
غضب شعبي يوناني ضد سياسة أردوغان
بعد أن أشعل مواطنون يونانيون النار في سيارة دبلوماسي تركي يعمل بالقنصلية التركية بمدينة سيلانيك شمال اليونان فجر أمس يشهد التوتر بين البلدين تطورا ملحوظاً على عدة مستويات وأصعدة أولها السياسي والاقتصادي وحتى العسكري مع استمرار الطرفين في عمل مناورات بحرية وتعديات تركية على المياه الإقليمية اليونانية والقبرصية ، لكن التطور الأخير يشير إلى غضب شعبي قد يصل لمرحلة متقدمة جراء سياسات التعنت من أنقرة تجاه أثينا الأمر الذي يستحق البحث في ثناياه وأصوله ، فهل هذا التوتر هو الأول من نوعه أم له أمثلة سابقة وممهدات أدت إليه؟
شهدت العلاقات بين أثينا وأنقرة ترديا ملحوظا في العقد الأخير بسبب عدد من القضايا أهمها القضية القبرصية والصراع على فرض السيطرة على بحر إيجة.
وشهدت بداية عام 2000 توترا حقيقيا في العلاقات السياسية بين البلدين على خلفية قيام اليونان بمناورات بحرية في بحر إيجة ليأتي الرد التركي بخرق المجال الجوي لليونان في رسالة تهديد واضحة مما أشعل التوتر التاريخي بين البلدين الناجم عن عدد من الأسباب التاريخية كإبادة اليونانيين المسيحيين أو ما يعرف بيونانيي البنط أثناء الحرب العالمية الأولى ، كذلك مشكلة جزيرة كاستلوريزو التي كانت في بؤرة الصراع بين أنقرة وأثينا كانت أحد أهم أسباب البعد والتوتر السياسي التاريخي بين الطرفين ، برغم الانفراجة في العلاقات وتحسن المناخ بين البلدين على خلفية مساعدة اليونان لتركيا بعد زلزال 1999أغسطس الذي ضرب تركيا لترد تركيا بالمساعدة كذلك بإرسال طاقم إغاثة بعد زلزال ضرب اليونان في نفس العام.
ولم يدم التحسن في العلاقات الذي جاء بسبب البعد الإنساني طويلا بسبب المصالح السياسية بعد قيام الطرفين بمناورات عسكرية في بحر إيجة للسيطرة عليه واختراق أنقرة للسيادة الجوية اليونانية كما سبق الذكر.
وبالرغم من محاولات الاتحاد الأوروبي لخلق تقارب سياسي بين أنقرة وأثينا وبالأخص بعدما أنشأت تركيا وزارة خاصة للتعامل مع الاتحاد الأوروبي بعد طلبها الانضمام إليه لم يتم الأمر بالشكل المأمول.
فقد كانت المناورة العسكرية التركية اليونانية المشتركة في 2006 هي أبرز ثمار الجهود الأوروبية لخلق تقارب بين الطرفين مع عدد من الزيارات المتبادلة لمسؤولي البلدين للتفاوض دون الوصول لأرضية ثابته بينهما.
ومع تصاعد عدد المهاجرين غير النظامين من تركيا إلى اليونان بحثا عن ظروف معيشية أفضل أعلنت اليونان في 2010 عن خطتها لبناء حاجز حدودي لمنع تسلل المهاجرين، أمر أغضب أنقرة واعترضت عليه بشدة ، بدورها تركيا ومع الضغط الإسرائيلي عليها سعت لضم جزيرة كاستلوريزو لمياهها الاقتصادية لتكون جزء من مشروع أنابيب الغاز الإسرائيلية للتصدير لأوروبا مروراً باليونان وهو الأمر الذي يستمر الطرفين بالتنازع حوله حتى الأن وبالأخص مع تفاقم الصراع حول ترسيم الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط.
لكن هل تعدى الأمر التوتر السياسي ليصل للغضب الشعبي ؟

للإجابة على هذا السؤال يجب الإشارة لعدد من الحوادث التي حدثت مؤخراً وبالأخص في العامين الأخيرين ، ففي مارس من العام الماضي قام ما يقرب من 500 شخص يوناني بعمل مظاهرة مناهضة لتركيا في شوارع أثينا قاموا فيها بإحراق العلم التركي والذهاب إلى السفارة التركية بأثينا وترديد هتافات معادية وحرق للعلم التركي وغناء النشيد الوطني اليوناني.
المظاهرة كانت على خلفية قيام السلطات التركية احتجاز جنديين يونانيان أثناء قيامهما بعملهما على المنطقة الحدودية قالت أنقرة أنهما دخلا لحدودها لغرض التجسس بينما بررت أثينا الموقف بسبب سوء الأحوال الجوية.
في تلك الأثناء برزت فكرة مبادلة ثمان جنود أتراك كانوا قد هربوا من تركيا في أعقاب الانقلاب على أردوغان خوفاً من أن يلقوا مصير من شاركوا من تنكيل وحبس لكن الخارجية اليونانية رفضت الفكرة تماماً على لسان نائب الخارجية يورجوس كاتروجالوس ، كما قد رفض القضاء اليوناني طلبا تركيا باعادة 3 من العسكرين الثمانية الذين فروا إلى أثينا مما أدى لزيادة التوتر.

البحر المتوسط ومشكلة السيادة والحدود البحرية كانت الزيت الذي سكب على النار بين الطرفين فمع ترسيم قبرص واليونان لحدودها البحرية مع مصر وقيام تركيا بترسيم حدودها مع حكومة الوفاق المنتهية صلاحيتها بقيادة فايز السراج وانتقاصها للحقوق اليونانية والقبرصية في ترسيمها للحدود البحرية من وجهة النظر اليونانية.
ومع تفاقم الأزمة هذا العام وقيام تركيا أكثر من مرة بالتعدي على الحدود البحرية والبحث عن حقول الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط خارج حدودها وتكرار اليونان لنداءات الاستغاثة للاتحاد الأوروبي لإيقاف التمرد والتعديات التركية المستمرة زاد الأمر سوء مع قيام تركيا بعدد من الاستفزازات لليونان وأوروبا أبرزها اختراق المجال الجوي اليوناني عدة مرات في الشهور الماضية وبالطبع التنقيب عن الغاز خارج حدودها ، وبرغم المحاولات الأوروبية لكبح جماح أنقرة بعد قيامها بغزو الشمال السوري واستمرار التعدي على السيادة اليونانية كما القبرصية ما كان من الرئيس أردوغان إلا تهديد أوروبا ” بفتح الباب أمام موجات المهاجرين على أوروبا” في تهديد واضح للاتحاد الأوروبي.
ومع تفاقم الأمر أضرم مواطنون يونانيون النار بالسيارة الشخصية لأحد موظفي القنصلية التركية باليونان في الساعات الأولى من صباح اليوم الإثنين في منطقة سيلانيك شمال البلاد.
وتجري السلطات اليونانية تحقيقا حول الحادث الذي تعتقد أنه حدث في الساعة 3:30 فجر أمس أما موظف السفارة التركية علق على الحادث قائلاً ” إن الضرر كان كبيراً بالمركبة لكن لم يصب أحد ” ورفض الإفصاح عن اسمه وفقاً لوكالة “رويترز” .
الهجمات الفردية التخريبية من المواطنين اليونانيين تأتي تعبيراً عن الغضب السياسي هو أمر معتاد في البلاد والتي شهدت سنوات من الاضطراب السياسي كان هذا هو متنفس الشعب الذي يرى في تصرفات أردوغان وتركيا تعدياً سافراً على السيادة والكرامة اليونانية.


وترى أثينا أن الاتفاق الأخير المبرم بين الرئيس التركي أردوغان وحكومة الوفاق المنتهية صلاحيته بقيادة فايز السراج بخصوص ترسيم الحدود البحرية هو اعتداء صريح على سيادتها وحدودها البحرية وهو ما أنعكس على الموقف الشعبي بين البلدين معيداً إلى أذهان أبناء اليونان ما تعرضوا له على مدار التاريخ من العثمانيين كما سبق الإشارة من تعديات على سيادتهم وكرامتهم منذ سنين الإمبراطورية العثمانية والتطهير القسري ليوناني البنط مروراً بالحرب العالمية الأولى ومجازر الأتراك ضد الأرمن واليونانيين وما تبعها من انتكاسات في العلاقات بين البلدين وصولاً لتوترات السيطرة على بحر إيجا وأزمة المتوسط في الوقت الراهن ، لذلك حادث الأمس” حرق سيارة مسؤول دبلوماسي تركي باليونان ” ليس مستغرب وهو جرس إنذار حقيقي لما قد تصل له العلاقات بين البلدين إذا ما استمر التوتر القائم والذي وصل لمستوى غير مسبوق .
باحث ببرنامج السياسات العامة