعلى رأسها البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، واتحاد شباب الجمهورية الجديدة.

وعن الحقوق التعليمية؛ عملت الدولة المصرية على تطوير مناهج التعليم الأساسي واستخدام وسائل تعليمية حديثة، واستبدال نظام التعليم القائم على الحفظ والتلقين بنظام جديد قائم على الفهم والتعلم الذاتي الحقيقي. وكذا تم بناء الجامعات الحكومية والأهلية الجديدة بمعايير وجودة عالمية. وكذلك الحقوق الصحية؛ كانت على رأس اهتمام الدولة المصرية عن طريق إقامة منظومة التأمين الصحي الشامل وبناء المستشفيات الجديدة وتحسين جودة الخدمات المقدمة لكافة المصريين وإقامة العديد من المبادرات.

وللقضاء على الفساد؛ فقامت الدولة المصرية بتفعيل دور جميع الأجهزة الرقابية، والاتجاه نحو التحول الرقمي وذلك من خلال رقمنة جميع الخدمات المقدمة للمواطنين.

وفى خطوة هي الأولى من نوعها لحماية وتعزيز قوة مصر الناعمة؛ وجه الرئيس السيسي بحصر الفنانين واعضاء النقابات الفنية والتشكيلية التي تضم كافة الفئات الابداعية وشمولهم ببرامج الحماية التأمينية الاجتماعية والصحية ضد المخاطر.

وعن انتقادات أوضاع السجون المصرية، عملت الدولة المصرية على تطوير السجون وإنشاء 8 سجون مركزية جديدة بمعايير عالمية؛ ليقضي المسجون عقوبته بشكل آدمي وإنساني يتمتع من خلالها برعاية صحية ورعاية إنسانية وثقافية وإصلاحية.

ازدواجية المعايير الأمريكية

تأتي المفارقات من أنه في الوقت التي تعطي دوائر صنع القرار الأمريكية لنفسها الحق في إعطاء الأولوية للتحديات التي تواجه الأمة الأمريكية حتى لو تعارض ذلك مع حقوق الإنسان كمثل الذي شاهدناها مؤخرًا في الانسحاب الأمريكي المخزي من أفغانستان والذي خلف وراءه كوارث إنسانية ووقوع العديد من الانتهاكات التي قضت على كل جوانب حقوق الإنسان، بالإضافة إلى إصرار الرئيس الأمريكي بالدفاع بشدة عن قراره بالمضي قدمًا في انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، متجاهلًا الانتقادات التي وجهت لقرار انسحابه والتي أثبتت الأحداث صحة تلك الانتقادات حيث أكدت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أن انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان قد تسبب في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. إضافة إلى دعوة الصين وبعض الدول الأخرى إلى محاسبة الولايات المتحدة الأمريكية على انتهاكات حقوق الإنسان سواء التي ارتكبتها في أفغانستان أو التي تسبب فيها بعد انسحابها من هناك.

في هذا التوقيت، نجد وزارة الخارجية الأمريكية يوم “15 سبتمبر” بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان، تصدر بيانًا بأن الولايات المتحدة ستحجم 130 مليون دولار من حزمة مساعدات قيمتها 300 مليون دولار مخصصة لبرامج مكافحة الإرهاب، وذلك للضغط على مصر في اسقاط التُهم والإفراج عن نشطاء حقوق الإنسان في القضية 173، بالإضافة إلى إخلاء سبيل 16 شخصًا آخرين.

ولاستمرار المفارقات، أن هذا الأمر الذي لم يلق قبول اثنتي عشرة جماعة حقوقية، بما في ذلك منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، وأصدروا في بيان مشترك يوم الثلاثاء الماضي انتقد فيه الرئيس الأمريكي بايدن وتم اتهامه بعدم وفائه بوعده؛ كما تم توجيه الاتهامات من الكونجرس للإدارة الأمريكية على خلفية قرارها بحجب 130 مليون دولار فقط من مساعداتها لمصر، على الرغم من أن مشروع قانون الإنفاق الذي أقره الكونجرس ينص على أنه يمكن حجب ما يصل إلى 300 مليون دولار.

مما يدل على التخبط بين دوائر صنع القرار الأمريكية، ويدل أيضًا على أن قرار الإدارة الأمريكية بحجب جزء من المساعدات لمصر موجه من جماعات ومصالح معروف انتمائها ومواقفها المسبقة ضد مصر والتي تستقيها من جماعات متطرفة ومنظمات مسيسة معروف عدائها للدولة المصرية وتشويها المتعمد والمنهجي الذي تنتهجه عبر نشر تقارير مغلوطة ومعلومات غير دقيقة.

كما يدل على تذبذب الإدارة الأمريكية بين إرضاء الكونجرس ومنظمات حقوق الإنسان من جهة، ومن جهة أخرى نظرة الرئيس بايدن ودعمه لدور مصر الحاسم والمحوري في محاربة الإرهاب، وتخفيف الصراعات وتوفير الاستقرار في الشرق الأوسط، وإدراكه للتحديات التي تواجهه مصر .

ووفقا لما سبق؛ يتضح أن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان هي نقطة انطلاق قابلة للنقاش الوطني، وأن الدولة المصرية ترصد حالة حقوق الإنسان ويوجد مراجعات دورية وتطوير مستمر نابع من فلسفة مصرية ذاتية تؤمن بأن حقوق الإنسان السياسية يجب أن تكون مترابطة ومتكاملة مع مسار التنمية الاقتصادية والاحتياجات الاجتماعية للمجتمع المصري، إضافةً لتعزيز مبادئ المواطنة والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات دون أي تمييز ودعم تكافؤ الفرص، ودعم إجراءات العدالة الناجزة وضمان المحاكمات العادلة في كافة القضايا، مع رفض الدولة المصرية وقيادتها السياسية رغبة البعض في فرض حقوق الإنسان بنهج ديكتاتوري على مصر وأن هذا أمرا غير مقبول، فما يمكنك تطبيقه واعتباره الأفضل في بلد ما قد لا يصلح في مصر وأن حقوق الإنسان السياسية يجب أن تكون مترابطة ومتكاملة مع مسار التنمية الاقتصادية والاحتياجات الاجتماعية في المجتمع المصري.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى