مركز الطاقة العالمي بالمجلس الأطلسي: الأزمة الأوكرانية تهيئ الفرصة لإمدادات الغاز المسال من مصر
عرض – د. أحمد سلطان
كانت الحرب الروسية الأوكرانية بمثابة نقطة تحول فاصلة في القارة الأوربية، ومحطة جديدة بدأت منها أوروبا سعيها للبحث عن مصادر بديلة للغاز الروسي، والعمل عل فتح المجال لتعزيز عمليات إمدادات الغاز الطبيعي من منطقة شرق المتوسط. وعلى رأس الأولويات الغاز المسال المصري؛ إذ تسعى دول الاتحاد الأوروبي والبالغ عددها ٢٧ دولة إلى خفض وارداتها من الغاز الروسي والتي تبلغ نسبتها حوالي ٤٠٪، وتهدف إلى الوصول إلى ٣٠٪ بنهاية عام ٢٠٢٢، والعمل على الوصول إلى نقطة الاستغناء عن النفط من روسيا بحلول عام ٢٠٢٧، وبذلك فُتح الباب على مصراعيه لتوفير إمدادات الغاز من شرق المتوسط، وتدفق شريان جديد لقلب القارة العجوز بعدما كانت المنطقة تواجه تحديات تجارية في السابق.
المؤتمر الأوروبي للغاز الطبيعي فيينا (مارس ٢٠٢٢)
خلال المؤتمر الأوروبي للغاز والذي تم عقده في فيينا بين ٢١-٢٣ مارس الماضي، ناقش الباحث تشارلز إليناس في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي العديد من التساؤلات التي تخص مدى قدرة دول منطقة شرق المتوسط على مساعدة القارة العجوز في أزمتها المزمنة، وإمكانيات استغلال الفرص المتاحة أمامها وتذليل العقبات التي تواجهها.
الطريقة الأمثل لتعزيز صادرات الغاز الطبيعي من منطقة شرق البحر المتوسط إلى القارة العجوز هي استغلال الغاز المسال المصري، وتعزيز استخدام محطات التسييل الموجودة في مصر بأقصى قدرات ممكنة، لاسيما أن الخيارات الأخرى والتي سبقت دراستها في الماضي أثبتت عدم قابليتها للتطبيق العملي، والتي كان من بينها خط أنابيب شرق البحر المتوسط وخد الأنابيب عبر تركيا إلى أوروبا وفقًا لما جاء في موقع سايبرس ميل.
وأشار تشارلز إلى أن عمليات تصدير الغاز المسال المصري متاحة مع توافر مرافق التسييل وقوة البنية التحتية للدولة المصرية في قطاع الغاز الطبيعي، أما جميع الخيارات الأخرى فتتطلب سنوات كبيرة لبنائها أو تشغيلها. ولذلك من تحليل تلك المعطيات، فإنه لا يمكن لتلك الخيارات المساهمة في تلبية احتياجات أوروبا الفورية، أو بمعنى أدق فطام نفسها عن الغاز الروسي بحلول عام ٢٠٢٧.
تصدر مصر الغاز الطبيعي المسال من محطتين لتسييل الغاز الطبيعي، الأولى وهي محطة إدكو بطاقة حوالي ١٠ مليارات متر مكعب، والثانية في محافظة دمياط وبطاقة تصل إلى حوالي ٧ مليارات متر مكعب، وفي عام ٢٠٢١ تمكنت مصر من تصدير حوالي ملياري متر مكعب إلى القارة الأوروبية، ومن المتوقع زيادة معدلات التصدير خلال عام ٢٠٢٢.
استغلال الإمكانات
يتوفر قرابة ٦٠٠ مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي غير المستغلة في شرق البحر المتوسط، ويمكن استغلال احتياطيات الغاز الموجودة في قبرص ودول شرق المتوسط لزيادة إنتاج الغاز المسال المصري بمقدار 10 مليارات إلى 15 مليار متر مكعب/سنة؛ عن طريق تطوير وحدات تسييل جديدة في إدكو ودمياط.
ونظرًا إلى أن أغلب البنية التحتية اللازمة موجودة مسبقًا، فإن تحقيق ذلك سيكون فعالًا من حيث التكلفة، ويمكن التنفيذ في غضون 3 سنوات، وسيتيح ذلك التصدير تلبية احتياجات أوروبا، ثم إلى آسيا، مع استمرار تزايد الطلب على الغاز الطبيعي المسال بشدّة في المدة حتى عام 2040، وفقًا لتوقعات شركة شل.
فمصر ليست قادرة على تلبية الاحتياجات العاجلة لأوروبا فحسب، لكن لديها القدرة على توريد الغاز المسال المصري التنافسي إلى آسيا بفضل محطاتها الحالية، وهذا يتماشى مع التطلعات المصرية لتصبح مركزًا للغاز في شرق المتوسط. وأشار تشارلز كذلك إلى أن مصر ليست قادرة على تلبية الاحتياجات العاجلة لأوروبا فحسب، ولكن لديها القدرة على توريد الغاز المسال المصري التنافسي إلى آسيا بفضل محطاتها الحالية، وهو ما يتماشى مع التطلعات المصرية لتصبح مركزًا للغاز في شرق المتوسط.
رسائل القارة العجوزة المحيرة
في غضون ذلك، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تسريع وتيرة الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة وعلى رأسها الهيدروجين؛ بهدف خفض الاعتماد على الغاز الطبيعي بنسبة ٣٠٪ بحلول عام ٢٠٣٠، وبنسبة ٨٠٪ بحلول عام ٢٠٥٠. ورغم أن الهدف الأوربي يعتريه العديد من الشكوك، فإن المهم في الوقت الراهن هو ما تهدف أوروبا إلى تحقيقه يواجه معارضة قوية من المفوضية الأوروبية والناشطين تتعلق بأن الاستثمار في مشروعات الوقود الأحفوري الجديدة ستؤجل عملية التحول إلى الطاقة النظيفة.
وتربك هذه الرسائل المحيرة مستثمري المشروعات طويلة الأجل والتي تحتاج إلى الشفافية وإرساء السياسات الواضحة، وسيؤدي ذلك إلى تجنب استثمارات تتخطى مليارات الدولارات في تلك المشروعات مثل خط أنابيب شرق البحر المتوسط أو خط أنابيب عبر تركيا، لتوفير إمدادات الغاز لمدة ٥ سنوات فقط.
ومثل هذه الاستثمارات تتطلب تأكيدًا من الاتحاد الأوروبي باستمرار الاعتماد على الغاز الطبيعي في المدى الطويل، وإلى ما بعد عام ٢٠٤٠. ومن الواضح أن الاتحاد غير مستعد لذلك في الوقت الحالي حسبما قاله الباحث تشارلز إليناس. ودون تغيير سياسات استخدام الغاز على المدى الطويل في دول الاتحاد الأوروبي يظل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب يمثل تحديًا.