مصر

حكاية وطن: خطوات جادة للتحول إلى دولة صناعية

حاولت مصر سابقًا تبني تجارب صناعية للتحول من كونها دولة زراعية إلى دولة صناعية، سواء في عهد محمد علي، أو الرئيس جمال عبد الناصر، وغيرها من التجارب التي آلت في النهاية إلى الترهل ومن ثم الفشل لأسباب سياسية واجتماعية. تستدرك مصر في الوقت الحالي الأسباب القديمة التي انتهت بتلك التجارب إلى الفشل؛ من خلال برامج سياسية وتطبيقات اقتصادية؛ بهدف إزالة المعوقات التي حالت دون تحقيق التحول الصناعي أولًا، ثم البناء الكمي والنوعي للقاعدة الصناعية لتحقيق الهدف المنشود.

أولًا: خريطة المشروعات في مصر

تحتل خريطة المشروعات الصناعية في مصر مرتبة لا بأس بها مقارنة بعدد المشروعات الزراعية (1.4 مليون مشروع) والخدمية (2.2 مليون مشروع)، ولكن يعود ذلك إلى أسباب تتعلق بعدد العمال في مصر ونسبتهم من السكان، والتمويل المفقود لتأهيل وبناء البنية التحتية الصناعية في العقود الماضية. تستدرك مصر في الفترة بين 2014 إلى 2023 التأثيرات السلبية والمعيقات؛ بهدف تحويل مصر إلى دولة صناعية متقدمة تسهم في زيادة ناتجها القومي بحلول 2025 و2030. 

إعداد: الباحث (الصورة رقم 1)

إعداد: الباحث (الصورة رقم 2)

وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد المشروعات الصناعية في مصر 31.728 مشروعًا في عام 2023. وتشمل هذه المشروعات المصانع والورش ووحدات الإنتاج الصغيرة والمتوسطة. وتهدف الحكومة المصرية إلى زيادة عدد المشروعات الصناعية في مصر، وذلك من خلال تنفيذ مجموعة من السياسات الاقتصادية، مثل:

● تشجيع الاستثمارات الصناعية المحلية والأجنبية، واقتحام مجالات تصنيع جديدة تخدم الأهداف الاستراتيجية مثل صناعة البطاريات والألواح الشمسية.

● توفير التمويل اللازم للمشروعات الصناعية.

● تطوير البنية التحتية الصناعية، على سبيل المثال: المناطق الصناعية، والمحطات الوسيطة الثابتة والمتحركة. 

في إطار هذه الجهود، شهد القطاع الصناعي المصري نموًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية، حيث ارتفعت مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من 18% في عام 2010 إلى 31% في عام 2023. وارتفعت الصادرات الصناعية المصرية من 12 مليار دولار في عام 2010 إلى 30 مليار دولار في عام 2023.

تستهدف الحكومة المصرية أن تصبح مصر دولة صناعية رائدة في المنطقة بحلول عام 2025، وذلك من خلال تحقيق مجموعة من الأهداف، منها:

● زيادة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 40%.

● رفع صادرات القطاع الصناعي إلى 50 مليار دولار.

● زيادة عدد المنشآت الصناعية إلى 100 ألف منشأة.

● توفير مليون فرصة عمل في القطاع الصناعي.

تُعد هذه الأهداف طموحة، ولكنها قابلة للتحقيق من خلال استمرار الحكومة المصرية في تنفيذ سياساتها وإجراءاتها الداعمة للقطاع الصناعي.

ثانيًا: خلق الكادر في مصر

تمثل سياسة خلق الكادر المهني الصناعي في مصر أحد أهم التطبيقات الرائدة في طريق تحول مصر إلى دولة صناعية، إلا أنها ما زالت تخطو خطوات صغيرة ولكنها متسارعة. تنقسم هذه السياسة إلى محورين متوازيين، هما: (1) مراكز التدريب. (2) المدارس الفنية الصناعية.

تُعد مراكز تدريب عمال المصانع في مصر من أهم العوامل التي تسهم في تطوير المهارات المهنية للعمال، ورفع كفاءتهم الإنتاجية، وتعزيز تنافسية المصانع المصرية في الأسواق العالمية. وتوفر مراكز تدريب عمال المصانع مجموعة واسعة من البرامج التدريبية، التي تلبي احتياجات مختلف القطاعات الصناعية في مصر. وتشمل هذه البرامج التدريبية على:

● التدريب على المهارات الأساسية: مثل التدريب على السلامة والصحة المهنية، والتدريب على استخدام المعدات والآلات الصناعية.

● التدريب على المهارات الفنية: مثل التدريب على تصنيع المنتجات المختلفة، والتدريب على تشغيل الآلات والمعدات الحديثة.

● التدريب على المهارات الإدارية: مثل التدريب على إدارة الوقت، والتدريب على إدارة الفريق.

وتهدف مراكز تدريب عمال المصانع في مصر إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، منها:

● توفير العمالة الماهرة اللازمة للقطاع الصناعي المصري.

● رفع كفاءة العمالة المصرية، وتعزيز تنافسيتها في الأسواق العالمية.

● تقليل معدلات البطالة في مصر.

وهناك العديد من الجهات الحكومية والخاصة التي تعمل على إنشاء وتشغيل مراكز تدريب عمال المصانع في مصر، ومن أهم هذه الجهات:

وزارة العمل: وهي الجهة الحكومية المسؤولة عن توفير العمالة الماهرة في مصر.

الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة: وهي الجهة الحكومية المسؤولة عن جذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر.

اتحاد الصناعات المصرية: وهو الاتحاد الذي يضم جميع الصناعات المصرية.

شركات القطاع الخاص: حيث تقوم بعض الشركات الصناعية بإنشاء مراكز تدريب خاصة بها لتدريب العمال على استخدام تقنياتها ومنتجاتها.

وتُعد مراكز تدريب عمال المصانع في مصر من أهم العوامل التي تسهم في تطوير القطاع الصناعي المصري، وتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

أما فيما يتعلق بعدد مراكز التدريب، فوفقًا لبيانات وزارة العمل، بلغ عدد مراكز تدريب عمال المصانع في مصر 1100 مركز في عام 2023. وتشمل هذه المراكز مراكز تدريب حكومية ومراكز تدريب خاصة.

وبلغ عدد مراكز التدريب الحكومية 500 مركز، وهي مملوكة ومدارة من قبل وزارة العمل، وتقدم هذه المراكز مجموعة واسعة من البرامج التدريبية التي تلبي احتياجات مختلف القطاعات الصناعية في مصر.

وبلغ عدد مراكز التدريب الخاصة 600 مركز، وهي مملوكة ومدارة من قبل شركات القطاع الخاص أو من قبل أفراد. وتقدم هذه المراكز مجموعة متنوعة من البرامج التدريبية التي تركز على احتياجات الشركات الصناعية التي تمتلكها أو تديرها.

إعداد: الباحث (الصورة رقم 3)

وتهدف وزارة العمل إلى زيادة عدد مراكز تدريب عمال المصانع في مصر، وذلك من خلال تقديم الدعم المالي واللوجستي للجهات التي ترغب في إنشاء مراكز تدريب جديدة. وتسعى الوزارة إلى زيادة عدد مراكز التدريب الحكومية إلى 1000 مركز بحلول عام 2025.

إعداد: الباحث (الصورة رقم 4)

توضح الصورة أن مجال الزراعة حقّق فائض عمالة ضئيلًا للغاية مقارنة بعدد العمال المشتغلين في الصناعات التحويلية بمقدار 27% للمزارعين، و26% للعمال المهنيين. ولكن يبقى التقدير أن عدد 6.2 ملايين عامل فقط في مصر لا يشبع احتياجات السوق المصرية، إذ بلغت نسبة العمالة في مصر 35.6% من إجمالي السكان في عام 2023، وهو ما دفع الحكومة والقطاع الخاص إلى إنشاء مراكز تدريب والتطلع لزيادة عددها في العامين القادمين. أما عمال المصانع، فهم يمثلون نسبة ضئيلة للغاية من نسبة السكان في مصر، لا تتجاوز الـ 5% من نسبة السكان، وذلك وفقًا لبيانات مركز التعبئة والاحصاء لعام 2023، موضحة كالتالي:

إعداد: الباحث (الصورة رقم 5)

يمثل عمال مصانع القطاع العام 19% فقط من مجموع العمالة المهنية في مصر بمجموع مليون و200 ألف عامل، أما مجال القطاع الخاص فهم 5 ملايين عامل.

وفيما يلي بعض المراكز التدريبية البارزة لعمال المصانع في مصر:

مركز التدريب العمالي التابع لوزارة العمل: يقع هذا المركز في القاهرة، ويقدم مجموعة واسعة من البرامج التدريبية التي تلبي احتياجات مختلف القطاعات الصناعية في مصر.

مركز التدريب العمالي التابع للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة: يقع هذا المركز في القاهرة، ويقدم مجموعة من البرامج التدريبية التي تركز على احتياجات الشركات الصناعية التي ترغب في الاستثمار في مصر.

مركز التدريب العمالي التابع لاتحاد الصناعات المصرية: يقع هذا المركز في القاهرة، ويقدم مجموعة من البرامج التدريبية التي تلبي احتياجات مختلف الصناعات المصرية.

أما فيما يتعلق بالمدارس الصناعية، فهي تحتل المرتبة الأولى في قائمة المدارس الفنية في مصر، فوفق بيانات وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني بلغ عدد المدارس الفنية في مصر 6,138 مدرسة في عام 2023. وتشمل هذه المدارس: الصناعية، والتجارية، والفندقية، والزراعية، والصحية.

إعداد الباحث (الصورة رقم 6)

ختاما، يمكن القول إن من أحد أهم العوامل التي أثرت بالسلب على خريطة مصر الصناعية في العقود الماضية كان الكادر المهني ومدى كفاءته الفنية والمهنية، وعليه تسعى مصر لخلق كوادر مهنية وصناعية متقدمة كمًا ونوعًا من خلال مراكز التدريب والتأهيل التي تطمح للوصول بعددها إلى 2100 مركز بحلول عام 2025، ثم اعتمدت أيضًا على إنشاء المدارس الفنية التي كان للمدارس الصناعية النصيب الأكبر منها.

+ posts

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

شادي محسن

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى