ليبيا

تشكل الإرادة الدولية من القاهرة.. اللجنة العسكرية المشتركة ومقاربة إنهاء أزمة المرتزقة في ليبيا

فيما أقر مجلس النواب خلال جلسته المنعقدة في بنغازي التعديل الدستوري الثالث عشر، اختتم أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 اجتماعاتهم في القاهرة برعاية السيد عبد الله باثيلي الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، بغية تفعيل لجان التواصل المتفق عليها خلال اجتماعات القاهرة التي جرت في شهر نوفمبر عام 2021، وذلك في إطار جهود الاستعداد لإخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة، بحضور ممثلين عن دول جوار ليبيا السودان وتشاد والنيجر.

جملة التصريحات التي صدرت مع انتهاء اجتماعات اللجنة العسكرية الليبية 5+5 برعاية الأمم المتحدة في القاهرة، تشي بيقين نحو اكتمال الإرادة الدولية على إنهاء حالة الحضور الميداني للقوات الأجنبية على الأراضي الليبية، حيث أعرب المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا في البيان الختامي لاجتماعات اللجنة العسكرية الليبية بالقاهرة، عن التوصل إلى إنشاء مكتب خاص للتنسيق والمتابعة بشأن خروج قوات المرتزقة من ليبيا، والإعلان عن التوصل خلال الاجتماعات عن آلية لتنفيذ خروج المرتزقة، بينما أكد على أهمية الإسراع في تنفيذ هذه الآلية ثم الالتزام بخريطة زمنية محددة لتطبيقها ميدانيًا، ومتابعة ذلك بشكل مستمر ومدى تماهي ذلك مع الأوضاع في ليبيا وضرورته للمنطقة بكاملها.

واتسقت تصريحات المبعوث الأممي مع تصريحات الوفود المشاركة، إذ أكد رئيس الوفد السوداني المشارك في الاجتماعات، الدعم الكامل بالمعلومات والتحليلات اللازمة لإنجاز الآلية المتفق عليها والتي تم التوصل إليها، وكذا توافق على ذات التصريحات رئيس وفد النيجر المشارك في الاجتماعات، حيث شدد الأخير على أهمية استكمال ما تم الاتفاق عليه وتحقيق ما تم التوافق على مضمونه ميدانيًا.

اليقين أن المسار الأمني الذي يتمثل في بسط إرادة الدولة على انتشار السلاح، ودمج كافة الكتائب والميلشيات داخل “هيئة القوات المسلحة الوطنية” وإخراج القوات الأجنبية، يمثل مرتكز مهم وعتبة ضرورية للمضي نحو البيئة اللازمة لتنفيذ الاستحقاق الانتخابي، ويبدو ذلك واقعيًا مع تفحص بيان سفارة الولايات المتحدة الأمريكية لدى ليبيا، حيث أشارت في بيانها إلى ترحيب الولايات المتحدة بهذه المبادرة، ودعمها لدعوات الممثل الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا عبد الله باثيلي لسحب المقاتلين والمرتزقة الأجانب من ليبيا. ووفق البيان، فإن وجودهم المزعزع للاستقرار يقوض الأمن ويؤجج انعدام الاستقرار الإقليمي.

ثمة تحركات ضاغطة لا تغفلها البصيرة نحو عدم السماح لأي أزمات أو تأخير للإجراءات من شأنه أن يعرقل المسار السياسي والدستوري، الأمر الذي يهيئ لعقد الانتخابات التشريعية والرئاسية بالتزامن وخلال أفق منظور. نحو ذلك يمكن قراءة السياق الذي أقر فيه مجلس النواب في السابع من شهر فبراير الجاري التعديل الدستوري الثالث عشر بإجماع النواب الحاضرين، ويتعلق التعديل بتحديد سلطات الدولة ورئيس الوزراء وبنية السلطة التشريعية واختصاصاتها، الأمر الذي يمكن النظر إليه من زاوية أن مجلس النواب سعى لإنهاء مسؤولياته التشريعية، ويتمم دوره في هذا الشأن بإقرار التعديل في عديد الجوانب المتعلقة برئيس الدولة وصلاحياته وعلاقاته بالحكومة، وكذا الأجسام التشريعية وأدوارها وطريقة اختيار أعضائها.

وقد يبدو من المنطقي، تصور أن التعديل الدستوري جاء ليعبر عن التفاهمات التي جرت بين السيد عقيلة صالح رئيس مجلس النواب والسيد خالد المشري رئيس المجلس الاستشاري للدولة واللجان المشتركة المنبثقة عن المجلسين خلال اللقاءات التي جرت فيما بينهما. ولا يمكن بأي حال تصور أن تصدر ردود فعل غير مرحبة بذلك من رئيس المجلس خالد المشري، فضلًا عن كون الأخير سيمضي حاسمًا كافة البنود المدرجة على جدول أعماله، إذ أضحت المسؤولية بين يديه خاصة مع إقرار البرلمان التعديل الثالث عشر.

القاهرة التي طالما حرصت على أن يأتي الحل في ليبيا من خلال أبنائها، دون تغول أي طرف أو قوة أو العمل على تأويل الوضع السياسي في البلاد، وفقًا لمصالح البعض سواء بعض الأطراف الخارجية الفاعلة أو في الداخل عبر سياسة فرض الأمر الواقع، تدرك تمامًا جملة التحديات التي تجابه الأزمة في ليبيا سواء عبر الوضع السياسي والدستوري، وكذا ميدانيًا من خلال انتشار السلاح والكتائب خارج قبضة الدولة. فيبدو واضحًا للجميع اندلاع الاشتباكات المسلحة غير مرة سواء في العاصمة طرابلس أو بعض المدن الأخرى في الغرب، خاصة مدينة الزاوية غرب طرابلس، خاصة وأن تداخل ملف المرتزقة والقوات الأجنبية في ليبيا مع الوضع السياسي وتعقيداته، أمر شائك ومركب خاصة مع حضور حكومتين لا يملك أي منهما فرض إرادته على كامل التراب الليبي، وبالتالي فإن الوصول إلى صيغة تنفيذية لسلطة موحدة تملك العمل على إرجاء الدولة، سيعمل على تفتيت ورقة القوات الأجنبية ويعبث بآليات استخدامها إقليميًا ودوليًا.

ربما فهم ذلك قد يبدو يسيرًا مع قراءة السياق الذي تظهر من خلاله القوات التركية داخل قواعد عسكرية في الغرب الليبي، وكيف أن ذلك يرتبط عضويًا بالعلاقات الوظيفية مع حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية ورئيسها عبد الحميد الدبيية على تخوم أزمة الانسداد السياسي، ثم تحركات أنقرة في صد محاولة رئيس الحكومة المكلف فتحي باشاغا دخول العاصمة طرابلس، ويبدو من اليقين أن ترميم الأزمة في ليبيا وتجاوزها على النحو الذي يفضي نحو آليات الاستقرار، لن يضحى أمر يسير دون التشبث بالإرادة اللازمة لذلك وتفعيل كافة درجات الضغط اللازمة على كافة القوى المتداخلة في ليبيا، خاصة في الملف الخاص بالقوات الأجنبية والمرتزقة حيث إن الأمر أمسى عابرًا للدول وورقة وظيفية تمارس دورًا سياسيًا فاعلًا.

وهكذا، تتداخل كافة العوامل والعناصر لتغذية خلايا الأزمة وتعمل على تعقيدها. وبالتالي من الصعوبة إدراك بلوغ الحل في محور دون الآخر أو الوصول إلى درجة معقولة في ترتيبات تجاوزه. ويمثل ذلك مسار الحل وآفاق تحدياته في آن واحد نظرًا لتشابك الفاعلين وأهدافهم داخل الأزمة وتناقض تحركاتهم وآلياتها، مما دفع الوضع إلى هذا الانحدار طيلة السنوات الأخيرة، وخشية الجميع أن تندلع مرة أخرى الأعمال العسكرية المسلحة على ساحل البحر المتوسط، وما وراء ذلك من تداعيات وخيمة على السلم والاستقرار الإقليمي والدولي. 

إلى ذلك، قد يضحى اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة في القاهرة برعاية أممية مختلفًا عن أي لقاء آخر، وذلك تماشيًا مع تطور الأحداث ميدانيًا على مسرح الأحداث في أوكرانيا، وضرورة تقليم حضور قوات فاجنر الروسية في تخوم أفريقيا وما تمثله ليبيا من منطقة استراتيجية، فضلًا عن ضرورة الحفاظ على وضعية الطاقة وما تملكه ليبيا من قدرات في هذا الشأن، وارتباط ذلك بوضعية الاستقرار في البلاد؛ إذ إنه وتبعًا لذلك ثمة إرادة أن تعرف تلك النقطة الساخنة في شرق المتوسط الاستقرار، سيما وأن القوى الدولية الكبرى تمارس ما تملك من آليات على كافة الفاعلين المحليين لضبط إيقاع الجميع بحسب اللحن المميز للاستحقاق الانتخابي.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى