
استشراف الأزمة الليبية لعام 2020
تبلور الصراع الليبي في العام 2019 وشكل نموذجا متجددا من الصراع بين مؤسسات الدولة وأخرى جرى استيلادها في قلب الأزمة.
ومن أبرز السمات التي برزت في الحالة الليبية خلال الفترة الماضية قصور الدور الاممي في أداء دوره الرئيسي بتطبيق القرارات الاممية وإدانة التدخلات الخارجية المنتهكة لحظر تصدير الاسلحة إلى ليبيا، كذلك سيطرة الجيش الوطني على 98% من القطر الليبي في حين تسيطر مليشيات الغرب على 2% من مساحة الدولة.
واستمرار القتال في تخوم العاصمة “طرابلس” دون حسم قُرابة عشرة أشهر، كذلك فشل الاطراف السياسية الليبية في الوصول إلى صيغة توافق لوقف العنف وتفعيل حل سياسي للازمة. وعبر مُراجعة تطورات المشهد الليبي خلال العام 2019

يمكن استشراف عدة متغيرات مُحتمل أن تصبح مسار الأزمة خلال العام 2020، وهي كالتالي:
- تجدد دورة الصراع: يرجح أن تتصاعد حدة العمليات العسكرية بين الجيش الوطني ومليشيات حكومة “السراج” في محيط العاصمة طرابلس؛ حيث ستسعى المليشيات لإثبات قدرتها على البقاء، ورفع معنويات عناصرها المتدهورة في الوقت الحالي، كما ستتجه تلك المليشيات لفتح جبهات قتال بمناطق الجنوب؛ لتخفيف ضغط الجيش الوطني على قواتها بمحاور العاصمة، ومحاولة السيطرة على مصافي النفط والموارد الاقتصادية والقواعد الجوية الإستراتيجية التي يدير الجيش الوطني عملياته بالغرب عبرها. وسيعزز الجيش الوطني الليبي من حشده العسكري في تخوم العاصمة طرابلس، ولن تتأثر عمليات الجيش الوطني لتحرير العاصمة بنشاط المليشيات المستهدف لفتح جبهات قتال بمناطق الجنوب الغربي، ولكن يُمكن أن تتراجع سيطرة الجيش الجوية على مناطق الغرب إذا تحصلت المليشيات على وسائط دفاع جوي حديثة من أنقرة، وهو ما سيستدعي تكثيف العمليات البرية والقصف المدفعي وبالتالي تفاقم الخسائر المادية والبشرية بمناطق القتال. وسيحرص الجيش الوطني على إخراج المدن الرئيسية بالغرب –كمصراته والزاوية- من دائرة داعمي الوفاق بشكل أو بآخر؛ للتعجيل بحسم المعارك حول طرابلس، وإن كانت نتائج تلك الجهود معتمدةً على الضمانة التي سينالها قادة تلك مدن من القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية.

- تعثر التسوية السياسية: في ضوء المتغيرات السياسية العديدة التي مرت بالأزمة الليبية خلال العام 2019، يُحتمل أن تظل الأزمة غير قابلة للحل السياسي، إذا لم يتم تحييد الاطراف الخارجية التي تستثمر في الصراع الليبي لصالحها، واستئصال التنظيمات الإرهابية والمجموعات المسلحة المسيطرة على قرارات حكومة الوفاق بالغرب. لذا فالمبادرات الأممية وغيرها من الدعوات التي وجهتها برلين وموسكو وواشنطن ستكون عاجزة عن تقديم نتائج ايجابية إلا بتحييد الدور التركي الداعم للمليشيات والمقوض لجهود التسوية، كذلك يجب إخراج المجموعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية التي تعمل تحت مظلة داخلية السراج من المشهد، وعدم الاشتراط على دمجها في الكيانات النظامية مستقبلاً لضمان نجاح الحل السياسي.

- مراوحة الأدوار الخارجية: يمكن القول إن الدور الذي تلعبه الأطراف الإقليمية والدولية سيقود بالعام القادم نحو حالة من اللاحسم؛ فتركيا الحريصة على استنزاف الدولة المأزومة ستتجه إلى استمرار القتال دون حسم، حتى لصالح المليشيات التي تدعمها، حتى تحقق أهدافها بنقل المقاتلين في سوريا إلى ليبيا، واستنزاف ثروات ليبيا مقابل امداد مليشيات السراج بالعتاد والسلاح المتطور، واستثمار الاتفاقيات الاخيرة بين السراج وأردوغان للتدخل عسكريا والتنقيب عن الغاز بشكل غير قانوني في شرق المتوسط. فيما تتبني مصر رؤية داعمة للحل السياسي للازمة والقضاء على الإرهاب، وهو ما يتوافق مع جهود البرلمان الليبي، لذا يُرجح أن تتجه مصر لدعم مسار توحيد البرلمان الليبي في جولة ثالثة بعد جولتي العام 2019، ورفض الادوار الاقليمية المستهدفة تأجيج الصراع عبر القنوات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي.
ويُحتمل عودة الأزمة الليبية على قائمة اهتمام الإدارة الأمريكية كونها تستشعر من الخطورة رفع يدها عن ليبيا، وتركها كساحة مفتوحة للتدخل التركي أو الروسي وبالتالي ستسعى إلى خفض حدة الصراع ودعم جهود الحل السياسي الذي يضمن حفظ الأهداف الإستراتيجية لها، ويضعف من احتمالات اعادة انتاج السيناريو السوري بها. أما الدور الاوروبي فيمكن استشرافه كدور ساعي لتقييد أدوات كافة الاطراف الداخلية، ورسم ملامح الصراع الليبي بما يتوافق ومصالح أوروبا المتعلقة بقضايا الهجرة والنفط، وكذلك مواجهة خطر عسكرة البحر المتوسط لصالح موسكو، لذا يمكن أن يتخذ الدور الاوروبي شكلاً أكثر جدية في التحرك نحو جمع الأطراف الليبية للتفاوض، والضغط مجددًا مع البعثة الاممية لصالح تعديل اتفاق الصخيرات أو ايجاد شكل جديد لوثيقة تحكم مستقبل الدولة الليبية.

وبشكل عام، ستتجه الأزمة الليبية، خلال العام 2020، نحو مزيد من التعقيد وغياب الفرصة لنجاح جهود التسوية والحل السياسي، وستصبح الادوار الخارجية أكثر انكشافًا في توجيه الاطراف الداخلية. ومع دخول المنظمات الاقليمية كجامعة الدول العربية والاتحاد الافريقي على خط الأزمة، ستصبح مواقف هذه التجمعات الدولية ضاغط أكثر شدة على البعثة الاممية، وعلى وجه الخصوص مع رفض مبادرة الاتحاد الافريقي لتسمية مبعوث له إلى ليبيا للمساهمة في حل الأزمة، عجز المبعوث الاممي على مدار الفترة الماضية في الوصول إلى تسوية جدية.