
مؤتمر دول الجوار الليبي .. بين تثبيت سيطرة الجيش الليبي ومناورات تركيا مع برلين
في إطار المساعي الرامية للوصول لتسوية سياسية للأزمة الليبية، انقعد الخميس الماضي، في الجزائر مؤتمر “دول جوار ليبيا”، علي مستوي وزراء الخارجية، وذلك لاستغلال فرص وقف اطلاق النار في المنطقة الغربية العسكرية، وتكملة الجهود الدولية “الروسية – الأوروبية” بعد مؤتمري موسكو وبرلين، للخروج من حيز تسويات الحد الأدني، للتسوية شاملة للأزمة الليبية ولاسيما بعد تحولها لساحة صراع دولية وإقليمية ترفع سقف التهديد لمستويات عليا لدول الجوار.
كما شارك وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس في المؤتمر، حيث قال إن بلاده ستعمل على “لم شمل” كل الأطراف الليبية الراغبة في الحل السياسي.
حضر الاجتماع وزير الخارجية السيد سامح شكري، الذي استنكر في كلمته التدخل التركي العسكري في ليبيا وإرسال العناصر المسلحة من إدلب لمصراته وطرابلس، مؤكداً علي ثبات الرؤية المصرية للأزمة الليبية، وصفها قضية أمن تمس صميم أدبيات الأمن القومي علي وجه الخصوص والعربي عامةً.
وعليه فإن الاجتماع الوزاري الأخير لدول ” مصر – تونس – الجزائر – تشاد – مالي – النيجر”. أكد علي رفض التدخل الخارجي في الأزمة ودعم تثبيت وقف اطلاق النار. فيما يبدوا تماهياً مع مخرجات مؤتمر برلين، الذي لم يقدم آليات فعالة لوقف تدفقات السلاح والمرتزقة السوريين عبر جسر جوي تقيمه تركيا من إدلب وأنقرة وإسطنبول وصولاً لبؤر الصراع الليبي مدينتي مصراته وطرابلس.
عودة للجزائر..ومخرجات متواضعة
لطالما اتسم موقف دول المغرب العربي تجاه الأزمة الليبية بالغموض، إلا أنه لم تتخذ دوله ولاسيما “تونس والجزائر”، أية مواقف داعمة لحكومة شرق الليبية المؤقتة في طبرق، والجيش الوطني الليبي. تأرجحت مواقف تونس والجزائر والمغرب بين الحياد المؤقت، والدعم الخافت للوفاق. إلا أن التطورات اللاحقة في المنطقة وصعود قيادات جديدة للرئاسة الجزائرية وكذا رئاسة الأركان، ذهب بالجزائر لاستعادة حيويتها في فضاءها الإقليمي وعلي رأس ذلك ليبيا.
تشترك الجزائر مع ليبيا في حدود برية تصل قرابة الألف كيلومتر، تراقبها الجزائر بجيش نظامي يمتلك أحدث منظومات التسليح ومدرب جيداً. ما وضعها كفاعل إقليمي هام قد يسهم بدور محوري في الوصول لتسوية سياسية شاملة بالأزمة الليبية. وعليه، شدد وزير الشؤون الخارجية صبرى بوقادوم بأن الجزائر تدعم مبدأ الحوار بين الليبيين كمقاربة لحل الأزمة التي تعيشها بلادهم، وأكد بوقادوم خلال كلمته التي ألقاها خلال اجتماع وزراء خارجية دول جوار ليبيا، أن الجزائر تتمسك بضرورة حل الليبيين لأزمتهم بأنفسهم بدون أي تدخل خارجى.
وأضاف صبرى بوقادوم أن هذا الإجتماع ينعقد بعد أيام من مؤتمر برلين الذي حقق نتائج هامة لوقف إطلاق النار أولا ثم إحقاق السلام، مشيرا إلى أن قرارات مؤتمر برلين ملزمة خاصة توريد الأسلحة.
يأتي الموقف الجزائري الرافض للتدخل العسكري الأجنبي، بالتزامن مع محاولات تركيا لضم الجزائر لمصفوفة دولية داعمة لحكومة الوفاق وحشدها الميلشياوي الذي يُدار من قبل أفراد مدرج بعضهم علي قوائم الإرهاب الدولي. وكذا انشاء قاعدة قيادة متقدمة لمعارك طرابلس ومصراته تكن في منأي من هجمات الجيش الوطني الليبي ولاسيما بعد نجاح الأخير في السيطرة علي أكثر من 90% من الأراضي الليبية ومنشآتها الحيوية وأيضاَ منطقة الهلال النفطي.
مخرجات المؤتمر لم تقدم جديداً لجولات التفاوض بداء من مؤتمرات باليرمو وباريس وصولا لمؤتمري موسكو وبرلين، دون تحديد آلية لمنع وصول السلاح والمرتزقة لليبيا وكذا، دون تقنين وضع الميلشيات العسكرية في طرابلس.
مناورة تركية جديدة.. وألمانيا كلمة السر
بعد التجاهل الدولي للوفد التركي في مؤتمر برلين وأروقته، إذ كان الموفد أول المغادرين للعاصمة الألمانية، تزور الآن في هذه الأثناء المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تركيا بناءا علي طلب الرئيس رجب طيب إردوغان، ووصفت الزيارة بأنها زيارة عمل إثر افتتاح الجامعة الألمانية التركية في إسطنبول، وتطرق الجانبان للقضايا الإقليمية وركزا علي الملف السوري والليبي. وقالت المستشارة الألمانية أنه سيتم المصادقة علي المواد التي تم اعتمادها في مؤتمر برلين حول ليبيا في مجلس الأمن. وبالرغم من ضم مواد مخرجات مؤتمر برلين حظر توريد السلاح للميدان الليبي، جاءت تصريحات الرئيس التركي مؤكدة لاستمرار النهج التركي في تغذية الصراع ومد الحشد الميليشياوي للوفاق الليبي بكافة أشكال الدعم العسكري التي تمكنه من البقاء رغم الحصار المحكم من قِبل الجيش الوطني الليبي.
تصريحات الرئيس التركي في الؤتمر الصحافي أوضحت سمات النهج التركي في بؤر الصراع الإقليمية، وأبرزها:
- التوصل لاتفاق وقف اطلاق نار في المناطق التي تشهد تهديداً وجودياً للجماعات المسلحة المدعومة تركيا.
- استغلال الهدنة في انشاء خطوط امداد مباشرة للعودة وقلب ميزان القوي العسكري في هذه المناطق.
وهو ما برهنت عليه آخر التطورات في إدلب السورية، التي بالرغم من سيطرة جبهة “فتح الشام” علي معظمها، “جبهة النصرة سابقاً”، وجود اتفاق لوقف اطلاق النار برعاية روسية، إلا أن الفصائل المسلحة المدعومة تركيا شنت هجوماً موسعاً بالأمس، أوقع نحو 40 قتيلاً في صفوف الجيش السوري ودفع وحداته للانسحاب جنوب المحاور التي بدأ منها هجومه الموسع ديسمبر الماضي.
كما تواصل تركيا مخططاتها في نقل الإرهابيين والسلاح النوعي للميدان الليبي، إذ يستمر تسيير الرحلات المشبوهة علي مدار الساعة بين إسطنبول ومصراته وطرابلس من خلال شركة الطيران المملوكة للإرهابي عبدالحكيم بلحاج، أمير الجماعة الليبية المقاتلة والمقيم في تركيا. تنطلق الرحلات من اسنطبول وانقرة وتونس، وتتجه لمطارات مصراته وطرابس.
الجيش الليبي .. تثبيت السيطرة النارية
في هذه الأثناء وبالرغم من وصول المئات من العناصر المرتزقة السوريين برعاية تركية، نجح الجيش الليبي في تثبيت سيطرته النارية بالمحاور الجنوبية والغربية للعاصمة طرابلس، بالرغم من حدوث خروقات عدة لاتفاق وقف اطلاق النار.
وفي تطور نوعي، نجحت الدفاعات الجوية في اسقاط طائرة مسيرة تركية هي الاحدث في الترسانة العسكرية طراز بيراقدار تي بي 2، واللافت هذه المرة طلائها بالعلم الليبي.
بين موسكو وبرلين والجزائر، تحاول تركيا إعادة التموضع الأحادي في الإقليم، من خلال أدوات الميليشيات المسلحة وتأمين خطوط إمدادها علي مدار الساعة بما يحقق بقاءها في معادلات الصراع، وأيضاّ من خلال ابتزاز المحيط الأوروبي بملف اللاجئين ورهنه لمقاربة المواقف التركية في المنطقة، وهو ما عبر عنه مضامين المؤتمر الصحافي بين المستشارة الألمانية والرئيس التركي، حين تعهدت الأولي بمواصلة الدعم الأوروبي المالي لتركيا نظير حل مشكلة اللاجئين. لتحاول حصر مشاريع التسوية الليبية في نطاق تسويات الحد الأدني، التي تضمن استمرار تدخلاتها واتساع نطاق حالة عدم الاستقرار الممتد الذي يخدم مشروعها التوسعي الرامي لاستنزاف واضعاف الدول الوطنية بالمنطقة.