دول المغرب العربي

هل يستطيع قيس سعيّد الخروج بالسياسة التونسية بعيدًا عن الأخونة؟

بات من الواضح أن تغيرًا ملحوظًا طرأ على السياسة الخارجية التونسية خلال الأيام الأخيرة، وهو طرح الكثير من التساؤلات حول حجم هذا التغير، وهل يمكن أن يكون تغيرًا جذريًا واستراتيجيًا يقلب دفة الأمور في سياسة قصر قرطاج من اتجاه إلى آخر، أم أنه يبقى تغيرًا طفيفًا قد يتطور وقد يعود أدراجه.

إخوان تونس وسنوات من السيطرة

الدستور التونسي يضع السياسة الخارجية للدولة ضمن اختصاصات رئيس الجمهورية، وقد سيطرت حركة النهضة الإسلامية “إخوان تونس” لسنوات طويلة عقب ثورة 2011 على الحكومات المتعاقبة على البلاد حتى مجيء الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي، فغيّرت الحركة طوال هذه السنوات من الاستراتيجية التي اتبعتها تونس طوال عقود منذ الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في سياستها الخارجية وهي عدم الانجرار إلى سياسة المحاور أو الأحلاف.

انضمت تونس إلى الحلف التركي – القطري الساعي إلى تمكين المشروع الإخواني في الأقطار العربية كافة، فمقابل الدعم المالي والسياسي الذي تلقته حركة النهضة من كل من تركيا وقطر، دفعت الحركة بسياسة تونس إلى تبني كل ما يتوافق مع مصالح تركيا وقطر، ولا سيّما المشروع التركي في ليبيا.

C:\Users\user\Desktop\راشد-الغنوشي-يلتقي-اردوغان-بشكل-مفاجئ.jpg

واستمرت هذه السياسة الإخوانية حتى مع انتخاب قيس سعيّد في أكتوبر 2019، وذلك عبر رئيس الحركة ورئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي الذي ما فتئ يُنتخب كرئيس لمجلس نواب الشعب، حتى استغل هذا المنصب الرسمي كستار لزياراته المتكررة إلى تركيا، وهي الزيارات التي فسرها الكثير من أعضاء البرلمان من الكتل المدنية بأنها يتلقى خلالها الغنوشي الأوامر والتعليمات من القيادة التركية، وخاصة زيارته التي أجراها في يناير الماضي والتقى خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد أيام قليلة من إخفاق مرشح الحركة لرئاسة الحكومة الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان.

اتصالات بمحور جديد

بوادر التغير جاءت عن طريق الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس التونسي قيس سعيّد بالرئيس عبد الفتاح السيسي يوم 27 مارس الماضي، وهو الاتصال الذي تناول بحث جهود مكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد وتم خلاله تبادل الرؤى بشأن الأزمة الليبية والتوافق على ضرورة تكثيف التنسيق في هذا الصدد.

اتصال هو الأول بين الرئيسين ولكنه ليس الأول بين البلدين في ظل القيادة السياسة الحالية لهما، إذ سبقه لقاء بين وزيري خارجية البلدين سامح شكري ونور الدين الري خلال اجتماعات وزراء خارجية دول الجوار الليبي في العاصمة الجزائرية يوم 23 يناير الماضي، وكذلك رسالة أرسلها السيسي إلى نظيره التونسي في 12 مارس الماضي حملها السفير ياسر عثمان مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية إلى وزير الخارجية التونسي.

السيسي يهنئ قيس سعيد.. الأبرز في صحف الثلاثاء | المصري اليوم

ثم أجرى سعيّد اتصالًا هاتفيًا بولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في 14 أبريل الجاري، تناول العلاقات بين البلدين وسبل تعزيزها، واستعداد الإمارات لدعم تونس في مواجهة جائحة كورونا واستعدادها لإقامة مشاريع اقتصادية جديدة في تونس، وجاء هذا الاتصال ليؤكد هذا التغير الملحوظ في السياسة الخارجية التونسية.

ميلشيات الوفاق دليل على التغير

لم تكن اتصالات الرئيس التونسي بالرئيس السيسي والشيخ محمد بن زايد هي وحدها الدليل على أن تغيرًا طرأ في السياسة التونسية، فتصريح وزير الدفاع التونسي عماد الحزقي الذي وصف فيه القوات المقاتلة مع حكومة الوفاق في غرب ليبيا بالميلشيات الخارجة عن القانون، عُدّ تغيرًا كبيرًا في المواقف التي تبنتها تونس طيلة الفترة الماضية، خاصة مع التصريحات الرسمية التونسية المتكررة بدعم حكومة الوفاق، وإن كان هذا الدعم حتى الآن سياسيًا فقط، بعد أن فشل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته إلى تونس في ديسمبر الماضي، في الحصول على موافقة تونسية على تسهيل العملية العسكرية التركية في ليبيا، أو جعل تونس نقطة انطلاق للجنود الأتراك.

السيرة الذاتبية لعماد الحزقي وزير الدفاع الوطني المقترح في حكومة ...

ومن المؤكد أن وزير الدفاع الحزقي لم يكن ليخرج بهذا التصريح دون أن يكون هذا هو توجه الرئاسة التونسية، وذلك بالنظر إلى أن وزيري الدفاع والخارجية اختارهما قيس سعيّد بنفسه ضمن التشكيلة الوزارية الأخيرة لرئيس الوزراء إلياس الفخفاخ.

لماذا تغيرّت سياسة سعيّد

حُسب الرئيس التونسي قيس سعيّد الذي جاء من خارج الطيف السياسي التونسي، بشكل أو بآخر على حركة النهضة فور توليه السلطة، خاصة بعد أن أعلنت “النهضة” دعمه في جولة الإعادة في مواجهة المرشح نبيل القروي، مما أعطى الحركة مساحة مناورة ومحاولة استغلال ذلك في فرض هيمنتها على السياسة التونسية، وراحت تعضد من انضمام تونس إلى المحور التركي – القطري.

ويبدو أن سعيّد لم يهمه هذا الأمر بشكل جلل، بدليل استقباله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ثم الأمير القطري تميم بن حمد، ضمن أول الزيارات التي قام بها مسؤولون إلى تونس بعد انتخاب سعيّد، ورضاه بإعلان أردوغان شن حملة بلاده على ليبيا من داخل قصر قرطاج، إذ لم يحرك ساكنًا، ولم تتحرك وقتها إلا القوى المدنية الفاعلة في الحياة السياسية التونسية.

ويمكن تفسير هذا المنحى الجديد الذي بدأ الرئيس التونسي في اتخاذه، بأنه جاء بعد أن ازدادت هوة الخلاف بينه وبين حركة النهضة التي اتخذت الكثير من المواقف التي وضعت سعيّد في موقف حرج، ومنها زيارة الغنوشي المُشار لها سلفًا إلى تركيا، والتي أظهرت الرئيس التونسي بمظهر من يملك ولا يحكم، وأن مقاليد الأمور كلها في يد حركة النهضة ومن ورائها تركيا.

وكذلك موقفها من تشكيل حكومة إلياس الفخفاخ، وإعلانها الانسحاب منها قبل ساعات من إعلانها، مما دفع الفخفاخ إلى استكمال المشاورات مع النهضة، وزيادة حصتها من الحقائب الوزارية حتى ترضى بالحكومة وتمررها داخل البرلمان. مما دفع سعيّد إلى أن يأخذ منحى مغاير نسبيًا لسياسة الحركة.

هل يحدث تغير جذري؟

رغم كل هذه المؤشرات فإنه ليس من المتوقع أن تتغير سياسة تونس جذريًا، أو أن يُشهر الرئيس التونسي سيفه بوضوح في مواجهة حركة النهضة، ولا أدل على ذلك من اتصاله برئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فايز السراج بعد يوم واحد من تصريح وزير دفاعه عماد الحزقي حول ميلشيات الوفاق، ليؤكد له دعم تونس لحكومته، وتبرءه من أي تصريح يخالف ذلك، واصفًا ذلك بأنه لا يعبر عن الموقف التونسي الرسمي، وأن “هذه التصريحات التي قد تصدر غير متسقة مع هذا الموقف إما أنها قد تمت إساءة فهمها أو تم الترويج لها بهدف الإيحاء بتغير الموقف الرسمي التونسي”.

https://www.facebook.com/Presidence.tn/posts/3123765431014826

ويدل ذلك كله على أنه لا يمكن الرهان على الاتصالات الهاتفية التي أجراها الرئيس التونسي بالرئيس السيسي وولي عهد أبو ظبي بشكل كامل، وأن سياسة تونس مازالت قيد التشكل في ظل القيادة السياسية الجديدة، ولا يمكن أن يغير الرئيس التونسي هذه السياسة تمامًا ويعلن عداءه لحركة النهضة، في ظل ما تملكه الحركة من أوراق في مواجهة قصر قرطاج، ومنها ما هدد به بعض أعضائها وهو انسحاب أعضاء الحركة في الحكومة، وبالتالي إسقاطها، ووضع تونس على شفا انهيار، خاصة مع ما تعانيه البلاد في ظل مواجهة جائحة كورونا.

كما تملك الحركة تأليب بعض القواعد الشعبية على سياسة الرئيس التونسي استغلالًا للضائقة التي يعاني منها الكثير من التونسيين في ضوء الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها تونس لمواجهة كورونا، والتي أثرت بطبيعة الحال على أوضاعهم المعيشية والاقتصادية.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد عبد الرازق

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى