
الصومال .. ما بين الكوارث الإنسانية بفعل التغيرات المناخية وتزايد العنف
خرج مكتب الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، ليعلن عن كارثة إنسانية جديدة في الصومال الإفريقي، فبين تهديدات المجاعة الناتج من الجفاف، انقلب الأمر إلى تشريد 370 ألف صومالي من بين 574 ألف تأثروا بفيضانات الصومال، والناتج من الأمطار الموسمية الغزيرة، وذلك عقب معاناة الكثير من المناطق في البلاد من الجفاف؛ مما أدى لتراجع نسبة حصاد المحاصيل بنحو 70% خاصة المناطق الجنوبية، وهو ما كان سيؤدي لتفاقم الوضع الغذائي المستقر أصلا في البلاد، ولكن بعد الفيضان أصبحت المياه تغمر المحاصيل والمزارع التالفة، ليشير إلى عدم استقرار جديد في البلاد والناتج من ظاهرة التغيرات المناخية، هذا إلى جانب الأزمة الإنسانية التي تعانى منها الصومال نتيجة الحروب الأهلية وانتشار حركة شباب الإرهابية، مما يضع دولة القرن الإفريقي بين الأزمات المتلاحقة التي لم تمكنها من استغلال موقعها المتميزعلى البحر الاحمر، والذي كان ذريعة للعديد من الدول في استغلال الحالات الإنسانية للتمتع بموارد الدولة الإفريقية.
ما قبل الفيضان
كانت البلاد الصومالية على شفا مجاعة إثر تعرض العديد من المناطق خلال أزمة الجفاف 2016-2017، ووصفت الأمم المتحدة الأمر بعدم قدرة المجتمعات “الهشة” بالتكيف مع الأمر، نتيجة ضعف الموارد، وعليه أطلقت الوكالات الإنسانية خطة استجابة للفيضانات من أجل جمع 72.5 مليون دولار أمريكي لتوفير استجابة سريعة لمدة ثلاثة أشهر.
هناك العديد من العوامل وراء انتشار المجاعات، ما بين العوامل الطبيعية كموجات الفيضان والجفاف والأوبئة المختلفة، والعوامل البشرية كالحروب والصراعات، ةفخرجت الصومال من أزمة الجفاف إلى كارثة الفيضان.
التغيرات المناخية وفيضانات الصومال
أوضح مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية عن غزارة الأمطار الموسمية أدت لارتفاع منسوب المياه في نهري ” جوبا وشبيلي”، وهو ما أدى إلى فيضانات في ولايات هيرشابيل وجوبالاند وجنوب غرب البلاد، والتي تم وصفها بأنها حدثت في وقت غير عادي عن المعتاد عليه في مثل هذا العام، وتم الإبلاغ عن حدوث فيضانات مفاجئة في منطقة بنادير وجوهر في هيرشابيل وسيل جايل وجامي في جوبالاند؛ مما أسفر عن تشريد الألاف في وحول مدينة بيليت وين في المنطقة الحدودية بين الصومال وإثيوبيا واستقرارهم في مناطق مرتفعة.
وبناء على تصريحات رئيس دولة الصومال “محمد عبد الله فارماجو”، فإن تلك الفيضانات هي الأسوء مقارنة بنظيرتها بالعام الماضي، خلال زيارته إلى مدينة “بيليت وين”، ويؤكد ممثلي الأمم المتحدة أن تأثير تلك الفيضانات سيكون الأكثر على فترات متعددة حتى مع انحسار المياه. كما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” أن نحو 200 ألف طفل تضرروا جراء تلك الفيضانات.

وتعتبر الفيضانات ظاهرة اعتيادية في شرق إفريقيا في مثل هذا الموسم، غير أن ظاهرة مناخيّة لم تسجل منذ سنوات ومركزها المحيط الهندي، تسببت مؤخرا بهطول أمطار غزيرة أدت إلى تلك الكارثة، وآثرت تلك الظاهرة على دول الصومال وكينيا وتنزانيا وإثيوبيا وجنوب السودان.
وأنه على الرغم من إفريقيا لا تنتج أكثر من 3% من الغازات المسببة للاحترار العالمي؛ إلا أنها الأكثر تحملاً لتبعاته، وأدى التغير المناخي إلى أنه لم تعد الأمطار موسمية وقابلة للحساب، وتتفاقم الأمطار الموسمية لحد السيول والفيضانات كما حدث في الصومال، ونتيجة عدم وجود بنية تحتية صلبة تتحمل التغير الجذري في أنشطة؛ فيعد ذلك مؤشرا خطيراً على مستقبل القارة.
التغيرات المناخية وتصاعد العنف في الصومال

صدر تقرير مؤخراً تقرير عن المركز السويدي العالمي لدراسة المناخ، حول التأثير الكارثي لتغير المناخ في الصومال، وما سيؤدي إليه من عمليات نزوح وتزايد عمليات الاقتتال بين القبائل، مما سيفاقم من ظاهرة عدم الاستقرار، وعليه تتطلب ذلك التهديدات تضافر جهود الدول لإيقاف تأثيراته التي ستؤثر على العالم أجمع، فقد أفاد التقرير ما له من آثر نحو تصاعد العنف والحروب، الذي يتدهور طردياً مع هذه الظاهرة.
أدى ظاهرة تغير المناخ إلى قصر مواسم الزراعة في الصومال؛ ما ترتب عليه تصاعد العنف بين رعاة الأغنام والمزارعين الرافضين لعمليات الرعي في الموسم الفقير بالحصاد، هذا إلى جانب عمليات النزوح الناتجة من الفيضانات إلى المخيمات؛ وهو ما رآه التقرير بأنه عمل على سهولة استقطاب جماعة الشباب الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة للعديد من النازحين الفقراء والذين يحتاجون لمأوى. هذا إلى جانب تاثر ذلك على حالة التضخم في العاصمة مقديشيو نتيجة الضغط على الموارد الناتج من عملية النزوح، وتغير الركيبة السكانية بها.

واقترحت الدراسة على بعثة الأمم المتحدة في الصومال، إنشاء مراكز تنسيقية لمكافحة كوارث المجاعات، إلى جانب تعيين مستشار بيئي في البعثة لحل المشاكل البيئية المتعلقة بتغير المناخ، واعتبرت أن الحلول البيئية قد تقي من مخاطر مستقبلية ووضع حلول دائمة لأزمات الصراع، كبديل عن الحلول التي تتسم بأنها ردود أفعال وتقوم على التبرعات من الدول، ووصف التقرير أن سيطرة بعض المؤسسات على التبرعات القادمة للصومال تحد من استخدام تلك الأموال في حلول جديدة للصراعات وتعتمد على سياسة رد الفعل.
كيف ترى الأمم المتحدة الوضع في الصومال
عقد مجلس الأمن الدولي في الحادي والعشرون من شهر نوفمبر الماضي، جلسة حول الوضع في الصومال، استمع خلالها إلى إحاطة من الممثل الخاص للأمين العام في الصومال، جيمس سوان، وبدأ بالحديث حول “انعدام الأمن” بأنه لا يزال يشكل تحدياً رئيسياً للتقدم في الصومال رغم التقدم الذي أحرزته المتمثل في بناء المؤسسات الوطنية والفيدرالية، وتحقيق مكاسب عسكرية كبيرة ضد الشباب؛ وتحسين النمو الاقتصادي وإدارة القطاع العام.
قال سوان إن الصوماليين يريدون رؤية استمرار هذا التقدم في عام 2020 وجعله لا رجعة فيه وهو ما يتمناه شركاؤهم وأصدقاؤهم الدوليين، مشيراً إلى عدد من الأمثلة على ما حدث من تقدم منذ تقريره الأخير إلى المجلس، وأوضح سوان أن الصومال لا يزال في طريقه إلى تخفيف عبء الديون، مع تقييمات إيجابية من صندوق النقد الدولي ودعم قوي من الدائنين.
الكوارث الطبيعية ذريعة التدخلات الخارجية في الصومال
تعرض الصومال، دولة القرن الإفريقي التي تمثل نقطة تواجد هامة على موانيء البحر الأحمر، للعديد من الكوارث الإنسانية مثل الفيضانات والمجاعات وانتشار الإرهاب أصبح ذريعة العديد من الدول من استغلال تلك الكوارث الإنسانية بهدف معلن وهو تقديم المساعدات الإنسانية لمتضرري الأزمة، وآخر خفي لبناء علاقات وتواجد داخل البلاد وفرض نفوذها بها، فعقب أزمة الفيضانات الأخيرة، عمدت كل من “تركيا وقطر” على إرسال المساعدات الإنسانية العينية من خلال ما أسموه بالجسر الجوي، هذا في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الدفاع التركية، عن تخريج القاعدة العسكرية التركية في العاصمة الصومالية مقديشو، 363 ضابطا صوماليا جديدا، ثم قاموا بمتابعة تدريباتهم في تركيا ليقوموا باتمام دورة تدريبات خاصة بمكافحة الإرهاب في ولاية إسبرطة جنوب غربي تركيا في مطلع أغسطس الماضي، ومن ثم عادوا إلى الصومال منتصف نوفمبر الماضي، وهي قاعدة عسكرية تم تأسيسها في 30 سبتمبر 2017 بمشاركة الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو ووزير الدفاع التركي خلوصي أكار الذي كان رئيس الأركان العامة التركية آنذاك، وتروج تركيا لنفسها بوصف هذا الأمر بأنه خطوة نحو تحقيق الأمن في الصومال، ويأتي تأسيس القاعدة العسكرية التركية في الصومال، بهدف تحسين التنظيم والتدريب والتعليم والبنية التحتية العسكرية وأنظمة اللوجستيات، للقوات المسلحة الصومالية ودعم تدريبها. وهو ذريعة للتواجد العسكري في الصومال وتحقيق حلم الخلافة الإسلامية الذي عادة ما يشير إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه “عودة إرث الأجداد”.

انتقلت الصومال من التهديد بالمجاعة الناتج من الجفاف، إلى التهديد بالمجاعة الناتج من غمر الاراضي الزراعية والمحاصيل بمياه الفيضانات، الأمر الذي آثر على نزوح الألاف من أماكن استقرارهم، وبالتالي سيؤثر على النشاط الزراعي، وأرجع الخبراء تفاقم الوضع الحالي إلى التغيرات المناخية التي اثرت على توقع الطبيعة المناخية الموسمية وتغييرها، وتحولها من مصدر تفاؤل إلى خوف وارتعاد يتطلب من الدول تكثيف الجهود نحو خلق حلول مستدامة تتمثل في مساعدة البلاد في البنية التحتية، ووضع إجراءات احترازية لمواجهة تلك الأزمات، وعدم الاقتصار على المساعدات الوقتية وردود الأفعال من اجل تعميق الصراع وعدم الاستقرار، لخلق فرص مواتية لهم للتواجد دلخل أراضي الدولة الصومالية، تحت مظلة إنسانية.
باحثة بالمرصد المصري