أبعاد زيارة أمير الكويت إلى مصر
أعلن الديوان الأميري الكويتي صباح الاثنين الموافق 29 أبريل 2024 عن توجه الشيخ مشعل الأحمد الصباح أمير دولة الكويت على رأس وفد كبير لزيارة مصر الثلاثاء الموافق 30 أبريل 2024، لإجراء مباحثات مع الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن العلاقات بين البلدين، والتطورات الإقليمية والدولية. وتُعد هذه الزيارة الأولى للأمير الكويتي منذ توليه مقاليد الحكم في ديسمبر الماضي، كما تتزامن الزيارة مع بداية تولي الرئيس السيسي الولاية الرئاسية الجديدة. وتكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة في ظل التحديات الإقليمية والدولية الراهنة، حيث تُتيح الفرصة للبلدين لبحث سبل تعزيز التعاون في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية، والعمل على إيجاد حلول مشتركة للتحديات التي تواجه المنطقة.
مجالات التعاون المُشترك بين مصر والكويت
تحمل زيارة أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح إلى مصر أبعادًا استراتيجية مهمة في إطار التأكيد على الحرص على تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون بين البلدين على كافة الأصعدة، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
- علاقات تاريخية راسخة: يوجد دعم كويتي مصري متبادل عبر التاريخ، وهناك العديد من الأمثلة التي تؤكد على دعم الكويت الثابت لمصر، ويمكن أن نذكر منها مساندة الكويت لوحدة مصر وسوريا عام 1958، إيمانًا منها بأهمية الوحدة العربية في مواجهة التحديات الخارجية، وكذلك الوقوف إلى جانب مصر في مواجهة عدوان 1967: في حرب يونيو 1967، كما شاركت الكويت في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، إيمانًا منها بضرورة استعادة الأراضي المصرية المحتلة. كما لعبت مصر دورًا فاعلًا عندما تعرضت الكويت لغزو عراقي عام 1990، فقد كانت مصر من أوائل الدول التي انضمت إلى التحالف الدولي لتحرير الكويت.
- الزيارات المتبادلة: تؤكد الزيارات المتكررة على عمق العلاقات التي تربط بين الكويت ومصر، وعلى حرص البلدين على تعزيز التعاون في مختلف المجالات، بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين. وتعتبر زيارة أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح لمصر الأولى منذ توليه مقاليد الحكم في ديسمبر الماضي، فيما زارها في 21 أكتوبر عام 2021 حينما كان وليًا للعهد ممثلًا لأمير البلاد الراحل الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح في قمة القاهرة للسلام، كما زارها في 7 نوفمبر عام 2022 ممثلًا لأمير البلاد في مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ والنسخة الثانية من قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر. وفي 17 ديسمبر عام 2021 زار الرئيس عبد الفتاح السيسي الكويت حيث قدم واجب العزاء في وفاة أمير البلاد الراحل الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، وقد التقى الرئيس السيسي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح معربًا عن خالص التمنيات لسموه بالتوفيق والسداد في استكمال مسيرة التقدم والنماء بالبلاد، وسبقت تلك الزيارة زيارة رسمية للرئيس المصري إلى الكويت في 22 فبراير عام 2022 التقى خلالها أمير البلاد الراحل وناقشا عددًا من القضايا الإقليمية والدولية التي تهم البلدين وسبل التعاون المثمر بينهما في مختلف المجالات بما يخدم مصالحهما المشتركة.
- الصعيد السياسي: تأتي زيارة أمير الكويت إلى مصر في توقيت بالغ الأهمية في ضوء التحديات الإقليمية. وتتيح الزيارات تبادل الرؤى والتشاور حول تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين على كافة المستويات، والتأكيد على أهمية التعاون للتعامل مع التحديات ومواجهة التهديدات المشتركة، وهو ما يتطلب تكثيف الزيارات المتبادلة. وهناك توافق في الرؤى بين البلدين حيال القضايا الإقليمية والدولية كافة، ولا سيما القضية الفلسطينية. ونجد أن موقف الدولتين يتمحور حول دعم القضية الفلسطينية والوقوف بجانب الشعب الفلسطيني الشقيق وحقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. كما ترفض الدولتان الخطط الإسرائيلية لتهجير سكان قطاع غزة بشكل خاص والشعب الفلسطيني الشقيق بشكل عام من وطنهم.
- الصعيد الاقتصادي: تلعب الكويت دورًا هامًا كشريك استراتيجي رئيسي في مسيرة التنمية الاقتصادية لمصر، وذلك من خلال مساهمات الحكومة والقطاع الخاص الكويتيين الفاعلة. وتُعدّ الكويت ثالث أكبر شريك تجاري عربي لمصر بعد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، باستثمارات ضخمة تبلغ قيمتها حوالي 20 مليار دولار. وتحتلّ الكويت المرتبة الرابعة عالميًا بين الدول المستثمرة في مصر، حيث تتوزع استثماراتها على مختلف المحافظات والمناطق المصرية، مع تركيز خاص على القاهرة والإسكندرية ومحافظات الدلتا والصعيد. وتتنوع هذه الاستثمارات لتشمل مختلف القطاعات الاقتصادية والمالية. كما نجد أن برامج التمويل التي قدمها الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية قد أسهمت في تمويل 50 مشروعًا استراتيجيًا تسهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد المصري.
- الصعيد الأمني: تحرص القاهرة على التأكيد على استقرار وأمن الكويت، وتحرص القاهرة على التأكيد أن أمن الخليج بصفة عامة وأمن الكويت بصفة خاصة جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وذلك لمواجهة التحديات الإقليمية المشتركة. ويتمحور التعاون الأمني بين البلدين حول التبادل المستمر للمعلومات الاستخباراتية حول التهديدات الأمنية والإرهابية، وتنظيم التدريبات العسكرية المشتركة لتطوير قدرات القوات الأمنية في البلدين، والمشاركة في العمليات الأمنية الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وكذلك التعاون في مجال مكافحة الاتجار بالبشر والمخدرات وغسل الأموال.
- الصعيد الثقافي والتعليمي: يشهد المجال الثقافي والتعليمي بين مصر والكويت علاقات وثيقة وقوية، تجسدها أواصر تاريخية عميقة وتعاون مثمر على مختلف الأصعدة. وتعود جذور هذه العلاقات إلى استقبال القاهرة للبعثات الطلابية من دولة الكويت، إيمانًا منها بأهمية تبادل المعرفة. وتُعد الجالية الكويتية في مصر من أكبر الجاليات العربية، حيث يتواجد ما يقارب 30 ألف طالب كويتي يدرسون في مختلف الجامعات المصرية.
- الصعيد الإعلامي: يعود تاريخ التعاون الإعلامي بين مصر والكويت إلى عام 1998، عندما وقع البلدان اتفاقية التعاون الإعلامي المشترك في القاهرة. وتهدف هذه الاتفاقية إلى دعم التعاون في مختلف المجالات الإعلامية. وفي عام 2017، عززت مصر والكويت تعاونهما الإعلامي من خلال توقيع وكالة الأنباء الكويتية ووكالة أنباء الشرق الأوسط ملحقًا للاتفاقية. ويهدف هذا الملحق إلى دعم وتوطيد العلاقات الإعلامية الثنائية، وفتح آفاق جديدة للتعاون بين الوكالتين في الخدمات التي تقدمها كل منهما، وتعزيز تبادل الأخبار والمعلومات.
أهمية الزيارة
تكتسب زيارة أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح لمصر أهمية بالغة، وجاءت في توقيت بالغ الأهمية؛ إذ إن الزيارة قد جاءت في أعقاب قيام أمير الكويت بجولة خارجية شملت السعودية والبحرين وسلطنة عُمان وقطر والإمارات والأردن. وتُعد زيارة أمير الكويت بمثابة فرصة لإجراء مُباحثات حول العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، لاسيما في ظل التوتر الذي شهدته المنطقة عقب الهجمات المُتبادلة بين إيران وإسرائيل، وسط استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وفي ضوء ما سبق ذكره، يمكن استعراض أبرز الملفات التي سيتم مناقشتها خلال المباحثات الرسمية بين أمير الكويت والرئيس المصري، وذلك على النحو التالي:
- دعم وتعزيز العلاقات الثنائية: تهدف الزيارة إلى دعم وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والعسكرية. ويسعى البلدان إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما، وزيادة حجم التبادل التجاري.
- بحث القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك: تُعد مصر والكويت من الدول العربية الفاعلة في الساحتين العربية والإقليمية، وتلعبان دورًا مهمًا في تعزيز العمل العربي المشترك، ولذلك من المُتوقع أن تبحث الزيارة القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، لاسيما القضية الفلسطينية، والعمل على دفع جهود لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، ليحصل الفلسطينيون على حقوقهم المشروعة، وبذل الجهود المُكثفة لوقف إطلاق النار، وإنفاذ المساعدات الإنسانية” إلى قطاع غزة.
وفى الختام، يمكن القول إن زيارة الشيخ مشعل الأحمد الصباح أمير دولة الكويت إلى مصر تكتسب أهمية بالغة، كما أنها جاءت في توقيت بالغ الأهمية؛ إذ إن الزيارة بمثابة فرصة لإجراء مباحثات حول العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك. كما أن علاقات الأخوة التي تجمع مصر والكويت، والحرص على أمن واستقرار الوطن العربي، يتطلبان تضافر الجهود بين البلدين والعمل على استمرار التنسيق للارتقاء بالعلاقات الثنائية ومواجهة التحديات المشتركة على الصعيدين الإقليمي والدولي.