
سيناريوهات أزمة هونج كونج بين التصعيد واحتماليات التفاوض
مرت الذكرى السبعين لتأسيس الجمهورية الشعبية الصينية التي كانت تقف حائلًا أمام تصعيد الحكومة الصينية مع تظاهرات هونج كونج التي لا زالت متأججة. بعدما كان من المتوقع أن تسعى بكين لتهدئة الأوضاع حين قالت “كاري لام” الرئيسة التنفيذية للمدينة إن العاصمة الصينية ليس لديها أي خطة لنشر قوات جيش التحرير الشعبي في شوارع المدينة، ولكنها خرجت مؤخرًا لتحذر من أن الجيش الصيني قد يتدخل إذا وصلت الاحتجاجات المطالبة بإصلاحات ديمقراطية في المدينة لوضع أسوأ.
هذا بجانب تهديد شرطة المدينة بإطلاق الرصاص الحي إذا لم يتوقف المتظاهرون عن استخدام الأسلحة، وارتكاب أعمال العنف ضد أفراد الشرطة، بالإضافة لخروج مظاهرات مؤيدة لحكومة المدينة، وتجمعوا خارج مقر حكومة هونج كونج لإظهار الدعم للشرطة بعد تعرضها لانتقادات قوية بسبب تعاملها مع الأزمة، ورددوا هتافات منها “ندعم الشرطة لفرض القانون رسميًا”.
فيما شهدت الشوارع خروج عدد من الموظفين رافعين أيديهم مشيرين إلى مطالب المحتجين الخمسة، وقد حذرتهم الحكومة بالإيقاف عن العمل إذا تم توقيفهم أثناء مشاركتهم في الاحتجاجات. وهو ما يفتح مجالًا للحديث عن عدد من السيناريوهات للأزمة تتمثل أبرزها على النحو التالي:
- تدخل بكين وتكرار دموية ميدان “تيانانمن”؛
تتركز القوات الصينية على بعد 25 كيلو متر من حدود المدينة، وتعتمد وجهة النظر القائلة بأن تدخل القوات بشكل مباشر يستهدف إنهاء الأزمة وفرض الاستقرار، وقد يعد انتصارًا لبكين من خلال إحكام قبضتها على تلك المدينة الكبيرة. لكنه في نفس الوقت يعني نهاية مبدأ “بلد واحد ونظامان“، بل ويزيد من احتمالية تكرار دموية ميدان “تيانانمن”، وهو ما يجعل دخول القوات للمدينة بمثابة كابوس لسكانها.
كما لم تستبعد “لام” اتخاذ تدابير أخرى من بينها مطالبة الصين بالتدخل، قائلةً “ما زلت أشعر بقوة أنه يتعين علينا إيجاد الحلول بأنفسنا. ولكن إذا أصبح الوضع سيئًا للغاية، فلا يمكن استبعاد أي خيارات إذا أردنا أن تتمتع هونج كونج بفرصة أخرى في الأقل”. وفي وقت سابق، أدانت “لام” المحتجين الذين خربوا محطات للقطارات السريعة والمتاجر، ووصفتهم بأنهم “مثيرو شغب” أثاروا الخوف وشلوا حركة المدينة.
والجدير بالذكر، نشرت هيئة بث المدينة انضمام جنود من جيش “التحرير الشعبي الصيني” إلى سكان مؤيدين للصين في المدينة لتنظيف الشوارع وإزالة الحواجز بعدما أغلقت الاحتجاجات الطرق.
- تصعيد حكومة هونج كونج؛
خلال الفترة الماضية، حاول النظام اتخاذ بعض التدابير لقمع المتظاهرين، مثل إرسال مجموعات لضرب المحتجين والتسلل بينهم، واعتقال عدد من قادة المعارضة المعروفين، وفرض ضغوط على الشركات لتأديب الموظفين الذين ينضمون إلى المسيرات، خاصة بعد تأكيد وزير الخدمة المدنية أن الحكومة لن تتسامح مع موظفي الخدمة المدنية الذين ينتهكون القانون. وبحسب البيانات، يشكل موظفو الخدمة المدنية حوالي 4.4% من القوى العاملة في المدينة.
وعليه قالت “لام” إن طول مدة الاحتجاجات التي شهدت تصعيدًا حادًا في العنف، يجعلها لم تعد “حركة سلمية من أجل الديمقراطية”، وتم اللجوء لسلطات الطوارئ لمنع المتظاهرين من ارتداء أقنعة في التجمعات، خاصة وأن المحكمة العليا في المدينة قضت بعدم دستورية قانون يعود للحقبة الاستعمارية بحظر وضع المحتجين أقنعة على الوجه.
وقد نشرت صحيفة “جلوبال تايمز” المقربة من السلطات الصينية والناطقة بالإنجليزية تغريدة تقول فيها إن “حكومة المدينة ستصدر قرارًا بحظر التجول”، لكنها حذفت التغريدة بعد نصف ساعة. وكان ذلك بعد استمرار إغلاق المدارس والجامعات إثر قطع الطرق، فقد شهدت جامعة هونج كونج استعدادات الطلاب لمواجهات مع الشرطة عن طريق بناء الحواجز وتخزين الطعام.
على جانب آخر من التصعيد، فقد تعرضت وزيرة العدل “تيريزا تشينغ” في لندن لتطويق من ملثمين صوبوا الأضواء تجاهها صارخين في وجهها، وسقوطها أرضًا، وهي أول مسؤولة يحدث معها احتكاك مباشر منذ بدء الاحتجاجات في يونيو.
- تراجع اقتصادي؛
قررت عدد من الشركات الصينية إعادة النظر في قرار طرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام الأولي في بورصة هونج كونج، وطرح الأسهم في سوق المال الأمريكية بدلًا من ذلك، بما يعد تطورًا سلبيًا للمدينة التي تعتبر مركزًا ماليًا محوريًا بين أكبر اقتصاد في آسيا وبقية العالم، خاصة بعد غلق المطار وشعور المستثمرين بالقلق من عدم استقرار أوضاع المدينة التابعة سياسيًا لبكين.
وقد خفّضت المدينة توقعاتها للنمو الاقتصادي هذا العام، وانكماش الناتج المحلي الإجمالي 1.3% مقارنة بالعام السابق، وأكدت تراجع نسبته 3.2% في الربع الثالث من هذا العام مقارنة بالربع السابق عليه.
- احتمالية التفاوض؛
من المحتمل أن تُقيم الحكومة مفاوضات مع المحتجين، وتقدم بعض التنازلات، لتفويت الفرصة على الولايات المتحدة وبريطانيا في زيادة النزعة الانفصالية، وفرض عقوبات على بكين. وتتزايد فرصة التفاوض بعد سحب مشروع القانون السبب في تأجيج الاحتجاجات. لكن حتى بعدما أعلنت “لام” وقف العمل على مشروع القانون استمرت التظاهرات التي أكدت خمس مطالب هي استقالة “لام”، وتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في عنف الشرطة، الإفراج عن المتظاهرين الذين تم القبض عليهم بتهمة إثارة الشغب، وجميع المعتقلين، أخيرًا الإصلاح السياسي والانتخابات الديمقراطية.
ختامًا، يتوقف حدوث أي سيناريو على عاملين، الأول الأهمية المالية والاقتصادية لهونج كونج وصعوبة التضحية بثقلها، والثاني فشل بكين في معالجة الأزمة واضطرارها لتقديم تنازلات ولو رمزية مثل إقالة لام لتهدئة النزعة الانفصالية التي يشهدها أيضًا إقليم شينجيانج على سبيل المثال.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية