تركيا

المتغيرات الداخلية التركية وانتخابات 2023

تشير العديد من التكهنات والمؤشرات إلى مساعٍ من قبل الائتلاف الحاكم في تركيا والذي يتشكل من حزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية إلى إحداث تعديلات في البنى التشريعية والقانونية المتعلقة بالنظام الانتخابي في البلاد وقانون الأحزاب، وهو ما فتح الباب أمام تساؤلات كثيرة تحاول الوقوف على دوافع هذا التحرك وأسبابه، فضلًا عن تداعياته المحتملة، خصوصًا في ظل السياق الذي يأتي فيه، فضلا عن إقدام البلاد على انتخابات رئاسية وبرلمانية عام 2023.

أبرز المؤشرات

برزت العديد من المؤشرات التي حملت في طياتها إشارة واضحة إلى رغبة الائتلاف الحاكم في تمرير هذه التعديلات، وهو ما عبر عنه تعليق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان[1] في حفل افتتاح  السنة التشريعية الجديدة للبرلمان في أكتوبر 2019، ردًا على تصريحات وزير العمل السابق التي أشار فيها إلى ضرورة تعديل النظام الانتخابي والحفاظ على النظام الرئاسي ومكتسباته، قائلا: “هناك مساعٍ لإعداد مسودة لتعديل القانون المتعلق بهذا الشرط، وتقديمه للبرلمان”.

ذلك فضلًا عن تصريحات رئيس حزب الحركة القومية في مايو 2020 التي طرح فيها مسألة التعديلات قائلا: “يجب إجراء تعديلات على قانون الانتخابات. يجب إعادة النظر مرة أخرى في اللائحة الداخلية للبرلمان التركي. يجب إعادة كتابتها. يجب تلبية التوقعات المتعلقة بالحصانة البرلمانية. يجب إصدار قانون القيم السياسية”.

في هذا السياق صعدت مسألة التعديلات على قانون الأحزاب السياسية تحت مسمى “قانون الأخلاق السياسية” في تركيا لتتصدر المشهد، خصوصًا مع التحذيرات الشديدة لـ”أحمد داود أوغلو” في 2 يناير الجاري[2]، من مخاطر توجه الحزب الحاكم وشريكه في السلطة “الحركة القومية” نحو إدخال تعديلات على قانون الأحزاب السياسية، وهو التوجه الذي وصفه بأنه يستهدف التكريس لحكم الفرد.

وتستهدف التعديلات المقترحة تعديل النظام الانتخابي في تركيا، عبر استبدال شرط الحصول على 50%+1 للفوز بالانتخابات، وطرح بديل يعتمد على فوز المرشح الحاصل على النسبة الأعلى من الأصوات في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة، وبالتالي إلغاء هذا الشرط والجولة الثانية. هذا بجانب الرغبة في وقف عمليات نقل النواب بين الأحزاب وذلك مع تصاعد الاستقالات المتكررة من الحزب الحاكم، فضلًا عن الرغبة في خفض الحد الأدنى للتمثيل في البرلمان من 10% إلى 5%، وإعادة رسم المناطق الانتخابية بما يزيد من عدد الدوائر الانتخابية إلى 146 دائرة بحد أقصى خمسة نواب يتم انتخابهم من كل واحدة، وبالتالي سيصعب على الأحزاب الصغيرة والجديدة الفوز بمقاعد في البرلمان.

لماذا هذا التوجه؟

شهدت تركيا في السنوات الأخيرة، وعلى وجه التحديد منذ المحاولة الانقلابية عام 2016، توجهًا سلطويًا شديدًا و “تأميمًا” للمجال العام، وقد تجلت بوادر هذا التوجه مع التعديلات الدستورية في 2017 والتحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي ذي الصلاحيات المطلقة للرئيس التركي، وقمع كافة الأصوات المعارضة داخل البلاد، فضلا عن السيطرة على كافة وسائل الإعلام وفرض قيود قانونية وضغوط وابتزاز سياسي على ممارساتها إلى الحد الذي جعل تركيا تحتل المرتبة رقم 154 من بين 180 دولة في مؤشرة حرية الصحافة العالمي لعام 2020.

وأخيرًا، وصلت هذه الممارسات إلى حد محاولة التلاعب بنتائج الانتخابات، وهو ما حدث عقب فوز فوز مرشح المعارضة “إمام أوغلو” في الانتخابات المحلية في إسطنبول في 31 مارس 2019؛ إذ عارضت الحكومة التركية وحليفها “حزب الحركة القومية” نتائج الانتخابات، وقدمت استئنافًا إلى المجلس الأعلى للانتخابات، بدعوى التزوير والمخالفات للقواعد الانتخابية، وهو ما أدى إلى إعادة الانتخابات في إسطنبول، وهو القرار الذي عُدَّ في حينها قرارًا سياسيًا وليس قانونيًا.

كل هذه الممارسات والنزعة نحو السلطوية وخنق المجال العام مع السياسة الخارجية “الصدامية” قد أدت في السنوات الأخيرة إلى العديد من التداعيات الاقتصادية والسياسية السيئة على تركيا، مما حدا ببعض الدوائر والفاعلين السياسيين في تركيا إلى محاولة إعادة تشكيل المعادلة الداخلية، عبر الانضمام لمعسكر المعارضة، وهو ما تجلى في انشقاق قادة بارزين عن العدالة والتنمية، وتأسيسهم لأحزاب معارضة، ومن أبرز هؤلاء “أحمد داود أوغلو” رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق، و “علي باباجان” الذي ينسب إليه الفضل في رسم الخطط السياسية الاقتصادية لتركيا في السنوات الأخيرة.

وفي ذات السياق نشر “مكتب المدعي العام لمحكمة الاستئناف العليا” التركية – وهو المكتب الذي يحتفظ بسجل الأحزاب السياسية وأبرز التحديثات المتعلقة بعدد أعضائها، في كل عام – الجمعة الماضية تقريره عن عدد الأحزاب السياسية التي تأسست في تركيا عام 2020، وقد أشار التقرير إلى تأسيس 27 حزب في تركيا عام 2020 وهو عدد كبير جدا مقارنة بسنة 2019 التي تأسس فيها 3 أحزاب فقط، ليصل عدد الأحزاب بذلك إلى 107 حزب[3].

وإذا ما وضعنا هذا التوجه نحو تشكيل أحزاب سياسية جديدة جنبًا إلى جنب مع المطالب المتكررة من العديد من الفاعلين بضرورة العودة إلى النظام البرلماني، والاستياء الشعبي من العدالة والتنمية خصوصًا مع الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، وهو الاستياء الذي عبر عنه استطلاع الرأي[4] الذي أجرته شركة “ماك” في 22 ديسمبر 2020، وكشفت نتائجه عن تراجع مؤيدي تحالف “الجمهور” إلى 45.8%، سوف نجد أن هذا التوجه نحو تعديل قانون الأحزاب والنظام الانتخابي يرتبط برغبة الائتلاف الحاكم بقيادة الرئيس التركي في حماية “النظام الرئاسي” الذي وفر للرئيس صلاحيات مطلقة، وتقليص نفوذ المعارضين الذي تزايد بشدة، وضمان الفوز في الانتخابات المقبلة، خصوصًا مع احتمالية توحد المعارضة خلف شخص واحد وهو ما يهدد فرص “أردوغان” في الحصول على النسبة المطلوبة للفوز في ظل النظام الحالي.

هل نشهد معادلة جديدة؟

ختامًا يمكن القول إنه يصعب في الوقت الحالي ترجيح أي سيناريو متعلق بالمتغيرات التي يشهدها الداخل التركي، وانعكاس هذه المتغيرات على الانتخابات القادمة في 2023. لكن المؤكد أننا بصدد أحد سيناريوهين، فإما ترسيخ دعائم تحالف “الجمهور” وهو ما يعني تعزيز الحالة السلطوية التي تشهدها تركيا، وإما تشكيل معادلة سياسية جديدة تقودها المعارضة.

وعموما فإن أيًا من السيناريوهين سيتوقف على مدى قدرة التحالف الحاكم على تمرير هذه التعديلات، وقدرة المعارضة التركية على تبني مسار يستهدف توحيد الجهود وضم كافة الأحزاب الجديدة والصغيرة في تركيا إلى صفها، وتوظيف حالة السخط تجاه التحالف القائم بما يدفع بتعزيز حضورهم وتقديم أنفسهم كبدائل لتحالف الجمهور.


[1] معسكر إردوغان يطرح تعديل قانون الانتخابات “لإنقاذه من السقوط”، جريدة الشرق الأوسط اللندنية، 18 مايو 2020:

https://cutt.us/Xppmj

[2] داود أوغلو: إردوغان سيعدل قانون الأحزاب لتلافي فشل متوقع في الانتخابات المقبلة، جريدة الشرق الأوسط اللندنية، 4 يناير 2021:

https://cutt.us/w3zWB

[3] خارطة أحزاب جديدة في تركيا قد تقلب موازين انتخابات 2023، الحرة، 15 يناير 2021

https://cutt.us/HQX6S

[4] انهيار جديد لشعبية حزب أردوغان وحليفه، بوابة العين الاخبارية، 23 ديسمبر 2020

https://al-ain.com/article/popularity-erdogan-end-near

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى