دول المغرب العربي

المرأة التونسية ومعركة الدفاع عن الحريات المهددة

لا يخفى على أحد الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بالشعب التونسي منذ الاحتجاجات التي بدأت شرارتها في 17 ديسمبر 2010، حين أضرم الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في نفسه، احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية في «سيدي بوزيد» لعربة يبيع عليها الفاكهة والخضار، لتندلع الاحتجاجات بين مئات الشبان في منطقة «بوزيد». وتوالت الأحداث السياسية وما تبعها من زخم اجتماعي وسياسي في الشارع التونسي أدى الى خلق   مناخ سياسي متوتر ووضع اجتماعي مفتوح على احتمالات عدة، لتدخل تونس في حقبة جديدة لم يتضح لها ملامح حتى اليوم.

 وبين هذا وذاك تظل تونس في طليعة الدول الداعمة لحقوق المرأة في العالم العربي، وحتى قبل ما يعرف بثورات “الربيع العربي”. ولكن بعد اعتلاء حزب النهضة الإسلامي السلطة تعالت الأصوات وتزايدت المخاوف حول حقوق المرأة التونسية والتي مازالت تصارع لإدخالها حيز التنفيذ في ظل تجاذب وتنافر القوى الإسلامية مع أفكار المجتمع التونسي الذي ينادي لتحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل.

المرأة التونسية.. نضال تاريخي وحقوق استثنائية

حظيت المرأة التونسية بقدر من الاستقلالية والتحرر، فاق ما كانت تحظى به قريناتها في باقي البلدان العربية. وبعد استقلال تونس عن الاستعمار الفرنسي عام 1956 وقبل إقرار دستورها، قام رئيس الوزراء آنذاك الحبيب بورقيبة بتطبيق “مجلة (قانون) الأحوال الشخصية”. وهو القانون الذي كفل المساواة بين الرجل والمرأة في العديد من المجالات الحياتية. إذ تم إلغاء القانون الذي يسمح بتعدد الزوجات واستبدل الطلاق (الطلاق السريع غير الرسمي الذي لا يتوجب فيه على الزوج سوى قول “أنت طالق”) بالطلاق المدني الذي يمكن أن يبدأه الرجل أو المرأة وإضفاء الشرعية على عمليات الإجهاض.

وفي عام 1993، منحت الإضافات الجديدة التي أدخلت على قانون الأحوال الشخصية الحق للمرأة في تمثيل أطفالها في المحاكم، والقدرة على نقل جنسيتها إلى أطفالها، بالطريقة نفسها، التي يمكن بها فعل ذلك بالنسبة للرجال. كما تم منح النساء الحق في الحصول على جواز سفر وحساب بنكي، وتمكينهن أيضاً من فتح مشروع تجاري خاص.

وواصل النضال النسائي في تونس النمو بعد “ثورة الياسمين” عام 2011، رغم من وصول حزب النهضة الإسلامي المحافظ للسلطة. إلا الأخير خسر الانتخابات الرئاسية في عام 2014، بسبب النقاش العام حول حقوق المرأة.

وقد تم توسيع حقوق المرأة في دستور 2014، الذي أقر المساواة بين الجنسين دون تمييز والسعي أيضاً لتحقيق هذا الهدف في البرلمان التونسي؛ وهو ما يعتبر خطوة فريدة من نوعها في العالم العربي. ووصل حاليا عدد النائبات التونسيات إلى حوالي 35 % من عدد نواب البرلمان.

وقد قام البرلمان التونسي بخوة تاريخية حيث مرّر قانوناً هامّاً وهو قانون العنف ضدّ المرأة الذي ضمّ بشكل غير مسبوق بنوداً تقدّمية تعاقب العنف الأسري والاغتصاب الزوجي. كما أمر الرئيس التونسي بإلغاء القانون الذي كان يمنع النساء التونسيات عن الزواج من رجال غير مسلمين على مرّ العقود، ودعا إلى وضع قوانين للمساواة في الميراث. 

ملامح تمكين المرأة التونسية في فترة ما بعد الثورة (2011-2017)

  • استبسال المرأة في الدفاع عن حقوقها المكتسبة والتنصيص على ذلك في دستور الجمهوريّة الثّانية.
  • دستور الجمهورية الثانية خاصّة فصلي 21و 46 المؤكدين على حرص الدولة على ضمان المساواة بين المواطنين والمواطنات.
  • القانون الانتخابي الذي نصّ على مبدأ التناصف العمودي والأفقي في القائمات الانتخابية.
  • الغاء كل ما هو تمييز في قانون جوازات السفر وأصبح سفر القاصر يخضع إلى ترخيص أحد الوالدين أو الولي أو الأم الحاضنة.
  • إلغاء تحفظات الجمهورية التونسية على اتفاقية “سيداو والمتعلقة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

هل تحققت معادلة المساواة الكاملة بين الجنسين في تونس؟

الإجابة عن هذا السؤال هو لم تتحقق بعد ومازال العديد من القرارات والتشريعات لم تدخل حيز التنفيذ بعد، وذلك من واقع الاحصائيات الرسمية التونسية. فميدانيا، ووفق مسح أجراه “الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري” في العام 2010 (أي قبل اندلاع الثورة التونسية)، فإن نصف النساء التونسيات تعرضن لشكل من أشكال العنف.  واعتمد هذا المسح الميداني على عيّنة تمثيلية شملت 3873 امرأة ضمن الشريحة العمرية 18 ـ 64 سنة، وأثبت أن 47,6% من النساء في تونس تعرضن لأحد أنواع العنف على الأقل مرة واحدة طيلة حياتهن، وأن 32,9% من النساء تعرضن لأحد أنواع العنف على الأقل مرة واحدة خلال الــ 12 شهرا السابقة. 

وفي إطار كشف طبيعة الاعتداءات التي تتعرض لها النساء أظهر المسح أن العنف الجسدي يمثل 31,7% يليها العنف النفسي بنسبة 28,9% والعنف الجنسي بـ 15,7% ثم العنف الاقتصادي بـ 7,1%

وفيما يتعلق بقانون العنف ضد المرأة في تونس الجديد، يرتكز بالأساس على “إنشاء المرصد الوطني للعنف ضد المرأة والتنسيق الجهوي مع الجمعيات المحلية والمجتمع المدني ووزارة المرأة، ووضع السياسات والبرامج الكفيلة بمكافحة هذا النوع من العنف”. لكن “ميدانيا وعلى سبيل المثال، مراكز الحماية غير موجودة في أغلب ولايات الجمهورية، غير موجودة في صفاقس ولا في ولايات الجنوب الأخرى، وفي تونس العاصمة لا توجد سوى جمعية بيتي التي تقوم بهذه المهمة.

وفيما يتعلق بالتعليم فالمرأة التونسية تتعلم ولكن معدل محو أمية الإناث ما زال 65،3٪ فقط، في حين أن المعدل ذاته بين الذكور يبلغ 83،4٪. فوفقًا لوزير الشؤون الاجتماعية التونسي إن 25 % من النساء في تونس أميات إضافة إلى أن أكثر من 60 % من المنقطعين مبكرا عن التعليم هن من البنات الريفيات. علاوة على إن قرابة 50 بالمائة من النساء في أرياف الشمال والوسط الغربي هن أميات

وقد تم الاعتراف بالحق في الإجهاض منذ عام 1973 وكانت إتاحة وسائل منع الحمل جزءاً من سياسة تحديد النسل، ولكن تم الإبلاغ عن العديد من حالات التعقيم القسري في المناطق الريفية في تونس.

وتتعالى الأصوات في تونس خوفًا من تهديد مشروع تمكين النساء داخل المجتمع من قبل فكر بعض الجماعات التي تحارب المساواة بدعم من الإسلام السياسي، فالمرأة التي كانت في الصفوف الأولى غير موجودة اليوم في مواقع القرار كما أن المنظومة التربوية تعيد إنتاج صورة دونية للمرأة بسبب تشويه صورة الحقوق الممنوحة للنساء التي وجب التأكيد على أنها لخدمة الأسرة والمجتمع وليس لخدمة المرأة فقط كما يروج لذلك أعداء فكر المساواة.

المصادر

  1. بعد عشر سنوات على الثورة… مكاسب تشريعية جديدة للمرأة التونسية تواجه صعوبات في التطبيق، فرانس 24، 2020.
  2. المرأة التونسية صراع مستمر في الحياة السياسية، برنامج الشراكة الدنماركي العربية، 2015.
  3. تونس: النسوية الانتقائية وتهميش كِفاحات النساء، open Democracy، فبراير 2018.
  4. تونسيات يشكين من تراجع حقوقهن في عهد حركة النهضة، سكاي نيوز، مارس 2021.
  5. مخاوف في تونس من تهديد مشروع تمكين النساء داخل المجتمع، سكاي نيوز، مارس 2021.
  6. تونس… حيث المرأة تتصدّى للغنوشي، العربية، يونيو 2020.
  7. المرأة التونسية… معركة الحقوق متواصلة، مجلة الإنساني، مايو 2018.
  8. أهم مراحل مسار المرأة التونسيّة، وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، الجمهورية التونسية.
  9. تقرير حالة: المرأة في تونس، كرامة.

الثورات العربية، أي ربيع للنساء، الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان، 2012

+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

د.هالة فودة

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى