ليبيا

الصواريخ التركية والدعم المباشر .. هل تنتصر الميليشيات في طرابلس؟

بدأت أوائل الشهر الجاري، مرحلة جديدة من مراحل معركة طرابلس، ومعها بدأ التدخل العسكري التركي في ليبيا، يتخذ شكلًا أكثر وضوحًا، يتم فيه تقديم الدعم القتالي لميليشيات حكومة الوفاق، ومجموعات المرتزقة السوريين التابعة لها، عن طريق الإسناد البحري المباشر، من الفرقاطات التابعة للبحرية التركية.

بواعث التصعيد التركي المباشر في طرابلس

بواعث النهج الجديد للجيش التركي في تدخله على الأراضي الليبية، تنبع من عدم تمكن ميليشيات الوفاق، منذ انطلاق عملية طرابلس، التي دخلت هذا الشهر عامها الأول، من تحقيق أية مكتسبات ميدانية، رغم الكم الهائل من المرتزقة والأسلحة والذخائر التي تم تزويد ميليشيات الوفاق بها، وعشرات الطائرات المسيرة، وقطع المدفعية ذاتية الحركة، ومنظومات الدفاع الجوي، التي سبق وتمت الإشارة إليها في عدة مقالات سابقة (12)، فقد قاتلت هذه الميليشيات على مدار الشهور الماضية، في سياق قتال تراجعي خسرت فيه العديد من المناطق جنوبي العاصمة، وكذلك مدن إستراتيجية مثل مدينة سرت شرقي العاصمة، ومدن في الساحل الغربي فقدتها الشهر الماضي بعد فشل هجومها على قاعدة الوطية الجوية.

النجاح الميداني الوحيد في هذه الفترة لميليشيات الوفاق، كان في محور العزيزية، الذي تراجعت فيه قوات الجيش الوطني من التخوم الشمالية لمنطقة السواني جنوباً باتجاه منطقة الهيرة، واستمر التراجع في هذا الاتجاه إلى أن وصلت قوات حكومة الوفاق في 26 مايو الماضي إلى مدينة غريان، التي كانت تحتضن مقر القيادة المتقدم لقوات الجيش الوطني.

المبعث الثاني لتصاعد التدخل العسكري التركي المباشر في معركة طرابلس، كان الضربة الموجعة التي تلقتها مليشيات الوفاق، بعد إطلاقها أواخر الشهر الماضي، هجوماً مباغتاً من محورين تحت أسم (غضب البركان)، استهدف قاعدة الوطية الجوية جنوبي مدينة زوارة غربي العاصمة، من خلال هذا الهجوم، حاولت الميليشيات بقيادة قائد ما يسمى المنطقة العسكرية الغربية أسامة الجويلي، تحقيق نصر ميداني خاطف، من خلاله يتم تحييد هذه القاعدة التي تعد  نقطة الدعم الجوي الأساسية للجيش الوطني في معارك طرابلس. 

على الرغم من عنصر المفاجأة، والتواجد الكثيف للطائرات التركية الهجومية المسيرة، لم تتمكن القوات المهاجمة سوى من الوصول إلى نقطة تبعد نحو 7 كيلو متر شمالي القاعدة، ومن ثم بدأ تراجعها تحت ضربات وحدات الكتيبة 134 ووحدات أخرى تابعة لقوات منطقة الزاوية العسكرية، وحينها لم تكتفي قوات الجيش الوطني بتأمين محيط يبلغ 40 كيلو متر حول القاعدة، بل أكملت تقدمها شمالاً على محورين، الأول تمكنت فيهما من السيطرة على مدينتي الجميل ورقدالين الواقعتين جنوبي مدينة زوارة، والثاني سيطرت فيه على مدينة العسة الواقعة غربي رقدالين. 

هذه النتيجة جعلت قوات الجيش الوطني قاب قوسين أو ادنى من الوصول إلى مدينة زوارة، ومن الوصول غرباً معبر رأس جدير مع تونس، الذي باتت حينها على بُعد 55 كيلو متر منه فقط، وهذه كلها كانت كوارث ميدانية حقيقية لميليشيات الوفاق، التي وجدت سيطرتها على الساحل الغربي للبلاد تتبخر في بضع ساعات فقط.

المبعث الثالث والأهم، يتعلق بالأداء المتردي والخسائر الكبيرة، التي تكبدتها ميليشيات الوفاق، في عدتها وعتادها الذي زودته بها أنقرة، وهي خسائر يعود جزء معتبر منها إلى عدم كفاءة عناصر هذه الميليشيات في أستخدام هذه الأعتدة (خاصة العربات المجنزرة والمدرعة)، وكذلك قدرة سلاح الجو الوطني الليبي على القيام بمهام الإسناد الأرضي والقصف الجراحي، بفعالية ممتازة، وذلك بسبب تحييد وحدات المدفعية التابعة للجيش الوطني، لمنظومات الدفاع الجوي الواردة من تركيا، مثل منظومات (هوك) و(أورليكون) و(كوركوت). 

لذلك وجدت القيادة العسكرية التركية نفسها أمام وضع ميداني متدهور، يستلزم تدخل مباشر على الأرض، خاصة بعد أن باتت عمليات نقل المرتزقة والأسلحة بحراً، عن طريق سفن الشحن المدنية، محفوفة بمخاطر متعددة، بعد تفعيل العملية البحرية (إيرينا)، وقيام البحرية الفرنسية للمرة الأولى، باعتراض أحدى سفن الشحن المشتبه بها.

خطوات تصاعد الدور العسكري التركي المباشر في معركة طرابلس

على ضوء ما سبق، بدأ الجيش التركي في تطوير نوعية مشاركته العسكرية في ليبيا، لتصبح مباشرة بشكل أكبر وأكثر وضوحاً، وكانت البداية بتفعيل دور فرقاطات البحرية التركية، سواء المرافقة لسفن التنقيب عن الغاز شرقي المتوسط، أو المشاركة في دوريات حلف الناتو البحرية، ومشروعاته التدريبية شرقي المتوسط. 

هذا التفعيل تم على عدة مراحل، المرحلة الأولى كانت سابقة لتطورات الشهر الماضي، وبدأ فعلياً في شهر يناير الماضي، وفيها واكبت للمرة الأولى، فرقاطتين بحريتين تركيتين من الفئة (أوليفر هازارد بيري)، التي تسميها البحرية التركية (جابيا)، سفينة الشحن المدنية (بانا)، التي ترفع العلم اللبناني، خلال نقلها لشحنة أسلحة وذخيرة إلى طرابلس، في خرق واضح لمخرجات مؤتمر برلين، وإستغلال فاضح من جانب البحرية التركية، لمشاركة فرقاطاتها في مهام مجموعة العمليات البحرية الثانية التابعة لحلف الناتو، والتي تعمل قبالة الساحل الليبي والتونسي.

بعد ذلك طرأ تطور لافت منذ أوائل هذا الشهر، حيث بدأ تسجيل أستخدام هذه الفرقاطات، كمنصات للدفاع الجوي، بغرض استهداف نشاط مقاتلات سلاح الجو الوطني، بعد فشل المنظومات الأرضية الثابتة والذاتية الحركة، التي تم إرسالها إلى حكومة الوفاق، في تحييد هذا النشاط. 

أول دلائل هذا التوجه، كانت محاولة احدى الفرقاطات التركية، أستهداف مقاتلات الجيش الوطني، بإستخدام صواريخ الدفاع الجوي متوسطة المدى (RIM-66E-5). وعلى الرغم من عدم تمكن هذه الفرقاطة من تحقيق إصابة مباشرة، إلا أن هذه الحادثة كانت مؤشراً واضحاً، على أن التدخل العسكري التركي بات مباشرًا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

تلا ذلك تطور أخر، فقد عثرت وحدات الجيش الوطني، على حطام غير محدد الهوية، في منطقة تبعد نحو 300 كيلو متر جنوب شرق مدينة درج القريبة من المثلث الحدودي مع الجزائر وتونس، وبعد فحص هذا الحطام، اتضح أنه يعود للذخيرة الجوالة الإنتحارية إسرائيلية الصنع (هاروب)، التي حصلت تركيا على نحو مائة طائرة منها، في الفترة ما بين عامي 2001 و2004، ضمن صفقة بقيمة 76 مليون دولار، وبذلك تأكدت النوايا التركية في التركيز على الساحل الغربي الليبي، بكل ثقلها العسكري، بما في ذلك الأسلحة الإسرائيلية.

الموقف في الساحل الغربي يتغير

هذا التركيز على الساحل الغربي، أدى إلى تغير الموقف بشكل أساسي في هذه المنطقة، حيث تمكنت ميليشيات الوفاق خلال الأيام القليلة الماضية، في استعادة السيطرة على مدن العيسة والجميل والعجيلات ورقدالين، بجانب تمكنها من دخول مدينتي صبراتة وصرمان غربي العاصمة. وترافق هذا التقدم مع سلسلة من الانتهاكات والتنكيل بممتلكات المدنيين وسكان هذه المناطق، وهي انتهاكات وصلت إلى حد إطلاق السجناء الجنائيين من السجون، خاصة وأن من ضمن المشاركين في هذه الهجمات ضمن ميليشيات الوفاق، أعضاء في عدد من التنظيمات الأرهابية، ومنهم القيادي في تنظيم داعش فرج شكو.

https://twitter.com/LNA2019M/status/1249756568016564225

كم الطائرات التركية المسيرة الذي تم استخدامه في هذه العملية كان كبيراً، والتي تم إسقاط أعداد كبيرة منها وهو محملة بذخائرها، وكان من الواضح أن أستخدام هذا العدد الكبير، كان بهدف إشغال الدفاعات الجوية للجيش الوطني قدر الإمكان واستنزافها، حتى لو كان الثمن هو إسقاط عشرات الطائرات.

على الرغم من أن الموقف الحالي يعد عودة إلى الوضع الذي كان قائماً في هذه المنطقة قبيل بدء هجوم ميليشيات الوفاق على قاعدة الوطية أواخر الشهر الماضي، إلا أن المعضلة الأساسية هنا كانت خسارة مدينتي صبراتة وصرمان، لأن هذا سيؤثر بشكل أساسي على المجهود العسكري للجيش الوطني في المحور الغربي للعاصمة، فقد كانت هاتين المدينتين هما نقطة أرتكاز قوات الجيش الوطني، التي من خلالها كان يتم تهديد مدينة الزاوية ومجمع مليتة النفطي، ومن ناحية أخرى كان تواجد هذه القوات بهذه المنطقة، يجعل ميليشيات الوفاق في حاجة دائمة لتثبيت وحدات تابعة لها في هذا الأتجاه، خشية من تقدم الجيش الوطني شرقاً بإتجاه مدينة الزاوية والأحياء الغربية للعاصمة، أو غرباً بإتجاه زوارة والحدود مع تونس. 

يضاف إلى هذا أن غطاء الحماية الذي تحصلت عليه قاعدة الوطية، بعد سيطرة الجيش الوطني في وقت سابق على العسة والجميل والعجيلات ورقدالين، قد انتهى الآن فعلياً، وبالتالي باتت الحاجة ماسة لتعزيز القوات المتواجدة داخل القاعدة، وكذا حماية طريق إمدادها الوحيد، الذي يقع جنوبها.

تقدم الجيش الوطني في كافة المحاور الجنوبية للعاصمة، خاصة محوري عين زارة وحي بوسليم، بالإضافة إلى موقفها الأكثر من ممتاز في المحور الشرقي لمدينة مصراتة (أبو قرين -الهيشة)، يجعلان الموقف الميداني العام للجيش الوطني، في مستوى جيد جداً، خاصة وأنه يجب دوماً أن نضع في الاعتبار، سيطرة الجيش الوطني على نحو 95 بالمائة من البلاد، وهي سيطرة تحتاج منه إلى إدامة تواجد وحدات قتالية ومعاونة في كافة المناطق، وهو عبء تزايد على خلفية تفشي فيروس كورونا في البلاد.

إذن من الجلي أن تفشي الفيروس (الذي وصلت عدد حالات الإصابة به في عموم ليبيا إلى 48 إصابة)، لم يردع ميليشيات الوفاق عن جعل خروقاتها للهدنة أكثر وضوحاً، بل أن رغبتها في القتال بات أكبر حتى من رغبتها في محاصرة هذا الفيروس ومنع تفشيه، وهذا كان واضحاً من خلال إعلان ما يسمى (المجلس العسكري نالوت)، سحب أفراده من كافة نقاط المراقبة الواقعة على الشريط الحدودي بين ليبيا وتونس، بطول 450 كيلو متر، نتيجة عدم تلقيه الدعم اللازم من أجل إدامة إغلاق هذه الحدود، ومنع الدخول غير الشرعي للبلاد، بما يحمله من حالات محتمل إصابتها بالفيروس. 

الجيش الوطني وان كان يضع في حسبانه تكثيف جهوده لمحاربة هذا الفيروس، عبر مستشفيات ميدانية وإجراءات طبية تشرف عليها اللجنة العليا لمكافحة وباء كورونا، أصبح قريباً جداً من التحول إلى الحالة الهجومية، بعد أن ظل طيلة الأسابيع الماضية، يلتزم بضبط النفس وعدم تنفيذ أية أعمال قتالية إلا كرد على خروقات الميليشيات، هذه الحالة الهجومية ستكون قطعاً على نسق مماثل لعملية سرت، وربما تكون مصراتة أو غريان هي الهدف القادم.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى