تركيا

تأكيدات دبلوماسية على جولة محادثات يونانية تركية بنهاية سبتمبر

مجموعة الدراسات التركية 

كتب – جلال نصار 

تحولت الأزمة التى نتجت عن السلوك التركى فى شرق المتوسط وليبيا إلى صداع كبير فى راس أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية لان الأمر لو ترك سيؤدى إلى إشتعال مواجهة عسكرية ممتدة تهدد المصالح المباشرة لمنظومة الإتحاد الأوربى وإلتزاماتها تجاه أعضاءها ولحلف الناتو الذى تشترك فيه تركيا مع دول الإتحاد الأوروبى والولايات المتحدة واليونان وقبرص فى العضوية.

أوروبا توحدت فى إدانة التهديدات والإختراقات التى توجهها أنقرة لعضوى الإتحاد تمس هيبة ومصداقية وإلتزامات الاعضاء والاتحاد؛ من جانبها فإن الولايات المتحدة التى تعيش الأمتار الأخيرة من سباق إنتخابى رئاسى ساخن يتحدد الفائز به فى نوفمبر المقبل تجد نفسها أمام أزمة تهدد مصالحها المباشرة ونفوذها ولا ترغب فى أن يتورط أى من حلفاءها فى صراع ممتد يهدد تلك المصالح إلى أن تتضح الرؤية لساكن البيت الأبيض الجديد وإلى أن ينتهى هذا السباق فإنها ستحمى الحلفاء والمصالح معا خاصة تركيا وإسرائيل الدولتان اللتان تعلبان دورا وظيفيا لصالح واشنطن فى المنطقة منذ عقود؛ لذلك كان الإنحياز الأمريكى للجهود الألمانية منذ بداية وتصاعد الأزمة بالدعوة إلى الحوار وفتح قنوات تواصل وتفاوض للخروج من الأزمة دون أدنى مواجهة تضع الجميع فى مأزق إستراتيجى وأمام خيارات غير مسبوقة.

لذلك جاءت أهمية التقرير المنشور بالأمس للكاتب الصحفى ديفيد أغناطيوس فى صحيفة الواشنطن بوست؛ فقد أشار إلى إختراق كبير قد حدث فى الأزمة بدفع من الولايات المتحدة وألمانيا، مؤكدا على إلتزام أبدته اليونان وتركيا لاستئناف المفاوضات المتوقفة منذ فترة طويلة بين البلدين لترسيم الحدود البحرية المتنازع عليها بينهما فى منطقة شرق المتوسط.

ويأتى الاتفاق على استئناف المحادثات بحلول نهاية شهر سبتمبر الحالى وفقا لتأكيدات سربها مسؤولون أمريكيون ويونانيون، بعد تعليق دام أربع سنوات. ويسعى المسئولون فى البلدان الأربعة إلى الوصول بالمفاوضات إلى مراحل متقدمة بعد أن تمر بالمراحل الإستكشافية فى البدايات وصولا إلى النقاط الهامة والمصيرية مثل الترسيم البحرى حتى لو أدى الأمر إلى اللجوء إلى طرف ثالث يحسم الخلافات من خلال التحكيم أو الإحالة إلى المحكمة الدولية فى لاهاى.

وكان رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس قد قال في مقابلة صحفية إن الاختراق المحتمل جاء بعد “شهر من التوتر الشديد” مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ حيث قال ميتسوتاكيس: “نرى الآن تركيا تتراجع خطوة إلى الوراء. نعتبر هذه خطوة إيجابية ، ونأمل أن تبشر بنهج جديد “.

وكان إردوغان قد شن حملة تصريحات إعلامية وصاحبتها تحركات رمزية عسكرية للضغط والترويج لمطالب تزعم بوجود حقوق تركية بالتنقيب عن البترول والغاز فيما تقول اليونان إنها مياه يونانية وقبرصية في شرق البحر المتوسط وقامت تركيا بإرسال سفن تنقيب برفقة سفن وقطع حربية إلى المياه المتنازع عليها، وردت اليونان باستعراض للقوة البحرية والجوية، مدعومة بطائرات حربية من فرنسا والإمارات العربية المتحدة.

واشار التقرير إلى أن الأزمة كادت أن تشتعل فعليا فى وقت سابق هذا الشهر، مع تزايد الخطاب العدائى بين أنقرة وأثينا وهو ما جعل الدول اللكبرى والفاعلة تحشد جهودها لاحتواء هذا التصعيد بعد أن تأكدت  من مساعى التي راقبت سعي أردوغان للهيمنة الإقليمية بقلق متزايد.

وجاءت زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو إلى قبرص في 12 سبتمبر تأكيد على تلك الجهود، عندما حذر قائلا: “ما زلنا قلقين للغاية بشأن عمليات تركيا المستمرة في البحث عن الموارد الطبيعية … في شرق البحر الأبيض المتوسط” علامة على قلق الولايات المتحدة. قبل أسبوعين، خفف بومبيو القيود على مبيعات الأسلحة الأقل فتكًا إلى قبرص.

وفقا للتقرير سيعزز بومبيو هذه الرسالة بزيارة إلى اليونان يومي 27 و 28 سبتمبر. ومن المقرر أن يقوم بجولة في قاعدة بحرية يونانية في خليج سودا مع ميتسوتاكيس ومناقشة العلاقات اليونانية الأمريكية المشتركة خاصة فى مجال التعاون العسكري.  فى المقابل؛ لن يزور بومبيو أنقرة في هذه الرحلة ، ربما علامة على أنه ومسؤولين أمريكيين آخرين منزعجون من محاولات أردوغان الأخيرة لإظهار القوة في المنطقة.

وكان نائب وزير الخارجية ستيفن بيجون قد وجه بعض الانتقادات الصريحة لتركيا في خطاب ألقاه يوم الأربعاء أمام مجلس أمريكي تركي في واشنطن. وقال: “هناك مخاوف كبيرة ومتنامية في الولايات المتحدة فيما يتعلق بعدد من السياسات التركية”. وأضاف: “نحث تركيا على وقف العمليات البحرية الاستفزازية والخطوات التي تزيد التوترات في المنطقة”. كما قال إن الولايات المتحدة “قلقة للغاية من التراجع الديمقراطي في تركيا”.

تشير لغة بيجون الحادة ورحلة بومبيو إلى قلق الولايات المتحدة من أن أردوغان قد بالغ في لعبه الهيمنة وبسط النفوذ الإقليمي، مما أساء حتى إلى مؤيده السابق، الرئيس ترامب مع اقتراب موعد الانتخابات، قد تضع الإدارة عينها أيضًا على تصويت الأمريكيين اليونانيين، وهو عامل في بعض الولايات المتأرجحة.

من جانبها فإن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي غالبًا ما تدعم تركيا، كانت الوسيط الرئيسي الآخر في الضغط على أنقرة من أجل وقف التصعيد. قال مسؤول يوناني ، في محادثاته مع أردوغان ، إن الزعيمة الألمانية حذرت: “إذا واصلت تركيا افعالها [في شرق البحر المتوسط] ، فلن أستطيع حتى إيقاف العقوبات”.

وتشير الواشنطن بوست إلى أن الأمر سيبدأ بالإحالة إما إلى المحكمة الدولية في لاهاي أو الوساطة المستقلة في حل المشكلة البحرية وكل ما يتعلق بالترسيم، دون تنازلات لا يستطيع أردوغان ولا ميتسوتاكيس تحملها سياسيًا. لكن أولاً، يحتاج الطرفان إلى الاتفاق على “شروط مرجعية” تحدد القضايا التي هم على استعداد لتقديمها للتحكيم؛ حيث حاول كل جانب مؤخرًا تعزيز موقفه التفاوضي من خلال عقد اتفاقات مع الحكومات على طول الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ​​- تركيا مع ليبيا ، واليونان مع مصر.

ميتسوتاكيس الذى تصفه الواشنطن بوست بأنه وجه سياسي جذاب لليونان التي كانت تغرق قبل عقد في مستنقع الديون والانقسام السياسي. كان قد قال قال في المقابلة: “نحن نعيد تصحيح مسار البلد بشكل سريع للغاية”. دون ضجيج وبعدم الخضوع لاى ضغوط أو إبتزاز سياسى من بعض القوى.

دافع آخر لميتسوتاكيس كان نجاح اليونان في التعامل مع جائحة فيروس كورونا. ووفقًا للإحصاءات التي جمعتها جامعة جونز هوبكنز، فقد توفي عدد أقل من الأشخاص بسبب الفيروس في اليونان مقارنة بالعاصمة. وقال عن جهود مكافحة كوفيد -19 في البلاد: “أعدنا بناء الثقة بين الحكومة والشعب. كانت الدولة تتمتع بالبصيرة ، والدولة أنجزت”.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى