
تداعيات مقتل “سليماني”…خيارات الرد الإيراني
مثلت الضربة الأمريكية التي قُتل على إثرها قائد فيلق القدس الإيراني التابع للحرس الثوري، المصنف من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية كمنظمة إرهابية العام الماضي، قاسم سليماني يوم 3 يناير 2020 مفاجئة على جميع الأصعدة، حتى للنظام الإيراني نفسه.
فلم يكن أحد يتوقع أن يتم استهداف الرجل الثاني الأكثر نفوذاً في إيران بهذه السهولة وفي هذا التوقيت بالذات. فقد كان سليماني مهندس العمليات الخارجية الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط بدءا من أفغانستان إلى لبنان، وكان يتمتع بنفوذ قوي داخل هذه البلدان واستطاع نسج علاقات قوية مع الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة، بل وكان من المرشحين لقيادة الحرس أو حتى الوصول إلى منصب الرئيس داخل إيران. لذا، فقد كان مقتله مثل الضربة على الرأس التي أصابت النظام الإيراني بالدوار.
وإثر مقتله إلى جانب عدد آخر من بينهم نائب الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس، توعّدت طهران وعدد من مسئوليها بـ “رد قاسٍ” حسبما وصف خامنئي والحرس الثوري، بل وحتى وزير الخارجية محمد جواد ظريف هدد واشنطن بتحمل “كل تداعيات” ذلك التطور الأخير.(1) إن النظام الإيراني من المتوقع أن يقوم خلال الأيام أو حتى الأشهر القادمة برد من نوعٍ ما ربما يختلف حجمُه أو نطاقه أو حتى جغرافيته، إلا أن أغلب المؤشرات تقول إن هناك رداً إيرانياً.
كيف سترد طهران على مقتل سليماني؟
- هل يجازف نظام طهران ببقائه من أجل قاسم سليماني؟
ينبغي وقبل تناول خيارات الرد الإيراني على مقتل قاسم سليماني أن نقول إنه على الرغم من أن جميع الخيارات مفتوحة حتى هذه اللحظة بشأن طبيعة الرد الإيراني، إلا أنه لا يُتوقع أن يجازف النظام في طهران ببقائه من الأساس من أجل مقتل رجل واحد، مهما كانت مكانته لدى النظام.
فالمسؤولون الإيرانيون يعلمون أن أي رد منهم ينتج عنه مقتل مواطنين أمريكيين أو الإضرار بالمصالح التجارية لواشنطن أو حلفائها سيدفع الأخيرة ويجبر المسؤولين الأمريكيين على الانتقام من النظام الإيراني بشكل لم يسبق له مثيل منذ الثورة الإيرانية عام 1979، ومن المتوقع بشدة أن يمثل مثل هذا الرد نهاية النظام برمته. وعلى الرغم من ذلك، سيحاول الأصليون في النظام الإيراني الدفع بتبني حالة صدام مباشرة مع الولايات المتحدة، أو توظيف وكلائها في المنطقة كالعراق لشن ضربات أو هجمات ضد مصالح أمريكية.
- خيارات الرد الإيراني:
تُعد جميع الخيارات حول طبيعة الرد الإيراني على مقتل قاسم سليماني ممكنة، خاصة في الوقت الحاضر الذي يرتفع فيه صوت الأصوليين في طهران. فطهران لها نفوذ وميليشيات تابعة من أفغانستان إلى لبنان، من الممكن أن تستخدمهم في عمليات إرهابية، مثل:
- مهاجمة السفارات الأمريكية:
إذا كانت عملية قتل قاسم سليماني، المصنف إرهابياً منذ عام 2011، قد جاءت إحدى أسبابها بسبب إعطائه الضوء الأخضر للميليشيات الموالية لإيران لاقتحام السفارة الأمريكية ببغداد، فإنه ليس من المستبعد أن تقوم إيران بالفعل بمهاجمة السفارة والاعتداء عليها بشكل صارخ هذه المرة. وليس من الضروري أن يكون الهدف الإيراني السفارة الأمريكية في بغداد، ولكن من الممكن أن تكون السفارات الأمريكية في بلدان مثل أفغانستان، لبنان، أو حتى في أية دولة أخرى سواء بمنطقة الشرق الأوسط أو غيره هدفاً لإيران.
إن للنظام الإيراني تاريخاً في استهداف السفارات والدبلوماسيين سواء من الولايات المتحدة أو المملكة العربية السعودية أو غيرهما. وهو ما وصفه المبعوث الأمريكي الخاص لإيران برايان هوك في تصريح له مؤخراً قائلاً إن “الهجوم على السفارات هو تكتيك يستخدمه النظام الإيراني”.(2) فقد هاجم، على سبيل المثال، موالون للنظام الإيراني السفارة الأمريكية في طهران عام 1979، كما هوجمت سفارة واشنطن مرة أخرى في لبنان عام 1983، هذا فضلاً عن الاعتداء على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد عام 2016.
- مهاجمة القواعد العسكرية الأمريكية في العراق والمنطقة:
توجد في بعض دول المنطقة العربية، خاصة الدول القريبة من إيران، كالعراق وقطر، عدد من القواعد العسكرية الأمريكية التي من الممكن أن يعمل النظام الإيراني على استهدافها. وتُعد أكثر القواعد المعرضة للخطر الإيراني هي القواعد الفاعلة في العراق، حيث إن أكبر عدد من القواعد العسكرية الأمريكية بالإضافة للجنود يوجدون في العراق، كما أن العدد الأكبر من الميليشيات الموالية لإيران ينشط داخل هذا البلد؛ لذا تُعد هذه هي النقطة الأخطر في هذه القضية؛ حيث إن هذه الميليشيات في حال قررت طهران ألا تتدخل بشكل مباشر فإنها من الممكن أن تستهدف قاعدة أو بعض هذه القواعد. وكانت إيران قد أسقطت طائرة أمريكية من دون طيار في يونيو الماضي كانت تبعد حوالي 34 كيلومتراً عن الساحل الإيراني.(3)
- الاعتداء على المصالح أو السفن التجارية الأمريكية في الخليج العربي:
تملك الولايات المتحدة الأمريكية مصالح عديدة في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، بدءاً من النفط والوقود بشكل عام إلى المصالح التجارية الأخرى داخل الدول المطلة على الخليج. وقد هددت إيران مراراً من أنها ستستهدف مصالح أمريكية في الشرق الأوسط سواء داخل مياه الخليج العربي أو داخل بعض الدول العربية في حال تعرضها لهجوم أو اعتداء، كما أنها تهدد باستمرار بإغلاق مضيق هرمز الحيوي.
وعلى سبيل المثال، هدد الرئيس الإيراني حسن روحاني ديسمبر 2018 بأنه إذا منعت واشنطن صادرات النفط الإيرانية فإنه “لن يتم تصدير أي نفط من الخليج العربي”،(4)خلال النصف الثاني من عام 2019 قامت إيران عن طريق وكلائها بمهاجمة سفن ومرافق نفط تابعة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ما أدانه المجتمع الدولي. وكانت القوات الإيرانية قد احتجزت سفينة شحن أميركية على متنها 24 بحاراً واقتادتها إلى ميناء بندر عباس يوم 28 أبريل 2015.(5)
ويمثل التهديد الإيراني المستمر بإغلاق مضيق هرمز الحيوي، خياراً إيرانياً آخر من الممكن أن تلجأ إليه، إلا أن هذا الأمر ليس من السهل أن تلجأ إليه طهران لعلمها أن هذا الإغلاق ربما يكتب نهاية النظام الإيراني في ذكرى تأسيسه الأربعين.
- قيام طهران بعمل إرهابي على الأراضي الأمريكية:
يُعد ذلك إحدى الاحتمالات الواردة والتي من الممكن أن تلجأ طهران إليها عن طريق عملائها أو حتى عناصر من ميليشياتها. كما ينبغي التذكير بأن لطهران حضورا في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، أي في أمريكا الجنوبية، حيث تنشط عناصر من ميليشيا حزب الله هناك. وعلى الرغم من ذلك، يبقى مثل هذا الخيار أمراً مستبعداً؛ لعلم النظام الإيراني بالعواقب الوخيمة عليه جراء ذلك.
- إمكان مهاجمة إيران لبعض الأهداف داخل دول الخليج العربي:
من الممكن أن تلجأ إيران إلى الاعتداء على أهداف تجارية تتمثل في شركات أو مقرات نفط داخل دول الخليج العربي، وذلك كما حدث عام 2019 من اعتداء ميليشيات موالية لها على أهداف نفطية داخل المملكة العربية السعودية، ومثلما أطلقت ميليشيات الحوثيين صواريخ باتجاه السعودية من الجنوب. هذا بالطبع إلى جانب إمكان اعتدائها على سفن تابعة لهم في مياه الخليج العربي، كما سلف ذكره.
- القرصنة الإليكترونية:
شكّلت إيران خلال الفترة الماضية مجموعات قرصنة إليكترونية شنت هجمات مختلفة في عدد من دول العالم من مقرها في طهران. ويقول لويد جيزو، الأمين العام لمجمع المهنيين الفرنسيين في شؤون الأمن والإعلام، إن النظام الإيراني شكل “جيشاً إلكترونياً” بشكل غير رسمي وأنه هاجم سدوداً وأنظمة لإنتاج الطاقة في الولايات المتحدة من بينها شكوك حول تسلله عام 2013 إلى النظام المعلوماتي لسد بالقرب من نيويورك.(6)
ولذا، يُخشى من أن يقوم هؤلاء القراصنة باختراق الصفحات الإليكترونية، على اختلاف أنواعها ومسمياتها، الخاصة إما بشخصيات ومسؤولين أمريكيين أو ما هو أخطر أن تخترق الشبكات الخاصة بهيئات أو مؤسسات أمريكية، خاصة أن خبراء الاستخبارات في الولايات المتحدة يتوقعون أن تستهدف إيران إلكترونياً الانتخابات والبنى التحتية للتصويت في الانتخابات الأمريكية لعام 2020، وهو ما حذّر منه مدير الاستخبارات الأمريكية السابق “دان كوتس” في يناير الماضي.(7)
- التسريع في البرنامج النووي:
كانت إيران قبل التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015 تستخدم البرنامج النووي كتهديد للدول الغربية وكورقة مساومة سياسية في الوقت نفسه، كما أنها حاولت أن توقف هذه المساعي مقابل تخفيف العقوبات الغربية عليها. أما الآن، فسوف تحاول إيران من جديد تأجيج الأوضاع عن طريق إعادة العمل بشكل أكبر في مفاعلاتها النووية، خاصة السرية منها كمفاعل “فوردو” الذي يقع تحت الأرض. كما أن خروج إيران من الاتفاق النووي ليس مستبعداً، فقد عبر عنه عددٌ من المسؤولين الإيرانيين في وقت سابق، خاصة بعد أن قلصت طهران التزاماتها بشأنه.
وهنا، يمكن القول إنه إذا لجأت إيران إلى هذا الخيار فإنها ستلقى كذلك رداً حاسماً من الولايات المتحدة والقوى الغربي؛ حيث إن المجتمع الدولي، ومن بينه دول الشرق الأوسط، لا يرغب في أن تمتلك إيران أسلحة نووية على الإطلاق؛ بسبب خططها التوسعية ومحاولتها تصدير الثورة والسيطرة على بلدان أخرى.
- إشعال الصراع مع إسرائيل:
يُعد هذا الاحتمال من بين الخيارات الأكثر ترجيحاً بعد احتمال “مهاجمة القواعد العسكرية الأمريكية في العراق والمنطقة”. حيث إن طهران حاولت أن يكون ردُها في الشام فإنها حتماً ستشعل الصراع أكثر من خلال مهاجمتها لإسرائيل عن طريق حزب الله اللبناني بمشاركة عناصر إيرانية، ومن الممكن أن ينتج عن ذلك حرب فعلية كما سبق عام 2006. ومع ذلك، فإن إسرائيل، التي حاولت أن تنأي عن المشاركة حتى ولو بشكل معلن في الضربة الأمريكية التي استهدفت سليماني، ستحاول ألا تشعل مثل هذه الحرب إلا إذا تطور الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك.
أي نوع من الرد ستلجأ إليه طهران؟
إن جميع هذه الخيارات السابقة تتوقف بالأساس في الوقت الحالي على مدى إدراك قادة النظام الإيراني لردة الفعل الأمريكية، وحتى الدولية، على أي عمل سيقومون به خلال الأيام القادمة. وعليه، فعلى الرغم من أن كل الخيارات متوقعة في الوقت الحالي، إلا أنه لا يُرجح بشكل كبير أن تلجأ إيران إلى الصدام المباشر مع الولايات المتحدة؛ لأن النتيجة، ستكون في الغالب وضع نهاية للنظام في طهران. ولكن إيران ستعمل على توظيف الميليشيات التابعة لها في المنطقة، خاصة في العراق، في هذا الصراع. وحتى في هذه النقطة، فإن طهران تعلم جيداً أن واشنطن سترى أي عمل من قِبل هذه الميليشيات على أنه عمل إيراني مائة بالمائة، مما سيعني أن رد الفعل النهائي سيكون تجاه طهران وهذه الميليشيات وليس الأخيرة فقط.
باحث بالمرصد المصري