الاقتصاد الدولي

جائحة كورونا تُعقد العلاقة بين الصين وتايوان

عَرض – كريستين نبيل

نشر (المعهد الفرنسي للشؤون الدولية والاستراتيجية) (IRIS) تقريرًا تحت عنوان “الوباء العالمي يكشف عن العلاقة بين الصين وتايوان” لمدير وحدة البحوث بالمعهد ” بارثميلي كورمون “.  تداول من خلاله ثلاث تساؤلات هامة حول أسباب نجاح كل من الصين وتايوان في إدارة أزمة كورونا، وهل الوباء العالمي قادر على إعادة التوازن السياسي بين بيكن و تايبيه؟

الصين الدولة الفائزة أثناء جائحة كورونا

أشار الكاتب في البداية  للقب تم إطلاقه على الصين ” الفائز” أثناء جائحة كورونا، محاولًا تفسير أسباب إطلاق هذا اللقب عليها على مختلف المستويات الوطنية والاقليمية والدولية. موضحًا أن التعافي السريع في واحدة من أكثر المقاطعات كثافة سكانية في الصين والتغطية الإعلامية حول مشاركة السلطات العامة  الصينية لتعزيز شرعية قوتها المركزية، يمثلا الاسباب الرئيسية في هذا النجاح. حيث قدمت الصين نموذجًا و نمطًا متكامل في التنظيم، يقوم على الاحتواء والتدابير المُطبقة بصرامة، والتي ألهمت التدابير المُعتمدة في بقية العالم، بما في ذلك الدول الغربية.

كما أوضح الكاتب إستغلال الصين للوباء العالمي  للدعوة إلى ” العودة إلى العولمة ” واستندت الصين إلى القوة الناعمة القائمة على سياسة اليد الممدودة (“دبلوماسية القناع”) من خلال تقديم المساعدة للبلدان الأكثر تضرراً من الوباء.

بينما لا يزال هذا الخطاب غير مُقنع  للدول الغربية  بل ويتعرض لانتقادات شديدة في الغرب، لكنه يتلقى استجابات إيجابية في الدول النامية. لذا  من المتوقع أن تخرج الصين من الأزمة الصحية والعودة بشكل أسرع لنشاطها الاقتصادي.

 أما عن المعركة بين القوى العظمى بين بكين وواشنطن، فإن إدارة الأزمة الصحية تشهد تفوق الصين بجدارة، وتعطي مؤشرات أداء سلبية للولايات المتحدة.  تفوق الصين على الولايات المتحدة لم يكن مشهد جديد بل كان متكرر في السنوات الأخيرة في مختلف المجالات. 

وفي السياق ذاته، سجلت بكين نجاحًا واسعًا على المستوى الإقليمي، حيث استغلت الأزمة لزيادة ضغطها على سكان هونغ كونغ ودفع بيادقها في بحر الصين الجنوبي، ورفع التنديد مرة أخرى ضد تايوان، كما لو أنها ترسي هيمنتها في شرق اسيا بشكل أفضل بعد إنتشار الوباء. العواقب الاقتصادية للوباء جسيمة في الصين، كما هو الحال في بقية العالم، لكن هذه العواقب لا تنفي انتصارها السياسي الكبير.

نجاح متميز للتجربة التايوانية في إدارة الازمة

أشار التقرير إلى تميز التجربة التايوانية في إدارة الازمة، حيث يوجد في تايوان ما يزيد قليلاً عن 500 حالة أصيبت بفيروس كورونا وسبع وفيات فقط منذ بداية الأزمة الصحية. 

على هامش إعادة انتخاب “تساي إنغ ون”  لولاية ثانية كرئيس (لتايوان) في يناير 2020، حذرت تايبيه منظمة الصحة العالمية من مخاطر انتشار فيروس كورونا عن طريق تنقل الإنسان من مكان لاخر، دون أي رد فعل من المنظمة التي لم تكن عضوًا فيها.

أوضح الكاتب أن التحذيرات التايوانية لم تكن مسموعة أو مُدعمة في ذلك الوقت بسبب علاقتها المعقدة مع الصين. ومع ذلك، وعلى الرغم من القرب الجغرافي وتواتر التبادلات مع الصين، فإن تايوان سجلت نجاح استثنائي في إدارة الأزمة الصحية، دون اللجوء إلى تطبيق إجراءات مشددة وباستخدام التكنولوجيا، ولا سيما تطبيقات تحدد البؤر الجغرافية لانتشار العدوى.

” لم تكن الإجراءات المشددة سبب في جعل تايوان واحدة من الفائزين أثناء انتشار هذا الوباء،

 سواء  في الملف الصحي أو الملف المتعلق بشرعيتها السياسي”.

لذلك يتوقع الكاتب وجود احتمال حصول تايوان بعد Covid-19 على عضوية منظمة الصحة العالمية بدعم من العديد من الدول وخاصة الدول الغربية واليابان، لتميز سياسات النظام الصحي بها وجودة الاداء الطبي فضلًا عن نظامها الديمقراطي الذي يفضل الشفافية الكاملة في إدارة الأزمة. ويرى الكاتب أن تايبيه تتميزعن بكين في عوامل نجاح الازمة.

هل من الممكن للوباء العالمي أن يُسهم في إعادة التوازن بين الصين وتايوان

لازالت تايوان شوكة في خاصرة العملاق الصيني ويأتي نجاح تايبيه في إدارة الأزمة ليفتح لها سُبل التواصل مع العالم بقوة، وبالتالي يرى الكاتب أن الوباء العالمي سيكون نقطة فاصلة في التاريخ السياسي لتايوان، حيث ستختلف الدبلوماسية التايوانية قبل كوفيد -19 عن بعد الوباء.

وبالرغم من تفوق تايوان و جدارتها في إدارة الازمة، لا تنوي بكين إعطاءها  أي  فرصة  لاستغلال هذا النجاح.  يتضخ موقف بكين  مع الضغوط العسكرية المتزايدة والمتكررة في الحدود البحرية التايوانية واستمرار خطاب التهديد  المتكرر نحوها و الذي كان بدأ قبل الوباء.  لذلك تسعى بكين إلى المزايدة على تايوان  باستخدام  “دبلوماسية القناع” والقوة الناعمة  من خلال تقديم المساعدات الطبية والتقنية للدول النامية   وبالتالي إعادة إنتاج سباق عالمي مع تايبيه للحصول على الدعم الاقتصادي والسياسي.

ومن ناحية أخرى، أدركت تايوان ضرورة الاستفادة من نجاحها في إدارة الازمة من خلال تقديم مساعدات فعالة أثناء الوباء، فسارعت بإنتاج الأقنعة التي مكنتها من التواجد بقوة في السوق العالمي والتصدير للدول المُحتاجة، وبالتالي اشتعلت المنافسة بين الدولتين 

في النهاية أشار التقريرلعدم وجود أي تغيير في التوازنات بل أشتد التنافس ليشمل القضايا الصحية. كما أوضح إختلاف الجمهور المستهدف  لكل من الصين وتايوان. حيث تستهدف بكين الدول النامية في المقام الاول بينما تستهدف تايبيه العالم الغربي.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى