
أديس ستاندرد الإثيوبية تكشف مخاوف إثيوبيا من اللجوء للتحكيم الدولي في قضية سد النهضة
عرض – رحمة حسن
أثار رفض إثيوبيا اللجوء للتحكيم الدولي في قضية سد النهضة العديد من التحليلات، والتي تشير جميعها إلى عدم الاعتراف الإثيوبي بالحق التاريخي لمصر في مياه النيل، وأن الأمر لا يتعلق بعملية ملء السد أو تشغيله على الأرجح، ولكن من التخوف الإثيوبي من خسارة القضية، وذلك لأنها ترى أنها الطرف الوحيد الذي تقع عليه التزامات في القضية، وعليه وضعت أمام الأطراف الأخرى قضية إعادة تقاسم المياه بين دول حوض النيل، فالأمر لم يعد قضية تنمية إثيوبية كما تدعي السلطات الإثيوبية ولكن يكمن في اختلاق سبب جديد للنزاع يتعلق بالحقوق المائية التاريخية والتي تفتقد إثيوبيا لأدلة قانونية لها، ويعني قبولها التفاوض هو قبول بهذه الحقوق، وعليه يظهر الموقف المتعنت خوفًا من تكرار مشهد الخسارة الإثيوبية في قضية ترسيم الحدود مع إريتريا، والتي انتهت لصالح الجانب الإريتري وأحقيته في مدينة بادمي التي تسببت في النزاع لعقود ووقف اتفاق الجزائر بالرعاية الأفريقية للسلام نتيجة الرغبة الإريترية في التنفيذ الفوري وتخوف إثيوبيا من انفجار معارضة سياسية ضخمة في وجهها جعلها توقف التنفيذ، وهو ما أوضحه المقال التحليلي لصحيفة “أديس ستاندرد” الإثيوبية بعنوان ” لماذا يجب على إثيوبيا تجنب التحكيم كوسيلة لتسوية النزاع في ازمة سد النهضة؟” .
مراحل اللجوء المصري إلى مجلس الأمن
أوضحت الصحيفة أن رفض الجانب الإثيوبي التوقيع على اتفاق واشنطن حول السد في فبراير الماضي، عقب توقيع مصر عليه بالأحرف الأولى قد تسبب في وقف المفاوضات التي دفعت مصر للتوجه برسالة إلى مجلس الأمن، وتلاها الرد السودانى والإثيوبي، ولم يتم فك طلاسم المشهد غير بدخول السودان لتلاقي الأطراف في العودة للمفاوضات الثلاثية عقب رفضها القرار الأحادي الإثيوبي في عملية الملء؛ إلا أنه تم إنهاء التفاوض في ١٧ يونيو ٢٠٢٠ نتيجة عدم القدرة على الوصول إلى حل يرضي الأطراف الثلاثة، وعليه توجهت مصر إلى مجلس الأمن في ١٩ يوليو كورقة ضغط دبلوماسية أخرى برسالة مفادها توضيح ما تم تسميته بالمراوغة الإثيوبية والترنح وعدم الالتزام بموقف إثيوبي ثابت قد أدى إلى فشل المفاوضات، كما اتهمت مصر إثيوبيا برفضها إبرام “اتفاق سيكون ملزمًا بموجب القانون الدولي”. وفي رد حماسي على هذا الاتهام، كتبت إثيوبيا رسالة إلى مجلس الأمن الدولي في 22 يونيو 2020، تنتقد مصر لاتباعها “نهج المسار المزدوج لممارسة ضغوط سياسية ودبلوماسية غير مفيدة على إثيوبيا”.
وادعت الصحيفة أنه عقب تزايد الضغط الدبلوماسي الأمريكى على مجلس الأمن وتوجه السودان برسالة إلى مجلس الأمن في ٢٤ يونيو والتي أعرب فيها عن قلقه من مخاطر ملء السد بشكل أحادي، قبل مجلس الأمن الدولي اقتراحًا قدمته الولايات المتحدة نيابة عن مصر بعقد جلسة مفتوحة لمناقشة قضية السد الإثيوبي يوم الاثنين 29 يونيو 2020، وذلك في محاولة لإظهار الوساطة الأمريكية بالانحياز للجانب المصري.
وسبقت هذه الجلسة دعوة الاتحاد الأفريقي برئاسة رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا بعقد جلسة مباحثات عبر تقنية الفيديو كونفرنس في ٢٦ يونيو، وذلك بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، ورئيسا وزراء إثيوبيا والسودان آبي أحمد وعبد الله حمدوك، وانتهى اللقاء باتفاق الأطراف الثلاثة على قيادة الاتحاد الأفريقي للمفاوضات لحل القضايا العالقة، وذلك حسبما نشر فكي في تغريدة له، فيما أصدر مكتب الجمعية العامة بيانًا يوضح الامتناع عن الإدلاء بأى بيانات او اتخاذ اجراءات تعرقل عملية المفاوضات.
وأوضحت الصحيفة أنه من غير الواضح أن يتم التواصل إلى اتفاق يقضي على مخاوف الدول الثلاث وقضية تقاسم مياه النيل خلال الفترة الزمنية القصيرة المعلنة ومدتها “أسبوعان” من تاريخ التفاوض. وحذرت الجانب الإثيوبي من التعامل القانونى بعبارة “ينبغي معالجة القضايا العالقة المتعلقة بالمسائل القانونية بحذر”.
وتتعلق المسائل القانونية في القضية بـ “مسألة تسوية النزاعات”، كما دعا تقرير لمجموعة الأزمات الدولية إلى التوفيق بين الأطراف الثلاثة للوصول إلى حل وسط من خلال مطالبة الأطراف بتعديل مواقفهم الذي يقترح عملية تحكيم بقيادة الاتحاد الأفريقي كحل، وعليه سيشرح المقال سبب التعامل الحذر لإثيوبيا في الموافقة على التحكيم كآلية لتسوية النزاع.
الحذر الإثيوبي في اللجوء للتحكيم كآلية لتسوية النزاعات التي تهدد الأمن والسلم الدوليين
يلزم القانون الدولي البلاد بالتسوية السلمية للنزاعات الدولية، ويمنع جميع الأعضاء من التهديد باستخدام القوة في علاقاتهم الدولية، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة حسبما جاء في الفقرة 3 و4 من المادة 2؛ إلا أنه لم يفرض أي طريقة محددة لتسوية المنازعات باعتبارها الطريقة المفضلة، وبدلًا عن ذلك فإن المادة 33 من الميثاق تقدم قائمة من الخيارات لتسوية المنازعات تنص على التالي:
- مع اعتبار النزاع قد يهدد السلم والأمن الدوليين للخطر، فيجب البحث عن حل عن طريق التفاوض أو التحقيق أو الوساطة أو المصالحة أو التحكيم أو التسوية القضائية أو اللجوء إلى الوكالات الإقليمية أو الوسائل السلمية الأخرى التي يختارونها، وقد يختار أحدهما أو العديد منها، مما يعطي السيطرة لأطراف خارجية على النتائج.
- لا يمكن لأي طرف أن يفرض الطريقة المفضلة لتسوية المنازعات على الطرف الآخر، ويجب أن تكون الدول على قدم المساواة، وعليه اختارت إثيوبيا عدم اللجوء للتحكيم، وبررت ذلك بالأسباب التالية:
- تتعلق الأسباب بطبيعة التحكيم كوسيلة لتسوية النزاع، وطبيعة الجدل الأوسع فيما يتعلق بالنيل ومحتوى أزمة سد النهضة، حيث يخلق التحكيم طرفًا رابحًا وآخر خاسرًا، ولا تزال إثيوبيا تعاني بسبب ذلك، كما لن يكون لدى الطرف الذي قد يشعر أن هناك قرار تحكيم خاطئ فرصة حقيقية لتصحيحه. وبالتالي ترى إثيوبيا أن التحكيم ليس آلية جيدة لتسوية المنازعات عندما تكون القضية حساسة سياسيًا ومثيرة للجدل.
- التخوف من نتائج التحكيم وإعادة التاريخ كما حدث عندما أدى إتفاق الجزائر إلى اللجوء إلى التحكيم الدولي حول النزاع الحدودي مع إريتريا، والذي لم يؤدي لنتائج لصالحها، حيث أخضعت لجنة الحدود مدينة بادمي لسيطرة إريتريا، وهيى المدينة سبب الحرب الإثيوبية الإريترية، وعليه رحبت إريتريا بالأمر بينما لم تنفذه إثيوبيا، تخوفاً من تفجير المعارضة السياسية بشكل قوي داخل إثيوبيا، ونتيجة لطلب اريتريا بالتنفيذ الفوري فإنها قد أدت إلى حالة الجمود الذي أوقف اتفاق السلام لعقود، واعتمدت إثيوبيا على أسلوبها المعتاد في التفاوض.
- وعلى الرغم من الترحيب بدخول الاتحاد الأفريقي على خط المفاوضات في قضية سد النهضة، إلا أنه يتشابه مع تسهيل المفاوضات التي أدت إلى اتفاق الجزائر نتيجة لوجود منظمة الوحدة الأفريقية آنذاك، وهو ما ندمت عليه إثيوبيا فيما بعد.
- ترى إثيوبيا أن أهداف المفاوضات تتماشى مع روح إعلان المبادئ لعام 2015 أكثر من اللجوء للتحكيم الدولي، والذي يقوم على “التعاون على أساس التفاهم المشترك، والمنفعة المتبادلة، وحسن النية، والفوز المشترك ومبادئ القانون الدولي”.
التخوف من الاعتراف التاريخي بحق مصر في مياه النيل
أفادت الصحيفة أن التخوف الإثيوبي يكمن في أنه يتعين على إثيوبيا عدم بناء موقفها بمعزل عن الحق التاريخي للمياه في إثيوبيا، والتأكد من أن صفقة سد النهضة لم يتم تصميمها على أنها ترتيب مقنع لتقاسم المياه ولا يتم تفسيرها على هذا النحو، والذي يتطلب من إثيوبيا التأكد من أن كل اتفاق بشأن قضية النيل لا يؤكد الحق التاريخي للمياه الذي تطلبه مصر في قضية تقاسم المياه، والذي تم توقيعها بالفعل في السابق.
ويأتي هذا في الوقت الذي ترى فيه إثيوبيا أن سبب النزاع من وجهة نظر الطرف المصري تكمن في ضمان حصة مصر من مياه النيل عند عملية الملء والتشغيل، وكذلك في فترات الجفاف، وموافقة إثيوبيا على ذلك قد يعطي لمصر أحقية قانونية بالاعتراف الإثيوبي بهذه الحصة المصرية من المياه وفقًا للحقوق التاريخية والاتفاقيات السابقة، وهو ما يرفضه الجانب الإثيوبي بالفعل، فكشفت الصحيفة عن النوايا الإثيوبية في أن الهدف هو “إعادة تقاسم مياه النيل، وليس عملية استكمال السد الأساسية”.
وهو ما يوضحه التقرير الأخير لمجموعة الأزمات الدولية بشأن القلق الإثيوبي في التوقيع على أي التزام مفصل، وضرورة أن يدخل ضمن اتفاقية جديدة حول “تقاسم المياه” لدول حوض النيل.
طبيعة الاتفاقات الناتجة عن التحكيم ستكون غير مرضية لإثيوبيا
ترى صحيفة أديس ستاندرد أن هناك نوعين من الاتفاقيات إحداها قائم على التفاوض التعاقدي الذي يقوم على مبدأ المعاملة بالمثل وإعطاء التزامات وواجبات متساوية للأطراف، والاتفاق المعياري والذي ينشأ قواعد تطبقها الأطراف دون توقع المعاملة بالمثل، وفي حالة قضية سد النهضة فإن إثيوبيا هي الدولة الوحيدة بين الأطراف الثلاث المنوط بها تنفيذ بنود الاتفاق دون إلزام كافة الأطراف الأخرى بأي التزامات؛ مما يجعل إثيوبيا ترى أنها “عرضة بشكل فريد لصفقة غير عادلة.”
هذا إلى جانب القلق بشأن الأبعاد الثلاثية للاتفاقات الدولية، ويسمي كينيث أبوت ودنكان سندال هذه الأبعاد الثلاث في “الالتزام والدقة والتفويض”، فيما يتعلق بالالتزام سيتعين على الدول أن تقرر ما إذا كانت ستجعل الاتفاقية معاهدة ملزمة أم إعلانًا، والدقة تتمثل في أنه سيتعين عليهم التفاوض واتخاذ قرار بشأن تضمين التزامات مفصلة للغاية ودقيقة أو ببساطة وضع مبادئ عامة. وأخيرًا، سيكون عليهم أن يقرروا إلى أي مدى يجب تفويض المراقبة وتسوية المنازعات بموجب هذه الاتفاقية لطرف ثالث. وعادة، عندما يفرض الاتفاق التزامات صارمة، تكون الدول أقل ميلًا للدفع نحو قواعد دقيقة للغاية وآلية للمراقبة أو تسوية المنازعات مع تفويض كبير.
ونظراً لطبيعة سد النهضة في عملية الملء والتشغيل، تعمل كل من مصر والسودان على جعل الاتفاق “ملزمًا” التزامًا صارمًا (معاهدة ملزمة). ويتضمن القواعد التفصيلية بدقة بشأن عملية الملء والتشغيل، وتفويض عالٍ (تسوية النزاعات مع نتيجة ملزمة). وترى مصر أن الصفقة التي لا تحتوي على الخيارات المحققة للأبعاد الثلاثة ليست “صفقة عادلة”.وأنهت الصحيفة المقال بالمطالبة بضرورة إيجاد حل وسط يأخذ في الاعتبار الطبيعة الفريدة لأي اتفاق محتمل بشأن سد النهضة، وذلك باعتبار أن أي اتفاق يوقع كل التزاماته الجوهرية على إثيوبيا، وذلك في إطار المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي لحل القضايا القانونية العالقة المعتمدة على روح “الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية”، في ظل تكرار التجربة الإثيوبية الخاسرة مع التحكيم الدولي، وهو ما يعطينا إشارة واضحة لعدم الأحقية القانونية لإثيوبيا في قضية سد النهضة والتخوف من النتائج المتوقعة وعدم الرغبة التنموية التي تدعيها إثيوبيا.
باحثة بالمرصد المصري