
” خسارة متوقعة؟ ” المشهد السياسي البريطاني بعد دعوة “سوناك” لانتخابات مبكرة
صدم رئيس الوزراء البريطاني “ريشي سوناك” الوسط السياسي في بلاده بإعلانه إجراء انتخابات عامة مبكرة تُعقد في الرابع من يوليو القادم، أي قبل أربعة أشهر من الموعد المقرر لها، لتضع بذلك حكم حزب المحافظين المستمر لأكثر من عقد على المحك، خاصة وأن الحزب المنتمي ليمين الوسط في بريطانيا قد شهد عددًا من التوترات والإخفاقات في سنواته الأخيرة، مر خلالها بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووباء كوفيد-19، وارتفاع الهجرة غير النظامية، وأخيرًا الأزمة المالية العالمية التي سببت زيادة التضخم وانخفاض النمو الاقتصادي، ما أثر على نتائجه عبر استطلاعات الرأي المختلفة.
أسباب الدعوة لانتخابات مبكرة
صعد “ريشي سوناك“، رئيس الوزراء الأصغر سنًا، في أعقاب فترة من الفوضى في الحياة السياسية البريطانية، بدأت بتجاهل سلفه “بوريس جونسون“، الدافع بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تدابير الإغلاق خلال جائحة كورونا، ما أدى إلى استقالته أو إقالته إذا صح المعنى، لتحل مكانه “ليز تراس” التي لم تكمل الخمسين يومًا من القيادة بسبب قراراتها التي هزت الاقتصاد البريطاني في وقت يرتفع فيه التضخم إلى أعلى مستوياته.
وشهدت فترة حكم سوناك العديد من التحديات، بين إصلاح أخطاء أسلافه، وتصيد الحزب المعارض- وحتى أعضاء حزبه- لأخطائه، ووضعه تحت وطأة ضغط الرأي العام في عدد من القضايا المصيرية، يأتي أبرزها ملف الهجرة، إذ يعتقد أن هذا العام فقط قد شهد دخول أكثر من 10 آلاف مهاجر للمملكة المتحدة بعد عبورهم القناة الإنجليزية، الأمر الذي يعد ضربة شديدة لسوناك الذي جعل من إيقاف القوارب غير الشرعية وترحيل اللاجئين لرواندا وعدًا رئيسًا وسد جميع طرق الطعن القانونية لذلك، هذا بجانب مستويات المعيشة المتقلصة والخدمات العامة المنهكة.
وبعد عام ونصف من مسيرة سوناك كرئيس للوزراء، يمكن القول بأن التضخم قد انخفض إلى مستويات شبه طبيعية إلى 2.3%، وأن الأجور آخذة في الارتفاع، ومن المقرر أن تبدأ أسعار الفائدة على الرهن العقاري في الانخفاض، كما سيتم تطبيق سياسة اللاجئين غير الشرعيين إلى رواندا في يوليو القادم، كما انخفضت طلبات الحصول على التأشيرة عبر الطرق الرئيسية بنسبة 25% منذ بداية عام 2024، ما يعني انخفاض صافي الهجرة.
لكن بقية القضايا لم تُحل بشكل كامل، وكان سيتعين إجراء انتخابات جديدة قبل عام 2025 من الناحية الدستورية لمعرفة ما إذا كان الطريق الذي رسمه سوناك سيستمر، ولهذا توقع المحللون أن يستفيد المحافظون من إجراء الانتخابات في هذا التوقيت -الخريف- لمنحهم فرصة ووقت أطول لتحقيق مكاسب من تحسن الظروف الاقتصادية وشعور الناخبين بتأثير الإنجازات السابقة، إلا أن سوناك صدم الجميع بالدعوة المبكرة والمفاجئة للانتخابات، وهو ما لم يقم به رئيس وزراء يعلم أن حزبه يشهد هذا التدهور من قبل، ويرى محللون أنها مقامرة واسعة يعتقد سوناك من خلالها بأنه سيُكافأ على توجيه الاقتصاد البريطاني إلى منطقة أكثر استقرارًا، وأن تأجيل الانتخابات لن يقدم أي شيء لحزبه.
ولكن على عكس المتوقع، قوبلت دعوة سوناك لانتخابات مبكرة على أنها دليل على فشل رئيس الوزراء في قيادة الملفات البريطانية الحساسة، وبالفعل انسحب حوالي 78 نائباً من المحافظين معلنين عدم نيتهم الترشح للانتخابات العامة المقبلة، خوفاً من خسارة مقاعدهم، ليصل عدد النواب المنسحبين إلى 121، وهو رقم قياسي لم يحدث من قبل منذ عام 1997، وبات حزب المحافظين بحاجة إلى 326 مرشحاً كأغلبية قادرين على إقناع الناخبين في وقت أقل من ستة أسابيع، وهي المعادلة الصعبة في ظل التراجع الكبير في استطلاعات الرأي.
ومن شأن بريطانيا أن تنتخب حزبًا وليس زعيمًا محددًا، وسيختار المواطنون في جميع أنحاء المملكة المتحدة – التي تتكون من إنجلترا وأيرلندا الشمالية واسكتلندا وويلز – جميع أعضاء مجلس العموم البالغ عددهم 650 عضوًا لفترة تصل إلى خمس سنوات قادمة، والحزب الذي سيتمتع بالأغلبية في مجلس العموم، سواء بمفرده أو في ائتلاف، سوف يقوم بتشكيل الحكومة المقبلة وسيكون زعيمه رئيسًا للوزراء، وهذا يعني أن النتائج ستحدد الاتجاه السياسي للحكومة البريطانية المقبلة.
من يتنافس على رئاسة وزراء بريطانيا؟
سيقود “ريشي سوناك” مجددًا حزبه في الانتخابات المقبلة، إذ يسعى حزب المحافظين الذي ينتمي ليمين الوسط إلى الاحتفاظ بهيمنته على السلطة ومواجهة ضعف استطلاعات الرأي ضد حزب العمال اليساري المعارض بقيادة “كير ستارمر”، الذي ارتفعت شعبيته في الاستطلاعات الأخيرة إزاء الإحباط العميق للجمهور البريطاني بسبب الاقتصاد الراكد وخدمات الرعاية الاجتماعية المثقلة بالأعباء والتدهور الاقتصادي.
وقد استغل حزب العمال الأخطاء التي وقع فيها حزب المحافظين لصالحه، فبدأ بطرح الوعود والحلول لفوضى المحافظين حال فوزه، فكانت الوعود تتمحور حول التغيير والازدهار الذي تشتد الحاجة إليه في بريطانيا، في إشارة إلى التركيز على الطبقة العاملة، محاولاً التخلص من السمعة الملتصقة به التي تتمحور حول إنفاق الحزب غير المسؤول عبر إثبات أنه لديه خطة للحكم.
أما الأحزاب الأخرى، والتي يتمتع بعضها بدعم إقليمي قوي، فقد تلعب دورًا ما في تشكيل حكومة ائتلافية إذا لم يفز أي من الحزبين الأساسيين بالأغلبية الشاملة، وهذه الأحزاب هي: الحزب الوطني الأسكتلندي، الذي يناضل من أجل استقلال اسكتلندا، والديمقراطيون الليبراليون، وحزب الخضر، والحزب الديمقراطي الوحدوي، الذي يسعى إلى الحفاظ على العلاقات بين بريطانيا وأيرلندا الشمالية، هذا بجانب حزب “الإصلاح الجديد” المناهض للهجرة والمناخ، الذي شكله متمردو حزب المحافظين بقيادة “ريتشارد تايس”، وهو نسخة جديدة من حزب “بريكست” الذي شكله نايجل فاراج عام 2018، والذي قد يلعب دورًا مفصليًا لصالح حزب العمال حال شكل معه حكومة ائتلافية.
ووفقًا لاستطلاعات الرأي، يتصدر حزب العمال منذ أواخر عام 2021، بنسبة تقترب من 45%، وهذا التقدم استمر خلال فترة رئاسة سوناك للوزراء، بينما وصل حزب المحافظين إلى 23%، وهو أسوأ حتى مما سجله المحافظون عندما انفجرت تجربة تروس الاقتصادية عام 2022، كما خسر المحافظون الانتخابات المحلية وانتخابات رؤساء البلديات الأخيرة وأسفرت عن انشقاق اثنين من مشرعي حزب المحافظين مؤخرًا وانضمامهم إلى حزب العمال، وهذا يعني أن هناك احتمالًا كبيرًا بأن يفوز ستارمر بالسلطة بجانب الأغلبية البرلمانية الهائلة وفقًا لمحددات أخرى بجانب استطلاعات الرأي تكمن في:
- الغريزة الطبيعية بالاتجاه إلى التغيير لدى الناخب البريطاني بعد 14 عامًا من حكم المحافظين وتدهور مستوى ما يتم تحقيقه للمواطن البريطاني.
- معارضة المحافظين المدعومة من أغلب الصحف والشبكات الإذاعية، بسبب كونها يسارية ليبرالية، إذ تركز البرامج الاستقصائية على كشف السلبيات في برنامج سوناك الانتخابي.
- المراهنة على انقسام أصوات الوسط ويمين الوسط بين المحافظين وبين حزب الإصلاح الذي يُعتبر حزبًا يمينيًا وسطيًا ذا برنامج انتخابي تقليدي محافظ.
ملفات على طاولة الأحزاب البريطانية
ستشهد الحملات الانتخابية لحزب المحافظين وحزب العمال وبقية الأحزاب تنافسًا شديدًا في ملفات مشتركة تدور حول السياسات الداخلية والخارجية، ويعتقد معظم البريطانيين أن أغلب تلك الملفات قد تشهد تحسنًا على يد حزب العمال، بينما يرى البعض الآخر أنها ستزداد سوءًا على يد حزب المحافظين، والعكس، في حين أن هناك فئة كبيرة تعتقد أنه لن يشكل فوز أي من الحزبين أي تغييرات ملموسة تجاه عدد من القضايا.
- الاقتصاد
فقد عانت بريطانيا على يد المحافظين من ارتفاع معدلات التضخم وبطء النمو الاقتصادي وتزايد الدين العام إلى ما يقرب من 100% من الناتج المحلي، الأمر الذي أدى إلى تعاظم شعور المواطنين بالفقر الشديد، وقد نجح المحافظون في تحقيق هدفهم المتمثل في خفض التضخم الذي بلغ ذروته عند 11.1% في أكتوبر 2022، فانزلق الاقتصاد البريطاني إلى ما يسمى بالركود الفني في الأشهر الستة الأخيرة من عام 2023.
واليوم يبلغ التضخم رسميًا 2.3%، وهو أدنى مستوى له منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، كما تحسن الاقتصاد البريطاني بنسبة نمو 0.6% مقارنة بالأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2022، متفوقًا على ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة، كما نمت الأجور بنسبة 3%، وهو ما لم تشهده الأجور البريطانية منذ انتخابات عام 2015، ولكن في الوقت نفسه ارتفعت الأسعار إلى أكثر من 24% منذ بداية أزمة تكلفة المعيشة، وهي نسبة أكبر من أي دولة أخرى في مجموعة السبع.
ولكن وفقًا لتحليل أجراه معهد الدراسات المالية، فإن أيًا كان من سيصل إلى السلطة في يوليو القادم، فإن الإنفاق اليومي على كل شيء خارج الصحة والدفاع والتعليم من المتوقع أن ينخفض بنحو 20 مليار جنيه إسترليني، وهذا يعادل تقريبًا إغلاق وزارة الداخلية بأكملها، أو إغلاق وزارة البيئة والغذاء والشؤون الريفية ووزارة الثقافة والإعلام والرياضة معًا، كما تتوقع أغلب المؤسسات المالية أن يظل الاقتصاد البريطاني فاترًا للغاية خلال السنوات القليلة المقبلة، وسط تقليل الإنفاق على الخدمات العامة.
وعليه، ترى الأحزاب المتنافسة أن الحل في ملف الاقتصاد يكمن في “النمو الاقتصادي”، فقد لمح المحافظون من خلال الانتخابات القادمة إلى أنهم سيطبقون إعفاءات ضريبية لأصحاب الدخل المرتفع، هذا بجانب احتمال تخفيض أسعار الفائدة، وكذلك سيتم إلغاء تجميد الحد الضريبي للمتقاعدين والذي يسمح بإعفاء المتقاعدين من الضرائب بشكل كامل، ما يعني أن معاشات التقاعد الحكومية والعلاوات المعفاة من الضرائب للمتقاعدين سترتفع بما يتماشى مع “القفل الثلاثي” أعلى دخل أو أجور أو بنسبة 2.5%، بالإضافة إلى سياسة أخرى بقيمة 46 مليار جنيه إسترليني لإلغاء “التأمين الوطني” الذي يهدد أساس معاشات التقاعد الحكومية، وهي خطوة لاستهداف فئة المتقاعدين واستمالتهم لانتخاب المحافظين.
بينما سيركز حزب العمال على رفض المساس بمعاشات التقاعد، إلى جانب التركيز على أزمة تكلفة المعيشة وتخفيض الضرائب على العاملين وتخفيض الإنفاق على الخدمات العامة بقواعد مالية صارمة، إلى جانب استحداث خطة جديدة مغايرة تمامًا لخطة المحافظين لإعادة بناء بريطانيا وضبط سياساتها الاقتصادية، الأمر الذي ينذر باستمرار ارتفاع فواتير الغذاء والطاقة وفوضى الرهون العقارية، وقد وقّع بالفعل أكثر من 120 من قادة الأعمال البريطانيين على خطاب مفتوح يمنحون دعمهم لحزب العمال من أجل تحقيق الإمكانات الاقتصادية الكاملة للمملكة المتحدة.
- الهجرة
عبر الآلاف من طالبي اللجوء والمهاجرين الاقتصاديين القناة الإنجليزية في قوارب في السنوات الأخيرة، مما أثار مخاوف من أن الحكومة فقدت السيطرة على حدود بريطانيا. تتمثل سياسة المحافظين لإيقاف القوارب في خطة لترحيل بعض هؤلاء المهاجرين إلى رواندا الإفريقية بتكلفة 370 مليون جنيه إسترليني، وهي الخطة التي لاقت انتقادات واسعة، كونها تنتهك القانون الدولي وحقوق الإنسان، كما أنها لن تحقق المنع الكامل من عبور القناة الإنجليزية.
وتظهر الأرقام أن مخطط رواندا لا يمنع عبور القوارب الصغيرة، فبالرغم من انخفاض عدد الوافدين بنحو 33% خلال عامي 2022 و2023، إلا أن عبور القوارب لعام 2024 بلغ مستوى قياسيًا، فبين 1 يناير و21 مايو من هذا العام، عبر أكثر من 9800 شخص الحدود ومن المتوقع أن يرتفع العدد أكثر في الأشهر الأكثر دفئًا.
أما حزب العمال، فقد تعهد بإلغاء سياسة رواندا اللاإنسانية قبل بدئها، وتحسين أمن الحدود بتشكيل ما يسمى بـ “قيادة أمن الحدود”، والتي من شأنها سحق العصابات الإجرامية المتاجرة بالبشر، والتعامل مع معابر القوارب الصغيرة، وكذلك زيادة التعاون مع الاتحاد الأوروبي في هذا الملف.
- الرعاية الصحية
تعاني الخدمة الصحية التي تُوفر الرعاية الصحية المجانية للجميع في بريطانيا من قوائم انتظار طويلة في عهد المحافظين، بدءًا من العناية بالأسنان وحتى علاج السرطان، ويبلغ عدد المنتظرين 7.77 مليون شخص، إذ ينتظر واحد من كل 20 شخص في إنجلترا أربعة أسابيع على الأقل لرؤية طبيب، بينما ينتظر المرضى أكثر من 12 ساعةً ليتم قبولهم في قسم الطوارئ، إلى جانب النقص الشديد في سيارات الإسعاف وأسرة المستشفيات، بالإضافة إلى النقص الشديد في الكوادر الطبية والتمويل المناسب، وأخيرًا فضيحة الدم الملوث التي تصدرت عناوين جميع الصحف العالمية، والتي تعهدت بعدها الحكومة بتعويض كبير قدره 10 مليارات جنيه إسترليني، وقد شهدت الفترة الماضية خلافات كبيرة بين الحكومة والنقابات التي تمثل الممرضات والأطباء وأطقم الإسعاف، الذين نظموا سلسلة من الإضرابات للمطالبة بزيادة الأجور لمواكبة التضخم المتزايد.
وقد ألقى المحافظون باللوم على هذا التدهور على وباء كورونا، واحتجاج الأطباء في ظل الأزمة الحالية، وكمحاولة للدفع بحلول، تعهد سوناك بتمويل قياسي يقارب الـ 165 مليار جنيه إسترليني، ولكن وفقًا لاحتياجات هذا الملف، فإن هذا الرقم لا يكفي.
أما حزب العمال، فقد تعهد بتقليل قوائم الانتظار الطويلة في المستشفيات وعيادات الأطباء في جميع أنحاء البلاد، إلى جانب إنشاء قوائم انتظار مشتركة حتى تتمكن المستشفيات من تجميع الموارد، هذا إلى جانب تعهدات بـ 700 ألف موعد إضافي لعيادات الأسنان، وتخصيص 111 مليون جنيه إسترليني سنويًا، وذلك من خلال تضييق الخناق على الوضع الضريبي لغير المقيمين والمتهربين من الضرائب.
- التعليم
وهو الخط الفاصل الرئيسي بين الحزبين، إذ إن إحدى السياسات الرئيسية لحزب العمال هي إنهاء الإعفاءات الضريبية التي تتمتع بها المدارس الخاصة لجمع 1.7 مليار جنيه إسترليني للاستثمار في المدارس الحكومية، إلى جانب تعيين 6.5 آلاف معلم جديد في مدارس المملكة المتحدة.
- السكن
فقد تعهد حزب المحافظين في بيانه الانتخابي ببناء 300 ألف منزل جديد سنويًا بحلول منتصف عشرينيات القرن الحالي، لكن ذلك لم يتحقق وتم تخفيف الرقم في ديسمبر 2022، بينما أعلن حزب العمال عن طموحه لإنشاء 1.5 مليون منزل جديد من خلال إنشاء “مدن جديدة”، وكذلك دعم حزب العمال قانون إصلاح المستأجرين الرئيسيين وإصلاح العقارات المستأجرة الذي من المقرر أن تتم مناقشته بالبرلمان عقب الانتخابات.
- البيئة
لم تتمكن بريطانيا من الوفاء بالتزاماتها تجاه العالم فيما يتعلق بمكافحة تغير المناخ، وقد تراجع سوناك عن سلسلة من الالتزامات البيئية، ما أدى إلى تأخير الموعد النهائي لإنهاء بيع سيارات الركاب التي تعمل بالبنزين والديزل والسماح بالتنقيب عن النفط الجديد في بحر الشمال وحظر التدخين للجيل الجديد.
بينما تعهد حزب العمال بتخصيص 5 مليارات جنيه إسترليني سنويًا لمشاريع الخضراء لجعل المملكة المتحدة “قوة عظمى في مجال الطاقة النظيفة” وخلق فرص العمل، لكن هذا أقل من الهدف الأولي البالغ 28 مليار جنيه إسترليني.
- نظام العدالة الجنائية
يواجه هذا النظام مشكلات كبيرة تتمحور حول اكتظاظ السجون البريطانية، وزيادة الجريمة، إلى جانب تراكم القضايا في المحاكم مع تراجع الملاحقات القضائية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، مع إضراب المحامين كذلك. وقد أعلن المحافظون عن خطط لفرض عقوبات أكثر صرامة على أخطر المجرمين وإجراءات صارمة لإجبار الجناة على المثول في قفص الاتهام. وقد لاقت هذه الوعود انتقادات بسبب فشل المحافظين في بناء أماكن احتجاز جديدة.
بينما وعد حزب العمال بأن يكون صارمًا في التعامل مع الجريمة ومع أسباب الجريمة، مع تعهداته بتمويل المزيد من ضباط الشرطة المجتمعية وإعطاء الآباء دروسًا في كيفية التعامل مع السلوك المعادي للمجتمع.
- الخدمة الوطنية
أعلن حزب المحافظين أنه سيعيد تفعيل الخدمة العسكرية أو المدنية “الإلزامية” على جميع الأشخاص الذين يبلغون من العمر 18 عامًا في بريطانيا إذا فاز حزب المحافظين بالانتخابات، وهي بمثابة إعادة لشكل من أشكال الخدمة الوطنية لأول مرة منذ عام 1960، بهدف اختلاط هذه الفئة تحديدًا بأشخاص خارج مجتمعاتهم ومن خلفيات ومستويات مختلفة، وبهدف إبعاد الشباب عن الجريمة وترك البطالة.
وبموجب الخطة المقدر تكلفتها بنحو 2.5 مليار جنيه إسترليني، (1.5 مليار جنيه إسترليني من صندوق الرخاء المشترك بالمملكة المتحدة، وسيتم توفير مليار جنيه إسترليني أخرى من خطط القضاء على التهرب الضريبي)، سيعمل الشباب من خلال خدمتهم بالجيش في 30 ألف وظيفة في مجالات عدة مثل الخدمات اللوجستية أو الدفاع السيبراني، وكذلك العمل في الجمعيات الخيرية أو المجموعات المجتمعية أو المنظمات مثل المستشفيات والشرطة وخدمة الإطفاء.
بينما يعارض حزب العمال هذه الفكرة، ويرى أنها بمثابة عبء جديد على موازنة الحكومة، مؤكدًا أنه لا يمكن تطبيق التطوع بالجيش بشكل إلزامي، وأن المحافظين كانوا السبب وراء تخفيض العدد الفعلي لقوات الجيش البريطاني، حيث انخفض عددهم من 100 ألف في عام 2010 إلى ما يقرب من 73 ألفًا اعتبارًا من يناير 2024.
- الحرب الروسية الأوكرانية
وتندرج تحت الملفات الخارجية، وهي الحرب التي تمثل خلافًا بين القادة الأوروبيين وشعوبهم، فهي الحرب التي أنهكت الشعب البريطاني اقتصاديًا بعد جائحة كورونا، وربما أوضح سوناك موقفه من تلك الحرب بأن المملكة المتحدة، شأنها شأن الولايات المتحدة والغرب، مسؤولة عن دعم وتسليح أوكرانيا، وأن نهاية هذه الحرب التي طال أمدها يمكن أن تؤدي إما إلى نجاح أو كسر النموذج الأمني لأوروبا والمملكة المتحدة، وليس فقط فيما يتعلق بمسألة السيادة الإقليمية على الجبهة الشرقية، ولكن أيضًا بأمن الطاقة وآفاق المستقبل.
وقد كشفت الحرب بالفعل عن ثغرات في مخزونات الذخيرة البريطانية فضلاً عن عدم كفاية بعض معداتها، كما باتت هناك مخاوف من احتمالية دخول حلف شمال الأطلسي في حرب مع روسيا خلال الأعوام القادمة، ولهذا دعا سوناك أواخر أبريل الماضي خلال زيارته لألمانيا إلى زيادة الإنفاق الجماعي إلى 2.5% من الناتج المحلي بحلول نهاية عام 2030، الأمر الذي قد يلقي بتداعياته على فرصه الانتخابية في الداخل، بينما يرى حزب العمال أن هذا الرقم مبالغ فيه، ولكن هذا الاعتراض لا يقلل من أهمية دعم أوكرانيا بالنسبة لحزب العمال أيضًا، وهذا يعني استمرار نفس سياسة المحافظين في هذا الملف.
- الصراع في الشرق الأوسط “حرب غزة”
يتمزق الصراع بين الحزبين الأساسيين المتنافسين، حيث يواجه حزب المحافظين اتهامات بكراهية الإسلام والموافقة على ما يحدث من اعتداءات إسرائيلية على قطاع غزة بذريعة الدفاع عن النفس، بينما يكافح حزب العمال لإبعاد نفسه عن معاداة السامية التي تفاقمت في عهد زعيمه السابق “جيريمي كوربين”، وبما أن هذا الملف يعتبر شديد الحساسية في الأوساط الأوروبية الآن، خاصة مع تزايد التظاهرات التي تجوب الشوارع سعيًا لإيقاف الحرب، فقد أصبح إلزامًا على الأحزاب المتنافسة تحديد موقف واضح من الصراع، للاستفادة من القاعدة الشعبية الكبيرة التي أصبحت تنتمي الآن للقضية الفلسطينية.
وبالفعل، يواجه ريشي سوناك ومن بعده كير ستارمر هذه الأيام دعوات متزايدة تطالب المملكة المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطين، وذلك في اليوم الذي اعترفت فيه أيرلندا وإسبانيا والنرويج رسميًا بذلك، في إشارة إلى أن ذلك من شأنه أن يوفر الأمل في إمكانية التوصل إلى حل سياسي دائم بين فلسطين وإسرائيل.
ووفق ما سبق، فبالرغم من تحديد موعد رسمي للانتخابات البريطانية، إلا أن الأوساط السياسية البريطانية -وحتى اللحظة- لا تزال تتساءل وتحاول تحليل أسباب دعوة سوناك لانتخابات يعلم جيدًا أن هناك احتمالاً كبيرًا لخسارتها، كما تتساءل عن أسباب عدم استغلاله الوقت الممنوح له حتى موعد الانتخابات الأصلي، ليشعر الناخبون بما حققه حزبه من إنجازات على الأرض، ويبدو أن سوناك وحده قد توصل إلى أن الوقت أصبح ضده، وأن الأسوأ لم يأتِ بعد، خشية أن يتسع الفارق بين حزبه والحزب المنافس بأكثر مما يتخيل، أو أنه بات يدرك أن الوقت حان لنهاية حكم المحافظين والسماح للحزب المنافس بالسيطرة على زمام الأمور المضطربة.
باحثة بالمرصد المصري