في خضم ما يشهده إقليم الشرق الأوسط من اضطرابات وأزمات إقليمية، تتصدرها الأزمة في قطاع غزة، وتدهور الوضع الأمني في ممر البحر الأحمر، وكذلك ما يشهده الملف الليبي من تحديات فرضت حالة من الجمود على ملف الانتخابات الليبي، عُقدت بقصر الاتحادية اليوم 14 فبراير، أول قمة مصرية تركية منذ أكثر من 10 سنوات بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تضمنت جلسة مباحثات مشتركة ترمي نحو بدء صفحة جديدة من العلاقات الثنائية، والتنسيق والتشاور بشأن العديد من الملفات والتحديات الإقليمية، والتي يأتي على رأسها وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ودخول كميات متزايدة من المساعدات الإنسانية لأهالي القطاع، وأعرب الرئيس السيسي في ختامها عن ترحيبه بزيارة تركيا في أبريل المقبل لمواصلة العمل على ترفيع علاقات البلدين في شتى المجالات.
انطلاقًا مما سبق، تهدف المقالة لتناول أبرز ما ورد في القمة المصرية التركية من مباحثات تعكس الملفات محل الاهتمام المشترك، ناهيك عن مناقشة ما تحمله القمة من دلالات ورسائل، وذلك على النحو التالي:
أولًا: أبرز الملفات محل الاهتمام المصري التركي
ملفات عدة كانت محل التباحث المصري التركي في أول قمة تجمع بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي، ورجب طيب أردوغان منذ أكثر من 10 سنوات، يُمكن تناولها على النحو التالي:
1- تصحيح مسار العلاقات التركية المصرية
أعرب الرئيس السيسي عن ترحيبه بالرئيس أردوغان والوفد المرافق له في أول زيارة له إلى القاهرة منذ أكثر من 10 سنوات، من أجل بدء صفحة جديدة بين البلدين، ووضع العلاقات على مسارها الصحيح، اعتزازًا بالعلاقات التاريخية الممتدة بين البلدين، وامتدادًا للإرث الحضاري والثقافي المشترك.
2- استمرار التواصل الشعبي ونمو العلاقات التجارية الثنائية خلال السنوات العشر الماضية
حرص السيسي على إبراز استمرار التواصل الشعبي خلال السنوات العشر الماضية، كما شهدت العلاقات التجارية والاستثمارية نموًا مضطردًا خلال تلك الفترة، حيث تعد القاهرة حاليًا هي الشريك التجاري الأول لتركيا في أفريقيا، كما أن تركيا تعد من أهم عملاء الصادرات المصرية.
وأضاف الرئيس السيسي أن التجربة أثبتت الجدوى الكبيرة للعمل المشترك بين قطاعات الأعمال بالبلدين، وبالتالي يسعى البلدان إلى رفع التبادل التجاري بينهما إلى 15 مليار دولار خلال السنوات القليلة القادمة، وتعزيز الاستثمارات المشتركة، وفتح مجالات جديدة للتعاون.
بينما أكد الرئيس أردوغان على عزم البلدين زيادة حجم الاستثمارات التركية في مصر بحدود 3 مليارات دولار حاليا، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات الطاقة وصناعة الدفاع. وبحث إمكانية اتخاذ تدابير إضافية لزيادة التعاون التجاري والاقتصادي، مشيرًا إلى أن الصناعات العسكرية والدفاعية تعتبر مجالًا أثبتت تركيا قوتها فيه، وأنه يُمكن تطوير العلاقة بين مصر وتركيا بنًاء على الطاقات الكامنة بينهم، خاصة في مجال الطاقة، وتعزيز الروابط بين البلدين في المجالات السياحية والتعليمية والثقافية.
3- التأكيد على التنسيق المشترك في ملفات إقليمية عدة
أشار الرئيس السيسي إلى اهتمام القاهرة بتعزيز التنسيق المشترك، والاستفادة من موقع الدولتين كمركَزَيْ ثقل في المنطقة، بما يسهم في تحقيق السلم، وتثبيت الاستقرار، وتوفير بيئة مواتية لتحقيق الازدهار والرفاهية. ولقد تصدرت عدة ملفات أجندة المباحثات الثنائية بين البلدين، هي كالتالي:
أ- الأزمة في غزة: أكد الرئيسان على استمرار التعاون القائم بين مصر وتركيا من أجل ضمان النفاذ السريع لأكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، في ضوء ما تمارسه السلطات الإسرائيلية من تضييق على دخول تلك المساعدات.
كما توافق الرئيسان على ضرورة وقف إطلاق النار في القطاع بشكل فوري، وتحقيق التهدئة بالضفة الغربية حتى يتسنى استئناف عملية السلام في أقرب فرصة، وصولًا إلى إعلان الدولة الفلسطينية ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
ب- الملف الليبي: أكد الرئيسان على ضرورة تعزيز التشاور بين البلدين حول الملف الليبي، بما يساعد على عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتوحيد المؤسسة العسكرية بالبلاد.
ج- التهدئة في شرق المتوسط: حيث رحب الرئيسان بالتهدئة الحالية في منطقة شرق المتوسط، مع تطلع البلدين للبناء عليها، وصولًا إلى تسوية الخلافات القائمة بين الدول المتشاطئة بالمنطقة، والاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية المتاحة بها.
د- دعم مساع التنمية في أفريقيا: أكد الرئيسان على اهتمامهما المشترك بالتعاون في أفريقيا، والعمل على دعم مساعيها للتنمية وتحقيق الاستقرار والازدهار.
ثانيًا: رسائل القمة المصرية التركية الأولى منذ أكثر من 10 سنوات
بعثت القمة المصرية التركية بحزمة من الرسائل، كما أنها عكست عدة دلالات تأتي في ضوء أنها القمة الأولى المصرية التركية التي تجمع بين الرئيسين السيسي وأردوغان منذ 10 سنوات، ناهيك عن أن القمة تأتي في خضم تطورات إقليمية متسارعة في عدة ملفات مشتعلة. وهو ما يُمكن مناقشته على النحو التالي:
1- إعادة بناء الثقة في العلاقات بين البلدين:
تأتي زيارة الرئيس التركي أردوغان لكسر الجليد القائم بين مصر وتركيا خلال سنوات ماضية من التراجع والجمود، والعمل على رفع مستوى العلاقات بين البلدين واستعادة قوتها ومتانتها عبر تعزيز الشراكات والتعاون الثنائي في مختلف المجالات، لا سيما الملف الاقتصادي والتعاون التجاري بين البلدين. ومن ثم، تُعد الزيارة نقطة تحول في مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، كما أنها تُعد إعلانًا رسميًا لتقدم مسار التقارب الذي بدأ بين البلدين في مايو 2021.
وعلى خلفية هذه الزيارة، وقع الرئيسان على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، والتوقيع على إعلان مشترك حول إعادة تشكيل اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين. كذلك يحرص البلدان على تعزيز التعاون في مجالي الطاقة والصناعات العسكرية؛ فمن الجدير بالذكر أن القاهرة أعلنت قبل أيام عن شراء طائرات غير مأهولة قتالية من تركيا. والتأكيد على رفع التبادل التجاري بين البلدين الذي يسجل حاليًا 7 مليارات دولار، إلى 15 مليار دولار خلال سنوات قليلة، مع تأكيد الرئيس أردوغان على عزم أنقرة حاليًا على زيادة حجم الاستثمارات التركية في مصر بحدود 3 مليارات دولار. كما حرص الرئيس السيسي على تلبية دعوة الرئيس التركي لزيارة تركيا في أبريل 2024.
2- التنسيق في عدد من الملفات الإقليمية محل الاهتمام المشترك
يتمتع كلا البلدين بثقل إقليمي كبير، ما يجعل من التنسيق بينهما تجاه عدد من الملفات الإقليمية المهمة ومحل الاهتمام المشترك أحد المؤشرات الدالة على إزالة الجمود بشأنها مع إمكانية التوصل لنتائج إيجابية، والتي يأتي على رأسها ملف الأزمة في غزة، حيث إن وحدة الموقفين المصري والتركي بشأن ضرورة وقف إطلاق النار في غزة وإدخال مزيد من المساعدات الإنسانية للقطاع، إلى جانب التنديد بالانتهاكات الإنسانية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، يخلق مساحة من التنسيق والتشاور حول مسار المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وسُبل التوصل لتسوية سياسية شاملة تُنهي التصعيد في القطاع، والتي قد يستعيد إقليم الشرق الأوسط على إثرها أمنه واستقراره.
ويتصدر الملف الليبي ثاني قائمة أولويات أجندة المباحثات الثنائية بين البلدين، انطلاقًا مما تُمثله ليبيا من أهمية جيواستراتيجية للقاهرة وأنقرة. فلقد اتاحت القمة فرصة مهمة لبناء تفاهمات حول الملف الليبي قد تُسفر عن حلحلة حالة الجمود الليبي في عدد من الملفات العالقة المهمة مثل الانتخابات التشريعية والرئاسية، وإخراج الميليشيات من البلاد، وتوحيد المؤسسة العسكرية، إلى جانب الاستفادة المشتركة من إعادة إعمار ليبيا.
علاوة على ذلك، احتل ملف الطاقة في منطقة شرق المتوسط أهمية بارزة لدى البلدين لا سيما أنقرة. ولقد حرصت القاهرة على البعث برسالة طمأنة لدول منتدى شرق المتوسط، عبر التأكيد على اتفاق القاهرة وأنقرة على تسوية الخلافات، كبوابة رئيسة للاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية في المنطقة ولانخراط أنقرة، وهو ما يتطلب موافقة دول المنتدى. فمن الجدير بالذكر، أن أنقرة تستورد أكثر من 90% من احتياجاتها من الطاقة وهو ما يجعل من ملف الطاقة أحد التحديات الرئيسة للاقتصاد التركي وأحد الملفات الضاغطة.
ولكون القارة الأفريقية تُمثل امتدادًا للمصالح المصرية والتركية، أحتل الملف الأفريقي مكانة بارزة في المباحثات بين البلدين، والتي يأتي على رأسها الأزمة السودانية، والأزمة الصومالية عقب توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال يمنح أديس أبابا موطئ قدم على البحر الأحمر.
نهاية القول، تأتي القمة المصرية التركية الأولى منذ أكثر من 10 سنوات، لفتح صفحة جيدة من العلاقات بين البلدين، تتصاعد الآمال في أن تلقي بظلالها على عدد من الملفات والأزمات الإقليمية محل الاهتمام المشترك بين أنقرة والقاهرة، والتي يأتي على رأسها الأزمة في غزة والأزمات الليبية والسودانية والصومالية. كما يبدو أن أنقرة أدركت أن أحد القنوات الرئيسة لحلحلة ما تواجهه من أزمات إقليمية وداخلية هو المرور عبر القاهرة، وبناء مساحة من التشاور بين البلدين، وهو ما ينعكس في السعي التركي لتأمين مصادر الطاقة، عبر التوصل لتفاهمات مع القاهرة تُمكنها من الاستفادة بالموارد الطبيعة في شرق المتوسط، ناهيك عن حرص البلدين لتعزيز التعاون التجاري ورفع مستوى التعاون لتعزيز النمو الاقتصادي.