
الجمهورية الثانية.. ماذا تعني ومتى بدأت؟
نتناول في هذا التقرير الإجابة على التساؤلات التي تراود البعض عن الجمهورية الثانية لمصر، متى بدأت؟ وما أوجه التشابه والاختلاف بين الجمهورية الأولى والثانية؟ وما هي الركائز الأساسية التي بنيت عليها الجمهورية الثانية؟ وهل توجد فجوة من الزمن ليست محسوبة على الجمهوريتين الأولى والثانية؟
الجمهورية المصرية وميلاد الجمهورية الثانية
بدايةً ومن المعروف أن محمد علي باشا هو مؤسس مصر الحديثة وظلت مصر تحت الحكم الملكي منذ عام 1805 إلى أن قام الضباط الأحرار بثورة 23 يوليو 1952. ومن هنا بدأت “الجمهورية الأولى” وبالتحديد في يونيو 1953 حين ألغيت الملكية وأعلنت الجمهورية الأولى للدولة المصرية، والتي ضمّت أربعة رؤساء؛ فكان محمد نجيب أول رئيس لميلاد الجمهورية الأولى من عام (1953- 1954). ثم تولى الرئيس جمال عبد الناصر رئاسة مصر في الفترة من (1956- 1970)، ثم جاء الرئيس أنور السادات في الفترة من (1970- 1981)، ثم تولى رئاسة مصر الرئيس حسني مبارك في الفترة من 1981- 11 فبراير 2011).
أما “الجمهورية الثانية” فبدأت في يوم الـ 30 من يونيو 2013 وهذا اليوم كان موعد إسدال الستار على الجمهورية المصرية الأولى. حين خرج جموع الشعب المصري لإسقاط نظام ديكتاتوري إرهابي أراد أن يحتكر مصر لفئة وجماعة إخوانية دون غيرها؛ فخرج عليه الشعب يدافع عن حقوقه وحرياته بحماية الجيش المصري الذي انحاز لإرادة شعبه وأُسست الجمهورية المصرية الثانية على أسس الحرية والمساواة والكرامة الإنسانية.
أما عن المرحلة غير المحسوبة من عمر الوطن فكانت بعد أحداث 25 يناير 2011 وإلى أن انقضت جماعة الإخوان وتنظيمها الإرهابي على حكم البلاد في 24 يونيو 2012 حيث سادت مرحلة ضبابية شهدت خلالها البلاد حالة من الفوضى والانفلات الأمني وهدم وحرق مؤسسات الدولة مما أضعف قدرة الدولة على المواجهة وحل مجلسي الشعب والشورى آنذاك، وإصدار قوانين وقرارات جمهورية ولجان دستورية واستفتاءات شعبية واعلانات دستورية أصلية ومكملة ثم يقُضى بعدم دستوريتها، ووزارات قصيرة العمر بدون هدف أو رؤية!
كان عامان ونصف من غياب البحث عن الرؤية الشاملة لحاضر ومستقبل بلادنا، وزادت قدرة المواطنين على التحزب والتعصب ومن ثم التفرق، وبدأ الشعب في فقدان بوصلته وتراجعت طموحاته وآماله وعاد للتفكير في هموم حياته اليومية من أجل توفير الطعام والشراب والمسكن والتعليم والصحة، وتوفير الكهرباء، فكانت فترة فقدت فيها الدولة المصرية أدنى مقومات الحياة الديمقراطية من المواطنة والمساواة وعدم التمييز وحرية الرأي والتعبير وحرية العقيدة.
الروابط بين الجمهورية الأولى والثانية
أوجه التشابه: تتشارك الجمهورية الأولى مع الجمهورية الثانية في أن كلا منهما حافظ على استقلال الوطن ووحدته وسيادته الوطنية، كما تتشارك كلتا الجمهوريتين في الاهتمام ببناء جيش مصري قوي بعتاده وتدريباته مع التحديث الدائم لقدرات القوات المسلحة. وأيضًا لكلتا الجمهوريتين مشروعات وأجندات وطنية لصالح الدولة المصرية.
أوجهه الاختلاف: الجمهورية الأولى لم تتسم بالمؤسسية طوال نصف قرن من الزمان؛ فكان لكل رئيس مشروعه الخاص القائم على أسس وقواعد وفقًا لرؤيته وتحديات حقبته، فكان كل رئيس يأتي يعيد فك وتركيب الأسس وفقًا لرؤيته وما يناسب نظامه، أما الجمهورية الثانية فمنذ بداية دولة 30 يونيو وهي ترسي قواعد المؤسسية والبناء المنهجي والفكر الاستراتيجي بعيد المدى في كل مؤسسات الدولة المصرية بحيث لا تتأثر الدولة المصرية بتغيير الحكومات أو الرؤساء؛ فأصبحت مصر الآن دولة مؤسسات قوية.
إلى أي مدى أثر غياب الرؤية والتخطيط الاستراتيجي على الجمهورية الأولى؟
منذ بداية الجمهورية الأولي وتولي الرئيس محمد نجيب الحكم إلى نهاية عهد مبارك كان التخطيط الاستراتيجي للدولة المصرية قصير المدي، ولم يكن هناك تخطيط استراتيجي فعال يرقى إلى أن نسميه متوسط المدى، وكانت تُبنى الخطة الاستراتيجية وفقًا لرؤية رئيس الدولة بشكل أساسي وليس وفقًا لنظام مؤسسي لا يتأثر باختلاف الشخصيات والحكام.
وإلى جانب غياب التخطيط الاستراتيجي كانت هناك أسباب أخرى ساعدت في انتهاء الجمهورية الأولى وهي حالة الوهن والضعف التي عانت منها الدولة المصرية في أواخر حكم الرئيس مبارك من غياب تام للمؤسسية وعدم الإجماع السياسي وضعف السلطة التنفيذية والتشريعية وبطء السلطة القضائية في إصدار الأحكام، وضعف الحياة الحزبية؛ كل هذا أضعف مؤسسات الدولة المصرية وجعلها صيدًا سهلًا لجماعة الإخوان الإرهابية في كل ربوع مصر والتي استغلت عدم وجود تخطيط استراتيجي بعيد المدى، وأنها الفصيل المنظم الوحيد داخليًا والذي له تواصل بكافة التنظيمات خارجيًا، وانقضت على حكم مصر، وعملت على تفتيت الدولة وإسقاط مؤسساتها وكسر هيبتها؛ لتحقيق المشروع الإسلامي المتطرف، وأملًا في أن تكون مصر لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وأذيالها من الجماعات والتنظيمات في شتى بقاع الأرض وليست للمصريين.
وبعد عام من التطرف والقمع، قام المصريون بتصحيح المسار ضد الحكم الديكتاتوري المتطرف للجماعة الإرهابية؛ فقامت ثورة 30 يونيو 2013 وبناء الجمهورية الثانية برؤية شاملة ومحددة المعالم للسير على طريق التنمية ووضع رؤى واستراتيجيات شاملة لمستقبل الدولة المصرية وتحويل مصر لدولة مؤسسات وليست كما كانت في السابق دولة أشخاص.
ركائز الجمهورية الثانية
قامت الجمهورية الثانية في فترة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي على فكرة الجمهورية القابلة للبقاء بصورة جديدة لنظام سياسي حديث قائم على أسس الديمقراطية وسيادة القانون.
وأرست قواعد حقوق الإنسان والتي من أهمها الحقوق المدنية والسياسية التي تتمحور فلسفتها حول فكرة وقيمة الحرية، وذلك من خلال صون حياة الإنسان وحمايته من إساءة معاملته من قبل الدولة أو المواطنين الآخرين، فقامت الدولة باستعادة ودعم جهاز الشرطة المصرية لتحقيق الأمن والاستقرار الداخلي والحفاظ على حياة المواطنين وحريتهم، وذلك بعد حرق مقراته خلال أحداث يناير 2011، وبعدما أرادت الجماعة الإخوانية في عام انقضاضها على حكم مصر تكوين ميلشياتها الخاصة ومحاولة تفكيك المؤسسة الشرطية وطمس هويتها.
وأيضًا أحد قواعد حقوق الإنسان هو إقامة العدل وترسيخ المساواة ومنع التمييز وشاهدنا ذلك من سرعة إجراءات التقاضي والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات والإخاء وعدم التمييز الطائفي؛ بالإضافة إلى منح المجتمع حرية إدارة شئونه من خلال وضع أسس الحكم الديمقراطي، كحريتي الرأي والتعبير والمشاركة في الحياة العامة واجراء انتخابات نزيهة بإشراف قضائي.
ولا ننسى الطفرة النوعية في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية؛ فقامت الدولة المصرية في جمهوريتها الثانية بالعديد من برامج الحماية الاجتماعية؛ مثل معاش تكافل وكرامة، وزيادة الدعم العيني والنقدي للفئات المستحقة، وتعمل الدولة المصرية جاهدة الآن لحياة كريمة للمواطنين بالتنمية الشاملة لريف مصر في القرى الأكثر فقرًا واحتياجًا. وقامت الدولة بتطوير جميع العشوائيات وبناء سكن كريم ملائم لجميع فئات الشعب المصري من اسكان اجتماعي ومتوسط ومتميز لتحسين جودة حياة المصريين لكي يحييوا حياة كريمة، هذا بالإضافة للمشاريع القومية العملاقة في كل ربوع مصر، ودعم ورعاية الفنون والابتكار.
وإحدى ركائز الجمهورية الثانية هي تقوية أواصر الجيش المصري والذي صنف عالميًا من أقوى جيوش العالم، والذي يعد القوة العسكرية الأكبر في الشرق الأوسط، وتعزيز قدرات الجيش لمواجهة التهديدات الأمنية المحلية والاقليمية، فالجيش المصري يُعد العمود الفقري وقاطرة التنمية والتقدم التي ارتكزت عليها الجمهورية الثانية. وأيضًا إحدى الركائز المهمة التي أنشأتها الجمهورية الثانية هو إقامة شبكة طرق قومية عملاقة، كما قامت ببناء اثنتي عشرة مدينة ذكية.
هذا بالإضافة إلى إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، والتي تُسمى عقل الدولة المصرية حيث ستكون معنية بالرقمنة في التعاملات، حيث ستحتوي على موقع ضخم يضم كافة بيانات الدولة المصرية وكل الخوادم الإلكترونية الخاصة بالدولة. فهي أول مدينة ذكية على أرض مصرية، فالمباني والمواصلات والخدمات كلها مميكنة بالكامل ومترابطة؛ وتشتمل العاصمة الإدارية الجديدة على حديقة مركزية “كابيتال بارك”، وتحتوي على نهر بطول 35 كم مرتبط بجميع أنحاء العاصمة، ويضم أول مركز سيطرة وتحكم أمني وخدمات السلامة العامة، وأيضًا ستحتوي العاصمة على: مركز للمؤتمرات ومدينة طبية ومدينة رياضية ومدينة للمعارض ومدينة للفنون والثقافة. وتنفيذ شبكة طرق رئيسية تخدم هذا المشروع الحيوي حيث سيتم ربط العاصمة الإدارية الجديدة بشبكة خطوط السكة الحديد بجميع محافظات الجمهورية وسيخدم العاصمة مشروعين من أبرز مشروعات النقل بمصر وهما القطار المكهرب ومشروع المونوريل، وتحتوي أيضًا على مركز عالمي للمال والأعمال، وتحتوي على الأحياء السكنية مثل الحي الحكومي المتطور، ومنطقة الأعمال المركزية، والحي الدبلوماسي، والحي السكني R3، والحي السكني R5.
كيف تغلبت الجمهورية الثانية على مشكلات الجمهورية الأولى؟
في محاولة لخلق واقع مغاير لما كان في السابق حاولت الجمهورية الثانية بقيادة الرئيس السيسي مواجهة وعلاج التحديات وعدم تسويف وجدولة المشكلات فنجدها:
- في مشكلة الفقر وتدني الأجور وانتشار البطالة؛ واجهت الجمهورية الثانية ذلك عن طريق تحقيق طفرة نوعية في إقامة الكثير من المشروعات القومية والتي توفر الكثير من فرص العمل، ورفع الحد الأدنى للأجور والمعاشات.
- أما عن تردي التعليم والرعاية الصحية؛ فواجهت الجمهورية الثانية ذلك بتطوير مناهج التعليم الأساسي ووسائل التعليم الحديثة، وتغيير نظام التعليم القائم على الحفظ والتلقين والدروس الخصوصية، واستبداله بنظام جديد قائم على الفهم والتعلم الذاتي الحقيقي. وكذا تم بناء الجامعات الحكومية والأهلية الجديدة بمعايير وجودة عالمية. وعن المنظومة الصحية؛ فكانت على رأس اهتمام الجمهورية الثانية بإقامة منظومة التأمين الصحي الشامل وبناء المستشفيات الجديدة وتحسين جودة الخدمات المقدمة لكافة المصريين وإقامة العديد من المبادرات، وما زال العمل جاري لاستكمال النهوض بالمنظومتين التعليمية والصحية.
- وفي ملف الفساد والرشاوى والاستلاء على المال العام؛ قامت الجمهورية الثانية بتفعيل دور جميع الأجهزة الرقابية، والاتجاه نحو التحول الرقمي وذلك من خلال رقمنة جميع الخدمات المقدمة للمواطنين في الدولة والذي يؤدي إلى القضاء على الفساد المالي والإداري وخاصة فساد المحليات الذي ذاع انتشاره في العهود السابقة.
- وعن تفصيل القوانين لخدمة مصالح أفراد بعينهم؛ فقامت الجمهورية الثانية بثورة في التشريعات التي تحقق الإصلاح المجتمعي وتخدم كل أطياف المجتمع المصري.
- وتلافت الجمهورية الثانية أخطاء الأنظمة السابقة بمواجهة المشكلات الاجتماعية والسياسية بالحلول الأمنية فقط؛ فنجد الدولة الآن تتعامل بالحلول السياسية والاجتماعية والاقتصادية لحل مشاكل ومظالم المجتمع، ووجدنا ذلك مثلًا في مواجهة الإرهاب في سيناء الذي لم يقتصر على المواجهة الأمنية فقط بل قامت الدولة بتنمية سيناء ونقل الأسر المتضررة.
- أما طول فترة التقاضي الذي أدى لتراجع ثقة المواطن في القضاء المصري؛ انتبهت لذلك الجمهورية الثانية ولتحقيق العدالة الناجزة تم البدء في تنفيذ مشروع “عدالة مصر الرقمية” الذي يعد نقلة نوعية للتقاضي من خلال تسخير كافة الطاقات البشرية والمادية وتعزيز تقنيات التحول الرقمي، لتحقيق الإنجاز السريع في إجراءات التقاضي، ورفع كفاءة بيئة العمل بالمحاكم، لصون الحقوق وتقديم أفضل الخدمات القضائية للمواطن.
- وعن قيود حرية الصحافة والإعلام؛ فتحث الجمهورية الثانية على حرية الرأي صحفيًا وإعلاميًا وتشجع على انتهاج الصدق في المعلومة، وتبنّي رؤية وطنية بعيدة المدى تتسق مع المخطط الاستراتيجي للدولة المصرية والعمل بحيادية واحترافية، مع المسائلة والمحاسبة من قِبل المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة بالتنسيق مع نقابة الصحفيين لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة التي تفتقد الأداء المهني.
- أما السياسة الخارجية لمصر؛ فقد قامت الجمهورية الثانية بإعادة تشكيل السياسة الخارجية وتوطيد العلاقات على كافة المستويات العربية والإقليمية والدولية، وإقامة علاقات متوازنة مع كافة الدول مع إرساء أسس عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وأيضًا عدم السماح لأي دولة بالتدخل في الشأن الداخلي المصري.
- ولمعالجة تجريف وجود نخب مثقفة عملت الجمهورية الثانية على إنشاء الأكاديمية الوطنية للتدريب للاستثمار في البشر كمحّفز فكري، وحاضنة التقّدم التحويلي لتنمية الإنسان، وذلك على غرار المدرسة الوطنية للإدارة الفرنسية بالتعاون مع عدد من الهيئات والمعاهد والمؤسسات العلمية الدولية. ودعمت الدولة إنشاء تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين لتنمية الحياة السياسية والحزبية، وأيضًا شجعت الجمهورية الثانية على إنشاء مراكز الفكر والدراسات لما لها من أهمية في تقديم التحليلات السليمة لصانع القرار المصري والمساعدة في اتخاذ القرارات السياسية لتحقيق الأمن القومي.
ووفقًا لما سبق يتضح أنه بعد ثورة 30 يونيو تم استعادة هيبة ومكانة مصر وأسس الرئيس السيسي الجمهورية الثانية للدولة المصرية على أسس ودعائم تقوية مؤسسات الدولة ووضع استراتيجيات تتصف بالحداثة وتتناسب مع حجم ومكانة مصر وتحقق نهضة سريعة في كافة المجالات.