
احتواء طهران: فهم قوة إيران واستغلال نقاط ضعفها
تشهد منطقة الشرق الأوسط حالة من التصعيد المباشر بين الولايات المتحدة وإيران، في أعقاب استهداف كل من “قاسم سليماني” قائد فيلق القدس الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني، والعراقي “أبو مهدي المهندس” نائب قائد قوات الحشد الشعبي، بالقرب من مطار بغداد الدولي، بضربة صاروخية بواسطة طائرة بدون طيار، أسفرت عن مقتلهما ومرافقيهما. الأمر الذي أثار حالة من الغضب في طهران ووكلائها في المنطقة، متوعدين بالثأر من واشنطن.
وعليه فقد أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، تقريرًا جديدًا للباحث “سيث جي جونز” مدير مشروع التهديدات عبر الوطنية؛ وكبير مستشاري برنامج الأمن الدولي، والمُعنون بـ “احتواء طهران: فهم قوة إيران واستغلال نقاط ضعفها”، في يناير 2020، لتسليط الضوء على مجموعة من الأفكار الخاصة بطبيعة النظام الإيراني مع توضيح العلاقة التاريخية بين الدولة والمجتمع التي واجهت عدد من الصدامات والاحتجاجات، بجانب آليات سياساته الخارجية، التي تجمع بين القوة الناعمة والصلبة؛ حيث يتم توظيفها لدعم لبعض الفاعلين من غير الدول التي تساهم في تحقيق أهداف النظام، وتعمل على نشر نفوذه داخل دول المنطقة ليكونوا قوى فاعلة ومؤثرة على سياسات الدول الآخر.
بجانب التطرق إلى كيفية التعامل الأميركي، مع الطموح التوسعي الإيراني في المنطقة، بالتوازي مع استبعاد الخيار العسكري، وضمان استمرارية واشنطن في حماية مصالحها وأمن حلفاءها في المنطقة، وذلك من خلال الالتزام بالحل السياسي تمهيدًا لتوصل إلى تسوية أفضل تنعكس بشكل إيجابي على العالم.
التغلغل الإيراني في المنطقة
يوضح التقرير من خلال البيانات والتحليلات الجديدة مدى قدرة فيلق القدس الإيراني على تقديم الدعم على كافة المستويات للعديد من المقاتلين غير الحكوميين في اليمن وسوريا والعراق ولبنان وأفغانستان وباكستان، بشكل مُتنامي بلغت نسبته 50 % تقريبًا منذ عام 2016. فبفضل طهران أصبحت هذه القوات مجهزة بأسلحة وأنظمة أكثر تطوراً.
كما تم رصد مقدرات بعض القواعد العسكرية لفيلق القدس في بعض الدول مثل إيران ولبنان من خلال صور بواسطة الأقمار الصناعية، التي يتم استخدامها لتدريب المقاتلين من غير الدول.
وفي هذا السياق، لفت الكاتب إلى قدرات الصواريخ الباليستية الإيرانية التي أصبحت أكثر تطورًا وأطول مدى، إذ وظفت هذه القدرات في عدد من الأعمال الاستفزازية في المنطقة التي تجلت في شن هجمات صاروخية على المنشآت النفطية السعودية في سبتمبر 2019. بالإضافة إلى تطوريها لقدراتها الهجومية عبر الإنترنت واستخدامها ضد الولايات المتحدة وشركائها. علاوة على عدم التزامها ببنود الاتفاق النووي فيما يتعلق بالحد من تخصيب اليورانيوم وإنتاجه.
لذا فمن المتوقع أن يؤدي مقتل “سليماني” إلى زيادة أنشطة إيران غير النظامية، بما في ذلك الهجمات الإرهابية التي ينظمها الحرس الثوري الإيراني وشركائه. وذلك نتيجة أن واشنطن لم تقدم حوافز كافية لإقناع إيران بالعودة إلى طاولة المفاوضات، وفشلت في الحصول على دعم حلفائها الأوروبيين.
استراتيجية الولايات المتحدة لردع طهران
ووفقًا للكاتب يجب على واشنطن أن تنقل لإيران أن السلوك غير المقبول سيكبدها خسائر فاضحة، وفي الوقت نفسه، يتعين عليها أن توضح للقادة الإيرانيين أن ضبط النفس الحقيقي سيزيد من احتمال وجود علاقة أكثر إنتاجية. وعليه لابد على واشنطن أن تتبنى استراتيجية الاحتواء في التعاطي مع طهران، لكي تحمى أمنها القومي، ومصالح حلفاءها، بدعم من القادة الجمهوريين والديمقراطيين، والعمل عن كثب مع الشركاء في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا، وبعيدًا عن سياسة “الضغط الأقصى” التي أضرت بالاقتصاد الإيراني بشكل كبير، إلا إنها لم تساهم في تغيير سلوك طهران الخارجي، ولم تجعلها ملتزمة بقواعد القانون الدولي، لتحقيق عدد من الأهداف على النحو التالي:
- منع إيران من أن تصبح قوى إقليمية مُهيمنة قادرة على السيطرة على دول أخرى في الشرق الأوسط.
- التصدي لقدراتها النووية ومنعها من الانتشار في المنطقة، بما في ذلك إحباط إيران من متابعة تخصيب اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة وتطوير الرؤوس الحربية وإعادة معالجة البلوتونيوم.
- كبح التوسع الإيراني والسياسي والأيديولوجي الكبير في المنطقة، بما في ذلك تصدير الأيديولوجية الثورية الإيرانية.
- تشجيع عملية التغيير داخل إيران نحو نظام سياسي واقتصادي أكثر تعددية يتم فيه تخفيض سلطة المؤسسة الدينية تدريجيًا.
آليات التنفيذ
كشف التقرير عن عدد من نقاط الضعف الإيرانية التي تمثل فرصة للولايات المتحدة، يمكن أن توظفها في سياق استراتيجيتها لاحتواء طهران تتجسد في؛
- التصدعات الداخلية في إيران؛ فبين يناير 2018 وأكتوبر 2019، على سبيل المثال، كان هناك أكثر من 4200 احتجاجًا في جميع أنحاء طهران، يغذيها الغضب من السياسات الاقتصادية للحكومة، ومعارضة نظام خامنئي الثيوقراطي، والمخاوف بشأن قضايا مثل الفساد والدمار البيئي والقمع النساء. وفي نوفمبر 2019، كان هناك احتجاجات على نطاق واسع ردًا على زيادة أسعار الوقود والمظالم الاقتصادية والسياسية، التي واجهها النظام الإيراني بقتل المئات من المتظاهرين، واعتقال الآلاف، وإغلاق الإنترنت مؤقتًا.
- التحديات التي تواجه النظام خارجيًا؛ حيث أثارت التحركات الخارجية لطهران عدد من المخاوف كشفت عنها الاحتجاجات في العراق ولبنان وداخل إيران نفسها، فعلى سبيل المثال، هناك تباين واسع في وجهات النظر العراقية تجاه إيران، بما في ذلك بين المجتمع الشيعي. تعد هذه التباينات فرصة لواشنطن يمكن أن توظفها لصالحها في سياق احتواء طهران حتى تُثبت بشكل أساسي أن سياستها تجاها ليست إلى ما لانهاية، ولكنها تسعى إلى محاولة تشجيعها على أن تكون أكثر ديمقراطية وانفتاحًا، حيث يجب أن يكون التغيير السياسي والاقتصادي مدفوعًا من الإيرانيين أنفسهم.
هذا بجانب مواصلة تطوير القدرات العسكرية والاستخبارية للشركاء في الشرق الأوسط للتنافس مع الهجمات الإيرانية وردعها والاستجابة لها إذا لزم الأمر. ويشمل ذلك، على سبيل المثال، تحسين قدرات الشركاء في الخليج لمواجهة الصواريخ الإيرانية والباليستية والطائرات بدون طيار والدفاعات الإلكترونية بمساعدة شركات الدفاع الأميركية.
وبما أن الاستراتيجية العسكرية الإيرانية تتضمن استخدام القوة العسكرية غير النظامية، فيجب أن تستند إستراتيجية الاحتواء، جزئياً، إلى استخدام واشنطن للحرب غير النظامية والعمل السري. ومع مواصلة فرض العقوبات على إيران وخاصة على القطاعات التي تضعف الجيش الإيراني.
ووفقًا للتقرير تحتاج الولايات المتحدة إلى زيادة المساعدات لبرامج التلفاز والإذاعة والمطبوعات والإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية الإيرانية الشرعية التي تصل إلى الإيرانيين داخل البلاد وخارجها. علاوة على توفير التمويل أو تشجيع الآخرين على توفير التمويل للمتظاهرين السلميين في إيران، التي قد تؤدي في النهاية تغيير تدريجي في النظام الإيراني مدفوعًا من الإيرانيين أنفسهم.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية