روسيا

لافروف: المجتمع الدولي يواجه وباء سيبرانيا حقيقيا ..وروسيا أول من حذر العالم

عرض- داليا يسري

كتب سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي مقالاً، تحت عنوان “مشكلات الأمن السيبراني العالمية والمبادرات الروسية لمكافحة الجرائم الإلكترونية”، نشرته –أمس 28 سبتمبر- جريدة العلاقات الاقتصادية الخارجية الروسية.
استهله لافروف بأن أوضح أن وباء كورونا الذي نجح في تغيير نمط الحياة المعتادة عند المليارات من البشر في غضون أسابيع فقط، قد أصبح اختبارًا حقيقيًا للبشرية بشكل عام.
وذكر أنه بات من الصعب في الوقت الراهن التنبؤ بالموعد الدقيق المقرر فيه انتهاء هذا الاختبار. ولهذا السبب، يرى “لافروف” أنه في ظل الظروف الراهنة، يبدو من المنطقي أن يتم تسريع جهود وإجراءات التحول الإجباري نحو الرقمنة الشاملة التي من المحبذ أن تضم جميع الأنشطة اليومية، بما في ذلك الإدارات العامة والأنشطة التجارية والتعليم. علاوة على العلاقات بين الدول، حتى لا تبقى العلاقات الدولية حبيسة العزلة بفعل المرض. وبناءً عليه يشرح “لافروف” كيف أنه من الطبيعي أن تبرز في الوقت الراهن على الأجندة السياسية العالمية قضايا تتعلق بالأمن المعلوماتي الدولي.
ويقول “لافروف”، أن الوضع الحالي فيما يتعلق بمجالات أمن المعلومات ليس في أفضل حالاته. كما أن المجتمع الدولي يواجه وباء سيبرانيا حقيقيا لا يقتصر فقط على وقوع تعديات على الحياة الخاصة للمواطنين العاديين، ولكنه يمتد ليشتمل وقوع هجمات من الإرهاب السيبراني التي طالت مرافق رعاية صحية وهياكل مالية وتعليمية ومنظمات دولية، وكل هذه الهجمات التي تم تسجيلها خلال أزمة الوباء تُعد أمرًا مثيرًا للقلق العميق.
كما استطرد “لافروف”، أن الأنشطة الإجرامية التي يتم ممارستها في هذه الأيام عبر الإنترنت، تصنف ضمن أهم خمس مخاطر عالمية من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي، إذ أنها تهدد وجود صناعات بأكملها.
وأكد أن الأرقام تتحدث عن حجم هذه التهديدات، ولفت الى ما تم تناوله خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في نسخته لعام 2019، والذي أكد أن خسائر الاقتصاد العالمي من الهجمات الإلكترونية قدرت بنحو 2,5 تريليون دولار، وأنه من المتوقع أن يبلغ حجم الخسائر 8 تريليونات دولار بحلول عام 2022.
وتابع “لافروف” في مقاله، “إن تقنيات الاتصالات الحديثة وتداول المعلومات غالبًا ما تستخدم بغرض التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة”. وأضاف، “وهناك عددً من الدول تناقش علانية حقها في شن هجمات إلكترونية وقائية ضد خصومها المحتملين بما يطال من بنيتهم التحتية الحيوية”. ثم شرح “لافروف”، كيف أنه في ظل غياب مدونة سلوكية تضم دول العالم أجمع وتختص فقط في مجالات الفضاء الإلكتروني، تصبح مسارات التطور الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي دون استثناء في غاية الضعف. مؤكدًا أن الإنسانية تتعرض لخطر الانزلاق نحو مواجهة خطيرة على نطاق واسع في الفضاء عبر الإنترنت، والتي لا يمكن الإبقاء عليها داخل الإطار المحلي نظرًا لطبيعة الفضاء الالكتروني العابرة للحدود من خلال وسائل الاتصال الحديثة.
كما شدد “لافروف”، على أن الوقت قد حان كي يبدأ المجتمع الدولي في العمل على التوصل لاستنتاجات مناسبة حول الطريقة المناسبة لاستخدام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ليس على حساب التقدم، وفي نفس الوقت بطريقة حضارية وبشكل يضمن تنظيم أنشطة الدول في هذا المجال.
وبالنسبة للدولة الروسية ورؤيتها لهذه التهديدات، يشرح “لافروف”، ويقول إن بلاده تُميز بين ثلاث مجموعات رئيسية من التهديدات “العسكرية، السياسية، الإرهابية، الإجرامية”. إذ أنه من الجدير بالذكر أنه ومنذ أكثر من 20 عامًا. تحديدًا في عام 1998، كانت روسيا هي أول من حذر العالم عبر منبر الأمم المتحدة، من المخاطر المحتملة للمجالات السيبرانية الناشئة آنذاك. مضيفًا أن روسيا كانت ايضًا هي من اقترح طرقًا ملموسة لأجل مواجهتها. وقال “لافروف”، “موقفنا اليوم لم يتغير”. وسرد “لافروف” هذا الموقف عبر عدة نقاط كما يلي:
ينبغي على جميع الدول دون استثناء أن تتشارك في نقاشات حول إيجاد حلول لهذه المشكلة العالمية. ومن المهم أيضًا مراعاة آراء القوى الأخرى المعنية بالمسألة مثل “قطاعات الأعمال، المجتمع المدني، الأوساط الأكاديمية”.
لا يمكن البحث عن حلول شاملة إلا من خلال إجراء مفاوضات جادة تحت رعاية منظمة عالمية.
الهدف الرئيسي من وراء هذه الجهود المبذولة لأجل المفاوضات، هو منع التضارب في فضاء المعلومات وضمان استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل حصري للأغراض السلمية. مما يعني أن مهمة التنسيق الفوري لقواعد سلوكيات الدول المسؤولة بات أمرًا شديد الإلحاح، إذ أنه سوف يعمل على تكريس مبادئ الاحترام داخل حدود البيئة الرقمية. بما يضمن سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، والحق في الدفاع عن النفس سواء بشكل فردي أو جماعي، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وكذلك حفظ الحقوق المتساوية لجميع الدول التي تتشارك في استخدام الإنترنت.
وتابع “لافروف” شارحًا، كيف يعتبر من سوء الحظ أن تتعارض هذه المبادئ مع مصالح بعض الدول، اللذين يقوموا باستبدال النضال من أجل الأمن السيبراني العادل والغير قابل للتجزئة برغباتهم –الخفية الضعيفة- لأجل فرض نظام سيبراني خاص بهم. وبالتالي، فإنهم بهذه الطريقة يسعوا جاهدين لأجل الاحتفاظ بمزاياهم التكنولوجية، والاستمرار في اتخاذ خطوات قوية أحادية الجانب في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وأخيرًا وليس آخرا، الاحتفاظ لنفسهم بشكل حصري بالحق في تحديد المسؤولين عن الحوادث الإلكترونية. وهو الأمر الذي يرى “لافروف”، أنه كفيلاً بتحويل فضاء المعلومات العالمي إلى مسرح جديد للعمليات العسكرية.
ويطرح “لافروف” مثال قائلاً، أن البعض يُعارض بشدة مسألة تطوير مبادئ قانونية دولية تمنع استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأغراض عسكرية سياسية شديدة الضيق وتتصف بالأنانية. كما أنهم يعارضوا كذلك توضيح واستبيان الحالات التي يمكن من خلالها تصنيف الحادثة باعتبارها هجمة الكترونية وادراجها تحت مسمى “هجوم مسلح”. مما يترتب عليه تفعيل المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة بشأن حق الدول في الدفاع عن نفسها.
ويتابع “لافروف”، لم يتم دعم إمكانية تعزيز دور الأمم المتحدة فيما يتعلق بتنظيم القضايا السياسية المتعلقة باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. بما يشتمل على انشاء تحكيم إلكتروني دولي أو هيئة دائمة أخرى تختص بالتعامل مع هذه القضايا تحت رعايتها. كما تم رفض الحاجة الى إشراك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تحليل وتسوية الحوادث الإلكترونية والمعلوماتية ذات الطابع الدولي.
وبالإشارة الى إجمالي ما سبق ذكره، أكد “لافروف” أن المبادئ الروسية فيما يتعلق بمسألة الأمن السيبراني هي التي تحوز على النسبة الأكبر من الدعم على مستوى العالم. وذكر أن الدولة الثالثة والسبعون للجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت – في 2018- بأغلبية ساحقة من الأصوات القرار الروسي، الذي لم يضع في الحسبان فقط القائمة الأولية من القواعد المنظمة للسلوك الدولي في مجالات المعلومات. ولكنه أنشأ أيضًا آلية فعالة للتفاوض تختص بالعمل تحت رعاية الأمم المتحدة على هيئة مجموعة عمل متخصصة ومفتوحة العضوية تعني بحل هذا النمط من المشكلات.
وفي سياق موازي، يقول “لافروف”، أن روسيا بادرت أيضًا –داخل إطار الأمم المتحدة- بوضع اتفاقية دولية شاملة تعتم بمواجهة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأغراض إجرامية. وبناءً عليه، تم تقديم مشروع قرار “مكافحة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأغراض الإجرامية”، برعاية مشتركة من 47 دولة، أمام الدورة الرابعة والسبعون للجمعية العامة للأمم المتحدة بغرض النظر فيه. وهو ما ترتب عليه أن تم اتخاذ قرار اعتمدته عدد من دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، حول إنشاء لجنة خبراء حكومية مفتوحة العضوية تكون مهمتها وضع بنود الاتفاقية المذكورة أعلاه. مع مراعاة بنود القانون الدولي القائمة بالفعل وما يتصل بها من جهود مبذولة على الصعيدين الوطني والإقليمي لأجل مكافحة الجريمة السيبرانية.
وقال “لافروف”، أن بلاده سوف تواصل العمل على بناء تعاون ثنائي ومتعدد الأطراف بشأن مجموعة كاملة من قضايا الساعة بضمان بنك الاستثمار الدولي. بما يشتمل على مراعاة طرق مواجهة التهديدات الناشئة عن الاستخدام الواسع النطاق لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأغراض العسكرية والسياسية. وأضاف “لافروف”، ” يندرج من ضمن أولوياتنا ضرورة المساعدة في إعداد واعتماد الإجراءات الدولية، التي تنظم تطبيق مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني في هذا المجال، وتهيئة الظروف لأجل انشاء نظام قانوني دولي يهدف الى منع انتشار أسلحة المعلومات، وتطوير وتنفيذ برامج متعددة الأطراف تُسهم في التغلب على عدم المساواة في المعلومات بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية”.
وفي ختام مقال، حث “لافروف” شركاء روسيا الدوليين على الاستفادة بشكل أفضل من تجربة حشد المجتمع الدولي بغرض مواجهة تفشي وباء فيروس كورونا، واستخدام هذه الخبرات بشكل خلاق في مجالات الأمن السيبراني. وقال، “من المهم ألا يتم تأجيل القضايا الحساسة وإدراجها على خلفية الأولويات، أو حتى الانخراط في لعبة جذب الحبال”. وأضاف “لافروف”، “نحن على قناعة تامة بأن الدورة السنوية الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي من المقرر أن تنعقد في سبتمبر، يجب أن تصبح فرصة جيدة لأجل تشكيل أساسات هيكلية فعالة لمجالات أمن المعلومات. كما نأمل أن يُسهم المشاركون في الدورة في تطوير حلول هادفة تضمن مستقبل مستقر للبشرية جمعاء”.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

داليا يسري

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى