الأزمة الأوكرانيةالمراكز الأمريكيةمكافحة الإرهاب

“كاونتر إكستريميزم بروجيكت”: تقييم مخاطر انخراط المقاتلين الغربيين في الحرب الأوكرانية

عرض – منى قشطة

اجتذبت الحرب الأوكرانية منذ اشتعالها (24 فبراير 2022) العديد من المقاتلين الأجانب من جنسيات مختلفة، استجابة للدعوة التي أطلقها الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” بتدشين فيلق دولي أجنبي للمتطوعين من الخارج والراغبين في القتال للدفاع عن أوكرانيا. وهي الدعوة التي حظيت باستجابة كبيرة؛ إذ أعلن آلاف المتطوعين استعدادهم للقتال إلى جانب القوات الأوكرانية، وهرول الملايين لزيارة الموقع الإلكتروني للراغبين بالقتال للانضمام لساحة المعركة الدائرة. 

ورغم أن عدد المقاتلين/ المتطوعين للحرب بين موسكو وكييف كان محدودًا في بدايات الأزمة (2014)، إلا أن الحرب الأخيرة في فبرابر 2022 شهدت طفرة كبيرة في هذه الأعداد، حيثُ بلغ عدد الراغبين في الانضمام للمجهود الأوكراني نحو 20000 أجنبي. في ضوء ذلك، نشرت منظمة “كاونتر إكستريميزم بروجيكت” الأمريكية دراسة بعنوان “المتطرفون الغربيون والغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022″، ويتناول التقرير التالي عرضًا موجزًا لها.

مُلاحظات مهمة 

ثمة مجموعة من الملاحظات التي أوردها التقرير حول عمليات تجنيد المتطوعين/ المقاتلين الأجانب في الحرب الروسية الأوكرانية، نستعرض أبرزها فيما يلي:

• تعدد الأيديولوجيات: انحدر المقاتلون الأجانب الذين انضموا إلى الصراع في البداية بعد عام 2014 من خلفيات أيديولوجية مختلفة -بما في ذلك من أقصى اليمين أو أقصى اليسار أو الشيوعيين الوطنيين- وقاتلوا على الجانبين الأوكراني والروسي في الصراع. ولكن اللافت أن المتطوعين الأجانب لعام 2022 أقل راديكالية وتسييسًا بطبيعتهم، وتتم تعبئتهم بشكل أساسي من خلال القنوات الرسمية للحكومة الأوكرانية وبدرجة أقل من خلال القنوات غير الرسمية التي أنشأتها “كتائب المتطوعين” والميليشيات غير المرتبطة بالدولة، كما كان الحال في عام 2014. 

ويُميّز التقرير بين ثلاث فئات من الأفراد الذين يسعون إلى الانضمام إلى الصراع الحالي في أوكرانيا: تتكون الفئة الأولى والأكبر من المواطنين الأوكرانيين ومزدوجي الجنسية الذين يعيشون في الخارج ويعودون إلى بلدهم. والثانية من المتطوعين الدوليين. في حين تضم الثالثة –وهي الفئة الأصغر- المتطرفين ذوي التوجهات العنيفة.

• صعوبة تحديد أعداد المقاتلين/ المتطوعين: يصعب حاليًا تحديد الأرقام الدقيقة للمقاتلين الأجانب الذين سافروا إلى أوكرانيا وشاركوا في القتال منذ نهاية فبراير 2022. لكن بالنظر إلى المعلومات المتاحة، استنتج التقرير أن عددًا ضئيلًا فقط من أولئك الذين أبدوا اهتمامًا بالسفر إلى أوكرانيا بعد فبراير 2022 فعلوا ذلك بالفعل، ويتراوح عددهم بين عدة مئات وبضعة آلاف. وهو ما يتضاءل أمام عشرات الآلاف من المتطوعين الأوكرانيين الذين انضموا إلى وحدات في قوة الدفاع الإقليمية الأوكرانية (TDF).

• قلة أعداد اليمينيين المتطرفين: يكشف تحليل المشهد اليميني المتطرف في سبع دول -الولايات المتحدة وكندا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وبولندا- أن الصراع الحالي لم يؤد إلى تدفق كبير من اليمينيين المتطرفين إلى منطقة الحرب. ورغم ملاحظة نقاشات وجدالات واسعة بين هؤلاء المتطرفين، إلا أن القليل منهم سافر إلى أوكرانيا؛ فعلى سبيل المثال، أشار التقرير ألي أنه لم يسافر من ألمانيا وفرنسا سوى نحو 30 شخصًا، في حين لا يكاد أي شخص من الوسط اليميني المتطرف الكندي أن يسافر.  

• صعوبة تجنيد المقاتلين ودمجهم: ذكر التقرير أن الأجانب في أوكرانيا لم يندمجوا بعد في وحدات قتالية أيديولوجية، ولم ينجحوا إلى حد كبير في العمل كمضاعف لتجنيد المتعاطفين في بلدانهم الأصلية. فالوحدات التي لها تاريخ في ضم الأجانب منذ عام 2014 (آزوف)إما جندت عددًا صغيرًا من هؤلاء الأفراد في عام 2022، أو تركز على المستوى الوطني ولا تعلن عن انضمام الأجانب (الوحدات البيلاروسية والروسية الموالية لأوكرانيا)، أو تفتقر إلى استراتيجيات منسقة لتجنيد الأجانب للانضمام إلى مجموعاتهم (الفيلق الوطني الجورجي). جدير بالذكر أن الأجانب الوافدين إلى أوكرانيا يتم توزيعهم على وحدات مختلفة، وعادة ما يكون هناك نقص في إجراء الفحوصات الشاملة للتطرف الأيديولوجي لهم، مما يعقد جهود المراقبة المركزة على المتطرفين الأجانب الموجودين في منطقة الحرب.

• خلق مصادر لتهديدات محتملة: لا يعني انخفاض عدد المتطرفين المهتمين بالعنف والمشاركين حاليًا في الحرب في أوكرانيا أن هذه المجموعة من الأفراد لن تشكل تحديًا للأمن الداخلي عند عودتهم. فمزيج من أيديولوجية العنف، والتدريب والخبرة القتالية المحتملة، والوصول إلى الأسلحة والذخيرة والمواد المتفجرة في منطقة الصراع، فضلًا عن تحسين فرص التواصل عبر الوطنية لهؤلاء المتطرفين؛ أمر مثير للقلق ويتطلب العديد من التدابير الوقائية.

ويتطلب التعاطي مع مثل هذه التهديدات المحتملة، ضرورة مراقبة سفر المتطرفين المهتمين بالعنف من وإلى منطقة الحرب، وكذلك جمع المعلومات عن أعمالهم وأنشطتهم في منطقة الحرب، في حال تعذر منعهم من مغادرة بلدانهم الأصلية. وتوضح دراسات الحالة السبع في هذا التقرير، أن عددًا قليلًا فقط من البلدان -مثل إيطاليا وبولندا- لديها ضمانات قانونية ضد مواطنيها الذين ينضمون إلى صراعات أجنبية. وبالتالي، سيظل منع سفر المتطرفين المهتمين بالعنف إلى منطقة الحرب تحديًا لمعظم هذه الحكومات. وكذا يتطلب الأمر ضرورة بدء الدول المصدرة للمقاتلين في وضع استراتيجية لإدارة المتطرفين العائدين من منطقة الصراع وإعادة دمجهم في المجتمعات المحلية.

المتطوعون والفيلق الدولي

كانت المجموعة الأولى من الأجانب الذين سافروا للانضمام إلى الصراع في أوكرانيا بعد عام 2014 مقاتلين أجانب بالمعنى الضيق للتعريف كما يصفها التقرير. وقاتلت هذه المجموعة في وحدات غير حكومية على جانبي النزاع، إما في كتائب المتطوعين الأوكرانية، التي تم دمجها لاحقًا في الجيش الأوكراني، أو فيما يسمى بـ “الميليشيات الانفصالية” التي تدعم الجهود الروسية ضد أوكرانيا.

ولكن اختلف الوضع في عام 2022 على الجانب الأوكراني بشكل كبير؛ إذ يحاول معظم المتطوعين الأجانب الانضمام إلى الوحدات الرسمية، ولا سيما قوات الدفاع الإقليمية الأوكرانية (TDF)، التي تقوم بجمع بياناتهم الشخصية بواسطة السفارات الأوكرانية أو مركز التوظيف التابع لها غرب أوكرانيا، وبعد ذلك يتم توزيع هؤلاء المتطوعين على مُختلف الوحدات الأوكرانية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن عملية التوظيف هذه لم تكن من السهولة بمكان؛ إذ يُواجه بعض المتطوعين الأجانب الوافدين عددًا كبيرًا من التحديات الإدارية قبل الانتشار الفعلي مع أي من هذه الوحدات.

ولعل الاختلاف الأكثر أهمية بين تعبئة الأجانب للحرب في أوكرانيا في عامي 2014 و2022 هو أن عمليات التعبئة لعام 2014 كانت ذات طبيعة أيديولوجية أكثر من تلك التي حدثت في عام 2022. وكان الصراع أكثر احتواءً ولم يؤثر على الدول الغربية مُقارنًة بخطورة الوضع الحالي على تلك الدول. علاوة على ذلك، تتم عمليات التجنيد الحالية بشكل علني، في كانت تتم بصورة أكثر تكتمًا في عام 2014. بجانب أن المتطوعين الذين وصلوا إلى أوكرانيا خلال عام 2022 ينحدرون من خلفيات مختلفة، وغالبًا ما يكون لديهم القليل من القواسم المشتركة مع بعضهم البعض، بخلاف كونهم من مواطني العالم المعنيين بالأزمة الأوكرانية.

وقد لعب قدامى المحاربين في عام 2014 والوحدات المضيفة لهم من الجانب الأوكراني دورًا رئيسًا -وإن لم يكن دورًا حصريًا- في تجنيد المتطوعين الأجانب ونشرهم في المجهود الحربي الأوكراني، من خلال اتصالاتهم المتنوعة ومتعددة الأوجه التي تم تشكيلها منذ ما يقرب من ثماني سنوات، والتي تُمكنهم من العمل بشكل فعال كحارس بوابة للمتطوعين الأجانب الراغبين في الانضمام إلى الحرب؛ إذ يمكنهم تمهيد الطريق ومساعدة المجندين الجدد على تجاوز بعض البيروقراطية والفوضى التي قد يواجهونها أثناء وجودهم في أوكرانيا.

كيف تتم عمليات التعبئة والتجنيد؟

كشف التقرير الأدوار التي قامت بها بعض الكتائب المشاركة في الحرب في عمليات تجنيد الأجانب، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:

• كتيبة “آزوف”: منذُ بدء الحرب في فبراير 2022، لعبت كتيبة آزوف التابعة للحرس الوطني الأوكراني دورًا في تجنيد المقاتلين الأجانب لاسيما القدامى الذين قاتلوا في صفوفها في عام 2014، فعلى الرغم من عدم قانونية ضم هؤلاء إلى الكتيبة التي أصبحت جزءًا من الحرس الوطني، إلا أن التقرير أشار إلى بعض المعلومات التي تفيد بأنه في مارس 2022 عاد بعض الأعضاء الأجانب القدامى مرة أخرى إلى صفوفها للمشاركة في الحرب الدائرة في كييف. 

• الفيلق الجورجي: لطالما كان الفيلق الأجنبي الجورجي هو الأكثر نجاحًا في جذب المقاتلين الأجانب في الحرب الأوكرانية. وقد بدأت حملة التجنيد الأخيرة للفيلق حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا طوال أواخر فبراير ومارس 2022، ويبدو أن الفيلق قد جذب بضع مئات من الأجانب إلى صفوفه. وقد ركز على تجنيد المحاربين الأجانب القدامى، من ذوي الخبرة القتالية السابقة، وخاصة من الدول الأنجلو ساكسونية وجورجيا. 

ولا توجد حتى الآن مؤشرات على وجود مجندين متطرفين أجانب جدد في صفوف الفيلق الذي يظل أحد القنوات الرئيسة التي يمكن من خلالها للأجانب الوصول إلى الخطوط الأمامية في أوكرانيا؛ بسبب خبراته السابقة في تسهيل عمليات النشر هذه، وامتلاكه شبكة واسعة من الاتصالات التي شكلها قائدة الحالي “ماموكا مامولاشفيلي”.  

• الوحدات الأوكرانية الأخرى: شهدت الحرب الأوكرانية مشاركة سرايا من المجندين المدنيين الذين دفعتهم الرغبة في الدفاع عن بلدهم للقتال. وأشار التقرير إلى أنه وسط هذا الاندفاع الوطني للتجنيد، انضمت كيانات محلية مختلفة من اليمين المتطرف، مثل Right Sector أو Tradition and Order التي قدمت ما يسمى بكتيبة الانتقام (Bratstvo)، ويضم الاثنان عددًا صغيرًا من الأجانب، مثل البيلاروسيين والتشيكيين والدنماركيين والأيرلنديين والبولنديين والكنديين. 

ومع ذلك، لا يبدو أن أيًا من الكيانات اليمينية المتطرفة لديها استراتيجية منسقة لتجنيد غير الأوكرانيين، وليس من الواضح كم من الأجانب الغربيين الذين انضموا إلى هذه الوحدات هم من اليمين المتطرف؛ ففي فوضى الحرب، ربما يكون البعض قد انضموا إلى هذه الوحدة أو غيرها عن طريق الخطأ، كما هو الحال مع “الفريق الإسباني” المكون من خمسة مقاتلين الذين وصلوا إلى كييف في 1 مارس 2022، وكان هدفهم التعاون مع كتيبة آزوف، ولكن في حالة الارتباك التي حدثت في الأيام الأولى للحرب، قام هؤلاء المتطوعون بالتسجيل مع كتيبة أخرى.

• المقاتلون البيلاروس: يوجد المتطوعون الأجانب البيلاروسيون في أوكرانيا منذ عام 2014، لكن القوات المسلحة الأوكرانية رفضت تجنيدهم لتجنب زيادة التوترات مع بيلاروسيا؛ نظرًا إلى معارضتهم الرئيس “ألكسندر لوكاشينكو”، وانتهى بهم الأمر إلى القتال في صفوف كتائب المتطوعين الأوكرانية. ويمكن وصف توجههم الأيديولوجي بأنه قومي ويميني وليسوا “نازيين جدد” لكنهم خدموا بانتظام في الوحدات التي تضم المقاتلين ذوي التوجهات الأيدولوجية، بما في ذلك القطاع الأيمن الأوكراني وكتيبة آزوف.

وكانوا يشكلون واحدة من أكبر مجموعات المقاتلين الأجانب على الجانب الأوكراني في عام 2014، ومع ذلك، عندما بدأت كييف في إضفاء الطابع الاحترافي على كتائب المتطوعين المختلفة ودمجهم في الحرس الوطني، مُنعت الوحدات من تجنيد الأجانب، وغادر بعض هؤلاء المقاتلين البيلاروسيين البلاد، فيما تم تسريح البعض الآخر، أما الذين تمكنوا من الحصول على الجنسية الأوكرانية فأُتيحت لهم الفرصة لمواصلة حياتهم العسكرية.

وفي 2022، اجتمع أعضاء كل هذه المجموعات معًا لإعادة تشكيل الوحدة البيلاروسية وتوجيه الاهتمام المتزايد بالتطوع في أوكرانيا بين الشتات البيلاروسي الذين جاءوا إلى أوكرانيا بخيبة أمل بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2020 التي يصفونها بالمزورة. وعلى عكس الوحدات الوطنية الأخرى، فإن هذه الوحدة الجديدة منظمة بشكل جيد ولديها قنوات لوجستية خاصة بها وتحافظ على الطابع الوطني البيلاروسي. وعنصرها الرئيس هو كتيبة كاستاس كالينوسكي. وبعكس جميع الوحدات الأخرى التي تشمل الأجانب، فقد تم دمجها في القوات البرية الأوكرانية. 

• المقاتلون الروس: يندرجون ضمن ما يعرف بـ “فيلق الحرية لروسيا” وهي وحدة تتألف من منشقين عن الجيش الروسي أو من الروس المناهضين لبوتين. وكان بعض هؤلاء ينتمون إلى الوسط اليميني المتطرف الروسي الذين هربوا إلى أوكرانيا عام 2014. وأشار التقرير إلى انهم مع بداية أبريل 2022 أصيبوا بخيبة الأمل من سرعة التوظيف لوحدتهم حيث كانوا يأملون في انضمام المزيد من المجندين إلى صفوفهم. 

استنتاج ختامي

خلص التقرير إلى أنه على الرغم من المخاوف والتحذيرات من تحول الحرب الروسية الأوكرانية إلى نقطة جذب للمتطوعين الأجانب المتطرفين الغربيين، فقد سافر عدد قليل نسبيًا من هؤلاء الأفراد للانضمام إلى القتال في أوكرانيا، حيث كشف تحليل المشاهد اليمينية المتطرفة المحلية في سبع دول ركز عليها التقرير عن عدد قليل من المقاتلين الفعليين. بجانب أن الوحدات المُرشح انضمام هؤلاء المقاتلين إليها لم يتم الإبلاغ عن وجودها على أرض الواقع، فضلًا عن أن الوحدات الأخرى التي يمكن أن تستضيف متطوعين أجانب إما أحادية العرق في تكوينها ومن ثم فمن غير المرجح أن تضم الغربيين، أو تقوم بفحص الوافدين للتأكد من عدم امتلاكهم ميولًا راديكالية سياسية.

ويؤكد التقرير كذلك على أن الوضع الحالي الذي يتم فيه توجيه المتطوعين الأجانب المناسبين للقتال إلى وحدات مختلفة في أوكرانيا يُشكل تحديًا لاكتشاف ومراقبة المتطرفين الأجانب الموجودين في كييف. ومن الواضح أن وجود الأجانب داخل الوحدات التي تتبنى أيديولوجية يمينية متطرفة هو أول مؤشر ولكن ليس بالضرورة مؤشرًا كافيًا على أن هؤلاء الأجانب هم أنفسهم متطرفون موجهون للعنف، ومن المرجح أن يُمثلوا تحديًا للأمن الداخلي عند عودتهم إلى وطنهم. 

واتصالًا بالسابق، نري أنه رغم وجود هؤلاء المتطوعين والمقاتلين قد يضفي “ميزة نسبية” للقوة القتالية لكل طرف من أطراف الصراع في ميدان القتال، خصوصًا أن عددًا كبيرًا ممن أعلنوا رغبتهم في التطوع هم من قدامي المحاربين في بلدانهم الأصلية، ولديهم خبرات قتالية جيدة؛ إلا أن عملية تجنيد هؤلاء المقاتلين والمتطوعين تحتوي على مغامرة غير مأمونة العواقب، يحاول أطراف الصراع غض الطرف عنها، لصالح تعظيم مكاسبهم في الحرب الدائرة. 

وتتمثل خطورة تجنيد المقاتلين الأجانب في أمرين: الأول، هو احتمالية قيام هؤلاء بممارسة أعمال عنف ضد المدنيين؛ فقد ذهب العديد من الدراسات إلى وجود علاقة طردية بين انتشار المقاتلون الأجانب وارتفاع معدلات العنف ضد المدنيين، انطلاقًا من كون الأجانب يكونون أكثر حماسًا ويفتقرون إلى ذويهم من الأصدقاء والعائلة في المجتمع وذلك على عكس مواطني البلدان المضيفة، وهو ما يشجعهم على ارتكاب الفظائع دون مخاوف من الانتقام من أحبائهم. 

والثاني، هو الإرهاب والذي يعد أكبر المخاطر المتعلقة بالمقاتلين الأجانب، ويتمثل أبرز شواهد ذلك في تدفق المقاتلين الأجانب إلى أفغانستان في القرن المنصرم، لمحاربة السوفييت؛ فبعد انتهاء الحرب أصبح هؤلاء مصدر تهديد محلي لبلدانهم بعد عودتهم، ذلك لأن مناطق الصراع تُشكل بيئة مثالية لنقل الأيديولوجيات المتطرفة إلى المقاتلين المنخرطين في المعارك؛ فالمقاتلون الأكثر اعتدلًا يختلطون في أرض القتال مع عناصر متطرفة، وهو ما يجعلهم أكثر راديكالية. وعطفًا على ما سبق، قد تسهم عمليات تجنيد المقاتلين والأجانب والعناصر ذوي الأيديولوجيات المتطرفة في إطالة أمد الصراع، ومن ثم الانزلاق في حرب مفتوحة تنطوي على مهددات جمّة للأمنين الإقليمي والدولي.

كاتب

منى قشطة

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى