
التدخل العسكري التركي في ليبيا خطوة تسرع من عقد مؤتمر برلين

محاولة أردوغانية نحو إضفاء صفة الشرعية على التدخل العسكري الليبي، دعمه موافقة البرلمان التركي في جلسته الطارئة عقب دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لانعقاده والموافقة على مذكرة إرسال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا بأغلبية 325 صوت بالموافقة مقابل رفض 184 آخرون، فتركيا البعيدة جغرافياً وافقت على دخول ليبيا عسكرياً لتلبية طلب حكومة الوفاق – بإيعاز من أردوغان – حول الغزو الليبي لمواجهة تقدم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في طرابلس، وجاءت موافقة البرلمان بدعوى حماية المصالح الوطنية – لتركيا البعيدة جغرافياً- واتخاذ الاحتياطات اللازمة ضد المخاطر الأمنية التي تشكلها “الميلشيات المسلحة” غير الشرعية في ليبيا، ويأتي هذا القرار في الوقت الذي يدعو له المجتمع الدولي وأطراف القوى الدولية المتأثرة بالوضع الليبي إلى الحل السياسي، وأن يكون القرار ليبي ليبي، وفي ظل دعوة المستشارة أنجيلا ميركل إلى عقد مؤتمر برلين لقوى المجتمع الدولي المتداخلة في الازمة الليبية واتخاذ موقف داعم “للحل السياسي”، مما يطرح نقاط خلاف حول نتائج مؤتمر برلين ومدى فاعليته، وإمكانية عقده لوقف الغزو التركي “العسكري” الذي سيزيد من شكل الأزمة في ليبيا، وسط تصريحات برفض هذا التدخل وإدانته، وربما ستكون لنقطة لتلاقي الفرقاء، حيث تنص مذكرة التفويض على إرسال قواتها إلى ليبيا، وبموجب مذكرة التوفيض التي تبدأ لمدة عام وقابلة للتجديد، فإن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” سيحدد موعد إرسال القوات التركية إلى ليبيا وعددها وأماكن انتشارها.
الغزو العسكري التركي وتوحيد المواقف الإقليمية والدولية:
وسط تصريحات المسئولين الدولين حول الحل السياسي في ليبيا، ودعم الأمم المتحدة لهذا الأمر من خلال تصريحات غسان سلامة المبعوث الأممي لمجلس الأمن، وبدوره صرح رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي في مؤتمر صحفي في بداية الإسبوع المنصرم عن رفضه التدخل العسكري التركي في ليبيا، موضحاً أنه سيؤدي للتصعيد العسكري في المنطقة، مشيراً إلى رفضه قبول التصعيد العسكري في ليبيا خلال بحثه للقضية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي أردوغان، مشدداً أن “الحل السياسي يبدأ أولا بوقف إطلاق النار”.
وهو ما سبقه رفض واضح للرئيس عبد الفتاح السيسي، في أكثر من موضع، ولعل أبرزها الاتصال الهاتفي مع كونتي، كما أدانت الخارجية المصرية تصويت البرلمان التركي بالموافقة على قرار إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، واعتباره اختراق واضح لقرارات مجلس الأمن، والشرعية الدولية.
كما أكدت جامعة الدول العربية في بيان لها، على دور تركيا نحو إذكاء الصراع من خلال قرار البرلمان، واعتبرته تجاهل لما تضمنه القرار العربي الصادر عن الجامعة العربية في يوم ٣١ ذيسمبر الماضي، وما تضمنه من رفض شديد لكافة التدخلات الخارجية التي تؤدي لاستمرار الصراع وتغذية التواجد الإرهابي في المنطقة. وهو ما تم التأكيد عليه خلال المكالمة الهاتفية التي أجراها أحمد أبو الغيط والسكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش.
وحذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من خطورة حدوث تصعيد عسكري في ليبيا، كما أعلن قصر الإليزيه في باريس، حيث ناشد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الفرنسي خلال اتصال هاتفي تم بينهما الأطراف الدولية والليبية المشاركة في النزاع الالتزام بأقصى درجات ضبط النفس. وأضافا أنه لا بد من إتاحة إجراء مفاوضات مجدداً بين أطراف النزاع داخل ليبيا، وتحجيم تأثير الميليشيات العسكرية والقوى الأجنبية في ليبيا، والاستعداد لمؤتمر برلين في محاولة لحل الأزمة الليبية.
هذا إلى جانب نشر الوكالة الفرنسية للأنباء عن المكالمة التي أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأردوغان، وأعرب فيها الاول عن التدخل الاجنبي قد يصعد من الأزمة الليبية. ناهيك عن الاتصالات التي أجرتها الخارجية المصرية للتعرف على الاتجاهات الدولية الخاصة بقرار البرلمان.
وعلى المستوى الداخلي، أعلن الجيش الوطني الليبي وبعض القبائل والمشايخ الداعمة لهم، هذا إلى جانب البرلمان الليبي الاستعدادلمواجهة الغزو التركي حال تنفيذ التهديدات.
التدخل التركي يدخل لاعبين جدد في مؤتمر برلين حول ليبيا:
يبدو وأن قرار البرلمان يتناقض والمواقف الدولية المعلنة التي اتسمت بالذبذبة في بعض الفترات، ولكن قرار البرلمان التركي، أعقبه تصريحات واضحة من القوى الدولية برفض هذا التدخل، مما قد يدفع نحو التسريع من عقد مؤتمر برلين الذي أدى هذا القرار التركي إلى محاولة الوجود كقوى ضاغطة لتمرير قرارات تدعم مصالحه في ليبيا، خاصة إثر التصريحات العددة التي كان يتم تجاهلها من مؤسسة الرئاسة التركية حول رفض وجود الجيش الوطني الليبي، باعتباره تدخلاً سافراً في القضية الليبية، وتهدف تركيا نحو تعزيز تواجد السراج التي قد أدت المؤشرات المعلنة عن خروجها من الصورة في حال نجاح مؤتمر برلين، والاعتماد على القوى المنتخبة من الشعب والمتمثلة في البرلمان الليبي، ومحاولة تجميع الفرقاء.
ويأتي هذا القرار ليؤكد ما قد سبق وأعلن عنه أردوغان من قبل عن دعم حكومة السراج، وجاء ذلك في شكل تدريب الميلشيات، وتسليح الجماعات ونقل أفراد داعش إلى ليبيا هذا إلى جانب الطائرات المسيرة بدون طيار، والتي ظهرت في العديد من التقارير الإعلامية.
كما تحاول تركيا الزج بإسم تونس والجزائر لتكون قوى دولية جديدة تدعم الموقف التركي في الأزمة الليبية، وهو ما شهد تصريحات إعلامية متضاربة حول الموقف التونسي من الأزمة والتي أعقبت زيارة أردوغان لتونس في إطار الحرب الإعلامية التركية، هذا إلى جانب الموقف الجزائري المعلن حول رفض التدخل الأجنبي في ليبيا، حيث نقلت وكالة الأنباء الجزائرية، تأكيد وزير الشؤون الخارجية صبري بوقادوم حول رفض الجزائر لوجود “قوة أجنبية مهما كانت في هذا البلد الجار”.، مؤكداً أن بلاده ستقوم بالعديد من المبادرات في اتجاه الحل السلمي للأزمة.
جاء هذا الموقف الليبي ليكون ركيزة حول ظهور لاعبين جدد في العملية الليبية، فقد أثار التدخل التركي في ليبيا المعلن والاتفاقيات المنعقدة مخاوف من حول تهديدات الطاقة في شرق المتوسط والتي آثارت حفيظة كل من قبرص واليونان، فقد أعلن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، عن رغبة بلاده في المشاركة في مؤتمر برلين حول ليبيا المرتقب، برعاية الأمم المتحدة، مؤكداً على أهمية الدور اليوناني في الحفاظ على أمان دول الجوار، ورغبة اليونان فيء أن تكون جزءاً من الحل.

يبدو أن التحركات التركية القائمة على التدخل العسكري في ليبيا، قد تختلف مع الهدف المعلن من الأمم المتحدة، والهدف الاساس وراء المطالبة بعقد مؤتمر برلين القائم على الحل السياسي من خلال توحيد موقف المجتمع الدولي، ويبدو ان الموقف التركي ومحاولات تدخلاتها العسكرية قد يوحد المجتمع الدولي من الدعم السياسي وهو ما قد يطرح أمامهم مهمة التعجيل من مؤتمر برلين، وتحديد موعد عقد المؤتمر في أسرع وقت؛ لاتخاذ موقف لإيقاف التدخل التركي العسكري الصريح في ليبيا، ويضع أمام المجتمع الدولي الطريق حول التعاون مع البرلمان المنتخب من الشعب الليبي، واتخاذ الموقف الداعم لهم، لوقف تصعيد الأمر في ليبيا. وربما قد جاء هذا التدخل التركي السافر كفرصة للتعجيل بوقف إطلاق النار في ليبيا، وعقد مؤتمر برلين ومحاولة إحداث توافق بين الدول الأوروبية الخمس عقب تهديد تركيا لمصالحها التاريخية في لييبا، واتخاذ خطوات جدية دون التفاهمات السرية مع أنقرة، ووضع أجندة فعليه وموعد محدد لمؤتمر برلين، في ظل المواقف التي لم ترتق بعد إلى حد الضغط المباشر على أنقرة والتي قد تؤدي إلى نتائج تغير المشهد الحالي.وذلك من أجل وقف طموحات أردوغان في ليبيا وفي محاولة لانقاذها من أن تكون قاعدة للعناصر الإرهابية المدعومة من تركيا.
باحثة بالمرصد المصري