
في ضوء الحادثة الأخيرة.. نظرة على خطة الدولة لتطوير سكك حديد مصر
في محاولة لفهم قطاع السكك الحديد من أين وإلى أين؟! فلا أحد ينكر معاناة هذا المرفق الحيوي طيلة العصور والسنوات الماضية، وكم عانت هذه المنظومة من الإهمال المتراكم الذي أدى إلى تهالك مرفق السكة الحديد لسنوات عديدة، فكثرت حوادث القطارات وكثرت ضحاياها من المصريين.
وقد يأتي في ذهن البعض العديد من الأسئلة مثل: متى تنتهي حوادث القطارات؟ وكيف تنتهي؟ وهل صعيد مصر كما يقولون في طي النسيان؟ وهل من الممكن إغلاق مرفق السكة الحديد لحين الانتهاء من تطويره تمامًا؟ وهل لزامًا إقالة وزير النقل عقب كل حادثة تحدث؟
بداية، في السنوات الماضية لم يكن لهذه الأسئلة إجابة، أو لربما كانت الإجابة بالسلب؛ فمرفق السكة الحديد على الرغم من كونه مرفقًا حيويًا إلا أنه طيلة السنوات المنقضية ظل يعاني الضعف والتهالك؛ فعام بعد عام يضعف هذا المرفق ويعاني نتيجة لاستهلاكه دون تطويره أو تجديده أو حتى إصلاحه، إلى أن وصل إلى مرحلة من التهالك أدت إلى حوادث كثيرة، وتسببت في وفيات وإصابات كثيرة.
ومن بضع سنوات، عكفت الدولة المصرية على وضع خطة للنهوض بهذا المرفق الحيوي المتهالك، وأولى الرئيس السيسي اهتمامًا كبيرًا بمنظومة النقل بشكل عام، والسكة الحديد بشكل خاص. إذ وجّه بسرعة الانتهاء من خطة تطوير شبكة السكك الحديدية بشقيها للركاب والبضائع، وإنشاء خطوط جديدة لربط مختلف أنحاء الجمهورية، والانتهاء من تحديث وميكنة مزلقانات وإشارات السكك الحديدية، والانتهاء من الأعمال الكهربائية الخاصة بها؛ وذلك لتحقيق أعلى معدلات الأمن للمواطنين ولضمان سلامة حركة القطارات.
وكانت وزارة النقل قد وضعت عدة خطط لتطوير مرفق السكة الحديد، ومن أبرزها خطة شاملة لعلاج مواطن الضعف بمنظومة السكك الحديدية عن الفترة من (2017 -2022)، تستهدف تجديد 1200 كم قضبان على مستوى الجمهورية، وتطوير الإشارات على مستوى كافة خطوط السكة الحديد، واستكمال تطوير المزلقانات، وتجديد أسطول القطارات من خلال شراء عربات وجرارات جديدة. وتبلغ تكلفة تجديد القضبان فقط 4.5 مليار جنيه، فيما تصل تكلفة تطوير الإشارات واستكمال تطوير المزلقانات حوالي 15 مليار جنيه، وشراء جرارات وعربات جديدة تصل تكلفتها إلى نحو 40 مليار جنيه.
وقد استطاعت مصر خلال السنوات القليلة الماضية توفير الدعم المالي اللازم لكل تلك المشروعات، والتي تمثل نقلة كبيرة في مجال السكك الحديدية، فسعت إلى جذب العديد من المؤسسات الدولية وكبريات الشركات العالمية في قطاع النقل والسكك الحديد لتمويل وتوريد ما تحتاجه البنية التحتية والأساسية لهذا القطاع، وجاءت أهم تلك الاتفاقيات والمشروعات على النحو التالي:
توقيع “اتفاقية إطار عمل لإنشاء مركز تدريب مهني مصري صيني مشترك لتكنولوجيا السكك الحديدية بين الهيئة القومية لسكك حديد مصر ممثلة في المعهد الفني لتكنولوجيا السكك الحديدية، ومعهد ناجينغ لتكنولوجيا السكك الحديدية “NIRT” وشركة أفيك الصينية. إضافة إلى توقيع بروتوكول تعاون بين الهيئة القومية لسكك حديد مصر والشركة القابضة للنقل البحري والبري التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام بشأن إنشاء شركة مشتركة للنقل متعدد الوسائط للبضائع، وكذلك تم توقيع بروتوكول تعاون لإنشاء محاكٍ متطور مماثل لأحدث أنظمة الإشارات المستخدمة عالميًا داخل مركز تدريب وردان.
وتم أيضًا توقيع مذكرة تفاهم للتعاون في مجال السكك الحديدية بين كل من هيئة سكك حديد مصر وشركة “Transmashholding” الروسية لتصنيع وتوريد 700 عربة ركاب مكيفة لهيئة سكك حديد مصر، وتقوم الشركة الروسية بتدبير التمويل اللازم لهذا المشروع، مع تعظيم دور التصنيع المحلي واستخدام المنتجات المصرية المطابقة لمواصفات المشروع.
هذا بالإضافة إلى صيانة 2119.4 كم من السكك الحديدية لزيادة معدل انتظام مواعيد قيام ووصول القطارات مع منع الحوادث الناتجة عن تهالك السكك. فنفذت الحكومة مشروعًا لتحسين 582 عربة سكة حديد مميزة غير مكيفة بورش كوم أبو راضي بتكلفة 139 مليون جنيه. ونفذت مشروع تحسين 1326 عربة سكة حديد مطورة غير مكيفة بورش أبو زعبل وطنطا والزقازيق والمنيا بتكلفة 92 مليون جنيه. وأيضًا شرعت في تنفيذ مشروعات لتحديث نظم الإشارات بخطوط السكة الحديد بتكلفة تصل إلى 12.5 مليار جنيه.
وبالتزامن مع الدفع بمجموعة من العربات والجرارات الجديدة في منظومة السكة الحديد، يتم عقد تدريبات دورية لسائقي القطارات والعاملين لتمكينهم من التعامل مع كافة الظروف التي يمكن أن يتعرضوا لها خلال عملهم.
هذا إلى جانب تفعيل دور التكنولوجيا الذي كان في مقدمة استراتيجية التطوير؛ فحُدثت نظم الإشارات لتصبح إلكترونية تحقق أعلى معدلات التحكم، وتزويد المزلقانات بأجراس وأنوار وبوابات أوتوماتيكية للحد من الحوادث، فضلا عن توفير نظام يتيح للسائق الاتصال بمراقب التشغيل في حالات الطوارئ أو الأعطال المفاجئة.
وقد اعتمدت الهيئة القومية لسكك حديد مصر وثيقة سياسة السلامة والتي تهدف إلى “تفعيل إجراءات السلامة كمبدأ أساسي في جميع العمليات التشغيلية”؛ لضمان توفير خدمة نقل آمنة ومنضبطة ونظيفة ومتطورة للركاب والبضائع.
فالدولة المصرية تجاهد في سبيل تطوير هذا الملف الشائك، فشملت خطة وزارة النقل لتطوير شبكة السكة الحديد القائمة إجمالي أطوال 9570 كم، وتطوير البنية التحتية من نظم الإشارات بجميع الخطوط الرئيسية بإجمالي أطوال 1800 كم، وجارٍ تنفيذ 971 كم بتكلفة 9.8 مليار جنيه، وازدواج الخطوط المفردة عالية الكثافة وكهربة إشاراتها بتكلفة 37 مليار جنيه لتصل التكلفة الإجمالية إلى 46.8 مليار جنيه. وكذلك إنشاء خطوط جديدة لخدمة الركاب والبضائع والربط مع دول الجوار بتكلفة 67.1 مليار جنيه، لتصل التكلفة الإجمالية لمشروعات الإشارات والازدواج والخطوط الجديدة إلى 114 مليار جنيه. ومن المفترض أن يأتي التطوير بثماره في نهاية عام 2022 وفقًا لخطة التطوير التي تقوم بها الدولة.
وقد ترددت أقوال بعد الحادثة الأخيرة لتصادم قطارين في سوهاج بأن “الصعيد في طي النسيان”، في إشارة إلى أن الدولة المصرية لا تهتم بمنظومة السكك الحديدية في محافظات الصعيد، بيد أن هذه الأقاويل منافية للحقيقة ولما يتم على أرض الواقع؛ إذ إن صعيد مصر يحظى باهتمام بالغ في التنمية الشاملة والتطوير في كافة المجالات وليس في مرفق النقل والسكة الحديد فحسب. وفي الفترة الماضية تم:
- دخول برج طهطا والمنطقة الأتوماتيكية ما بين برج إشارات طهطا وبرج إشارات المراغة في الخدمة بإجمالي 12 كم ضمن مشروع تطوير نظم الإشارات على خط سكة حديد خط (أسيوط -سوهاج – نجع حمادي) بطول ١٨٠ كم، بالتعاون مع شركة تاليس الإسبانية العالمية بنظام إلكتروني جديد (EIS) بتكلفة 86.5 مليون يورو+ 846 مليون جنيه.
- دخول برج مطاي وبرج ملوي بمحافظة المنيا في الخدمة، بعد انتهاء أعمال التحديث والتطوير بهما، وذلك ضمن مشروع تطوير نظم الإشارات على خط سكة حديد (بنى سويف/ أسيوط) بطول 250 كم، والجاري تنفيذه بنظام إلكتروني حديث (EIS) بالتعاون مع شركة ألستوم الفرنسية، بتكلفة 66.6 مليون يورو + 348.2 مليون جنيه. .
- تجديد قضبان خط الصعيد من القاهرة إلى أسوان بشكل كامل بطول 297 كم وبتكلفة 650 مليون جنيه، مع تواصل استكمال تجديد قضبان باقي خطوط الهيئة في الوجهين القبلي والبحري.
- تحديث نظم الإشارات على خط نجع حمادي / الأقصر بتكلفة 115 مليون دولار.
- ربط خط سكة حديد القاهرة – أسوان بسكك حديد السودان بطول 400 كم منها 350 كم داخل مصر وبتكلفة 16.45 مليار جنيه.
- خط أسوان – برنيس بطول 325 كم وتكلفة 15.29 مليار جنيه.
وما زال العمل جاريًا وسط متابعة مستمرة لإصلاح هذا المرفق الحيوي.
وهنا نصل للسؤال متى ستتوقف هذه الحوادث وهل من الممكن إغلاق مرفق السكة الحديد لحين الانتهاء من تطويره تمامًا لكي نتجنب وقوع الحوادث؟
المصدر: الجهار المركزي للتعبئة العامة والإحصاء
الإجابة القاطعة ووفقًا للأعداد الواردة في الرسم البياني أعلاه؛ فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال غلق مرفق السكك الحديدية لأنه مرفق مهم للمجتمع المصري، حيث يستخدمه المواطنون بشكل يومي ولا يمكن الاستغناء عنه؛ فوفقًا للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن عدد ركاب السكك الحديدية في 2019 بلغ 296,3 مليون راكب مقابل 256,7 مليون راكب في عام 2018. ونقلت هيئة السكك الحديدية نحو 232.8مليون راكب خلال 2020. أما بالنسبة إلى عدد الركاب في 2021 فقد بلغ في شهر يناير الماضي فقط نحو 21.2 مليون راكب. هذا بالإضافة إلى ملايين الأطنان من البضائع المنقولة بالسكك الحديد.
وبناءً على ما سبق يتضح أن هناك إرادة سياسية تعمل جاهدة وتسارع الخطى لتحديث وتطوير هذا الإرث المتهالك لمنظومة السكك الحديدية؛ حتى أولًا، تتوقف حوادث السكك الحديدية وهو ما قامت به القيادة السياسية من خلال خطة الدولة للاهتمام بالعربات والجرارات والإشارات، وثانيًا العمل على منع حوادث السكك الحديد الناتجة عن العامل البشري من خلال وضع برامج تدريبية مكثفة لكافة العاملين في منظومة النقل وبخاصة مرفق السكة الحديد، إلى جانب توفير الاحتياجات من العنصر البشرى المؤهل والكفء بعد تحديد الاحتياجات الفعلية من العمالة الفنية والهندسية. وثالثًا المساءلة ومحاسبة المخطئين.
فهذا هو نهج الدولة المصرية الآن؛ إذ توجد خطة مرسومة ومحددة المعالم يتم السير عليها بدأت في عام 2017 ومستمرة حتى نهاية عام 2022 وفقًا للجدول الزمني الموضوع.