مصر

سكك حديد مصر مسيرة 10 سنوات من التطوير

حرصت الدولة المصرية بعد نجاح ثورة الثلاثين من يونيو المجيدة، على إحداث نقلة نوعية بمختلف القطاعات الخدمية للمواطنين والداعمة لحركة الاقتصاد الوطني، لذلك عملت على وضع خطة استراتيجية لتطوير العشرات من المرافق القومية، ومنها على سبيل المثال الشبكة القومية للطرق، وشبكة الموانئ البحرية سواء التجارية أو المتخصصة، بالإضافة إلى شبكة المطارات الجوية.

وكان لخدمات السكك الحديدية نصيب رئيس من هذه الخطة، حيث وضعت الدولة المصرية في عام 2014 خطة عَشرية لتطوير هذا المرفق الحيوي المهم الذي يقدم الخدمة لملايين المواطنين، بتكلفة إجمالية تقارب 225 مليار جنيه، وتنوعت تلك الخطة بين تطوير الوحدات المتحركة، وإعادة بناء للمحطات، وإنشاء نظم الإشارات الإلكترونية على خطوط السكك الحديدية، بالإضافة إلى تطوير الورش، وأخيرًا ترقية العنصر البشري المدير لكل ممتلكات هذا المرفق القومي الضخم. 

مرفق متداعٍ وخدمة تزداد سوءًا

عانى مرفق السكك الحديدية على مدار العقود الماضية من حالة إهمال كبيرة، أدت إلى تدهور الحالة العامة لبنيته التحتية مثل المحطات وورش الصيانة وخطوط السكك ونظم الإشارات. وكذلك أدى الإهمال إلى تدهور حالة ممتلكات المرفق من الوحدات المتحركة كالقاطرات والعربات، فعلى الرغم من امتلاك السكك الحديدية لأسطول يزيد في حجمه على 3000 عربة قطار وحوالي 820 قاطرة إلا أن 40% فقط من تلك الوحدات المتحركة كانت داخل إطار قوة العمل، في حين أن النسبة الباقية المقدرة بـ 60% كانت خارج الخدمة بسبب الأعطال، وعدم وجود إمكانات مالية وفنية لصيانتها.

ونجد من أبرز الأمثلة الدالة على ذلك مجموعة القاطرات الأمريكية من طراز ES40ACi l التي اشترتها مصر من الولايات المتحدة عام 2009م والمقدر عددها بخمس وثمانين قاطرة -أنظر الصورة التالية رقم1-، والتي لم تعمل فعليًا على السكك سوى لمدة عامين بسبب سوء صيانتها، إضافة إلى عدد من العوامل الفنية الأخرى، فيما لم تستمر القاطرات الإنجليزية من طراز EMD Class 66 المشتراة في ذات العام 2009م والمقدر عددها بأربعين قاطرة، سوى أقل من عشرة أعوام وذلك لذات الأسباب التي عطلت نظيرتها الأمريكية.

https://lh5.googleusercontent.com/t419LW1OQI3a16MM8stfqp2pzd8dvUGAyDLzJS3mfRqN9Qu_UdcDtjtc1Z-iJjMfeLXPtJINDEkGlz6KcIdbPnlMVmqApDay4UJGoSVebWDPi0l1HZxu4zD1ea7TBhO2c00c8Ts5
صورة رقم 1: قاطرة أمريكية من طراز ES40ACi l تم تكهينها بورش التبين قبل أن تتم إعادة العمل عليها في 2020.  

المصدر: الموقع الإلكتروني لجريدة أخبار اليوم

تسببت الحالة المتردية للسكك الحديدية في ضعف مستوى الخدمة المقدمة للجمهور، وهو ما انعكس بالسلب على عدد الركاب المستخدمين للمرفق بشكل سنوي – انظر شكل رقم 2 –، إذ سجلت الإحصاءات الرسمية خلال الفترة بين عامي 2000 و2015م، انخفاضًا في عدد الركاب بنسبة 66.31% ليصل إلى 235,06 مليون راكب سنويًا، فيما انخفض حجم نقل البضائع خلال نفس الفترة بنسبة 61 % ليصل في عام 2015م إلى 4.69 ملايين طن فقط – انظر الشكل التالي رقم 2 -. 

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 

* المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 

سوء الحالة الفنية لأصول وممتلكات هيئة السكك الحديدية، وأيضًا انحسار أعداد الركاب المستخدمين للمرفق عامًا بعد عام، بالإضافة إلى وجود التزامات مالية سنوية متصاعدة – انظر الشكل التالي رقم 4-، أدى إلى تراكم الديون المستحقة على هذا المرفق الحيوي، والتي قاربت في نهاية عام 2016م على 40 مليار جنيه. هذا ما دفع بالقيادة السياسية في بداية عام 2017م إلى تدشين مشروع قومي لتطوير مرفق السكك الحديدية الحيوي، لإنقاذه من خطر الانهيار جراء توالي الخسائر.

*المصدر: وزارة المالية المصرية

مشروع تطوير شامل

وضعت الحكومة المصرية منذ عام 2015، مشروعًا لتطوير مرفق السكك الحديدية قائم على أربعة محاور رئيسة يتم العمل عليها بالتوازي، الأول، محور تطوير أسطول الوحدات المتحركة، والثاني، محور البنية التحتية، والثالث، تشييد وتطوير المصانع والورش الإنتاجية وورش الصيانة، أما المحور الرابع والأخير فيتمثل في تطوير العنصر البشري العامل بالسكك الحديدية، ولقد صُمم المشروع بهذا الشكل لكي يساهم في تسريع معدلات تعافي هذا المرفق، الذي يستخدمه مئات الآلاف من المواطنين يوميًا.

أولًا: الأسطول العامل 

عقدت الحكومة المصرية مجموعة من الصفقات المحلية والدولية، بهدف إحلال الأسطول القديم والمعطل في أغلبه، بآخر جديد أو محدث كليًا، ولقد كانت أولى الخطوات في هذا الصدد حينما وضعت هيئة السكك الحديدية في عام 2014، خطة شاملة لتجديد وتطوير وتحسين 1385 عربة ركاب قديمة من الدرجة الثالثة وقطارات الضواحي بالقدرات المحلية المتوفرة للحكومة المصرية، حيث شاركت ورش السكك الحديدية في كوم أبو راضي، وأبو زعبل، والعباسية، والمنيا، بالإضافة إلى مصنع سيماف في تنفيذ هذه الخطة – انظر الصورة التالية رقم 5-، ، وهو ما ساهم بحلول منتصف عام 2022  في تأهيل قرابة 90% من إجمالي العربات المستهدفة.

C:\Users\mostafa.abdellah\AppData\Local\Microsoft\Windows\INetCache\Content.Word\20190727145457348.jpg
صورة رقم 5: نماذج من عربات الركاب المحدثة محليًا داخل مصنع سيماف

المصدر: الموقع الرسمي لجريدة أخبار اليوم 

كانت أبرز التعاقدات في هذا الصدد مع مصنع سيماف التابع للهيئة العربية للتصنيع، والذي تولى عملية تطوير وتأهيل 400 عربة ركاب من الدرجة الثالثة، بالإضافة إلى عدد آخر من عربات نقل البضائع مثل عربات الغلال وعربات القلاب، وعربات السطح المخصصة للحاويات، كما أسندت هيئة السكك الحديدية عقد تأهيل 90 عربة مكيفة من الدرجتين الأولى والثانية لورش كوم أبو راضي التابعة لها- انظر الصورة التالية رقم 6-، وقد تم الانتهاء فعليًا من تأهيل هذه العربات بالكامل ودخلت بالفعل إلى الخدمة تحت اسم قطارات “VIP”.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحفاظ على معدلات إنجاز ثابتة فيما يتعلق بملف تطوير عربات الضواحي والدرجة الثالثة، ساعد وزارة النقل على تحقيق التزامها الذي تعهدت به أمام المواطنين، ومع نهاية عام 2021 لم يعد يسير على خطوط السكك الحديدية على امتدادها من جنوب مصر إلى شمالها، سوى عربات جديدة أو مجددة كليًا. 

صورة رقم 6: نماذج من عربات الركاب وعربات القوى الكهربية المحدثة محليًا داخل ورش كوم أبو راضي.

المصدر: الموقع الرسمي لوزارة الإنتاج الحربي.

أما ثاني خطوات الحكومة فتمثلت في إبرام عددٍ من الصفقات لتوريد مئات العربات الجديدة، حيث تعاقدت الهيئة مع تحالف ترازماش هولدنج من أجل توريد 1350 عربة قطار مخصصة للركاب من الدرجة الثالثة، بقيمة إجمالية بلغت مليارًا و16 مليونًا و50 ألف يورو، وتم بالفعل توريد 770 عربة من تلك الصفقة حتى منتصف مايو الماضي وهو ما يقارب 60% من إجمالي الصفقة، وتنوعت العربات ما بين 499 عربة تهوية ذات ديناميكية – انظر الصورة التالية رقم7 – و271 عربة مكيفة. 

صورة رقم 7: نموذج من عربات الركاب ذات التهوية الديناميكية من الدرجة الثالثة. 

المصدر: الموقع الرسمي لهيئة ميناء الإسكندرية

وقامت الهيئة أيضًا بجهود متعددة على مستوى تطوير قوة الجر، حيث وقّعت صفقة مهمة مع شركة   “General Electric” لتوريد 110 قاطرات جديدة، واستلمت هيئة السكك الحديدية كافة الجرارات الجديدة المتفق عليها خلال فترة لا تزيد عن 16 شهرًا فقط وهي الفترة ما بين ديسمبر 2019 ومارس 2021، فيما بدأت الهيئة بمشروع موازٍ لإصلاح 81 قاطرة معطلة منذ 2010.

وأدت محصلة تلك المجهودات، سواء في توريد أو تطوير العربات والقاطرات، إلى إعلان الهيئة خلال العام الماضي عن دخول العشرات من القطارات الجديدة إلى خطوط السكك الحديدية، ومن المنتظر أن تتضاعف أعداد تلك القطارات الجديدة، مع استكمال التعاقد الجديد الذي وُقَع في أواخر عام 2021، والخاص بتوريد 100 جرار جديد، وتم بالفعل توريد أول وحدة منه في يناير الماضي، وينتظر أن يتم استكمال توريد باقي القطارات تباعًا.

وتوجت هيئة السكك الحديدية مجهودات تطوير الأسطول بالتعاقد مع شركة تالجو الإسبانية على 7 قطارات فاخرة – انظر الصورة التالية رقم 8-، بإجمالي 157 مليون يورو شاملة عقد الصيانة وقطع الغيار، وتمتاز هذه القطارات بتقنيات حديثة متطورة وبسرعة تشغيل عالية تصل إلى 160 كم في الساعة، بالإضافة إلى أنظمة هوائية لامتصاص الاهتزازات، مما يحقق الراحة التامة للركاب أثناء مسير القطار على  سرعات عالية، فضلًا عن توفير مقاعد وأماكن مخصصة لذوي الهمم، وكذلك وجود شاشات عرض لكل كرسي بعربات الدرجة الأولى، وشاشات مركزية بعربات الدرجة الثانية، وكذا أنظمة إنترنت WIFI، وأنظمة إنذار حريق للحفاظ على سلامة المستخدمين، ودورات مياه مزودة بأحدث التصميمات، وأخرى مخصصة لذوي الهمم، وتأمين القطار من خلال منظومة من الكاميرات مراقبة.  

صورة رقم 8: نموذج قطار تالجو من الداخل والخارج. 

المصدر: الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

ثانيًا: تطوير البنية التحتية

سعت هيئة السكك الحديدية إلى تطوير بنيتها التحتية الضخمة المتشعبة في كافة أنحاء البلاد بشكل جذري، وذلك عن طريق تطوير المحطات ونظم الإشارات وقضبان السكة، وكانت البداية في عام 2017 حينما بدأ العمل على تنفيذ مشروع ضخم لتطوير 376 محطة سكة حديد- انظر الصورة التالية رقم 9-، بقيمة تتجاوز 1.7 مليار جنيه، كما يجري حاليًا تطوير 60 محطة أخرى ضمن المرحلة الأولى بمبادرة حياة كريمة، ومن المخطط تطوير 94 محطة بالمرحلة الثانية من المبادرة، وبموازاة ذلك تم الانتهاء من التطوير الشامل لعدد 629 مزلقان من إجمالي 1120 مزلقان مخطط تطويرها على الشبكة لزيادة درجات الأمان، وسهولة الحركة على كافة الخطوط.

صورة رقم 9: نموذج لإحدى المحطات المطورة. 

المصدر: تصوير الباحث أغسطس 2022

وتبذل الحكومة المصرية مجهودات للحفاظ على المحطات ذات الطابع الأثري المميز مثل محطة الإسكندرية التي تم رفع كفاءاتها وترميمها، حيث تم الحفاظ على الطابع والطراز الأثري للمحطة تحت إشراف جهاز التنسيق الحضاري، ولجنة حماية التراث العمراني والحضري التابعة لوزارة السياحة والآثار، لتصبح المحطة بمثابة تحفة أثرية استعادت بريقها بالكامل وتحفة معمارية تزين وسط الإسكندرية – انظر الصورة التالية رقم 10-.

صورة رقم 10: محطة قطارات الإسكندرية. 

المصدر: الموقع الإلكتروني لجريدة المال 

بالإضافة إلى ما سبق يتم حاليًا الانتهاء من إنشاء محطة مركزية كبرى بمنطقة بشتيل، وهي محطة قطارات سكك حديد صعيد مصر، والتي يقع مبناها الرئيس على مساحة 31 ألف متر مربع، وتتكون من دور بدروم جراج، ودور أرضي، وعدد 2 دور متكرر، وستشتمل المحطة على 4 أرصفة لخدمة ركاب الوجه القبلي، بعدد 6 خطوط منها خطين لأسوان/ إسكندرية، وعدد خطين للمناورة لخطوط أسوان/ إسكندرية، وعدد خطين للقطارات المنتهية في المحطة، والقادمة من الوجه القبلي. 

وفيما يخص نظم الإشارات فلقد قامت الحكومة المصرية بإطلاق مشروع لتحديث نظم الإشارات على السكك الحديدية، بتحويلها من النظام الميكانيكي القديم إلى نظام إلكتروني متقدم، ويمتد المشروع على طول 989 كم من السكك، وبتكلفة تفوق المليار دولار. ويتقاسم تنفيذ المشروع ثلاث شركات عالمية، هي: سيمنس، وألستوم، وتاليس. 

وينقسم المشروع إلى مراحل متعددة، وذلك لتطوير نظم الإشارات وتحويلها من النظام الميكانيكي إلى النظام الإلكتروني لرفع مستويات السلامة والأمان، والحد من تدخل العنصر البشري، وتم بالفعل الانتهاء من تطوير خط القاهرة – الإسكندرية بطول 208 كم، والانتهاء من تجديد السكك وتطوير نظم الإشارات والمزلقانات، والمحطات وإنشاء مركز تحكم رئيس لخط القاهرة – الإسكندرية للسكة الحديد بطول 208 كم، ويشمل الخط 80 مزلقان و19 برجًا رئيسًا و15 برجًا ثانويًا – انظر الصورة التالية رقم 11-، وبانتهاء خطة التطوير تم رفع مستويات الأمان والسلامة وزيادة السرعة والطاقة الاستيعابية لعدد القطارات، ليصل عدد الركاب إلى 54 مليون راكب بدلًا من 36 مليون راكب سنويًا. 

C:\Users\mostafa.abdellah\AppData\Local\Microsoft\Windows\INetCache\Content.Word\26-4-2022_13_54_21_GomhuriaOnline_945IMG-20220426-WA0033.jpg
صورة رقم 11: نموذج لأحد أبراج الإشارات الحديثة. 

المصدر: الموقع الإلكتروني لجريدة الجمهورية

فيما بلغت نسبة التنفيذ 92% لخط بني سويف/ أسيوط بطول 205 كم وتم دخول 13 برجًا للخدمة من إجمالي 15 برجًا بطول 200 كم، أما خط أسيوط / نجع حمادي، فبلغت نسبة التنفيذ فيه 84% لخط أسيوط/ نجع حمادي بطول 181 كم، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء منه في الفترة القادمة، بدخول 11 برجًا للخدمة من إجمالي 17 برجًا بطول 110 كم. 

أما خط بنها – بورسعيد فقد بلغت نسبة التنفيذ فيه حوالي 84%، وهو بطول 214 كم، وسيتم الانتهاء منه كلية بنهاية العام الحالي، حيث تم تشغيل 7 أبراج فعليًا من إجمالي 21 برجًا بطول 75 كم، وأخيرًا خط نجع حمادي/ الأقصر بطول 118 كم، وبلغت نسبة التنفيذ فيه حوالي 13%، ومن المنتظر أن يتم الانتهاء منه في أغسطس 2024، حيث يجري العمل في 10 أبراج من إجمالي 14 برجًا.

وإلى جانب المحطات ونظم الإشارات تقوم هيئة السكك الحديدية حاليًّا بتطوير عدد من الكباري العلوية المخصصة للسكك الحديدية، ومن أبرزها تطوير كوبري إمبابة – انظر الصورة التالية رقم 12- المار أعلى نهر النيل وتم الانتهاء من أعمال تطويره في يوليو الماضي، وأيضًا تطوير كوبري الفردان وازدواجه أعلى المجرى الملاحي لقناة السويس، بالإضافة إلى عشرات من الكباري الصغيرة أعلى الترع والرياحات في وادي النيل ودلتاه. 

صورة رقم 12: صورة لكوبري إمبابة بعد صيانته وإعادة تشغيله. 

المصدر: جريدة اليوم السابع

ثالثًا: تطوير القوى العاملة 

يتمثل هذا المحور في تطوير العنصر البشري، وانقسم إلى قسمين، الأول، تدريب وترقية خبرات قوة العمل الحالية بالهيئة والتي يفوق قوامها 50.000 موظف. فمع ملاحظة انتشار عدد من السلوكيات غير المنضبطة بين هؤلاء الموظفين، سواء في التعامل مع الجمهور أو في استخدام وإدارة المعدات التي توضع تحت أيديهم من ممتلكات الهيئة، قررت إدارة السكك الحديدية تدشين مجموعة من البرامج التدريبية لكافة العاملين بالمرفق، خاصة المنوط بهم المهام الفنية كالصيانة والتشغيل اليومي، حيث تقدر نسبة تلك العمالة الفنية حاليًا بأكثر من 62% من قوة عمل الهيئة.

كذلك قررت إدارة هيئة السكك الحديدية ضخ خبرات علمية جديدة بداخل منظومة العمل بالمرفق، لكي تتماشى مع حركة التطويرات التي شهدها ملف البنية التحتية للسكك الحديدية، لذلك جرى الارتقاء بأحد معاهد الهيئة الفنية وتحويله إلى معهد تكنولوجي، تتوفر فيه مجموعة من الوسائل التدريبية الحديثة التي تضمن توفير احتياجات مرفق السكك الحديدية من الخبرات العلمية المدربة مستقبلًا، وتدرس الهيئة حاليًا إمكانية الاستعانة بخريجي المعاهد التكنولوجية، من المتخصصين في هندسة الآلات وهندسة المركبات لضمهم إلى صفوف فنيي نظم الإشارات على السكك وأيضًا سائقي القطارات، فيما ينتظر خلال الفترة القادمة أن تلتفت الهيئة إلى عملية تعيين المزيد من المتخصصين والخبراء بالمجالين الإداري واللوجيستي، وذلك لضبط إيقاع العمل بكافة قطاعات مرفق السكك الحديدية.

نجاحات ملموسة

عمليات التطوير التي تم تنفيذ جزء كبير منها حتى الآن، كان لها دور في إحداث أثر إيجابي على عدد من مؤشرات الأداء الرئيسة لسكك حديد مصر، والتي كان في مقدمتها ارتفاع قيمة الإيرادات المالية السنوية، حيث تصاعدت تلك الإيرادات في الفترة ما بين 2016-2022 بنسبة تفوق 47% -انظر الشكل التالي رقم 13-، كما ارتفع مؤشر آخر وهو المتعلق بعدد الركاب المستخدمين لخدمات السكك الحديدية سنويًا، فخلال الفترة ذاتها 2016-2022 تصاعد عدد الركاب بنسبة 20.2%، ليصل في عام 2019 إلى 296.3 مليون راكب -انظر الشكل التالي رقم 14-.

* المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

* المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

* ملحوظة: عام 2022 لم يسجل منه سوى الأشهر الإحدى عشرة الأولى فقط 

وجدير بالذكر أن هذين المؤشرين واجها حالة من التراجع المؤقت مع اندلاع جائحة كورونا خلال عام 2020م، حيث أدت الإجراءات الاحترازية التي تم اتخاذها في بداية ذلك العام لمواجهة الجائحة، إلى تراجع طلب الركاب على خدمات مرفق السكك الحديدية، لذلك لم يزد عدد الركاب في هذا العام عن 232.8 مليون راكب، وهو ما أدى بدوره إلى انخفاض الإيرادات المالية إلى 2.09 مليار جنيه مصري فقط. إلا أن العامين اللاحقين حملا معهما قدرًا كبيرًا من النجاح، حيث ارتفعت الإيرادات في عام 2022 إلى 3.6 مليارات جنيه، كذلك قفز عدد الركاب المستخدمين لخدمات السكك الحديدية إلى 342.5 مليون مستخدم. 

وكذلك واجه نقل البضائع باستخدام خدمات السكك الحديدية حالة من الركود في عملية نموه خلال الفترة من 2015 إلى 2020، حيث لم يتجاوز المتوسط السنوي لحجم البضائع المنقولة بالقطارات خلال الأعوام 2015م-2020 أكثر 4.43 مليون طن -انظر الشكل التالي رقم 15-، لكن هيئة السكك الحديد سعت إلى إقرار خطة لتعديل ذلك الوضع، من خلال التعاقد على أساطيل جديدة من عربات نقل البضائع، وهي من فئات عربات الغلال وعربات السطح، وعربات القلاب وغيرها، حيث تستهدف الهيئة خلال السنوات القادمة الارتقاء بحجم المنقول السنوي من البضائع عبر خدمات السكك الحديدية إلى 25 مليون طن. 

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

ختامًا، يمكننا الإيجاز بأن الدولة المصرية بذلت مجهودات غير مسبوقة، بهدف الارتقاء بمنظومة السكك الحديدية، وذلك للمساهمة في تدعيم جودة الحياة المتوفرة للمواطنين بالإضافة إلى توفير وسائل نقل مريحة، كذلك سعت من خلال هذا المرفق المهم الذي يربط البلاد من شمالها إلى جنوبها، إلى توفير ممر لوجيستي مفيد لكل القطاعات الإنتاجية سواء الصناعية أو الزراعية أو الخدمية، ولا تقف حدود تطوير مرفق السكك الحديدية عند هذا الحد، فالخطط القادمة لتطوير حال المرفق يتوقع لها أن تكون أعظم وأكبر، وهو ما يتواكب مع تنامي حجم تعداد السكان، وتزايد متطلباتهم العامة ومن أبرزها خدمات النقل.        

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

مصطفى عبد اللاه

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى