تركيا

“واشنطن بوست”: اعتراف بايدن بمذابح الأرمن يأتي في أعقاب حملة ضغط مطولة

عرض – محد هيكل

اعترف الرئيس الأمريكي جو بايدن بمذبحة “الأرمن” التي ارتكبتها الإمبراطورية العثمانية عام 1915 كإبادة جماعية أمس السبت، وهي تسمية تجنبها رؤساء أمريكيون سابقون منذ فترة طويلة خوفا من الإضرار بالعلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا.

وذكرت صحيفة  “واشنطن بوست”   الأمريكية أن القرار يأتي في أعقاب حملة ضغط مطولة من قبل أعضاء الكونجرس والجماعات الأرمينية الأمريكية الحريصة على رؤية البيت الأبيض يستخدم مصطلح تبناه العديد من العلماء من أوائل القرن العشرين لتوصيف ما حدث عام 1915.

وقال بايدن إن: “الشعب الأمريكي يكرم جميع الأرمن الذين لقوا حتفهم في الإبادة الجماعية التي بدأت قبل 106 سنوات اليوم.. دعونا نجدد تصميمنا المشترك على منع الفظائع المستقبلية من الحدوث في أي مكان في العالم، وعلينا متابعة الشفاء والمصالحة لجميع شعوب العالم”.

وفقا “لواشنطن بوست” يقدر المؤرخون أن 1.5 مليون أرمني قتلوا في حملة مسيرات قسرية وعمليات قتل جماعي ولدت من مخاوف عثمانية من أن السكان الأرمن المسيحيين سينسجمون مع روسيا خلال الحرب العالمية الأولى، مما حرض على العدو اللدود للأتراك العثمانيين.

واعترفت تركيا بأن العديد من الأرمن قتلوا في القتال مع القوات العثمانية عام 1915، لكنها تنازع على عدد الضحايا الأكبر، وتنفي أن الأحداث شكلت إبادة جماعية، وتعتبر مثل هذه الادعاءات افتراء ضد مؤسس الدولة التركية الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك.

على الجانب التركي انتقد وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، على الفور تصريحات بايدن   عبر منصة تويتر وغرد عليها قائلاً ” لا يمكن للكلمات تغيير التاريخ، ولا يمكنهم إعادة كتابته ، نحن لن نتعلم من أي شخص حول تاريخنا، الانتهازية السياسية هي أكبر خيانة للسلام والعدالة، نحن نرفض تماما هذا التفسير ، والذي الأساس الوحيد لها هو الشعوبية “

 #أحداث1915

وتأتي خطوة بايدن الأخيرة وسط تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن شراء تركيا للمعدات العسكرية الروسية وانتهاكات حقوق الإنسان والتدخلات في سوريا وليبيا.

ووفقا للبيت الأبيض فقد دار اتصال هاتفي بين الرئيسين بايدن وأردوغان الجمعة، لكن بيان البيت الأبيض لم يشر إلى أي حديث حول موضوع مذابح عام 1915، فيما ذكر البيان أن بايدن أعرب عن اهتمامه بـ”علاقة ثنائية بناءة في مجالات التعاون الموسعة والإدارة الفعالة للخلافات”.

تأتي خطوة بايدن في 24 أبريل، وهو التاريخ الذي حاصر فيه العثمانيون القادة والمثقفين الأرمن في اسطنبول في عام 1915 فيما يعتبره العديد من العلماء المرحلة الافتتاحية للإبادة الجماعية الأولى في القرن العشرين.

في بيانه لتكريم ضحايا المجزرة، أشاد بايدن بمساهمات المهاجرين الأرمنيين حول العالم، بما في ذلك الأرمن الأمريكيين.

وقال بايدن في بيانه: “مع القوة والمرونة، نجا الشعب الأرمني وأعاد بناء مجتمعه”، على مدى عقود أثرى المهاجرون الأرمن الولايات المتحدة بطرق لا حصر لها، لكنهم لم ينسوا أبدا التاريخ المأساوي الذي جلب الكثير من أسلافهم إلى شواطئنا”.

وأشادت الجماعات الأرمنية الأمريكية بالخطوة التي طال انتظارها.

وقال بريان أردوني، المدير التنفيذي للجمعية الأرمنية الأمريكية:” إن تأكيد الرئيس بايدن للإبادة الجماعية للأرمن يمثل لحظة بالغة الأهمية في تاريخ دفاعا عن حقوق الإنسان”، من خلال الوقوف بحزم ضد قرن من الإنكار، الرئيس بايدن قد رسم مسارا جديدا.”

كان الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان أشار إلى المذبحة على أنها إبادة جماعية في وقت مبكر من ولايته الأولى، لكن خلفائه من الرؤساء لم يقوموا بذلك بدافع القلق من تنفير تركيا، الحليف بالناتو الذي كان لسنوات يعتبر عضوا ذا قيمة استراتيجية في التحالف العسكري.

ظل العديد من الرؤساء الأمريكيين، حتى أولئك الذين وعدوا في الحملة الانتخابية بإصدار إعلان، مدركين لهذه الحساسية ووصفوا عمليات القتل الممنهجة بحق الأرمن بأنها “مأساة مروعة.”

إلى جانب التزام بايدن المعلن بحقوق الإنسان، يقول المحللون إن الرئيس كان يتمتع بحرية أكبر من الرؤساء الأمريكيين الآخرين بسبب استمرار الانجراف في العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا تحت قيادة أردوغان.

في السنوات الماضية، كانت وزارة الدفاع ومكتب الشؤون الأوروبية والأوراسية بوزارة الخارجية ينصحان الرؤساء بعدم وصف الفظائع بأنها إبادة جماعية. لكن المسؤولين الأمريكيين، وخاصة في البنتاغون، كانوا غاضبين من أردوغان بسبب شرائه لنظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400 ، الذي يقولون إنه يتعارض مع المعدات العسكرية لحلف الناتو ويشكل تهديدا لأمن التحالف.

وقال سونر كاجابتاي، الباحث التركي في معهد واشنطن، الذي أشار أيضا إلى خلاف قوي حول تصرفات تركيا في العراق وسوريا:” كانت وزارة الدفاع أكبر مشجع لتركيا”. “الآن العكس هو الصحيح.”

وأشاد المشرعون في الكونجرس ، بما في ذلك أولئك الذين لديهم دوائر انتخابية أرمنية أمريكية كبيرة  بالقرار.

وقالت السيناتور إليزابيث وارن تعليقاُ على خطوة بايدن ” أثني على قرار الرئيس بايدن بالاعتراف رسميا بالإبادة الجماعية للأرمن، إن تسمية هذه الفظائع بما كانت عليه -(الإبادة الجماعية)- طال انتظارها، ويجب أن ندرك أهوال الماضي إذا كنا نأمل أن نتجنب تكرارها في المستقبل.”

كما أشادت الجمعية الأمريكية الأرمنية بالقرار عبر موقعها الإلكتروني وأصدرت سلسة مقالات حول ردود الأفعال تجاه القرار الأمريكي التاريخي كما أصدرت مقالاً تفصيلياً عن جهود الجمعية ومناصريها لإقناع الرئيس بايدن وإدارته كما الجهود التي سبقت الإدارة الحالية ،واصفتاً إعلان الرئيس بالنصر على الغوغاء والصوت العالي التركي وتتويج لجهود الجمعية الأمريكية الأرمنية على مدى السنوات السابقة

في عاصمة أرمينيا ، يريفان ، وضع الناس الزهور وتجمعوا في نصب تذكاري على قمة التل حول الهب الأبدي لضحايا المذابح والترحيل من قبل العثمانيين.

وقال نائب وزير خارجية أرمينيا ، أفيت أدونتس ، في النصب التذكاري يوم السبت إن إعلان بايدن كان ” خطوة مهمة ، مضيفا لوكالة “أسوشيتد برس” أن ذلك ” سيكون أيضا مثالا لبقية العالم المتحضر”.

وفي تركيا ، نشرت وزارة الخارجية مواد فيديو ورسائل لإحياء ذكرى وفاة الدبلوماسيين الأتراك الذين قتلوا في العقود الماضية على يد المسلحين الأرمن، وأرسل الرئيس أردوغان رسالة إلى الأسقف ساهاك مشاليان ، رئيس البطريركية الأرمنية في اسطنبول ، يستحضر فيها ما قاله حول “ثقافة التعايش التي تعود إلى قرون” بين الأتراك والأرمن ويحذر من “تسييس” العلاقة من قبل “أطراف ثالثة” ، وفقا لوكالة الأناضول للأنباء .

وقد منع الإغلاق الاحترازي لفيروس كورونا في اسطنبول التجمعات لإحياء ذكرى عمليات القتل الجماعي، بما في ذلك ما أصبح تظاهرة سنوية عند مقبرة سيفاج باليكتشي ، وهو جندي أرمني تركي قتل في 24 أبريل 2011 ، في ما وصفته السلطات في البداية بإطلاق النار العرضي والذي يرى النشطاء الأرمن إنه جريمة قتل بدافع الكراهية للجندي الأرمني الأصل.

وتشمل التجمعات السنوية أيضا معلما آخر في إسطنبول وهو متحف الفنون التركية والإسلامية، الذي كان قبل أكثر من قرن مركز الشرطة العثمانية حيث تم احتجاز مئات المثقفين الأرمن بعد جمعهم وحصارهم في المدينة في 24 أبريل 1915.

وفي بيان مطول ، أكدت وزارة الخارجية التركية أن قرار بايدن اتخذ ” تحت ضغط الدوائر الأرمنية المتطرفة والجماعات المناهضة لتركيا.” وفيما يتعلق بأحداث عام 1915 ، أضاف البيان” لم يتم استيفاء أي من الشروط المطلوبة لاستخدام مصطلح “الإبادة الجماعية” المحدد بدقة في القانون الدولي”

“هذا البيان الأمريكي، الذي يشوه الحقائق التاريخية، لن يتم قبوله أبدا في ضمير الشعب التركي ، وسيفتح جرحا عميقا يقوض ثقتنا المتبادلة وصداقتنا”.

جزء من بيان الخارجية التركية

محمد هيكل

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى