المركز المصري في الإعلامتركيا

محمد مجاهد الزيات: أردوغان بات في عزلة تامة شرقي المتوسط

تناول المستشار الأكاديمي للمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، الدكتور محمد مجاهد الزيات، خلال مداخلة تلفزيونية على قناة (سكاي نيوز عربية)، ملف التحركات التركية الأخيرة شرقي المتوسط، على المستوى العسكرى والاستراتيجي.

السؤال الأول الذي تم توجيهه للدكتور الزيات، كان حول ماهية الأهداف الحقيقية للمناورات البحرية التركية التي انطلقت قبالة الساحل القبرصي، وهل يمكن اعتبارها رسالة موجهة من أنقرة إلى باريس أو واشنطن. وأجاب الدكتور محمد، أن تركيا تستهدف من هذه المناورات مجموعة من الأهداف، الرسالة الأولى تعبر من خلالها عن أسلوب البلطجة المستمرة الذي تقوم به منذ فترة شرقي المتوسط بصورة عامة، ومحاولة أردوغان فرض نفسه في هذه المنطقة كقوة عظمى لا يمكن تجاهلها، وهذا لا يرتبط فقط بملف غاز شرق المتوسط، بل يرتبط ايضاً بطموحات أردوغان في إعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية القديمة. الرسالة الثانية موجهة إلى الإتحاد الأوروبي، الذي أعلن مؤخراً انه بصدد أتخاذ قرارات بفرض عقوبات على أنقرة إن أستمرت في نهجها التصعيدي الحالي، الرسالة الثالثة تعد رداً على أجتماع دول شمال المتوسط السبعة بقيادة فرنسا مؤخراً، والتي اعلنت جميعها رفض كافة الممارسات التركية الأخيرة في المنطقة.

أضاف الدكتور الزيات في هذه النقطة، أنه توجد شواهد أخرى يمكن من خلالها النظر إلى هذه المناورات، منها أن هذه المناورات التي لا يوجد لها قيمة كبيرة على المستوى العسكري، ولا يوجد لها تأثير استراتيجي معتبر على الوضع الحالي في مياه شرقي المتوسط، يمكن اعتبارها محاولة لتأكيد امتلاك تركيا لأوراق تهدد الأمن الأوروبي بشكل كامل وليس الأمن القبرصي واليوناني فقط.

السؤال التالي ناقش إمكانية أن تكون هذه المناورات، لسبب أو لآخر، بوابة احتكاك عسكري بحري بين تركيا ودول شمال المتوسط؟. أجاب الدكتور الزيات أنه لا يعتقد بإمكانية حدوث مثل هذا الإحتكاك، نظراً لعدة عوامل، منها أنه تتمركز قرب المنطقة التي تدور فيها هذه المناورات، قطعتين بحريتين أمريكيتين، تتواجدان في الموانئ القبرصية، ناهيك عن تواجد حالي لوحدات جوية أمريكية في المطارات اليونانية، وبالتالي هناك تحذيرات واضحة موجهة إلى تركيا، مفاده أن أي تصعيد عسكري تركي في هذه المنطقة، سيقابل برد مباشر من بقية الدول التي تحتفظ بتواجد في هذه المنطقة. يضاف إلى ذلك، حديث الصحافة الأمريكية عن بدء واشنطن دراسة إمكانية الإنسحاب من قاعدة (أنجرليك) الجوية في تركيا، وإقامة قاعدة بديلة في  إحدى الجزر اليونانية، وهذا يمكن وضعه في سياق الرسائل المضادة التي يتم أرسالها من الأطراف الإقليمية إلى تركيا. وبالتالي من الصعب أن تتجاهل أنقرة كافة هذه الرسائل الجدية.

على المستوى الداخلي، رأى الدكتور الزيات أن هذه المناورات تأتي، في سياق محاولة أردوغان التأكيد على أنه مازال على نفس الخط التصعيدي، الذي وضع خلاله سقفاً عالياً لتعامله وتعاطيه مع تطورات شرق المتوسط والتصريحات الإخيرة للرئيس الفرنسي ماكرون. لكن لابد من ملاحظة أنه أعلن امس انه مستعد للحوار والتفاوض مع اليونان (دون شروط)، وهذا في الواقع الموقف الحقيقي لأنقرة حيال أزمتها مع آثينا.

السؤال الثالث ناقش ماهية الجهة القادرة قانونياً على منع تركيا من القيام بكل هذه الانتهاكات، التي تشمل انتهاك السيادة اليونانية والقبرصية، في ظل تصريحات قبرص حول عدم قانونية التحركات التركية الأخيرة شرقي المتوسط، وكذا مناوراتها البحرية الجارية حالياً.

رأى الدكتور الزيات، أن التصريحات القبرصية تعتبر تسجيلاً للموقف القبرصي الحالي أمام الأمم المتحدة وحلف الأطلسي والإتحاد الأوروبي، لكن الطرف الوحيد القادرة بشكل فعلي على وقف تركيا، هو الولايات المتحدة، ولعل زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى قبرص اليوم، تمثل رسالة واضحة إلى تركيا، وكذا وصول قوات عسكرية أمريكية إلى هناك، والمناورات العسكرية التي تمت في المنطقة خلال الأيام الماضية، وشاركت فيها الإمارات العربية المتحدة، كلها رسائل تحمل معاني واضحة موجهة إلى أنقرة، وأضاف الدكتور الزيات، أنه لا يعتقد أن تلك الأخيرة سوف تصعد من تحركاتها العسكرية، ولا يرى أنها تمتلك من القدرات العسكرية ما يسمح لها بمواجهة هذا الحضور العسكري الكبير للولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية..

في ما يتعلق بالمسارات القانونية التي يمكن من خلالها مواجهة التحركات التركية، أعتبر الدكتور الزيات أنه في حالة توجه كل من قبرص واليونان إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، طلباً للدعم في مواجهة التحركات التركية، فأنه من الممكن أن تصدر قرارات يمكن  أن تتصاعد في المحافل الدولية ضد تركيا،  مضيفا أنه يرى أن آلية للردع السياسي تمارس حالياً ضد أنقرة، سوف تعطي نتائج حاسمة على المستوى العسكري في المرحلة القادمة.

ورداً على سؤال حول من هو الطرف الحقيقي الذي يعيش في عزلة شرقي المتوسط، في ظل تهديدات أردوغان لليونان، أعتبر المستشار الأكاديمي للمركز المصري أن خطاب أردوغان الموجه للخارج، هو في الأساس خطاب شعبوى موجه للداخل، يطلق من خلالها تصريحات رنانة كبيرة جوفاء لا محتوى حقيقي لها، وهو لا يستطيع عزل اليونان التي تساندها سبع دول شرقي المتوسط، وتتحالف مع أحدى أكبر هذه الدول وهي مصر القوة الأقليمية الكبيرة في المنطقة، ومع دول أخرى منها إسرائيل وقبرص، وبالتالي أردوغان هو المنعزل في هذه الأزمة، ولا يمتلك ثقلاً استراتيجيا او انتشارا عسكرياً مؤثراً في المنطقة، فهو يتحدث عن مناورات عسكرية ضخمة، في حين ان حقيقة ما يحدث هو تدريبات لبضعة سفن لا تمثل أي تهديد جدي، ناهيك عن حديثه عن مناورات مشتركة مع روسيا، لم يثبت أنها ستحدث بالفعل.

وفي سؤال حول تصريحات أردوغان الموجهة للرئيس ماكرون (لا تعبث مع تركيا وشعبها، انت لا تعرف حتى تاريخ فرنسا)، وعن كيفية أستثمار هذه التصريحات في الداخل التركي، أجاب الدكتور الزيات أن أردوغان هنا أشبه بخطيب يعتلي المنبر ويدلي بكلمات رنانة تستجلب استحسان الجماهير، لكن في الواقع لا تحتوى هذه التصريحات على أي مدلولات جدية، وهو هنا يحاول أن يدخل الشعب التركي في هذه المواقف، للإيحاء ان قرارته تحظى بدعم شعبي. أيضاً هو من خلال هذه الخطابات، يحاول مخاطبة بعض المجموعات الداخلية المرتبطة به في عدد من دول المنطقة، التي تتوق إلى تحقيق ما يصبو أليه أردوغان من إحياء الأمبراطورية العثمانية القديمة. وأضاف الدكتور الزيات أن مساعي أردوغان لن تنجح، خاصة في ظل وجود معارضة من جانب الجيش التركي، الذي لا يمتلك القدرة على تأمين الحضور البحري والجوي في كافة المناطق التي يحاول أردوغان التمركز فيها.

السؤال الأخير، ناقش ما أذا كان أردوغان قد أستخدم كافة أوراقه في المنطقة أم لا، قبيل الرابع والعشرين من الشهر الجاري، وهو موعد بحث الإتحاد الأوروبي في فرض عقوبات على تركيا، رأي المستشار الأكاديمي للمركز المصري، أن الورقة الوحيدة في يد أنقرة حالياً هي ورقة المهاجرين والمرتزقة الذي نقلهم من سوريا إلى ليبيا، حيث يساوم هنا بهذه الورقة، ويهدد بترك المهاجرين ينتقلون بحرية إلى اليونان، وبترك المرتزقة ينتقلون إلى جنوب أوروبا من ليبيا، وأشار الدكتور الزيات إلى حدوث تغيرات واضحة في مواقف بعض الدول الأوروبية من تركيا، وهي دول كانت تخشى سابقاً من هذه الورقة، لكنها حالياً بصدد مواجهة هذه التهديدات عبر سلسلة من الإجراءات.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى