أوروباتركيا

مرحلة ما بعد “بريكست”.. لندن وأنقرة توقعان اتفاقًا تجاريًا جديدًا لتعميق الشراكة الاقتصادية

تعتزم المملكة المتحدة وتركيا توقيع اتفاقية التجارة الحرة بينهما غدًا الثلاثاء، لتكون أول اتفاقية توقعها لندن عقب توصلها إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي بعد انتهاء المفاوضات الثنائية التي استمرت لمدة زادت على عشرة شهور. وتأتي هذه الخطوة عقب انتهاء البلدين من وضع اللمسات الأخيرة على نص “اتفاقية الاستمرارية” التي تكرر شروط التجارة الحالية بين أنقرة -التي لديها اتفاقية اتحاد جمركي مع بروكسل- ولندن.

وتهدف كلُ من أنقرة ولندن من توقيع تلك الاتفاقية إلى الحفاظ على العلاقات التجارية القائمة بين البلدين، بما سيمنح الثقة لآلاف العاملين في بريطانيا بقطاعات التصنيع والسيارات وحديد الصلب. وتسعى الصفقة إلى تكرار شروط التجارة الموجودة حاليًا بين المملكة المتحدة وتركيا، مع تجارة خالية من الرسوم الجمركية على جميع السلع غير الزراعية. ووافقت المملكة المتحدة على تمديد التعريفات التفضيلية التي تتمتع بها تركيا على بعض المنتجات الزراعية في إطار اتحادها الجمركي مع الاتحاد الأوروبي.

وتحتوي الاتفاقية على بند مراجعة يتطلب من البلدين أن يجتمعا مرة أخرى في غضون العامين المقبلين لمناقشة توسيع الصفقة لتشمل الخدمات، بما في ذلك الخدمات الرقمية.

ردود فعل مرحبة بالاتفاق

يعد الاتفاق التجاري بين بريطانيا وتركيا مرحلة جديدة للعلاقات التجارية بينهما، وخاصة عقب خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وهو ما عبَّر عنه الجانبان التركي والبريطاني.

أكدت وزارة التجارة الخارجية التركية أن البلاد ترتبط بعلاقات وثيقة مع بريطانيا في كافة المجالات، ولهذا من المرجح أن يوفر الاتفاق التجاري بين لندن وبروكسل فرصًا جديدة لتركيا فيما يتصل بعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وبناءً عليه وصلت الاستعدادات لإبرام اتفاقية تجارة حرة بين بريطانيا وتركيا إلى مرحلتها النهائية.

فيما ذكرت وزيرة التجارة البريطانية “ليز تروس” أنها تأمل في إبرام اتفاق تفصيلي بين البلدين في المستقبل القريب؛ إذ سيضم الاتفاق نفس البنود التجارية القائمة حاليًا بين أنقرة ولندن. وقالت الوزيرة في بيان “إن الاتفاق الذي نتوقع إبرامه هذا الأسبوع سيبقي على الترتيبات التجارية المعفاة من الرسوم، وسيساعد في دعم شراكتنا التجارية”. 

ويُذكر أن رئيس مكتب الاستثمار في الرئاسة التركية قد صرح في وقت سابق من العام بأن العلاقات التجارية بين تركيا والمملكة المتحدة ستزداد قوة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مشددًا على أهمية العلاقات الاقتصادية القوية بين البلدين.

وأكدت “جوديث سلاتر” القنصل العام البريطاني في إسطنبول أن خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي لن يضر بمستوى العلاقات الاستراتيجية مع تركيا، ولن يؤثر سلبًا على الأهمية التي توليها لتلك العلاقات، مشددة على أن الحكومة البريطانية أعطت أهمية كبيرة للعلاقات التجارية مع تركيا، فيما أعربت عن رغبة بلادها في تعزيز شراكتها مع تركيا، وضمان سلامة ورفاهية كلا البلدين.

العلاقات التجارية والاقتصادية بين لندن وأنقرة

تعد المملكة المتحدة من بين سبع عشرة دولة تسعى تركيا لزيادة حجم صادراتها معها ضمن خطتها الرئيسة للتصدير، كما تعد ثاني أكبر وجهة للصادرات التركية.

وتتمثل الصادرات التركية إلى المملكة المتحدة في الذهب والملابس الجاهزة والمنسوجات والآلات الكهربائية والسيارات وقطع الغيار ومنتجات الحديد والصلب والأسلاك، والكابلات والموصلات الكهربائية. فيما تتضمن واردات أنقرة الرئيسة من المملكة المتحدة محركات الديزل وشبه الديزل والسيارات والمنتجات الطبية والصيدلانية. وفيما يلي عرض لتطور حجم التجارة الخارجية بين بريطانيا وتركيا خلال خمس سنوات:

الشكل (1): الصادرات والواردات بين تركيا والمملكة المتحدة

Source: Trade map, bilateral trade between Turkey and United Kingdom.

يتبين من الرسم السابق أن هناك فجوة بين الصادرات التركية للمملكة المتحدة ووارداتها منها؛ إذ تتجاوز قيمة الأولى الأخيرة بما يصب في صالح الميزان التجاري التركي. وارتفعت قيمة الصادرات التركية لبريطانيا من 10.56 مليار دولار في 2015 إلى 10.86 مليار دولار خلال 2019، وهو ما يمثل ارتفاعًا قدره 2.8%.

بينما حدث العكس للواردات التركية من المملكة المتحدة؛ إذ سجّلت انخفاضًا يبلغ حوالي 1.4% من 5.54 مليار دولار في 2015، لتصل إلى 5.43 مليار دولار بحلول نهاية العام الماضي. ويُمكن الاستعانة بالرسم التالي لعرض تطور الميزان التجاري بين الدولتين خلال خمس سنوات:

الشكل (2): الميزان التجاري بين لندن وأنقرة

Source: Trade map, bilateral trade between Turkey and United Kingdom.

يتضح من الرسم السابق أن التبادل التجاري بين تركيا والمملكة المتحدة كان لصالح تركيا بسبب ارتفاع قيمة صادراتها مقارنة بوارداتها؛ إذ بلغت قيمة الميزان التجاري نحو 5.43 مليار دولار خلال 2019 ارتفاعًا من 5.02 مليار دولار في 2015.

أما عن الاستثمارات المباشرة بين الدولتين، فقد صرح رئيس مجلس الأعمال التركي البريطاني التابع لمجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية “رمزي غور” بأن هناك نحو ثلاثة آلاف شركة بريطانية تعمل في تركيا؛ إذ تعد المملكة المتحدة من بين المستثمرين الرئيسين في البلاد.

وبلغ إجمالي حجم الاستثمارات المباشرة من المملكة المتحدة إلى تركيا في الفترة التي تتراوح بين عامي 2002 إلى 2017 نحو 9.886 مليار دولار، فيما بلغت الاستثمارات التركية في المملكة المتحدة خلال نفس الفترة نحو 2.321 مليار دولار.

وتسعى تركيا إلى جذب المزيد من رجال الأعمال البريطانيين للعمل في قطاعات السيارات والكيماويات والدفاع والطاقة وتكنولوجيا المعلومات؛ إذ أكد المسؤولون الأتراك أن بلادهم تمتلك فرصًا هائلة للشركات البريطانية.

نظرة على أحدث الاتفاقيات التجارية المُبرمة بين بريطانيا ودول العالم

وقعت بريطانيا حتى الآن اتفاقيات تجارية مع 62 دولة قبل نهاية الفترة الانتقالية للـ”بريكست” في الأول من يناير عندما تتنهي الترتيبات التجارية مع الاتحاد الأوروبي. ويرصد هذا الجزء من التقرير أبرز الاتفاقيات التي توصلت إليها المملكة المتحدة مؤخرًا لتعويض خسارتها الناجمة عن مغادرتها للاتحاد الأوروبي:

1. الاتفاق التجاري مع سنغافورة:

أعلنت وزيرة التجارة الدولية البريطانية “ليز تروس” في الحادي عشر من ديسمبر توقيع اتفاقٍ للتجارة الحرة مع سنغافورة لزيادة فرص وصول كلا البلدين لأسواق بعضهما البعض. ويغطي هذا الاتفاق تجارة بقيمة 17.6 مليار جنيه إسترليني، وهو ما يمثل ثاني أكبر اتفاق توقعه المملكة المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادي. ومن المقرر أن تلغي الاتفاقية التعريفات الجمركية للبلدين في السوق البريطانية والسنغافورية لتسهيل إجراء المعاملات التجارية بينهما، وكذلك يتعين تخفيض الحواجز غير التعريفية في أربعة قطاعات رئيسية تضم الإلكترونيات والسيارات والمستحضرات الصيدلانية والأجهزة الطبية والطاقة المتجددة.

2. الاتفاقية التجارية مع كينيا:

أعلنت وزيرة التجارة الكينية “بيتي ماينا” أوائل الشهر الجاري أن بلادها قد وقّعت اتفاقية مع المملكة المتحدة لضمان استمرار شروط التجارة التفضيلية مع أكبر شريك أوروبي لها بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وبموجب الاتفاق ستظل الصادرات الكينية -بما في ذلك الشاي والزهور والفاكهة والخضراوات- تتمتع بإعفاء من الرسوم الجمركية والحصص بعد مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي، وفي المقابل ستتمتع المملكة المتحدة بحرية الوصول للأسواق الكينية لتوريد سيارات وأدوية ومنتجات ورقية تقدر قيمتها بنحو 800 مليون جنيه إسترليني (بما يعادل نحو مليار دولار أمريكي).

3. الاتفاق التجاري مع كندا:

وفي أواخر نوفمبر الماضي، وقعت بريطانيا وكندا اتفاقية تجارية مؤقتة بينهما، حيث تهدف الدولتان بهذه الاتفاقية إلى ضمان استمرارية علاقاتهما الاقتصادية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية من البريكست. وتمهد هذه الاتفاقية الطريق للمفاوضات من أجل اتفاقية جديدة معدلة اعتبارًا من عام 2021، وفقًا لما قالته الوزارة في لندن.
وأخيرًا، يٌمكن القول إن الاتفاق التجاري بين المملكة المتحدة وتركيا سيعود بالنفع على الجانبين؛ إذ من المرجح أن تستفيد الأولى من تعميق علاقاتها التجارية مع تركيا تعويضًا لأي خسائر محتملة عقب خروجها من الاتحاد الأوروبي، فيما سيصب الاتفاق في مصلحة الأخيرة التي تعاني من أزمات اقتصادية عميقة ومتلاحقة.

+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

بسنت جمال

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى