
العنف ضد النساء في النزاعات المسلحة.. “إثيوبيا نموذجا”
تعاني المجتمعات عامة من عواقب النزاعات المسلحة والإرهاب، ونجد أن النساء هن أكثر من يُعاني في تلك الأزمات، ويعود ذلك لوضعهن الاجتماعي علاوة على “جنسهن”، فالأطراف المتنازعة غالبا ما تغتصب النساء، وفي بعض الأحيان يتم استخدام “الاغتصاب الممنهج” كوسيلة للحرب والإرهاب.
وتعاني النساء إلى حد كبير من التهجير، وفقدان السكن والأملاك، والفقر وفقدان الأقارب وانفصال العائلة وتشتتها، فيما تمثل النساء والأطفال (80%) من ملايين اللاجئين والأشخاص المهجرين والنازحين بما فيهم الأشخاص المهجرون والنازحون داخليًا على مستوى العالم.
وتحمل النساء العبء الأكبر في النزاعات المسلحة التي اتسعت دائرتها على نطاق واسع منذ الحرب العالمية الثانية، وعادة ما تُرتكب أعمال التعذيب إبان النزاعات المسلحة في سياق يتسم بانهيار دور الشرطة والنظام القضائي ويؤدي ذلك لغياب القيود الطبيعية على الأفعال العنيفة الموجهة ضد المرأة، كما تضطر الظروف الصعبة والحرمان، النساء للخضوع للعلاقات الجنسية غير القائمة على التراضي.
العنف ضد النساء أشكاله ودوافعه
في كافة الأدبيات والاتفاقيات يُعتبر العنف انتهاكًا صارخًا للمرأة، حيث يعوق فرص تمتعهن بحقوقهن الإنسانية والأساسية كالحق في الحياة، الصحة، التعليم، السكن وحق المشاركة في الحياة العامة، وعليه فتكون النساء عرضة للعواقب الصحية والاجتماعية والاقتصادية، حيث تظهر على النساء المعتدي عليهن اعتلال الصحة العقلية والانجابية وقصور في أداء وظائفهن الاجتماعية، كما يزداد ميل المرأة التي تتعرض للعنف إلى تعاطي المشروبات الكحولية والمخدرات ومحاولة الانتحار.
وبالرغم من أن النساء لا يشاركن في الحروب في معظم الأحيان، إلا انهن يتعرضن للعنف بأشكاله: المتاجرة واجبارهن على ممارسة الدعارة والاستغلال والاغتصاب والتعذيب والخطف الأمر الذي يؤدي إلى اصابتهن بفيروس نقص المناعة وزيادة حالات الحمل القسري. وتُظهر العديد من الدراسات ارتفاعا في نسب العنف الأسري في ظل النزاعات المسلحة.
وفي الحروب، يزيد عدد الإصابات في صفوف المدنيين زيادة كبيرة على عددها في صفوف المقاتلين المسلحين، ويتعرض النساء والرجال العزل على السواء لانتهاكات حقوق الإنسان مثل عمليات “القتل بلا تمييز” والتعذيب.
بيد أن النساء يتعرضن لانتهاكات خاصة أكثر من الرجال، فالنساء أكثر استهدافًا بالعنف الجنسي، وبخاصة الاغتصاب وما يتبعها من آثار نفسية جسيمة بسبب وصمة العار التي تُلتصق بالناجيات من العنف الجنسي.
كما يمكن أن تواجه النساء المهجرات داخليًا ظروفًا أكثر صعوبة، فمخيمات اللاجئين لا تضمن السلامة والأمن للنساء، فعادة ما تقام في المواقع الخطرة، بالقرب من مناطق الحرب أو الحدود المتنازع عليها، وبالتالي فالهجمات المسلحة على هذه المخيمات عادة ما يتخللها عمليات الاغتصاب.
ويُستَخدم الاغتصاب في كثير من الأحيان كأداة فعالة لتحطيم الروابط الاجتماعية والتأثير في مجتمعات برمتها على مدى أجيال، ومن المؤسف أن ضحايا العنف الجنسي يتعرضن في أغلب الأحيان لوصمة العار، وينبَذن من أزواجهن وأسرهن، وتتعرض أغلب ضحايا الاغتصاب في الدول الفقيرة إلى القتل من أحد افراد الأسرة أو الطرد من البلدة في أحيانٍ أخرى.
ويُشير تقرير لصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة لعام 2007 تحت عنوان (العنف ضد المرأة حقائق وأرقام)، إلى أن معظم ضحايا النزاعات المسلحة هم مدنيون، حيث إن حوالي 70% من ضحايا النزاعات المسلحة الأخيرة لم يكونوا من المقاتلين بل كانت غالبيتهم من النساء والأطفال، وباتت حوادث العنف تجاه النساء جزءا من مشهد المعارك بالنسبة لمن لديهم نظرية الترهيب كتكتيك حربي.
ووفقا للتقرير، فإن مستوى حماية ودعم النساء اللائي تعرضن لمثل هذا العنف خلال النزاعات وبعدها يبقى ضعيفًا، حيث يظل الوصول إلى الخدامات الاجتماعية والصحي والحماية والتعويض القانوني محدودا جدًا رغم الجهود التي تبذلها المنظمات المحلية والدولية. كما يساهم الإفلات من العقاب في تفاقم الوضع، اذ يشجع على استمرار العنف.
جرائم حكومة آبي احمد ضد نساء إقليم تيجراي
في الرابع من نوفمبر 2020، أطلق رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد -الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2019- عملية عسكرية واسعة في إقليم “تيجراي” الذي يقع شمال إثيوبيا على الحدود مع إريتريا، ثم أعلن الانتصار في 28 نوفمبر بعد استعادة ميكيلي، بحسب الـ BBC.
وبعد مرور أربعة أشهر من بدء العملية، أصبحت قصص الاغتصاب التي يتورط جنود إثيوبيون في عدد كبير منها شائعة كثيراً، بحسب أطباء وممرضين في هذه المنطقة، وفي أكبر مستشفى في ميكيلي، قدمت أكثر من 20 امرأة لتلقي العلاج بعد تعرضهن لعمليات اغتصاب جماعي ارتكبها جنود إثيوبيون، وكذلك إريتريون، وأُفيد بشكل كبير بوجودهم في تيجراي على الرغم من نفي حكومتي البلدين.
وبحسب الطاقم الطبي، فإن ذلك ليس سوى عينة بسيطة جداً عن حجم هذه الآفة، إذ إن المعارك منعت الضحايا من الوصول إلى المراكز الصحية والخوف من وصمة العار، إذ غالباً ما يرغمهن على التزام الصمت. وأفاد طبيب وعضو في إحدى مجموعات حقوق المرأة، للـ BBC، إنه تم تسجيل ما لا يقل عن 200 حالة اغتصاب لفتيات دون سن الـ 18، في مختلف المستشفيات والمراكز الصحية في ميكيلي.
وقد عبر مجلس الأمن الدولي عن قلقه إزاء الوضع الإنساني في إقليم تيجراي بإثيوبيا، والأنباء عن انتهاكات لحقوق الإنسان هناك، أبرزها العنف الجنسي ضد النساء.
وقال المجلس في بيان: “أعضاء مجلس الأمن عبروا عن قلقهم العميق على خلفية الأنباء عن انتهاكات حقوق الإنسان وإساءة المعاملة بما فيها تعرض النساء والفتيات للعنف الجنسي في إقليم تيجراي”، داعيا إلى التحقيق العاجل في هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها.
وكان نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية “مارك لوكوك” أعلن أن العنف الجنسي يستخدم كسلاح في إقليم تيجراي الإثيوبي، مشيرا إلى أن الأوضاع هناك لم تتحسن.
المصادر:
1- نساء تيجراي يروين مآسيهن مع الاغتصاب الوحشي والجماعي، الاندبندنت، مارس 2021.
2- الصراع في تيجراي: تقارير عن إجبار الرجال على اغتصاب ذويهم، BBC، فبراير 2021.
3- Health official alleges ‘sexual slavery’ in Tigray, Reuters, April 2021.
4- Vicious mass rape of women has become a weapon against the Tigray in Ethiopian war, Global voices, July 2021.
5- الاستراتيجية الإقليمية: حماية المرأة العربية.. الأمن والسلام، جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، 2012.
باحثة ببرنامج السياسات العامة