
قطر على خط النار في طرابلس … قبائل ليبيا تتحدى
لم يغب الدور المدمر لقطر عن الميدان الليبي يوماً، فقد أستمر بشكل متذبذب منذ عام 2011 وحتى الآن، لكن كان الهدف دوماً واحد، وهو إعادة تشكيل الدولة الوطنية الليبية، وتحويلها إلى مرتع لمعتنقي مذاهب الإسلام السياسي القطرية والتركية، والذين في مثل هذه الحالات لا يكونوا سوى بيادق تحركها أنقرة والدوحة، من أجل مزيد من الفساد والإفساد للأمن القومي العربي.
مناورة قطرية جديدة في ليبيا
هذه المرة، تدخلت قطر في الملف الليبي من الزاوية الإقليمية المحيطة بطرابلس، وتحديداً خط تونس – الجزائر، حيث فضل أمير قطر أن يختتم جولته العربية، بزيارة كل من تونس والجزائر، عقب زيارته للعاصمة الأردنية عمان. البواعث الأساسية لهذه الزيارة ترتبط بشكل كامل بالملف الليبي، ومن خلالها يحاول أمير قطر تحقيق هدفين رئيسيين، الأول هو استجلاء حقيقة التموضع الحالي لتونس والجزائر، في ما يتعلق بالملف الليبي، خاصة بعد فشل الرئيس التركي، خلال زيارته السابقة لكلا الدولتين، في انتزاع مواقف نوعية منهما في هذا الملف، تميل في اتجاه وجهة النظر التركية.
الفشل التركي في تحقيق نتيجة من زيارات أردوغان السابقة، تحول في الحالة التونسية إلى أزمة داخلية كبيرة، عقب ردود الفعل العنيفة من جانب معظم الأحزاب التونسية، بسبب التلميحات التي أطلقتها تركيا عبر أدواتها في طرابلس، حول مشاركة تونس في الحلف التركي في ليبيا، ناهيك عن أزمة مماثلة مع الجزائر، على خلفية حديث غير لائق من جانب الرئيس التركي، حول ملف الاحتلال الفرنسي للجزائر.
الهدف الثاني الذي أرادت قطر تحقيقه من خلال هذه الجولة، كان محاولة تحجيم واحتواء آثار المواقف الوطنية المهمة، التي أطلقتها القبائل الليبية خلال الفترة الماضية ، وتحديداً إيقافها عمليات استخراج وضخ وتصدير النفط الليبي، للمحافظة على الثروات الليبية، ومنع أستغلالها في تمويل شراء الأسلحة والمرتزقة، وكذا المواقف الأخيرة التي أعلنتها القبائل في اجتماعها بمدينة ترهونة، والتي تضمنت الدعم المطلق لقيادة الجيش الوطني، وإعلان الجهاد ضد الدور التركي في ليبيا وأدواته.
هذا ربما يفسر تناول الرئيس التونسي وأمير قطر، لمسألة عقد أجتماع موسع في العاصمة التونسية، يجمع ممثلي القبائل الليبية، بحجة التقريب بينها، ومحاولة الوصول إلى حلول للأزمة الليبية عن طريق الحوار القبائلي. هذه الخطوة تمت مواجهتها بردود فعل عنيفة من جانب مشائخ وأعيان القبائل الليبية، حيث أصدر مجلسهم بياناً، يعلن الرفض التام لفكرة الدعوة التونسية-القطرية بشأن عقد ملتقى للقبائل في تونس، واعتبارها دعوة مشبوهة لا تخدم الإ جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها، خاصة أن هذه الدعوة لاقت تأييد من بعض الوجوه الإخوانية، مثل المتطرف علي الصلابي.
وقد تتالت البيانات الرافضة لهذه الدعوة، من عدة تجمعات شعبية وقبلية ليبية، من بينها مجلس حكماء واعيان صبراتة، وتناول هذا الموضوع شيخ مشائخ قبيلة الزوية السنوسي الحليق، الذي قال في تصريح صحفي لأحد المواقع الروسية، إن الدعوة لمؤتمر أو ملتقى بين القبائل في تونس الفترة المقبلة غير مجدية، لأن كافة القبائل الليبية التي تمثل 98% من عموم ليبيا لن تشارك فيه، وأن أي مكونات قبلية ستجتمع في تونس، لن تمثل القبائل الليبية بل ستمثل جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا. ونوه الحليق إلى أن ملتقى القبائل الأخير في ترهونة، حضره أكثر من 5 آلاف شيخ من القبائل الليبية، من كافة المناطق. الجيش الوطني الليبي من جانبه، وعبر الناطق بإسم قيادته العامة أحمد المسماري، أعرب عن استغرابه من النهج التونسي، الذي يتجاهل المواقف السابقة التي أعلنتها القبائل الليبية.
تحسباً لإستخدام قطر لمواردها المالية، من أجل التأثير على قرار الدول العربية الثلاث، التي شملتها زيارة أميرها، كان واضحاً تنبه كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لهذه المحاولات، فاستضافت الأولى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، واستضافت الثانية رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح، لتؤكد الدولتين على دعمهما للبرلمان الليبي وقيادة الجيش الوطني، ولكل الجهود العربية التي تستهدف إيجاد حل سياسي للملف الليبي.
المرتزقة في ليبيا .. ما بين التبريرات والتلميحات
ما بين حديث وزير الداخلية المفوض في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، حول عدم وجود مرتزقة في ليبيا، بل فقط مقاتلين يأتون عبر تركيا إلى ليبيا، للقتال حسب أتفاقية حكومة الوفاق مع أنقرة، وبين تصريحات الرئيس التركي الأخيرة عن عدم علمه سبب ذهاب عناصر (الجيش السوري الحر)، للقتال في ليبيا. تستمر التفاعلات الناتجة عن نشاط هؤلاء المرتزقة في طرابلس، وقد كان لافتاً نشر أحد قادة هؤلاء المرتزقة، المدعو محمد الجاسم، لصورة تجمعه بأحد لمرتزقة العاملين تحت إمرته، أثناء علاجه في إحدى مستشفيات طرابلس، بعد أصابته خلال المعارك مع الجيش الوطني الليبي.
سبق ونفت أطراف عدة، صحة المعلومات التي ذكرها الشهر الماضي، المتحدث بإسم الجيش الوطني الليبي، حول وجود مرتزقة سوريين في طرابلس، وتناوله لأسماء قادة هؤلاء، ومنهم محمد الجاسم، الملقب ب (أبو عمشة)، والذي يتولى حالياً قيادة ميليشيا (فرقة السلطان سليمان شاه)، وهي من أهم الميليشيات التي شاركت في عملية (درع الفرات) التركية شمالي سوريا، وقد أرتكبت هذه الميليشيا فظائع بحق المدنيين في مدن عدة، من بينها مدينة عفرين. تولى سابقاً قيادة ميليشيا (لواء خط النار)، وكان له نشاط في مجال التهريب وتجارة السلاح، ومرتبط فكرياً بجماعة الإخوان المسلمين في سوريا, وبهذه الصورة تم تأكيد تواجده في ليبيا.
في سياق متصل، نشرت الصحفية الأمريكية المتخصصة ليندسي سنيل، تسجيلاً صوتيًا، يتحدث فيه عدد من المرتزقة السوريين، حول المبالغ المالية التي يتقاضونها خلال قتالهم في ليبيا، وعن ظروف معيشتهم في طرابلس، حيث تحدث هؤلاء عن التزامهم بأرتداء زي مدني، وضرورة وجود مرافق ليبي مع كل منهم في اي من تحركاتهم، وأن مرتباتهم الشهرية في ليبيا تتراوح بين 2000 و3000 دولار.
خروقات الهدنة من جانب ميليشيات حكومة الوفاق ومرتزقتها السوريين، أستمرت في محاور جنوب العاصمة، وكانت الأداة الأساسية في ذلك المدفعية التركية الثقيلة وراجمات الصواريخ، أنطلاقاً من مرابضها في مناطق السبعة وغابة النصر ومشروع الموز، و استهدفت المناطق السكنية في قصر بن غشير وصلاح الدين ومنطقة الهضبة، المثير للدهشة هنا أن البعثة الأممية في ليبيا، أصدرت بياناً تدين فيه قصف مطار معيتيقة، دون ان تحدد أو تسمى الجهة التي نفذت هذا القصف، في حين تتجاهل بإستمرار النشاط المدفعي التركي، الذي يقصف منذ أسابيع، الأحياء الجنوبية لطرابلس، ويتجاهل حتى وصول ونشر مدفعية الهاوتزر التركية ذاتية الحركة في عدة مناطق بالعاصمة، ناهيك عن نشاط الطائرات المسيرة تركية الصنع، التي تم أسقاط طائرتين منها هذا الأسبوع خلال معارك طرابلس.
باحث أول بالمرصد المصري



