تركيا

“فورين أفيرز” الأمريكية: “المسجد” و”السد” سياسة أردوغان في حربه الثقافية

عرض-أية حجازي

استعرض المحلل السياسي “نيك دانفورث” موقف تركيا وإدارتها إرثها الثقافي التاريخي وتعاملها مع الانتقادات الدولية التي توالت عليها في الفترة الأخيرة على خلفية إعادة تحويل “أيا صوفيا” إلى مسجد وغمر مدينة “حسنكيف” الأثرية على غرار ملء خزان سد “أليسو” الجديد في إطار مشروع أناطوليا الكبير، الأمر الذي يعكس التقدم الواضح في سياسات أردوغان الاستبدادية ذات الغطاء الديني.

وذكر نيك دانفورث، زميل جورج إف كينان في معهد كينان بمركز ويلسون، في مقال نشره في مجلة “فورين أفيرز” ،  أن الرئيس التركي يوظف هذه الانتقادات لصالحه ، فالانتقادات الغربية على إعادة افتتاح مسجد “آيا صوفيا” هي تدخل في الشأن الداخلي التركي وخرق لسيادتها، أما تلك الموجهة لسد “إيسو” فهي مناهضة التنمية في تركيا.

وأضاف أنه من الجلي أن أردوغان يستخدم القومية والأدوات الدينية في حربه الثقافية كجزء من صراع محصلته الصفرية مع خصومه في الداخل والخارج على حد السواء.

ودلل المقال على خلط أردوغان بما هو ديني وبما هو قومي في تحركاته المختلفة لحشد الإسلاميين والقوميين المحافظين، جاء ذلك في اختيار يوم 24 يوليو لإعادة إفتاح مسجد “آيا صوفيا” وهو اليوم الذي تم فيه توقيع معاهدة لوزان 1923 الناشئة للجمهورية التركية الوليدة آنذاك. إلا أنه على غير ما كان يرى أتاتورك في “علمنة” آيا صوفيا، منعاً لتحويلها كنسية مرة أخرى، ترسيخ لسيادة الدولة التركية، أردوغان يرى في هذه الخطوة إبقاء على الإرث الاستعماري الأوروبي. وعليه فإن السيادة التركية، بالنسبة لأردوغان، تبقى جزئية إلا أن يعود الدين مرة أخرى إلى مكانته الأولى في الدولة.

وأضاف المقال أن أردوغان قد أثار قلق جيرانه قبل ذلك عندما ألمح إلى أن سيادة بلاده لا تزال غير مكتملة. وانتقد وقتها الرئيس شروط معاهدة لوزان ، بينما استدعى “الحدود الروحية” للإمبراطورية العثمانية ووصف مساحات شاسعة من شرق البحر الأبيض المتوسط بأنها “الوطن الأزرق” لتركيا. إلى جانب الانتشار العسكري التركي الأخير في دول مثل ليبيا وسوريا ، ساعد هذا الخطاب على جلب عدد من الدول الإقليمية – بما في ذلك قبرص ومصر واليونان وإسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – إلى تحالف عميق ضد أنقرة. وقد عزز هذا التشكيل بدوره قناعة أنقرة بأنها يجب أن تدافع عن السيادة التركية ضد الحصار المعادي.

أما فيما يخص منطقة “حسنكيف” الأثرية، أوضح المقال أنها لم تحصل على نفس الزخم الدولي لآيا صوفيا إلا أن تعامل النظام التركي معه جاء أكثر صرامة وذلك لسببين. الأول هو استخدام ورقة التنمية في منطقة جنوب شرق تركيا، ما يعرف بمشروع الأناضول الكبير، في استقطاب المزيد من الأصوات في المراحل المقبلة، ما يعتبر امتداد لتقليد سياسي تركي اقتضى إنشاء السدود في المناطق الريفية لاستقطاب أصوات الفلاحين. أما السبب الآخر فهو التضييق على الحركات الكردية التي تشكل المكون السكاني الأهم في المنطقة وإعادة تشكيل الخريطة الديموغرافية مستغلاً بذلك حركات النزوح التي بدأت بالفعل عملية ملء خزان سد “إيسو” من إحداثها. ما يتفق مع حديث أردوغان منذ مجيئه للسلطة في 2002 عن إمكانيته استقطاب الأصوات من الأكراد من خلال مشاريع التنمية. وأكد المقال على أن تعامل النظام مع المعارضين للمشروع عنيف للغاية شمل حملات قبض تعسفي ضد النشطاء البيئيين ووصفهم بالإرهابيين وكذلك توقيف عدد من البرلمانيين الأكراد واستبدال رؤساء البلديات الأكراد المنتخبين بآخرين معينين من قبل الحكومة. وعليه وهكذا ، أصبح مدلول السد وقيمته الرمزية، مثل العديد من المشاريع التنموية الأخرى ، أكثر أهمية مما يحققه المشروع بالفعل.

وتطرق المقال إلى أن خطاب أردوغان القتالي أثبت فعاليته جزئيًا بسبب نجاحه في اختيار المعارك الصحيحة، ثم قتالها حتى النهاية. ودلل على ذلك بإتمامه صفقة الصواريخ الروسية رغم استبعاد الكثير من منتقديه المحليين والدوليين سماح القوى الدولية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية بذلك، بالإضافة إلى خطوة إعادة افتتاح آيا صوفيا التي جعلت العديد من مراقبيه يتراجعون عن الرأي القائل بأن شجاعة أردوغان هي ببساطة للعرض ، وهي جزء من محاولة ساخرة للفوز بالأصوات.

يبقى التساؤل، على حسب ما ورد في المقال، إلى متى ستكون هذه الانتصارات كافية لاستقطاب الناخبين الأتراك – وماذا سيفعل أردوغان في ظل الاقتصاد المتعثر، والأسعار المرتفعة. نجح أردوغان حتى الآن في الحفاظ على أغلبيته الضيقة من خلال فرض الرقابة على خصومه واعتقالهم ، مع إعادة كتابة القواعد الانتخابية لصالحه. ولكن إذا كانت قاعدة دعمه الفعلية تتآكل بالسرعة التي تشير إليها بعض استطلاعات الرأي، فقد لا تكون هذه الإجراءات غير الديمقراطية كافية بعد الآن.

وتنبأ الكاتب أنه ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 2023، فمن المتوقع أن يحصل الناخبون على مزيد من المساجد والمشاريع العملاقة ولن ينتهي الاحتكاك في شرق البحر الأبيض المتوسط. إلا انه  سيتعين على المواطن التركي وقتها  تحديد ما إذا كانت هذه المعارك هي مصدر مشاكلهم أو الحل لها.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى