
افتتاح مجمع مصانع الأسمدة الأزوتية بالعين السخنة.. تكامل الخطوات لتحقيق التنمية الزراعية
توفير الأسمدة عنصر أساسي في تحقيق التنمية الزراعية والأمن الغذائي المصري، ومن أهم مرتكزات استصلاح أراضي جديدة، والتي أولت بها الدولة اهتمامًا خاصًا خلال السنوات الأخيرة، بل أصبح لها اهتمام مضاعف على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية وجائحة كورونا وارتفاع معدلات التضخم واضطراب سلاسل الإمداد، والتي أثرت على توافر وأسعار الغذاء بالعالم أجمع؛ نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة ومستلزمات الإنتاج خاصة الأسمدة، وارتفاع أسعار الشحن. فأصبح الاعتماد على الإنتاج المحلي أمرًا ملحًا لا يمكن الاستغناء عنه. فلم تعد الفجوة الغذائية مجرد مشكلة اقتصادية بل أصبحت قضية تتعلق بالأمن القومي والإقليمي، فتحول الغذاء من مجرد سلع إلى سلاح تستخدمه الدول المنتجة والمصدرة بأغراض سياسية للضغط على الدول المستوردة لتحقيق أهداف سياسية.
وقد تبنت الدولة خلال الثماني سنوات الماضية خطة استراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي وتوفير المحاصيل الاستراتيجية محليًا وتعزيز إنتاجية الفدان من المحاصيل المختلفة، كذلك تعزيز القدرات التخزينية للدولة، وهو ما تطلب السير بعدة محاور متوازية، مثل: زيادة الرقعة الزراعية، وتحسين أساليب الري الزراعي وتوفير المياه، وتوفير مدخلات الإنتاج؛ بهدف توفير أنظمة زراعية وغذائية مستدامة. فتحقيق الأمن الغذائي يتطلب القدرة على الإنتاج والتخزين والتوزيع والاستدامة.
وعلى مدار الثلاث سنوات الأخيرة سارعت الدولة الخطى من أجل تقليص الفجوة الغذائية، وقطعت شوطًا كبيرًا في معركة تحقيق التنمية الزراعية المستدامة، رغم التحديات التي تقوض من تحقيق الهدف كالتأثير السلبي لتغير المناخ، والفقر المائي الذي تعاني منه مصر، وانخفاض كمية المياه المتاحة للري نظرًا لزيادة الضغط على المياه المستخدمة للأغراض المنزلية نتيجة الزيادة السكانية المطردة، ومحدودية الأراضي المتاحة للزراعة، خاصة بعد التعدي على آلاف الافدنة في أعقاب ثورة يناير، وانتشار ظاهرة التفتت الحيازي، وارتفاع تكلفة استصلاح أراضي جديدة. فتم تنفيذ مشروعات وإجراءات استباقية أسهمت في توفير الأمن الغذائي وعبور أزمة جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية بأقل الخسائر الممكنة، في وقت فرضت فيه بعض الدول قيودًا على استهلاك وتداول السلع الغذائية.
ومن أهم المحاور التي ارتكزت عليها خطة التنمية الزراعية المستدامة، التوسع الافقي في الأراضي الجديدة لزيادة المساحة الزراعية، والتي تستهدف زيادة الرقعة الزراعية بأكثر من 3 ملايين فدان، من خلال عدد من المشروعات القومية كمشروعات (الدلتا الجديدة، تنمية شمال ووسط سيناء، تنمية جنوب الوادي «توشكى الخير»، تنمية الريف المصري الجديد)، والتوسع الرأسي بزيادة إنتاجية المحاصيل الاستراتيجية من خلال استنباط أصناف وهجن متميزة ذات انتاجية عالية ومبكرة النضج وقليلة الاحتياج المائي، والتوسع في استخدام الأصناف التي تتكيف مع التغيرات المناخية، بالإضافة إلى تطوير الممارسات الزراعية المتبعة والاعتماد على الخريطة الصنفية للمحاصيل الاستراتيجية.
واتجهت الدولة كذلك نحو مشروعات تنويع مصادر المياه، عبر المعالجة الثلاثية لمياه الصرف الزراعي وتحلية مياه البحر، مع الاتجاه إلى الاستغلال الأمثل للمياه الجوفية بإقامة محطات معالجة مياه الصرف الزراعي العملاقة مثل: محطة المحسمة، ومحطة معالجة مياه مصرف بحر البقر، وجارٍ الانتهاء من تنفيذ محطة الحمام، والتي تستهدف خدمة مشروع الدلتا الجديدة العملاق بأكثر من 7.5 ملايين م3 / يوم.
وتبنت الدولة كذلك مجموعة من السياسات والإجراءات لتدعيم السياسات والنتائج سالفة الذكر، كتفعيل منظومة الزراعة التعاقدية من خلال الإعلان عن أسعار ضمان للمحاصيل الاستراتيجية وفي وقت مبكر قبل الزراعة، وعلى أن يكون الاستلام بالأسعار المتداولة وقت التسليم بما يحفز المزارع والفلاح للتوسع في زراعة هذه المحاصيل، فضلًا عن كونها إحدى أهم الآليات لكسر حلقات الاحتكار وتصحيح مسار العملية التسويقية، وتأمين عائد مجزٍ للمزارع وتشجيعه على التوسع في زراعة المحاصيل الاستراتيجية.
فضلًا عن التوسع في السعات التخزينية لزيادة القدرة على بناء مخزون من السلع الاستراتيجية، وفق المشروع القومي للصوامع، حيث زادت السعة التخزينية لوزارة الزراعة من 1.2 مليون طن في 2014 إلى 3.4 ملايين طن، بالإضافة إلى السعات في الجهات الأخرى؛ لتصل الطاقة التخزينية الى 5.5 مليون طن. وتم تعزيز التعاون بين الدولة والمجتمع المدني من خلال مبادرة “ازرع” والتي تستهدف زراعة 150 ألف فدان قمح لدى صغار المزارعين، وتوسعت وزارة الزراعة في زراعة الحقول الإرشادية والمدارس الحقلية والتي وصل عددها إلى 7000 حقل إرشادي.
وعلى إثر الازمة الروسية الأوكرانية، كان الأمن الغذائي محل تهديد بعدد من الدول ليس فقط لأن دولتي الصراع من أكبر منتجي ومصدري القمح والحبوب بالعالم، لكن لأن روسيا تعدًا موردًا أساسيًا للبوتاس والأمونيا واليوريا ومغذيات أخرى للتربة -المكونات الرئيسة في عدد من الأسمدة- مما هدد بانخفاض إنتاجية الأراضي الزراعية حول العالم، ناهيك عن ارتفاع أسعار الغذاء، وخاصة المحاصيل الأساسية كالذرة وفول الصويا والأرز والقمح< نتيجة انخفاض المعروض من السلع الغذائية، أو ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج وأهمها سعر السماد.
وساعدنا على عبور هذه الأزمة أنه في الوقت الذي اتجهت فيه دول العالم إلى تقليل طاقتها الإنتاجية بسبب أزمة الطاقة وغيرها في وقت تزايد فيه الطلب على الأسمدة لتدعيم ملف الزراعة بدول العالم المختلفة، مع توقعات مراقبين بأن عام 2023 مرشح لاستمرار أزمة الأسمدة، وانخفاض الإنتاج العالمي من الذرة والأرز وفول الصويا والقمح إثر الأزمة؛ كانت مصر تسير بخطى ثابتة بخطتها لدعم الصناعات الاستراتيجية ومن ضمنها دعم صناعة الأسمدة؛ كمحدد أساسي لتحقيق أهداف التنمية الزراعية المستدامة المصرية وتقليل الفاتورة الاستيرادية وتحقيق فائض يسمح بتصديره للخارج.
مصانع الأسمدة
اتجهت مصر خلال السنوات الأخيرة لتعظيم القيمة المضافة للموارد الطبيعية المتاحة، والتحوط من التقلبات العالمية والتأمين ضد مخاطر الأسعار، خاصة أن الطلب على الأسمدة هو طلب متزايد نتيجة تزايد الطلب على الغذاء؛ لذا كان توفير وصناعة الأسمدة من أهم المحددات الرئيسة للتوسع في استصلاح الأراضي مع تعظيم الإنتاجية الزراعية، والحفاظ على خصوبة التربة، وتدعيم قدرة النباتات على مواجهة الظروف المعاكسة للتغيرات المناخية. لذا اتجهت الدولة لتنمية صناعة الأسمدة، خاصة المعدنية.
وتم يوم 15 مارس 2023 افتتاح مجمع مصانع الأسمدة الأزوتية بالعين السخنة، ويتكون من 6 مصانع لإنتاج السماد الأزوتي اللازم لتحقيق استراتيجية مصر 2030 فيما يخص تحقيق الأمن الغذائي وزيادة الرقعة الزراعية بالدولة. كانت إشارة التوجيه ببناء مصنع الأسمدة في مايو 2019، لتنفرد شركة النصر للكيماويات الوسيطة بقدرتها على إنتاج الأنواع المختلفة من الأسمدة الزراعية (الفوسفاتية – الأزوتية – البوتاسية)، لتسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه الأسمدة، وتصدير الفائض. حيث ارتفع إنتاج الشركة إلى مليون و740 ألف طن من الأسمدة المختلفة مقارنة بـ 220 ألف طن منذ ثمانية أعوام. وتم تصدير الفائض إلى 56 دولة في حين كان عدد الدول المستوردة 40 دولة فقط فيما قبل، مما يؤكد على جودة واعتمادية الأسمدة المصرية.
ويتكون مجمع المصانع الأزوتية من 6 مصانع، هي: مصنع الأمونيا السائلة بطاقة إنتاجية 1200 طن/يوم، وهي الخامة الرئيسة لتشغيل كافة أجزاء المجمع (46% لمصنع اليوريا السائلة، 12% مصنع نترات الأمونيا، 11% مصنع حامض النيتريك) بالإضافة إلى استخدامها لتشغيل مصنع سماد الداب المحبب بمجمع الأسمدة الفوسفاتية (بنسبة 31%). ومصنع لإنتاج اليوريا السائلة بطاقة 900 طن/يوم، ومصنع إنتاج سماد اليوريا المحببة بطاقة 900 طن/يوم، ومصنع إنتاج حامض النيتريك بطاقة 500 طن/يوم، ومصنع إنتاج نترات النشادر السائلة بطاقة 650 طن/يوم، ومصنع إنتاج نترات النشادر الجيرية بطاقة 900 طن/يوم وهو يعد من أنسب الأسمدة النيتروجينية التي تتواكب مع استخدام أنظمة الري الحديثة.
وتم بناء المصنع على مساحة 285 فدانًا، من خلال تحالف شركة تسن كروب الألمانية بالتعاون مع عدد الشركات المصرية كشركتي إنبي وبتروجيت، وقد وفر المشروع حوالي 20 ألف فرصة عمل خلال مراحل الإنشاء، ومن المتوقع أن يوفر 1000 فرصة عمل مباشرة، و6000 فرصة عمل غير مباشرة خلال مراحل التشغيل والإنتاج.
ويراعي المصنع ترشيد الطاقة والتوافق البيئي؛ فيتم استغلال فائض البخار من مصانع حامض الكبريتيك لخفض استهلاك الغاز الطبيعي بمعدل خفض 15% من إجمالي البصمة الكربونية، ويحقق خفضًا بالطاقة الكهربية المستهلكة حوالي 13% مقارنة بالمصانع المثيلة، وتم تطوير محطة معالجة الصرف الصناعي، وزيادة كفاءة أبراج التبريد لخفض استهلاك المياه بما يعادل 7000 متر مكعب/يوم.
مجمع الأسمدة الأزوتية لم يكن الوحيد في حلم تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأسمدة، بل سبقه إنشاء مجمع الأسمدة الفوسفاتية والمركبة بالعين السخنة، ويضم تسعة مصانع على مساحة ٤٠٠ فدان، هدفها تعظيم القيمة المضافة من الفوسفات المصري. وتم إنشاؤه في ٣ سنوات ويوفر ١٥٠٠ فرصة عمل مباشرة و٢٠ ألف فرصة عمل غير مباشرة.
وتماشيًا مع ذلك ولضمان الاستخدام الامثل للأسمدة وترشيدها وتلافي أي مخاطر تنشأ عن ذلك، فقد قامت وزارة الزراعة بإنشاء قاعدة بيانات لخصوبة التربة على مستوى الجمهورية؛ لتحديد خصائصها وعناصرها المختلفة تمهيدًا لإعادة تقدير المقررات السمادية طبقًا لنتائج تحليل التربة ومدى توفر المغذيات النباتية بها وربطها بالتراكيب المحصولية.
ويظهر حجم الإنتاج من الأسمدة المعدنية بأنواعها المختلفة مقدرة الدولة المصرية على تلبية احتياجاتها المحلية منها، مع توافر فوائض للتصدير من الأسمدة الأزوتية والفوسفاتية ، الأمر الذي يتيح تعظيم موارد الدولة من النقد الأجنبي في ظل تزايد الطلب عالمياً عليها.
ومازالت الدولة توفر الأسمدة المدعومة لصغار المزارعين والفلاحين، لزيادة مقدرتهم على مواجهة الظروف العالمية الراهنة وتدعيم قدراتهم الإنتاجية رغم ارتفاع أسعار الأسمدة عالميًا، فبلغ إجمالي قيمة الدعم المقدم لهم خلال الثلاث سنوات الماضية أكثر من 75 مليار جنيه (حوالي 3 مليون طن سنويًا).
كذلك قامت وزارة الزراعة بعمل منظومة للرقابة على تداول الأسمدة المدعومة، في إطار التحول الرقمي والاستفادة من منظومة كارت الفلاح وذلك بالتنسيق مع شركة E-Finance، حيث تم تطبيق التجربة ومن المتوقع أن يكون لها دور رقابي كبير مع ضمان وصول الدعم لمستحقيه من صغار المزارعين.
باحث أول بالمرصد المصري