
زيف “المشاعر الأردوغانية” يكشفه الفيديو المفبرك لأذان غرناطة
اتخذت العديد من الدول إجراءات للحد من انتشار فيروس كورونا، وكان من ضمنها منع الصلاة في المساجد والكنائس لمنع التجمعات للحد من انتشار الفيروس، فخرج علينا أردوغان من خلال فيديو نشره رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، في 29 مارس الماضي، للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثناء استماعه لصوت الأذان من مدينة غرناطة الإسبانية، مدعيًا أنه تم رفع الأذان بعد توقف استمر 500 عاماً، بأمر من الحكومة الإسبانية وهو ما خرجت وكالة “فرانس برس” لتكذبه، نافية ادعاءات توقف الأذان في الدولة الإسبانية.
وهو ما يشير إلى أن الرسالة الضمنية التي رغب أردوغان في إثارتها ومفادها أن الدولة التركية في ظل حلم خلافته العثمانية مازالت تدعم وتتأثر بالشعائر الدينية التي تم إيقافها في البلاد، علمًا بأن تركيا اتخذت إجراءات بمنع صلاة الجماعة في المساجد، وأن الإجراءات السارية في إسبانيا لم تشتمل على رفع الأذان كذلك في العديد من الدول؛ لترتفع مجددًا في مدينة “غرناظة” أخر الممالك الإسلامية في إسبانيا.
وقال ألطون في تغريدته على تويتر “رئيسنا خلال استماعه لرفع الأذان في غرناطة.. نأمل ألا ينقطع صوت الأذان عن وجه الأرض. نسأل الله أن يرزقنا جميعا أداء صلواتنا جنبا إلى جنب في مساجدنا مجددا”.
تسييس إخواني للفيديو المفبرك
نشر حمزة زوبع – إعلامي جماعة الإخوان الإرهابية – الفيديو الخاص بالرئيس التركي أردوغان على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” في صورة تمثيلية توضح مشاعر التأثر على ملامح الرئيس التركي، وهو ما لقى تهكمًا واضحًا من المتابعين، دون أدنى محاولة من التأكد من صحة الأمر.
وهو ما نشره محمد الصغير الإخواني الهارب لبراثن الدولة التركية، طالبًا الولاء والاستحسان، على موقعه أيضًا، وعُرف أنه خرج من قبل لتهنئة قاتل الرئيس الراحل محمد أنور السادات على صفحته “عبود الزمر” قائلًا: “تحية من القلب إلى عبود الزمر في ذكرى السادس من أكتوبر” وهو ما أثار ريبة الجماعة نفسها آنذاك، مشيرة إلى أنه قد فضح الوجه الآخر لجماعة الإخوان.
أثارت تلك التدوينات بعض الشكوك في نفوس المتابعين، وذلك على اعتبارهم أحد أذرع الجماعة في تركيا، والمعروفين بتقديم يد العون في بلد الإيواء الأول لجماعة الإخوان المسلمين، فجاء التعليق على نشر فيديو الأذان في غرناطة من خلال استماع “خليفة المسلمين” له، في محاولة لتسييس الأمر، وذلك على اعتبار أن الفيديو قد تم تداوله بالفعل على مواقع التواصل الاجتماعي منذ يوم 24 مارس أي قبل خمسة أيام من خروج الصورة الورعة للرئيس التركي وهو يستمع إلى الأذان.
وأعلنت تركيا في منتصف مارس الماضي، من خلال رئيس الشؤون الدينية التركي علي أرباش، عن إيقاف صلوات الجمعة والجماعة في مساجد البلاد حتى إشعار آخر؛ لتجنب انتشار فيروس كورونا.
وحظي الفيديو المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بمعدلات وصول عالية، واهتمت المواقع الإخوانية والتركية بإبراز صورة أردوغان متأثرًا بالأمر، وأثناء التزامه بما أسموه الحجر المنزلي، فنشرت الصحافة التركية متمثلة في وكالة أنباء الأناضول والتي نقلت عنها بعض المواقع الإخبارية المهمة باعتبارها مصدر معلومات، وكذلك الإعلام القطري متمثلًا في قناة الجزيرة الفيديو الذي يظهر صورة أردوغان متأملًا في عظمة الأمر بشكل تقشعر له الأبدان، ليضع أمامنا حقائق توضح زيف الأخبار التي يتداولها إعلام الإخوان دون التحقق من المصادر، وحقيقة جديدة مفادها أنه لا يمكن لرئيس دولة التعرض للأخبار دون التحقق من مصادرها، وعليه يتضح لنا أن الحكومة التركية قد تكون وراء هذا الفيديو المزعوم في محاولة لاستثارة مشاعر الرأي العام، وكسب رأي عام مواتي للقرارات التي يعتبرها أردوغان تتنافي والدعاوى التي يتبناها دائمًا في محاولة لاستثارة الرأي العام المحلي والإسلامي، والاصطفاف نحوه من جديد في ظل ما يعانيه من أزمات داخلية واقتصاد هش كشف عنه انتشار فيروس كورونا في الداخل التركي.
ما صحة الفيديو المنشور وكيف انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي؟
ظهر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي في 24 مارس 2020، وحظي بآلاف المشاركات والمشاهدات، وتناول الفيديو “رفع الأذان في غرناطة عقب توقف دام 500 عامًا عقب سقوط الأندلس، كما انتشر على موقع يوتيوب بعنوان “الأذان يصدح في غرناطة في إسبانيا بعد أكثر من 500 عام منذ سقوط الأندلس وغرناطة”، وتناول الفيديو أصوات للأذان وبعض الصور لمساجد وأفراد يرددون الأذان من شرفاتهم، ويظهر فيه شوارع إسبانيا والبعض الآخر شارك فيديو لمشاهد عامة لغرناطة يصاحبها صوت الأذان.
عند التحقق من الفيديو تبين أنه يبدأ برفع صوت الأذان بالإضافة لمقطع فيديو تظهر فيه صور لمساجد غير موجودة في الدولة الإسبانية من ناحية، كمأذنة مسجد “بالاكان Balakan” في أذربيجان.
كما نشرت بعض المواقع أن الصوت المنشور في الفيديو لا علاقة له بغرناطة إنما رفع الأذان بصوت المُنشد الأهوازي “مهدى يراحى”، وهو منشد وموسيقي إيراني ولد عام 1981 في مدينة طهران في إيران، وتم نشر هذا المقطع على اليوتيوب في يوليو 2014.
جدير بالذكر ، أن بداية انتشار الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي كانت من خلال صفحات تركية ناطقة بالعربية كصفحة مسلسل السلطان عبد الحميد الثاني، وآخر يدعى حسيني الدغيم، ويعرف نفسه بالصحفي السوري، ولكن تعج صفحته على تويتر بالتغزل في الغزو التركي لسوريا.
كما أشارت تقارير تحليلية إلى القيام بمونتاج الفيديو من خلال إضافة الصوت على مناظرٍ من مدينة غرناطة، بينما الأخرى هي لأحياء من مدينة مدريد قررت فيها بعض الجاليات المسلمة أداء الأذان تحية وتقديرًا لجهود الطواقم الطبية في مواجهة فيروس كورونا المستجد، وتمت الإشارة إلى أن الأذان يرفع في مسجد البيازين بمدينة غرناطة، وهو ما تم نفيه من قبل الأكاديمي عبد الله معروف على صفحته على تويتر، قائلاً إن مسجد البيازين الآن هو كنيسة اسمها “سان بيدرو”، بينما الأذان يرفع يوميًا في مسجد غرناطة الكبير.
جدير بالذكر أنه في عام 1994 أدرجت اليونسكو البيازين ضمن مواقع التراث العالمي، ومن بين الثروات المعمارية في البيازين جدران القصبة القديمة التي ترجع لعهد بنو زيري، والجدران التي بُنيت في عهد بنو الأحمر، وأبراج القصبة، والمسجد الرئيسي الذي تم تحويله لكنيسة.
حقيقة وقف رفع الأذان في إسبانيا
بينما تداولت الأخبار أن الأذان ممنوع في إسبانيا بعد سقوط دولة الأندلس عام 1492، كما جاء في المنشور بأن الأذان يرفع للمرة الأولى منذ 500 سنة، أوضحت وكالة “فرانس برس” أن رفع الأذان مسموح في إسبانيا وفقًا لنص المادة “16” من الدستور الإسباني 1978 حول حرية ممارسة النشاطات الدينية في الأماكن العامة، وحرية المعتقد والدين والعبادة للأشخاص والجماعات بدون أي قيد سوى الحفاظ على الانتظام العام، وينص كذلك قانون الحريات الدينية 1980 على الحق في ممارسة الشعائر الدينية والزواج الديني، وأقرت اتفاقية 1992 التعاون بين الدولة واللجنة الإسلامية في إسبانيا.
كما أن الحكومة الإسبانية قد أصدرت قرارًا بغلق كافة أماكن التجمعات العامة والكنائس والمساجد كإجراء احترازي للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، ونشرت الوكالة فيديوهات توثق رفع الأذان من أربع مآذن من أصل 11 مئذنة، كما نشر مسجد غرناطة منذ ثلاث سنوات عبر حسابه في موقع فيسبوك فيديو يظهر رفع الأذان.
وكذلك نشرت صفحة المسجد على “تويتر” فيديو يوضح رفع الأذان في المسجد في وقت الصلاة بالفعل، ولكن مع الصيغة الجديدة للأذان التي تدعو المصلين للصلاة في منازلهم دون المساجد لتجنب انتشار العدوى بفيروس كورونا.
وبرصد مصادر انتشار الفيديو اتضح أن بدايات الظهور جاءت على صفحات تركية أو داعمة للنظام التركي، ثم بدأت في الانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أنه من اللافت للنظر انتشار فيديو للرئيس التركي وهو يتصفح فيديو أثبت زيفه من غير المختصين، ليجيب عن علامة الاستفهام الموضوعة حول لماذا الآن؟ وفي هذا التوقيت الذي يتزامن مع قرارا الإغلاق ليخلق صورة ذهنية جديدة تدعم صورته التي لا ينفك محاولاً أن يظهرها كخليفة للمسلمين، ولكنها في فترة أصبح فيها نفسه مصدرًا للشائعات التي تحاول الدول مواجهتها في ظل الأزمة العالمية التي عانت منها الشعوب.
فأصبحت الرسالة العاطفية غير مجدية مع دلائل وبراهين أوضحت زيف إعلامه وتلون أهدافه. وهذه هي ليست المرة الأولى التي يتعدى فيها الرئيس التركي على الدولة الإسبانية، فقد أعلنت وزيرة الخارجية الإسبانية جونزاليس لايا أن الحكومة التركية تحتجز في أنقرة شحنة من الإمدادات الطبية تم شراؤها من الصين قادمة لإسبانيا”؛ مما قد يطرح تساؤلًا جديد حول مستقبل العلاقة بين البلدين.
باحثة بالمرصد المصري