أوروبا

بعد عرقلة اتفاقية نقل اللاجئين إلى رواندا.. متى تتخلص بريطانيا من تشابكات قوانين الاتحاد الأوروبي؟

في سابقة لم تحدث من قبل، تم إلغاء رحلة طيران قبل إقلاعها بدقائق وحظر خطة حكومة بأكملها لنقل طالبي لجوء بتدخل من قرار صدر من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، حدث هذا بالفعل في بريطانيا؛ إذ صدر قرار بمنع نقل لاجئين منها إلى رواندا الواقعة في شرق أفريقيا، وإلغاء أغلى رحلة طيران كلفت خزينة الدولة 500 ألف جنيه إسترليني في آخر لحظة، واضعًا الحكومة البريطانية في مأزق، باحثة عن تشريع جديد من شأنه أن يتجاهل هذا القرار.

خطة بريطانية مهددة بالفشل

تقتضي الخطة التجريبية التي مدتها خمس سنوات إرسال طالبي اللجوء الذين قدموا إلى المملكة المتحدة بشكل غير شرعي إلى رواندا- التي تستضيف حوالي 150 ألف لاجئ من دول أخرى- لتقديم طلباتهم هناك، وقد يحصل هؤلاء الأشخاص على إقامة دائمة بها كلاجئين، والتقدم للحصول على جنسيتها، وإذا لم يحصلوا عليها فبإمكانهم التقدم بطلب للاستقرار هناك اعتمادًا على أسباب مختلفة، أو يمكنهم أخيرًا السعي إلى اللجوء في “دولة ثالثة آمنة”.

تم التصديق على هذا القرار من قبل الحكومة البريطانية، وكان الهدف منه هو الحد من عمليات عبور بحر المانش ” القناة الإنجليزية” من فرنسا التي ارتفعت على الرغم من الوعود المتكررة بالتصدي لهذه الظاهرة منذ “بريكست”. ووُقع الاتفاق بين البلدين في منتصف أبريل الماضي، مطبقًا على أي شخص يدخل المملكة المتحدة بصورة غير شرعية. وبموجب الاتفاق، بمقدور رواندا أيضًا أن تطلب من المملكة المتحدة استيعاب بعض من اللاجئين لديها الأكثر عرضة للضرر، وستتكلف بريطانيا وفق هذه الخطة ما يقدر بـ 1.5 مليار جنيه إسترليني سنويًا، وأعلنت أنها ستدفع مبلغ 120 مليون جنيه إسترليني كدفعة مقدمة إلى رواندا، متعهدة بالمزيد من الدفعات لمعالجة القضايا المختلفة.

ويتوقع أن تدفع بريطانيا المزيد من الأموال في حالة استقبال رواندا المزيد من المهاجرين وطالبي اللجوء، وسط غموض حيال الرقم الحقيقي لإجمالي الأعداد التي ستنقل إلى رواند؛ إذ توقع المسؤولون في البداية حوالي 130 عملية ترحيل قسري، وبالطبع من يشاهد الصورة من بعيد يعلم جيدًا أن رواندا ستستغل هذه الموقف على أكمل وجه. 

قرار الترحيل أثار انتقادات وتشكيكات من قبل عدد كبير من الجمعيات الخيرية والمحامين، مقدمين عددًا من الطعون ضد هذه السياسة، ومستندين في ادعاءاتهم إلى أن “رواندا” وجهة غير آمنة، وأن هذا القرار ينتهك الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان، ووصل الأمر إلى توجيه اتهامات الاتجار بالبشر ضد البلدين، وسط شكوك أخرى تتعلق بكون رواندا دولة لا تحترم حقوق الإنسان والحقوق المدنية والسياسية.

وأثار الأمر تساؤلات حيال الأسباب وراء إبرام رواندا هذا الاتفاق مع بريطانيا وماذا سيعود على كيغالي، فيما شكك كثيرون في تأكيد الحكومة الرواندية على رغبتها في إعادة توطين ودمج المهاجرين الأفارقة على أراضيها، ومنحهم فرصة لبناء حياة جديدة.

وحذرت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وزارة الداخلية البريطانية مرتين من أن القيام بترتيبات ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا شيء غير قانوني، وقُدم ذلك كطعن قانوني لوقف العملية الجارية، وإثبات حقوق المهاجرين، معلنة خوفها من أن طالبي اللجوء، بعد نقلهم إلى رواندا، لن يتمكنوا من الوصول إلى إجراءات “عادلة وفعالة” لتحديد وضعهم كلاجئين.

وبالفعل، استُبعد بعض الأفراد من الرحلة الأولى وتقلص العدد من 37 شخص إلى 7 بعد أن رفض القضاء البريطاني طعونًا لمنع الرحلة بالكامل. ولكن مع تدخل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ألغيت الرحلة قبل دقائق من مغادرتها يوم 14 يونيو الجاري، بعد أن قررت أن هناك رجلًا عراقيًا يواجه خطرًا حقيقيًا وقد يتعرض لضرر لا رجعة فيه إذا تم إرساله إلى رواندا. 

الجدير بالذكر أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان هي هيئة لا تتبع الاتحاد الأوروبي، وإنما هي جزء من مجلس أوروبا الذي لا تزال المملكة المتحدة عضوًا فيه، تأسست عام 1959 بمدينة ستراسبورغ الفرنسية، وتعمل على احترام الشرعية الأوروبية لحقوق الإنسان، وتصدر أحكامًا ملزمة قانونًا عندما يتم انتهاك حقوق الإنسان لأي شخص تحت سلطة أي من الدول الأعضاء، بما في ذلك الحق في الحياة، وحظر التعذيب، والحق في الخصوصية وغيرها.

عادة ما تتعامل المحكمة مع الانتهاكات التي تحدث على أراضي الدولة العضو، ولكن “الترحيل” يعد من الاستثناءات، فيمكن للمحكمة أن تمنع ترحيل شخص معرض لخطر التعذيب في البلد المستقبِل؛ لأن ذلك مبدأ راسخ في قانون حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تعقد المحكمة العليا جلسة مراجعة قضائية للسياسة التي تقتضي إرسال اللاجئين إلى رواندا، وإعادة النظر في قانونيتها، وإذا قالت إنها غير قانونية فإن أي طالب للجوء تم إرساله إلى هناك يمكن إعادته.

تسبب القرار في موجة غضب من الحكومة البريطانية إزاء أن يكون لمحكمة مقرها في بلد آخر حق إيقاف رحلة جوية بريطانية، ولا سيما بعد خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي، فقامت بتقديم طعون قانونية أخرى على حكم المحكمة، ولكن في نهاية المطاف ألغيت الرحلة، ونزل كل من على متن الطائرة الجاهزة للإقلاع من قاعدة عسكرية إنجليزية، والتي عادت بعد ذلك إلى إسبانيا.

وخرجت الحكومة بتأكيدات ضمنية أن قرارات القضاء الأوروبي لن توقف خططها لترجيل طالبي اللجوء إلى رواندا، وأكدت تحضيرها لرحلة أخرى، وأنها لن تتنازل عن موقفها. ووصفت وزيرة الداخلية البريطانية “برتي باتل” قرار المحكمة الأوروبية بأنه “مخزٍ جدًا”، وأنه قد تم اتخاذه بطريقة “مبهمة”، مؤكدة أن هناك دوافع سياسية مؤكدة وراء اتخاذ القرار. فيما علّق رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون” واصفًا القرار بأنه ” عقبة غريبة في اللحظات الأخيرة”، خاصة وأن كل محاكم بريطانيا وجدت أنه لا توجد عقبة، ولم تحكم بعدم دستورية هذه السياسة.

ومن جانبها، أكدت الحكومة الرواندية أنها ستبقى على التزامها تجاه استقبال اللاجئين من بريطانيا، وأنها ستعمل بكل ما أوتيت من قوة وعزيمة من أجل إنجاح الشراكة بين البلدين، وتوفير الأمن والفرص لطالبي اللجوء.

الرد البريطاني على قرار المحكمة الأوروبية

في العقد الأخير، تعالت أصوات نواب وأعضاء بحزب المحافظين الحاكم مطالبين بانسحاب المملكة المتحدة من المحكمة والميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان، ولكن في نفس الوقت رأى القادة البريطانيون أن ثمة ضرورة لتغيير طريقة عمل المحكمة بدلًا من الانسحاب، لأنه من الخطأ نقض صلاحيات البرلمان البريطاني. وهو ما يفعله رئيس الوزراء البريطاني حاليًا، فهو يضع احتمال الانسحاب قائمًا، لتسهيل عملية ترجيل اللاجئين من البلاد، لنستنتج أن جونسون وحكومته يمنحون هذه القضية بالذات اهتمامًا متزايدًا، لدرجة تحويلها إلى رمز يقيس مدى فاعلية الدولة في السيطرة على حدودها.

وعقب الأحداث الأخيرة، اجتمعت الحكومة البريطانية حول هدف جديد وهو إبطال الحظر الذي قررته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على إرسال طالبي اللجوء إلى رواندا؛ وذلك عن طريق خطة جديدة يتم إعدادها لتقديمها إلى مجلس العموم تقتضي “تجاهل” أوامر المحكمة، وتغيير أجزاء من قانون حقوق الإنسان، بوضع ثغرات قانونية أكثر صرامة.

وأكد نائب رئيس الوزراء “دومينيك راب”، والمسؤول عن التغييرات في القوانين الدستورية، أن مشروع القانون الذي اقترحه سيعمل على حل مشاكل قانون حقوق الإنسان الحالي دون التخلي عنه تمامًا، وكشف عن الخطة التي تؤكد أن حكومته لن تنسحب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، ولكنها ستعزز تقاليد الحرية في بريطانيا. فيما يرى المنتقدون أن هذه الخطوة من شأنها أن تخلق مستويين من الحقوق، وقد تمنح المسؤولين فرصًا لاستغلال سلطتهم ونفوذه.

وعن الخطة الجديدة للحكومة البريطانية ردًا على قرار المحكمة الأوروبية، فهي تتضمن تدابير تم اقتراحها العام الماضي تشمل: 

  • وعد بتوضيح القانون للقضاة حتى يتم وضع القوانين البريطانية فوق أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؛ أي أن المحكمة العليا في لندن هي صانع القرار النهائي بشأن قضايا حقوق الإنسان.
  • خطة لفحص بعض دعاوى حقوق الإنسان ضد الحكومة أو الهيئات العامة الأخرى، من خلال مطالبة الناس بأن يثبتوا في أقرب وقت ممكن أنهم سيعانون من ضرر كبير، من أجل تقليل القضايا التافهة.
  • وضع حد لما يمكن للمحاكم أن تأمر به الهيئات العامة لتصحيح مشكلة ناجمة عن انتهاك حقوق الإنسان.
  • تغييرات في تفسير الحق في الحياة الأسرية يعتقد الوزراء أنها ستعني إمكانية ترحيل المزيد من المجرمين المولودين في الخارج حتى لو كان لديهم أطفال في بريطانيا.
  • تجاهل الأوامر القضائية الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهو الأمر المستحدث هذه الأيام، في أعقاب الخلاف حول نقل اللاجئين إلى رواندا.

تمت مناقشة هذا الاقتراح -ما عدا النقطة الأخيرة- في أواخر العام الماضي، في أعقاب تضمين تعهد بإصلاح قوانين حقوق الإنسان في البرنامج الانتخابي لحزب المحافظين عام 2019، ولكنه قوبل بانتقادات واسعة تؤكد أن من شأنه أن يخلق فئة مقبولة من انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة المتحدة، وأنه خطوة إلى الوراء بالنسبة للعدالة البريطانية.

ووفقًا لما سبق، يبدو أن الخلافات حول قضية اللاجئين من شأنها إعادة إحياء ضعف الدعم لرئيس الوزراء بوريس جونسون الذي نجا من اقتراع سحب الثقة منذ أسابيع قليلة، وقد يكون قرار المحكمة الأوروبية بإلغاء رحلة ترحيل اللاجئين علامةً على عدم كفاءة الحكومة البريطانية التي تواجه الآن اضطرابات داخلية تشهد إضرابًا للسكك الحديدية، ومحاولة إزالة التشابكات العالقة فيما يخص بروتوكول أيرلندا الشمالية والخروج من الاتحاد الأوروبي، متوقعة أن هذه القضايا قد تلهي وتشتت الانتباه عما يواجه المملكة المتحدة من تصاعد للفقر والفساد الحكومي.

مي صلاح

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى