
الدوافع والدلالات… قراءة في قرار واشنطن تصنيف “حسم” و”ولاية سيناء” على قوائم الإرهاب
أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية يوم 14 يناير إدراج حركة سواعد مصر المعروفة بـ “حسم” وتنظيم ولاية سيناء الذي بايع تنظيم داعش الإرهابي عام 2014، على قوائم التنظيمات الإرهابية الأجنبية، وفقًا للقسم 219 من قانون الهجرة والجنسية، وشمل التصنيف اثنين من مؤسسي حركة حسم الإرهابية هما يحيي السيد إبراهيم محمد موسى (36 عامًا) وعلاء علي محمد السماحي (34 عامًا) الهاربين في تركيا.
ويترتب على ذلك حظر دخولهما الولايات المتحدة وتجميد كافة أرصدتهما وأصولهما في المؤسسات المالية الأمريكية أو في المؤسسات الخاضعة لنفوذ وسيطرة مواطنين أمريكيين، والتحفظ على ممتلكاتهما الواقعة في الولايات المتحدة، ويحظر على الأمريكيين أفرادًا ومؤسسات –وتحديدًا البنوك- الدخول في معاملات معهما، وتوجه تهمه ارتكاب “جريمة فيدرالية” بحق كل من يوفر لهما أو لحسم دعمًا ماديًا أو موارد.
وتأسست حركة “حسم” عام 2013 كأحد أذرع جماعة الإخوان الإرهابية، وتورطت في العديد من العمليات الإرهابية أبرزها اغتيال النائب العام الأسبق هشام بركات عام 2015، واغتيال النقيب إبراهيم عزازي إبراهيم عام 2018، ومحاولة اغتيال الدكتور علي جمعة عضو مجلس النواب ومفتي الجمهورية السابق، وتفجير سيارة مفخخة في محيط معهد الأورام بالقاهرة، في أغسطس 2019، مما أدى إلى مقتل 20 شخصًا وإصابة العشرات، واستهداف سفارة ميانمار بالقاهرة، وغيرها من العمليات الإرهابية. بينما تورطت “ولاية سيناء” في عمليات إرهابية متعددة لعل أهمها هجوم كرم القواديس في أكتوبر 2014، واستهداف الكتيبة 101 في العريش عام 2015، وإسقاط الطائرة الروسية في سيناء عام 2015، وتنفيذ اعتداءات متكررة على خط الغاز.
ملاحظات أساسية
يقودنا التوقيت والسياق –خاصة على الساحة الأمريكية الداخلية -اللذان اتُخذ فيهما هذا القرار إلى بعض الملاحظات الهامة، نذكر منها:
أولا- يأتي هذا التصنيف ضمن قرارات عديدة اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب في الأيام الأخيرة من حكمه، منها تصنيف جماعة أنصار الله الحوثيين إرهابية ووضع ثلاثة من قادتها على قوائم الإرهاب كذلك وضع 5 من تنظيم القاعدة يعيشون في إيران على القوائم ذاتها. وقد عنت تلك القرارات جميعها بترسيخ أمر واقع في بعض الملفات الخارجية بحيث يكون من الصعب على خليفته الديمقراطي جو بايدن التنصل منها أو الخروج عنها مع توليه الحكم رسميًا في 20 يناير الجاري، خاصة وأن رفع أحد التنظيمات من قوائم الإرهاب يتطلب من وزارتي الخارجية والخزانة تقديم ما يفيد بأنها أصبحت لا تمثل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي أو لمصالح الولايات المتحدة في الخارج، وأنها أقلعت عن الممارسات الإرهابية.
ثانيًا- لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تصنف فيها واشنطن حركة “حسم” وحيث سبق أن وضعتها على تلك القائمة مع حركة “لواء الثورة” في يناير 2018 بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224 لخطورتهما الكبيرة لناحية ارتكاب أعمال إرهابية، لكن تنفيذ القرار تأخر كثيرًا بسبب وجود القياديين يحيي موسى وعلاء السماحي في تركيا، ووجود شبهة محاباة لأنقرة من قبل وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تريلسون الذي بقي في منصبه حتى 31 مارس 2018، كونه عضوًا في المجلس الأعلى للعلاقات الاقتصادية الأمريكية التركية.
ثالثًا- يعد التصنيف امتدادًا لجهود مصرية وعالمية سابقة لمحاصرة التنظيمين، إذ أدرجت مصر “حسم” و145 من عناصرها على قوائم الجماعات الإرهابية بموجب الحكم الصادر في القضية رقم 760 لسنة 2017 حصر أمن دولة عليا المعروفة باسم “طلائع حسم الإرهابية”. وكذلك أدرجت “ولاية سيناء” بناء على الحكم الصادر في القضية رقم 79 لسنة 2017. وخارجيًا، أدرجت بريطانيا والسعودية والبحرين والإمارات “حسم” على قوائم الإرهاب الخاصة بهم.
رابعًا- يؤكد التصنيف رؤية مصر بحظر تلك التنظيمات الإرهابية لما تمثله من خطورة على الأمن القومي المصري في ظل ما ترتكبه من أعمال عنف وإرهاب تسفر عن وقوع قتلى ومصابين بين صفوف العسكريين والمدنيين، ويعزز من جهود الدولة لمكافحة الإرهاب على الصعيدين المحلي والدولي. فهذا القرار جاء بعد سنوات من حرب خاضتها مصر ضد أنشطة تلك الجماعات ومثيلاتها، في وقت لم يكن يدرك العالم بما في ذلك الولايات المتحدة بحجم الدور التخريبي لتلك الكيانات. ويضفي القرار الشرعية على جهود مصر لملاحقة موسى والسماحي والمطالبة بإحضارهما إلى البلاد وإعادة فتح محاكمتهما في القضايا المتعددة المتورطين بها، بموجب اعترافات عناصر التنظيم المقبوض عليهم.
خامسًا- يمثل التصنيف ضربة قوية جديدة لجماعة الإخوان الإرهابية وتأكيدًا على طابعها العنيف، كما أنه يحكم الخناق على تحركات وتنقلات عناصرها، ويقطع عنها أحد مصادر دعمها وهو تلقي المساعدات المالية التي تستخدمها في تنفيذ العمليات الإرهابية.
سادسًا- يُعد القرار انتصارًا للدبلوماسية المصرية التي لم تتوان عن شرح خطورة تلك التنظيمات على الأمن العالمي، فضلًا عن أنه يوفر دليلًا إضافية للمجتمع الدولي بشأن صحة موقف مصر من محاربة تلك التنظيمات، حيث ناصبت العديد من الدول العداء لمصر ونشرت الأكاذيب زاعمه انتهاك الحكومة لحقوق الإنسان، وهو ادعاء واهٍ في ظل الجهود المكثفة التي تُبذل لتوفير حياة كريمة لكافة المواطنين على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والخدمية والاجتماعية والثقافية.
سابعًا- يثبت أن الشرق الأوسط ما زال يعاني من وجود الجماعات الأصولية التي تشكل تهديدًا لأمنه واستقراره، وللمصالح الأمريكية فيه.
دوافع واشنطن
تصاعدت الأقاويل بين الخبراء الأمنيين والمتخصصين في مكافحة الإرهاب بشأن مدى تعبير هذا القرار عن صدق نوايا الإدارة الأمريكية في مكافحة الإرهاب جديًا، كونه يأتي في وقت استطاعت في مصر بالفعل القضاء على نشاط حركة “حسم” وتنظيم “ولاية سيناء” الإرهابيين، وتجفيف منابعهما، مقدمة في سبيل ذلك دماء وأرواح الجنود البواسل من القوات المسلحة والشرطة، وهو ما أسفر عن اختفاء حركة “حسم” تمامًا عن المشهد العام منذ يناير 2019، واقتصار ظهورها على المواد الإعلامية الدعائية على المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بهدف بث الروح المعنوية في نفوس أنصارها بعد الهزائم المتتالية التي لحقت بهم، ومن أمثلها مقطع فيديو بثه الإرهابي “يحيي موسى” في أغسطس 2020 عن عملية اغتيال النائب العام الأسبق المستشار هشام بركات، رغم مرور أربع سنوات على وفاته.
علاوة على بعض العمليات الفردية التي يُطلق عليها “الذئاب المنفردة”، ولعل أبرز حادثة في هذا الإطار هو تفجير انتحاري نفسه بعبوة ناسفة ناحية شارع الدرب الأحمر بمنطقة الغورية خلف الجامع الأزهر في فبراير 2019، بعدما فشل في زرع العبوة بالمنطقة.
الأمر ذاته ينطبق على تنظيم “ولاية سيناء” الإرهابي الذي تلقى ضربات موجعة على يد الجيش المصري خلال السنوات الماضية، وانحسرت عملياته الإرهابية بشكل كبير في نطاق ضيق لا يراوح بضعة كيلومترات أقصى الشمال الشرقي من سيناء. وهو يعتمد في الترويج لنفسه على الدعاية الإعلامية أيضًا، عبر بث صور ومقاطع فيديو مجمعة لعمليات قديمة، كان أحدثها فيديو بثه التنظيم 10 يناير الجاري تحت عنوان “نزيف الحملات”.
بُعد آخر يتعلق بطبيعة العلاقة الارتباطية بين “حسم” وجماعة الإخوان، فهي أحد أذرعها المسلحة التي انشأتها بالتزامن مع فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس 2013 بهدف إشاعة الفوضى في البلاد وتنفيذ عمليات انتقامية، وهو ما لا تتعامل معه واشنطن بجدية حتى الآن، فقد جاء ببيان الخارجية إن “بعض قادة حركة حسم مرتبطين في السابق بجماعة الإخوان المسلمين المصرية”، وهو وصف لا يُعبر عن وضعها الحقيقي بدقة.
ويبدو أن واشنطن لا تزال بعيدة عن إدراج جماعة الإخوان نفسها على قوائم الإرهاب بالرغم من كونها الرافد الفكري لمعظم الجماعات الإرهابية التي اعتلت المسرح العربي والدولي على مدار السنوات الأخيرة. ومع أن الكونجرس تقدم بأربعة مقترحات لإلحاق صفة “الإرهابية” بالجماعة إلا أنها لم تحظ بقبول الأغلبية ولم تأخذ مسلكها إلى مؤسسات الإدارة الأمريكية المعنية بهذا القرار. والأكثر من ذلك هو وجود جهات داخل مراكز صنع القرار الأمريكية ترفض أصلًا هذا الإجراء، وهناك بعض الاتجاهات داخل النخبة الأمريكية (منها داخل البنتاجون) التي ربما مازالت ترى الإخوان أحد الفواعل من غير الدول التي يُمكن التعاون معها.
صحيح أن الأحداث المتلاحقة التي شهدتها بلدان الشرق الأوسط التي اعتلى فيها الإخوان سدة الحكم كشفت جليًا الوجه القبيح للجماعة الإرهابية، لكن قد ترغب بعض الاتجاهات الأمريكية في إعادة تعريف الدور المنوط بالجماعة في المنطقة و”توجيه الإرهاب” بما يحقق مصالحها. بالإضافة إلى أن أحد أسباب التعامل الحذر والدبلوماسي مع هذا الملف قد يكون الرغبة في الحفاظ على استقرار العلاقات مع بعض الدول الشرق أوسطية التي يُشكل فيها الإسلاميون عنصرًا أساسيًا في نظام الحكم. وترتيبًا على ما سبق، يجادل الكثيرون بأن غرض إدارة ترامب الحقيقي من هذا التصنيف في هذا التوقيت يتصل بحملته لتضييق الخناق على إيران لقطع الطريق بشكل كامل على خليفته الديمقراطي من إحداث أي اختراق في الملف الإيراني، فضلًا عن استخدامه كورقه ضغط على تركيا، وبذلك تكون الإدارة الأمريكية قد “ضربت عصفورين بحجر واحد”، إذ يُمكن توظيف القرار للتلويح بفرض عقوبات على تركيا التي تستضيف موسى والسماحي على أراضيها وتقديم الدعم اللوجيستي لتنظيم “ولاية سيناء” الإرهابي، للضغط عليها لفض الشراكة مع إيران، فبحسب الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية عمرو فاروق، “لا يمكن تجاهل الربط بين قرار الإدارة الأمريكية وبين تصريحات وزير الخارجية الأمريكية حول علاقة إيران بتنظيم القاعدة، وأنها أفغانستان الجديدة”. وأخيرًا سيكون هذا القرار أحد عناصر التوتر بين واشنطن وأنقرة في ظل إدارة بايدن التي تتبنى مواقف حادة من السياسة التركية.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية