مكافحة الإرهاب

المرأة والتطرف العنيف.. فاعل ومفعول به

يُعد التطرف من أخطر الظواهر التي تفتك بالمجتمعات بل وتدمر دولًا بأكملها، حيث تخلق أنماطًا من العقول المتعصبة المليئة بالكراهية والعنف نحو الآخر، وقد يتحول من مجرد أفكار إلى أفعال ظاهرية قد يصل الدفاع عنها إلى حد اللجوء إلى العنف الشديد، بغرض فرض المبادئ التي يؤمن بها الفكر المتطرف بقوة على الآخرين، وقد تتفاقم المسألة لدرجة تنفيذ العمليات الإرهابية لفرض الرأي أو الدفاع عنه.

ويُعرف التطرف على أنه تبني أفكار أو أيديولوجيات أو معتقدات متشددة والتمسك بها، حيث يتم تأسيس بعض الأيديولوجيات أو المبادئ الدينية بالصورة التي تتيح اعتناقها بنهج متشدد. وبالتالي فالتطرف هو تبني النسخة المتشددة من أيديولوجيا أو مبدأ ما. بينما الإرهاب نوع من العنف السياسي، يتضمن الاستهداف العمدي للمدنيين، ويميز بين الضحايا المباشرين والجمهور الذي يود أن يؤثر عليه. ومن هذا المنطلق، يتضمن الإرهاب ثلاثة عوامل كما يلي: العنف السياسي أو عمل عنيف يهدف إلى توصيل رسالة سياسية ما، والاستهداف العمدي للمدنيين، وطبيعة ثنائية المركز، حيث يهاجم مجموعة ما لإرهاب مجموعة أخرى.

النساء: صانعات للإرهاب أم ضحايا؟

عندما تتصدر النساء عناوين الشاشات بسبب الأخبار المتعلقة بالإرهاب، فعادة ما ينصبّ التركيز على دورهن كضحايا أو كعناصر رادعة للفكر المتطرف. لكن مع مرور الزمن وتقدم آلة الإرهاب والتطرف ودوافعه، أصبحت للنساء أدوار بارزة ورئيسية في المنظمات التي تتخذ من العنف والإرهاب طريقًا لها. وبالتالي فهناك فرضيتان؛ الأولى أن النساء اللاتي انضممن لهذه التنظيمات هن ضحايا للعنف والتمييز في بلدانهن، والثانية أن المجتمعات التي تُعاني من البطالة والجهل والفقر وغيرها من “أوبئة المجتمعات” تعتبر مجتمعات طاردة للنساء بل والرجال، وبالتالي تسهل فرص استقطابهن من قبل المنظمات المتطرفة.

الإرهابيات: تهديد وتحدٍّ لاستقرار الدول

إن ظاهرة تجنيد النساء في صفوف التنظيمات الإرهابية، وقيامهن بأعمال وهجمات إرهابية، يُعتبر من أخطر الظواهر الاجتماعية التي يشهدها المجتمع الدولي حاليًا، يعود ذلك إلى أن المرأة تمثل نصف المجتمع، فإن مقدرة الجماعات الإرهابية على اختراق هذا النصف وتجنيد عناصر نسائية منفذة لأجندتهم هي من أخطر القضايا التي تواجه عالمنا، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، لكون المرأة في المجتمعات الشرقية بطبيعة الأعراف والعادات والتقاليد الاجتماعية بعيدة عن ملاحقة الأجهزة الأمنية والاستخبارات لاعتبارات دينية واجتماعية، ومن الصعب الشك في كونها عنصرًا إرهابيًا متنقلًا، وهذا ما يجعها تتحرك بحرية لتنفيذ أجندة مجنديها من التنظيمات الإرهابية، 

ولهذا يتم استغلالهن وتوظيفهن كأداة ووسيلة لتنفيذ مخططاتهم التخريبية، بإخضاعها لعملية غسيل العقول وإشباعها بأفكار جهادية، وهم يعتبرون تجنيدها أسلوبًا استراتيجيًا، ويعود ذلك إلى قدرتها على زرع الأفكار المتطرفة في عقول النشء والشباب، وذلك يمثل نجاحًا نوعيًا للمنظمات الإرهابية في توفير الدعم من المرأة باعتبارها نصف المجتمع التي يتعامل معها الأمن بطريقة خاصة، فالإمكانات والخيارات والوصول بها إلى الأهداف تكون أسهل من قيام الرجل بتنفيذ الأفعال الإجرامية.

تاريخ الإرهاب النسائي

ظاهرة الإرهاب النسائي ليست ظاهرة حديثة، ولكن لها جذورها الممتدة وفقًا لطبيعة السياقات الزمنية والمكانية المختلفة، ولكن ما جرى هو تطور واستحداث أدوار للنساء داخل التنظيمات الإرهابية وحجم مشاركتها فيها، فقد انتقل دور المرأة من الأدوار التقليدية (الزوجة، الأم، المرشدة، التمريض، جمع الأموال والتبرعات وجمع المعلومات ونقلها) إلى أدوار غير تقليدية ومستحدثة أكثر خطورة منها (الدعاية الإلكترونية خاصة للأجنبيات، التدريب، والأعمال اللوجستية، والتجنيد، وتنفيذ العمليات الانتحارية، تشكيل ما يُعرف بالشرطة النسائية، جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر النسائية، المشاركة في العمليات المسلحة، الكتائب النسائية لفرض الرقابة).

وفي الوقت الذي تطورت فيه أدوار النساء وأدواتها واستراتيجياتها ووظائفها المتنوعة داخل الجماعات الإرهابية وفقًا لتطور استراتيجياتها، اتخذ التطرف النسائي العنيف منحنيات أخرى على مستوى تنظيم هذا النشاط وتكوين ميليشيات وفرقًا وكتائب تنظيمية مسلحة ونوعية للنساء لاستيعاب حجم النساء المنضمات إليها وتوظيفها بشكل أكثر “راديكالية”، مما يخلق تحديًا أكبر يتمثل في تغير أطروحات “ذكورية” العمل العنيف. وامتداد موجة حركات العنف والإرهاب لعقود متتالية، وخلال تلك الموجات لم تكن المرأة بمعزل عنها، ولكنها شاركت بدرجات مختلفة وتحت غطاء أيديولوجي مختلف.

وشهدت العديد من المناطق ظهور أدوار للمرأة المسلمة في عدد من التشكيلات المسلحة، خاصة في المناطق المتنازع عليها مثل فلسطين وكشمير في التسعينيات، ومع بلوغ الألفية الجديدة وصعود تيار “الجهاد العالمي” وتأسيس تنظيم “القاعدة” أخذ دور المرأة منحنى أكثر راديكالية، وتزايد انخراط المرأة في العمل المسلح، ومع الغزو الأمريكي لأفغانستان 2001 والعراق في 2003 ظهرت مشاركات النساء في الأعمال الانتحارية، سواء بشكل فردي أو بشكل تنظيمي، كسمة مميزة لتعقد الظاهرة الإرهابية.

وبعد اندلاع الموجة الأولى من الاحتجاجات في (تونس، سوريا، مصر، اليمن) ومع تعقد المسألة السورية ودخول البلاد في معترك الحرب الأهلية، وصعود تنظيم “داعش” وسيطرته على مناطق الموصل والرقة والإعلان عن “الخلافة” أخذت النسائية الجهادية منحنى آخر أكثر عنفًا وبشكل أسرع، حيث عكفت الوسائل الإعلامية المختلفة للتنظيم على تجنيد ومخاطبة النساء للهجرة والانتقال إلى أرض التنظيم، وأعطى التنظيم للمرأة مساحة كبرى داخله في كافة الأدوار اللوجستية والدعوية والترويجية والتجنيدية والقتالية.

أنماط التشكيلات النسائية في الجماعات الإرهابية

وهي تشكيلات نسائية مستقلة أو مؤسسة داخل تنظيمات دينية، تسعى إلى تطبيق أيديولوجيات معينة. مثل (بنات الأمة الكشميرية، نساء القاعدة، كتيبة خنساء داعش، لواء الزينبيات، الحوثي، الأرامل السوداء “بوكو حرام”، نساء “شباب المجاهدين” الصومالية).

وهناك تنظيمات نسائية مسلحة تعمل في إطار حمل السلاح في مواجهة الأنظمة الحاكمة، بدعوى القتال من أجل الحرية والاستقلال والديمقراطية ومقاومة الفقر والاضطهاد والتهميش، مثل (الأرامل السوداء “الشيشان”، النمور السوداء السريلانكية، نساء سوريا المتمردات).

مهمات النساء

تلعب المرأة دورًا رئيسيًا داخل الجماعات الإرهابية في الحروب وفي مناطق النزاع، وذلك على المستويين: المستوى الاستراتيجي، والمستوى التكتيكي، حيث تتعدد مهام النساء بين كونهن مسؤولات عن توظيف أفرادٍ جدد وكان الاعتماد الأكبر في ذلك على النساء الغربيات، ويعود إلى معرفتهن باللغات الأجنبية، فضلًا عن استخدامهن مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت الأخرى، لتجنيد العشرات من النساء والرجال، وقد لاقى ذلك نجاحًا منقطع النظير بالنسبة لتلك الجماعات، أيضًا سوقهن كإماء وجوارٍ لعناصر التنظيم حيث له أثر واضح في كسب المزيد من المقاتلين عن طريق استخدام النساء في الترغيب لإغراء المتطرفين في التنظيم إلى الانضمام لصفوف داعش، وتسهيل العنف من خلال تقديم الدعم لأزواجهنّ، والقتال وحمل الأسلحة عند الضرورة.

 فضلاً عن دورهن كانتحاريات، حيث استخدمت “بوكو حرام” العنصر النسائي كواجهة أمامية للإرهاب، وبهذا انتقلت الجماعة من استخدام الفتيات الصغيرات كناقلاتٍ للسلاح والمؤن والنقود، إلى زيادة انتشارهن كمفجِّرات انتحاريات، حيث أوضحت دراسة صادرة عن “مركز محاربة الإرهاب في ويست بوينت” في الولايات المتحدة في 10 أغسطس 2017، أنَّ العمليات الانتحارية التي نفذتها جماعة “بوكو حرام” اعتمدت في غالبيتها على النساء أكثر من الرجال، حيث بلغ مجموع الانتحاريين الذين أرسلتهم الجماعة لإصابة 247 هدفًا مختلفًا، 434 شخصًا، منهم 244 انتحارية بنسبة 56%. أما الأهم فهو لعب دور أمهات الجيل القادم من المتطرفين وزرع أفكار العنف والتطرف في النشء.

ففي تنظيم داعش على سبيل المثال، لا يقتصر دور النساء فقط على الاقتران بالرجال، بل الحفاظ أيضًا على سرية التحركات، بالإضافة إلى توفير الغذاء واللوازم اللوجستية للمقاتلين، وتخضع الإناث للتدريب البدني بشكلٍ روتيني من أجل أن يصبحن مستعدات للدفاع عن قضيتهنّ في حال تطلب الأمر. 

أرقام وإحصائيات

من بين 41.490 من الأجانب الموثقين الذين أصبحوا منتسبين إلى تنظيم داعش، هناك حوالي 4.761 من النساء أو بين 10% إلى 13% من النساء. وتشير التقديرات إلى أن 256 منهن فقط عدن إلى بلدانهن الأصلية، ولا يزال هناك القليل من المعلومات عن مصير تلك النساء العائدات، ولا تزال هناك ندرة في الأرقام عن العائدات من الجماعات المتطرفة العنيفة. أما في شمال نيجيريا، فيتم إيواء آلاف من النساء والفتيات المرتبطات ببوكو حرام في معسكرات عسكرية للنازحين.

ووفقًا لإصدار نساء غير مرئية، فإن البلدان التي تضم أكبر عدد من النساء اللاتي ينضممن إلى تنظيم الدولة الإسلامية تشمل فرنسا بـ 320 امرأة، والمغرب بـ 285، وكازاخستان بأكثر من 200 امرأة، وتونس 100 امرأة، وفقًا لبلوم، وبين عامي 1985 و2010، تورطت النساء في أكثر من 257 هجومًا انتحاريًا، أي حوالي ربع العمليات الإرهابية في جميع أنحاء العالم. ناهيك عن النساء الداعمات للإرهاب في المنظمات الدولية والتي قد تمنح غطاء شرعيًا لبعض السياسات الإرهابية أو تساهم تصريحاتها في تأجيج الانقسامات والصراعات داخل الدول كـ”توكل كرمان” على سبيل الذكر.

https://www.ecsstudies.com/wp-content/uploads/2021/04/image-3.png

وختامًا، وفقًا لإحصائيات مؤشر الإرهاب العالمي (Global Terrorism Index 2019) تضاعف عدد الهجمات الانتحارية النسائية من 4 هجمات في عام 2013 إلى 22 هجومًا انتحاريًا خلال 2018، فيما سجل المؤشر العالمي تنفيذ أكثر من 300 هجوم انتحاري للنساء منذ عام 1985 وحتى 2018.

الإرهاب النسائي

بينما رصد المؤشر العالمي انغماس 8 جماعات إرهابية في توظيف الإرهاب النسائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. يأتي تنظيم “داعش” كأكثر التنظيمات توظيفًا لهذا النمط العنيف بعد “بوكو حرام” حيث تورط التنظيم في تنفيذ 23 هجومًا انتحاريًا للنساء منذ 2014.

ولم تتوقف الهجمات الانتحارية النسائية عند الفترة الزمنية التي رصدها المؤشر ولكن شهد عام 2019 استمرار تنفيذ تلك العمليات برغم انها تراجعت بنسبة 96% وفقًا لآخر إحصائيات مؤشر الإرهاب العالمي (Global Terrorism Index 2020)، وذلك مع استمرار نهج “بوكو حرام” واتجاه عدد من التنظيمات الأخرى لتجنيد وتوظيف النساء في عملياتها الإرهابية حتى باتت سمة مميزة للعمل العنيف.

المصادر

  1.    Institute for Economics & Peace. Global Terrorism Index 2019: Measuring the Impact of Terrorism, Sydney, November 2019,2020. Available on: http://visionofhumanity.org/reports
  2. ” الإرهاب النسائي.. خريطة المليشيات النسائية المسلحة خلال ثلاث عقود (الجذور، الدوافع، الوظائف)، أسماء كمال، المركز العربي للبحوث والدراسات.
  3. ” المرأة في الفكر الإرهابي”، م. حسين موسى، المركز الديموقراطي العربي.
  4. The Role of Women of the Islamic State in the Dynamics of Terrorism in Indonesia, May2016, Middle East Institute, Available on: https://www.mei.edu/publications/role-women-islamic-state-dynamics-terrorism-indonesia 
  5.  نساء غير مرئية، الأبعاد الجندرية للعودة وإعادة التأهيل وإعادة الادماج بعد التطرف العنيف، ICAN،2019.
+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

د.هالة فودة

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى