أفريقيا

“بوليتيكو” الأمريكية: في إثيوبيا.. أصداء يوغوسلافيا

عرض – محمد حسن

تحت عنوان “في إثيوبيا.. أصداء يوغوسلافيا“، كتبت عضو مجلس اللوردات البريطاني “أرمينكا هيلك” والتي عملت مستشارًا خاصًا لوزير الخارجية “ويليام هيغ” من 2010 لـ 2014، مقالًا تسلط فيه الضوء على مصير الفيدرالية الإثيوبية في سياق الحرب الأهلية الحالية. فقد قارنت الكاتبة بين يوغوسلافيا التي وُلِدت بها، وبين إثيوبيا من حيث خطاب الكراهية والتطهير العرقي، إذ قالت الكاتبة إن حالة التشابه بين الحالتين تجعلها تشعر بالخوف على شعب إثيوبيا.

وتوضح الكاتبة أن إثيوبيا اليوم مثل يوغوسلافيا، كانت دولة كبيرة متعددة الأعراق لها تاريخ حديث من الديكتاتورية، وتمر بفترة من التغيير السياسي. وفشلت محاولات تحويل يوغوسلافيا إلى صربيا الكبرى (وبعضها إلى كرواتيا الكبرى) بالقوة، ولكن فقط بعد أربع سنوات من الحرب والإبادة الجماعية وتفكك البلاد. بعد مرور ثلاثين عامًا، نظرت إلى إثيوبيا وأخشى أن يعيد التاريخ نفسه.

وحول كيفية اندلاع الحرب في يوغوسلافيا التي أدت إلى تفككها، أشارت الكاتبة إلى أن الحرب اليوغوسلافية بدأت ببطء، ولكن بشكل متعمد؛ إذ قام السياسيون بتطويع النزعة القومية للحفاظ على مناصبهم، ومارسوا الحرب بأساليب الإبادة الجماعية من أجل “حماية” شعوبهم بوصفها التعبير النهائي عن تلك القومية. وتحولت الآلات الحربية للدولة اليوغوسلافية الفيدرالية ضد قسم من سكانها عُدُّوا “مخطئين”، واستُخدمت القوات المسلحة لقتل نفس الأشخاص الذين كان من المفترض أن تحميهم.

وحول التطورات الميدانية المرتبطة بالنموذج اليوغوسلافي، تشير الكاتبة إلى تشابهه إلى حد كبير مع النموذج الإثيوبي. إذ تلفت إلى أن القتال في يوغوسلافيا انطلق من منطقة وامتد إلى مناطق أخرى، وتسببت الفظائع الإنسانية التي حدثت في إشعال المزيد من الفظائع الأخرى. أما عن المجتمع الدولي فتقول الكاتبة إنه كان صامتًا في البداية، لكنه تدخل في نهاية المطاف وجمد الحرب، ولكن فقط بعد أن أثبتوا في أفضل الأحوال أنهم غير قادرين، وفي أسوأ الأحوال ضارون بشكل فعال، فيما يرتبط بتجميد الحروب ومنع الفظائع الإنسانية في الحروب، وطوال السنوات الأربع تفككت يوغوسلافيا إلى خمس دول اليوم، وبعد مزيد من الصراع، تتكون المنطقة من سبع دول، وما زالت تمزقها التوترات والتطلعات القومية.

وتسلط الكاتبة الضوء على تصريحات “آبي أحمد” تجاه شعب تيجراي، حيث وصفهم بـ “عدو إثيوبيا وسرطانها”، وأنهم مجرد “أعشاب غازية” يجب اقتلاعها من جذورها. وعدت الكاتبة هذه التصريحات خطيرة وتحمل في طياتها الإبادة العرقية. مضيفة أن هناك قتال الآن في تيجراي منذ تسعة أشهر وفي ذلك الوقت سمعنا تقارير مروعة عن الفظائع والمذابح والنهب والعنف الجنسي المنهجي، وإعاقة وصول المساعدات الإنسانية عمدًا. وهناك دلائل على أن الجوع يُلحق عمدًا كسلاح لتجويع التيجراي وإجبارهم على الخضوع. كلمات أبي هي تحذير من أن الصراع قد يزداد سوءًا. إنهم يحرضون الإثيوبيين على الانقلاب على التيجراي – “لاقتلاعهم من جذورهم”. إنه يستهدف في انتقاداته “المجلس العسكري”، ولكن يبدو أن لغته القائمة تجعل جميع التيجراي أقل شأنًا.

وحول إدراك آبي أحمد لحقيقة الموقف، تقول الكاتبة إنه يعرف أن ما يقترحه هو أمر وحشي، وأشارت إلى تصريحاته التي أعلن فيها “أن أطفال إثيوبيا يعرفون عدوهم، وهم يعرفون ماذا يفعلون. وسوف يفعلون ذلك”. وتؤكد الكاتبة أنه لم يعد يتم تقديم العملية العسكرية في تيجراي على أنها مجرد عملية بوليسية، ولكن بوصفها جهدًا شاملًا للأمة بأكملها للقضاء على تهديد مميت، تهديد محدد على أساس العرق. 

ومثلما انتشر القتال في يوغوسلافيا ليشمل المناطق والوحدات المختلفة التي تتكون منها الدولة، كذلك هناك مؤشرات على انخراط مناطق إثيوبيا الأخرى وجيرانها في الصراع هناك، إذ نشط الجنود الإريتريون وميليشيات الأمهرة العرقية في تيجراي طوال الصراع، وربما ارتكبوا بعض أسوأ الفظائع، وتحدثت قوات التيجراي عن نقل القتال إليهم في إريتريا والأمهرة. ودخلت قوات تيجراي مؤخرًا منطقة عفر المجاورة بقصد معلن هو “إضعاف قدرات العدو القتالية”.

وقياسًا على التطورات الإثيوبية تقول الكاتبة إن تلك الديناميات تتشابه إلى حد كبير ما حصل في يوغوسلافيا؛ فبمجرد بدء الحرب أصبح احتواؤها أكثر صعوبة، فعدوك هو عدوك أينما كان، وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من الصراعات في يوغوسلافيا نشأت من المناورات على السلطة في دولة منهارة. وفي إثيوبيا، العنف المتقطع بين الأعراق واضح للعيان، وليس من الصعب تخيل الحرب في تيجراي، وإضعاف الدولة المركزية التي تسببها مما يفتح المجال لمزيد من الصراع.

وفي التسعينيات، عندما تمزقت يوغوسلافيا أثبتت الدول الغربية عدم استعدادها للعمل حتى فوات الأوان. وفي إثيوبيا اليوم يمكننا أن نرى علامات على نفس التقاعس عن العمل. إن حجم البلد وأهميته يعظم في احتمالات أن يكون الصراع هناك مدمرًا للغاية بما يعيق الحكومات عن العمل على احتواء الصراع، وبما في ذلك الحكومة في المملكة المتحدة التي تنفر من مخاطر الإضرار بالعلاقات التجارية أو العلاقات مع شريك مهم ودعامة إقليمية.

وحول طريقة التعامل المثلى من الحكومات تجاه الحكومة الإثيوبية، تقول الكاتبة إنه عندما يتحدث رئيس الوزراء عن خصومه على أنهم أعشاب ضارة وسرطان، وعندما يتم استخدام الاغتصاب والمجاعة كأسلحة، وعندما يبدو أن دولة ما على طريق يمكن أن يؤدي إلى الانهيار، فمن غير الممكن الحفاظ على العلاقات الطبيعية مع تلك الحكومة. وتؤكد الكاتبة أنه يجب على حكومة المملكة المتحدة والمجتمع الدولي أن يضعوا جانبًا في الوقت الحالي السعي إلى إقامة روابط تجارية أعمق مع حكومة أبي احمد، وقبول أن العمل الجاد لدبلوماسية الصراع مطلوب.

وتخلص الكاتبة إلى وجوب دعم الاتحاد الإفريقي، والسعي إلى صياغة موقف مشترك وراءه مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من أجل مساعدة الأطراف المتحاربة المختلفة نحو السلام، وسحب إثيوبيا من حافة الهاوية. مشيرة للاستعداد لاستخدام العقوبات لدعم تلك الدبلوماسية، إذا لم تسفر عن نتائج كما فعلت الولايات المتحدة بالفعل. فالحرب في يوغوسلافيا بدأت بالخطب والخلافات السياسية والاشتباكات الصغيرة. وقد استمرت ونمت جزئيًا بسبب التقاعس الدولي. لقد حان الوقت لأن يكثف المجتمع الدولي ويبذل جهودًا دبلوماسية أكثر تضافرًا لتأمين السلام في إثيوبيا. لم يفت الأوان أبدًا لتعلم دروس التاريخ.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى