إيران

هل وصلت المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن إلى طريق مسدود؟

تشهد المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية تعثراً واضحاً في الوقت الحالي الذي كان مقرراً فيه أن تُعقد الجولة الرابعة من المحادثات النووية بين الطرفين في 3 مايو 2025، بعد جولات ثلاث جرت خلال شهر أبريل الماضي في روما ومسقط. فقد وقعت عدة تطورات ألقت بظلالها على المسار الدبلوماسي الذي يتبعه الأمريكيون والإيرانيون سوياً لمنع طهران من امتلاك سلاح نووي وتخفيف العقوبات عن طريق اتفاق نووي يتضمن الحد أو منع إيران بشكل كامل من مواصلة عمليات تخصيب اليورانيوم.

وكان من بين أبرز هذه التطورات اختلاف طهران وواشنطن حول عدد من قضايا الحوار الدبلوماسي النووي الفنية بينهما يجيء من أبرزها الاتفاق على نسبة تخصيب اليورانيوم التي سيكون مسموحاً للجمهورية الإسلامية بالعمل عليها في الاتفاق المقبل إلى جانب عدد ونوعية أجهزة الطرد المركزية. وفي الواقع، بات الأمر لا يقتصر على هذه العوامل فقط، خاصة بعد التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بشأن طبيعة التسوية التي يراها للبرنامج النووي الإيراني مستقبلاً، ما بات يطرح معه تساؤلات بشأن مستقبل المفاوضات النووية الإيرانية ذاتها التي يبدو أن جولتها الرابعة قد تتأخر بعض الشيء.

يعود التعثر الذي يشهده مسارُ المفاوضات النووية الإيرانية في جولتها الرابعة إلى عدد من العوامل المهمة، وهي:

  1. الاختلاف الرئيس حول تفكيك المنشآت النووية أم تقليص نسبة تخصيب اليورانيوم؟  

 منذ اليوم الأول لانعقاد المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في جولتها الأولى في العاصمة العُمانية مسقط يوم 12 أبريل الماضي، برز الاختلاف واضحاً للغاية بين الجانبين الأمريكي والإيراني بشأن الهدف الرئيس من تلك المفاوضات المتعلقة بمستقبل البرنامج النووي لطهران. فعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب لم تكن قد حسمت موقفها بشكل كامل خلال الشهر الماضي بشأن الهدف الرئيس من التفاوض نووياً مع إيران، إلا أن الرئيس الأمريكي لم يدع الأمر غامضاً.

فقد أعلن ترامب يوم 4 مايو 2025 في حوار صحفي له أن “الهدف من وراء المحادثات هو التفكيك الكامل لبرنامج طهران النووي”، ما قد يعثر بشكل عميق من مسار المفاوضات ويضع الأخيرة في الواقع أمام مأزق حقيقي أكبر مما كانت عليه حتى يوم 3 مايو الجاري. فقد طرح الأمريكيون في البداية وعلى استحياء فكرة أن الهدف من التفاوض مع طهران هو “التفكيك الكامل لمنشآتها النووية”، إلا أن المسعى الأمريكي قد تأكد مع تصريحات ترامب الأخيرة. وترفض إيران بشكل صريح وحازم التخلص نهائياً من أنشطتها النووية عن طريق تفكيك منشآتها النووية على النحو الأمريكي طبقاً لما يُعرف بـ “النموذج الليبي”، ويتعمق هذا الرفض الإيراني مع حقيقة أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كانت هي التي طرحت في البداية هذه الفكرة.

ويضع هذا في الواقع المفاوضاتِ النووية أمام معضلة كبرى بشأن استمرارها وانعقاد الجولة الرابعة منها.

ولا يقتصر الرفض الإيراني على منع تفكيك منشآت الجمهورية الإسلامية كليةً، بل لا تقبل حتى الإبقاء على أنشطتها النووية مع تقليص نسبة تخصيب اليورانيوم إلى ما دون الـ 5%، إذ تؤكد طهران – حسب تصريحات كبار مسؤوليها ومن بينهم وزير الخارجية عباس عراقجي- على “أحقيتها” في تخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى من ذلك، وذلك بعد تمكنها رسمياً خلال الأعوام الماضية التي أعقبت خروج واشنطن من الاتفاق النووي لعام 2015 من رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60% على الأقل، في ظل أحاديث وروايات أخرى غير مؤكدة بشأن نسبة تخصيب وصلت إلى حوالي 80%.

وفي الوقت نفسه، تتفاوت الرؤى الأمريكية والإيرانية بشأن أجهزة الطرد المركزية المستخدمة بالأساس في تخصيب اليورانيوم. إذ، تريد الولايات المتحدة أن ينص الاتفاق المقبل على خفض عدد وجودة تلك الأجهزة وتشديد المراقبة عليها وعلى المنشآت النووية لطهران، إلا أن طهران تبدي اعتراضاً ولو من قبيل المناورة لكسب المزيد من الامتيازات في هذا الصدد.

وعليه، تمثل الاختلافات الفنية بين طهران والولايات المتحدة – والتي أهمها مسألة تفكيك المنشآت النووية لطهران من عدمه – أبرز عائق أمام استمرار المفاوضات النووية بين الطرفين وانعقاد الجولة الرابعة حتى الآن.

  • رغبة واشنطن في تضمين الملف الصاروخي لطهران في التسوية النووية:   

بدا خلال الأيام الماضية أن واشنطن تسعى لأن تشمل التسويةُ السياسية للبرنامج النووي الإيراني ملف الجمهورية الإسلامية الصاروخي، خاصة تلك الصواريخ الباليستية، مع رفض طهران لها. فقد أشار عدد من المسؤولين الإيرانيين خلال الأيام التالية لانعقاد الجولات الثلاث الماضية إلى رغبة أمريكية في تضمين ملف البرنامج الصاروخي لطهران داخل التسوية النووية المقبلة، وذلك في ظل رفض إيراني بات وصريح جاء على لسان عدد من المسؤولين في طهران الذين أكدوا على أن التسوية ستكون نووية فقط ولن تتطرق إلى قضايا أخرى مثل الملف الصاروخي، وذلك في إطار ما أعلنه الداخل الإيراني من “خطوط حمراء أربعة” في هذه المفاوضات.

ويمكن تفهم الإصرار الأمريكي على تضمين الملف الصاروخي في المفاوضات النووية على العلاقة القوية ما بين الملفين، إذ تحتاج القذائف والقنابل النووية إلى صواريخ باليستية تحملها إلى هدفها، وإلا أصبحت تلك الأسلحة النووية عديمة الفائدة وفاقدة لعامل الردع الذي هو الهدف الرئيس من امتلاك أية دولة لسلاح نووي. لذا، يتجذر الخلاف الأمريكي الإيراني مع هذه المساعي وذلك الرفض ويهدد بعرقلة المفاوضات النووية، خاصة مع تأكيدات المبعوث الأمريكي المفاوِض، ستيف ويتكوف، أكثر من مرة على هذا الأمر.

فعلى سبيل المثال، قال ويتكوف بعد الانتهاء من الجولة الأولى من المحادثات النووية مع الإيرانيين في مسقط يوم 15 أبريل 2025 إن “المفاوضات مع الإيرانيين تركز بشكل كبير على نقطتين أساسيتين، الأولى هي التحقق من تخصيب اليورانيوم، وفي نهاية المطاف التحقق من التسلح وهذا يشمل الصواريخ ونوع الصواريخ التي خزّنوها هناك ويشمل ذلك وسائل إطلاق القنبلة”. وقد أكد على ذلك الموقف بعد أيام من تصريحات ويتكوف، وزير الخارجية الأمريكي نفسه، ماركو روبيو، حينما شدد أن “على إيران أن تتخلى عن تخصيب اليورانيوم وتطوير الصواريخ بعيدة المدى”.

  • استمرار طهران في دعم الوكلاء المسلحين، خاصة “الحوثيين”: 

إلى جانب الخلافات الرئيسية ما بين طهران وواشنطن فيما يتعلق بالمفاوضات النووية، انعكست حالة المواجهات العسكرية ما بين “الحوثيين” في اليمن والولايات المتحدة على المفاوضات النووية. فقد قالت واشنطن إن طهران لا تزال تقدم الدعم لـ “الحوثيين” والوكلاء الأخرين في المنطقة، في ظل حالة الاشتباك المتواصلة بين الطرفين، ما تسبب في تشدد الموقف الأمريكي حيال إيران بوجه عام وإزاء المفاوضات معها.

ويبدو أن هذا التطور على وجه الخصوص قد يدفع ويعزز من إصرار إدارة ترامب على أن تشمل بنود الاتفاق النووي المقبل الأنشطة الإيرانية الإقليمية والوكلاء، ما يُضاف إلى قائمة العوائق التي تقف حائلاً حتى الآن أمام مواصلة المفاوضات النووية وانعقاد الجولة الرابعة منها.

  • الجدل حول آلية رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران:

أثارت العقوبات الاقتصادية الأخيرة التي فرضتها إدارة ترامب على قطاع الطاقة الإيراني استياء واسعاً لدى الحكومة الإيرانية، خاصة أنها استهدفت قطاع النفط في البلاد الذي يدر دخلاً أجنبياً معقولاً في الوقت الحالي للبلاد. فقد أعلنت واشنطن يوم 30 أبريل 2025 عن فرض عقوبات على 7 كيانات وسفينتين لتورطهم في تجارة النفط الإيرانية. وقوبلت هذه العقوبات بانتقادات واسعة من جانب إيران ربطتها على أي حال بالجهود الدبلوماسية المبذولة للتوصل إلى اتفاق نووي، حيث قالت إيران إنه في الوقت الذي تجري فيه الجهود الدبلوماسية تُقدم واشنطن على استعمال آلية الضغط، حسب مسؤولي طهران.

لذا، تلعب تلك العقوبات الأخيرة دوراً كبيراً في عرقلة انعقاد الجولة الرابعة من المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية كانتا تُجريان حوارات بشأن مختلف القضايا الأخرى الرئيسية والفرعية محل الخلاف، إلا أن العقوبات قد أثارت غضب طهران ومثّلت عاملاً مهماً للغاية في تأجيل الجولة الرابعة من الحوار الذي كان مقرراً أن يُعقد في مسقط.

  • الاشتباك الإسرائيلي مع المفاوضات النووية الإيرانية الأمريكية:  

تربط إيران في كثير من الأحيان ما بين المطالب الأمريكية والرغبات الإسرائيلية في المفاوضات النووية. فقد مثّل العامل الإسرائيلي دافعاً إضافياً لدى طهران للتأكيد على رفض عدد من القضايا التي من بينها التفكيك الكامل للبرنامج النووي الإيراني الذي هو مسعٍ إسرائيلي جوهري إلى جانب مسألة التعامل مع الصواريخ الباليستية الإيرانية التي استهدفت إسرائيل مصانعها في إيران خلال العام الماضي 2024. لذا، فإن تشديد إيران رفضها لبعض الملفات يُعد نكاية في إسرائيل.

وفي الإطار نفسه، يلعب الانفجار الذي وقع في مرفأ “الشهيد رجائي” في ميناء “بندر عباس” في المدينة التي تحمل الاسم نفسه في محافظة هرمزجان غربي إيران دوراً في هذه الهواجس الإيرانية. فقد اتهمت أوساط إعلامية ومسؤولون في إيران إسرائيل بالوقوف وراء الانفجار الذي قيل – مع عدم تأكيد من جانب إيران – إنه فجّر شحناتٍ من مادة بيركلورات الصوديوم التي تُستخدم في إنتاج الوقود الصلب للصواريخ التي تصنعها إيران مثل “خيبر شكن”، ما عزز من الاستياء الإيراني الكامن من الدور الإسرائيلي غير المباشر في المفاوضات النووية، خاصة مع تأكيدات إيرانية لمساعي إسرائيل لاستهداف برنامج الصواريخ الإيرانية.

على الرغم من تفاقم المشكلات والعوائق التي تحول دون مواصلة المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، إلا أنه يصبح من غير اليسير القول إن تلك المفاوضات قد وصلت إلى طريق مسدود. حيث يرغب الطرفان الأمريكي والإيراني في إيجاد تسوية سلمية وبشكل سريع للأنشطة والبرنامج النووي الإيراني لتجنب الدخول في صراع عسكري قد يطيح بالأساس بالنظام في طهران وسيهدد حتماً أمن التجارة والاقتصاد العالمي وأمن منطقة الشرق الأوسط، علاوة على المصالح الاقتصادية الأمريكية والأجنبية في المنطقة، إلى جانب الاحتمالات الواسعة لدخول إسرائيل حرباً مباشرة مع طهران ووكلائها – برغم تراجع قدراتهم العسكرية – لم تشهدها منذ عقود.

وقد عبّر الجانب الإيراني بالأساس عن رغبته في استئناف المفاوضات النووية وعلى السعي لمواصلة انتهاج الحل الدبلوماسي في هذا الصدد. ويبدو أن التصريحات الإيرانية المتتالية بشكل شبه يومي تتسارع للتأكيد للأمريكيين على هذا الأمر. وكانت أحدث تلك التصريحات ما أدلى به المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، يوم 5 مايو 2025، حينما قال “لقد أعلنّا التزامنا بمواصلة مسار الحوار والدبلوماسية، وأبدينا استعدادنا الكامل من خلال المشاركة في عدة جولات من المفاوضات”. وأكد بقائي على أن “إيران تنتظر تفاصيل من الوسيط، سلطنة عُمان، بشأن استمرار المحادثات مع الولايات المتحدة”.

المصادر والمراجع

  1. زمان احتمالی دور چهارم مذاکرات ایران و آمریکا مشخص شد”، صحيفة “هم ميهن” الإيرانية، 5 مايو 2025.      

https://2u.pw/30khA

  • “پشت پرده لغو مذاکرات ایران و آمریکا چیست؟”، موقع “فراراو” التحليلي الإيراني، 4 مايو 2025.

https://2u.pw/McmIb

  • “علت واقعی قطع مذاکرات برای احیای برجام چیست؟”، بى بى سى فارسى، 30 مايو 2022.

https://2u.pw/GtRC4

  • “مبعوث ترامب: المحادثات مع إيران تركز على التحقق من برنامجها النووي والصاروخي”، “سي إن إن”، 15 أبريل 2025.

https://2u.pw/FJQ8r

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى