إيران

تفاؤل حذر: الجولة الثانية من المحادثات الإيرانية الأمريكية في روما ومستقبل الاتفاق النووي

انتهت في العاصمة الإيطالية روما يوم 19 أبريل 2025 الجولة الثانية من المحادثات النووية الإيرانية الأمريكية، وذلك بعد أسبوع من انعقاد الجولة الأولى في العاصمة العُمانية مسقط. وكانت الجولة الثانية من المحادثات غير مباشرة أيضًا على غرار الأولى، إلا أن الجولتين أُجْريتا بوساطة من مسقط عبر وزير خارجيتها بدر البوسعيدي. فقد جلس الوفد الأمريكي والإيراني في غرفتين منفصلتين ونقل البوسعيدي الرسائل بينهما. وقد أشاد الطرفان الأمريكي والإيراني بهذه الجولة الثانية –كما حدث مع الجولة الأول – وقالا إنها أحرزت “تقدمًا” في المسألة النووية.

وفي الواقع، شهدت هذه الجولة في روما تقدمًا، ولكنه تقدم يتسم بالحذر الشديد؛ وذلك بعد أن كشفت واشنطن وطهران عن نواياهما بشكل واضح فيما يخص طبيعة وبنود الاتفاق النووي المقبل المحتمل التوصل إليه بعد انتهاء هذه المفاوضات جميعها.

اتسمت الجولة الثانية من المحادثات النووية في روما بإفصاح الطرفين بشكل أكبر ومباشر عن خططهما ورؤيتهما بشأن طبيعة الاتفاق النووي المقبل، حيث يمكن وصف جولة مسقط بأنها كانت “محادثات استكشافية”، إلا أن جولة روما كانت مفاوضات أكثر وضوحًا. فقد كانت الأولى تمهيدًا لما بعدها من محادثات يُعد ما جرى منها في روما أولَها. وتبرز الفروق واضحة بين الجولتين في عدد من النقاط:

مدة الاجتماعات: في حين أن محادثات مسقط جرت لمدة ساعتين ونصف، استمرت مفاوضات روما بين الأمريكيين والإيرانيين لمدة 4 ساعات تنقل خلالها وزير الخارجية العُماني البوسعيدي بين الغرفتين المنفصلتين الواقعتين في مقر السفارة العُمانية في حي كاميلوتشيا في العاصمة روما. وقد تشير هذه المدة الكبيرة إلى انعقاد المزيد من المناقشات بين الجانبين وتطرقهما على الأغلب إلى تفاصيل أكبر بشأن المحادثات النووية والاتفاق المحتمل، إلا أنها في الوقت نفسه لا تؤكد أن المفاوضات كانت تسير على النحو المطلوب.

القضايا المطروحة: اتسمت مفاوضات روما بالتطرق المباشر من جانب الطرفين إلى القضايا الأكثر حساسية فيما يتعلق ببرنامج طهران النووي. فقد طرحت واشنطن مطالبها بخفض مستويات تخصيب اليورانيوم في إيران إلى أدنى مستوى وإلى الحد الذي كان عليه تقريبًا حين التوقيع على الاتفاق النووي السابق في عام 2015. وفي الوقت نفسه، أكدت واشنطن على ضرورة تقديم إيران كشفًا كاملًا لجميع منشآتها ومواقعها النووية. وعلى النقيض من ذلك، كانت الجولة الأولى في مسقط تمهيدية أكثر منها جدالية.

اتفقت الولايات المتحدة وإيران على أن محادثات روما الأخيرة “أحرزت تقدمًا نسبيًا في مبادئ وأهداف اتفاق محتمل”، على حد تعبير وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي يقود وفد بلاده التفاوضي مع واشنطن إلى جانب اثنين من مساعديه. ومع ذلك، فإن “عراقجي” نفسه وصف ذلك التقدم بأنه يبعث على “التفاؤل الحذر”.

وفي الواقع، أكدت جولة مفاوضات روما أن مسار التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والولايات المتحدة لا يزال أمرًا غير يسير وقد يشهد تناميًا للخلافات خلال الفترة المقبلة بين واشنطن وطهران. فقد كشفت الجولة الثانية عن خلافات عميقة بين الطرفين قد تعقد من مسألة تسوية أزمة البرنامج النووي الإيراني، وذلك بالنظر إلى رؤى والبنود التي يريد الطرفان إدراجها وأن يشمل الاتفاق المقبل. وتتمثل هذه الخلافات في التالي:

  • مطالبات أمريكية بتقليص نسبة تخصيب اليورانيوم في إيران إلى 4%:

طالب الوفد الأمريكي المفاوِض في روما بأن تلتزم إيران بموجب أي اتفاق مقبل بخفض نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 4%، وهي نسبة ضئيلة للغاية عند النظر إلى تمكن طهران من تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% على الأقل خلال السنوات الماضية بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مايو 2018 خروج بلاده من الاتفاق النووي لعام 2015. وتعد هذه النسبة هي نفسها تقريبًا التي نص عليها اتفاق 2015 حينما سمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67% فقط، أي أن الأمر لم يختلف كثيرًا في هذه الحالة.

ويواجه هذا الأمر رفضًا إيرانيًا قاطعًا، حيث أكد مختلف المسؤولين الإيرانيين رفضهم أولًا تفكيك منشآتهم النووية، فيما يُعرف بـ “النموذج الليبي” إبان فترة حكم معمر القذافي (1969 – 2011)، وثانيًا تقليص نسبة تخصيب اليورانيوم بشكل كبير. فقد شدد وزير الخارجية الإيراني قبيل 3 أيام فقط من انطلاق الجولة الثانية من المفاوضات على أن “حق إيران في تخصيب اليورانيوم غير قابل للتفاوض”، وعبّرت طهران أيضًا عن رفضها نقل مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب إلى دولة ثالثة مثل روسيا التي رفضت أيضًا استقبال هذه الشحنات.

وأكد “عراقجي” أيضًا بالتزامن مع انعقاد الجولة الثانية في روما أن بنود اتفاق عام 2015، التي تنص بالأساس على السماح لطهران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67%، وهي قريبة من نسبة 4% التي يريدها “ترامب” في الاتفاق المقبل، لم تعد مقبولة في الوقت الراهن. فقد كتب “عراقجي” على منصة “إكس” يقول “أوضحنا أن خطة العمل الشاملة المشتركة لم تعد مقبولة في نظر شريحة واسعة من الإيرانيين، حيث يرون أن ما تبقى منها لا يتجاوز الدروس المستفادة، وأنا أميل إلى هذا الرأي شخصيًا”.

ويندرج هذا تحت ما تسميه وسائل الإعلام الإيرانية شبه الرسمية المقربة من الحكومة بـ “الخطوط الحمراء الأربعة” لطهران في المفاوضات النووية والتي تتمثل في:

  • عدم تحييد عمل أجهزة الطرد المركزية.
  • عدم إيقاف عمليات تخصيب اليورانيوم.
  • عدم التخلص من احتياطيات اليورانيوم المخصب التي تم التوصل إليها.
  • عدم التفاوض بشأن الملف الصاروخي للبلاد.    

وعليه، قد تصبح هذه القضية أخطر تهديد يعيق سرعة التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران وواشنطن خلال الأيام المقبلة؛ حيث لن تقبل إيران بتصفير أو تقليص نسبة تخصيب اليورانيوم إلى مثل هذا الحد.

  • رغبة أمريكية في كشف إيران الكامل عن جميع المواقع والمنشآت النووية:

عبّرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ سبتمبر 2023 عن قلقها الشديد بسبب أنها “لم تعد تملك معلومات كافية محدثة بشكل كامل عن نطاق الأنشطة النووية الإيرانية”. ومنذ ذلك الوقت وقبله، تطالب الوكالة إيران بالكشف عن المواقع النووية على النحو المطلوب. وتتفق إدارة الرئيس الأمريكي “ترامب” في هذا المطلب، حيث طالب الوفد الأمريكي طهران بأن تكشف عن جميع مواقعها النووية بشكل كامل قبل إبرام اتفاق.

ومن المتوقع أن ترفض إيران أو تناور في مثل هذا الأمر؛ للعديد من الأسباب التي أهمها أن ذلك قد يكشف عن أمور أخرى أكثر أهمية داخل البرنامج النووي الإيراني، كما أن طهران قد يساورها القلق من أن ذلك قد يكون مقدمة لضرب مواقعها النووية لاحقًا سواء تم التوصل إلى اتفاق أم لا.

  • إصرار إيراني على رفض التطرق للملف الصاروخي:

تمثل مسألة مناقشة والتفاوض حول البرنامج الصاروخي لطهران واحدة من بين أبرز القضايا الخلافية بين إدارة ترامب وإيران، ليس فقط في الوقت الراهن أو المفاوضات الجارية، بل منذ إدارة ترامب الأولى (2017 – 2021) حينما كان ذلك سببًا رئيسًا لعدم الجلوس على طاولة التفاوض وعاملًا مهمًا أيضًا قاد إلى خروج ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015 قبل ذلك.

وتستحوذ قضية البرنامج الصاروخي الباليستي لطهران على أهمية قد لا تقل عن ذلك النووي. ويعود ذلك إلى أن البرنامجين النووي والصاروخي مكملان لبعضهما البعض. إذ، لا يمكن لطهران أن تمتلك قنبلة نووية من دون تصنيع السلاح أو الأداة التي ستحمل ذلك، وإلا سيكون الأمر كأن لم يكن ولن تكون هناك فائدة من مثل هذه القنبلة. لذا، تشدد واشنطن على ضرورة التطرق لقضية الصواريخ الباليستية الإيرانية في المفاوضات، وهو ما تعتبره إيران في الوقت نفسه “خطًا أحمر” من بين خطوطها الأربعة.

في بيان له عقب انتهاء المفاوضات في روما، عبّر “مجمع تشخيص مصلحة النظام” في إيران، وهو هيئة حكم عليا في إيران تفصل في النزاع بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور فيما يخص التشريعات والقرارات، عن استياء طهران من “رفع الولايات المتحدة لمطالبها بشكل كبير ومفاجيء بعد الجولة الأولى” من المباحثات التي عُقدت في مسقط. وقد يشير ذلك إلى تطرق واشنطن إلى “الخطوط الحمراء” الإيرانية الأربعة مثل تقليص أعداد أجهزة الطرد المركزية ونسبة تخصيب اليورانيوم والملف الصاروخي، إلا أن ذلك لا يبعث على أي حال بتفاؤل كبير بشأن اقتراب توصل الطرفين إلى صيغة متفق عليها للاتفاق النووي المقبل.

ختامًا، على الرغم من العوائق المذكورة فإنه لا يمكن القول إنها قد تشكل حاجزًا قويًا أمام توصل الأمريكيين والإيرانيين –إلى جانب الأوروبيين على الأغلب– إلى اتفاق نووي في وقت لاحق. بل إن مثل هذه العوائق قد تعقد من سير المفاوضات وتجعل الأخيرة تستغرق وقتًا أطول نسبيًا، ولكنها مع ذلك لا يرجح أنها ستمنع التوصل لاتفاق نووي. حيث يرجح بشدة أن واشنطن وطهران ستحاولان التوصل إلى صيغة وسط ترضي الطرفين لمختلف هذه القضايا؛ وذلك من أجل سرعة التوصل لاتفاق نووي يحقق الأهداف الإيرانية، المتمثلة في رفع العقوبات وتجنب الضربات العسكرية، والأمريكية الرامية لمنع امتلاك طهران قنبلة نووية واللجوء إلى الخيار العسكري الذي سيضر بالمصالح الأمريكية في المنطقة علاوة على التجارة العالمية.

  1. این ۳ خط قرمز قابل مذاکره نیستند“، صحيفة “همشهري” الإيرانية الناطقة بالفارسية، 18 أبريل 2025.  

https://2u.pw/tFsLR

  • “عراقچی درباره مذاکرات ایران و آمریکا در رم : “رو به جلو” بود و موفق شدیم به “تفاهم بهترى” برسیم و وارد مرحله بعدی بشویم”، موقع “عصر ايران”، 19 أبريل 2025.

https://2u.pw/rSPRh

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى