دول الخليج العربيمصر

محيط جغرافي مشترك.. ديناميات العلاقة بين مصر ودول الخليج

يمثل التعاون المصري الخليجي نمطًا لافتًا في العلاقات السياسية بين الدول، مما يعكس الدور الفاعل الذي تمارسه كل من القاهرة والدول الخليجية في محيطها الإقليمي والدولي. ويبرز كاستجابة منطقية لكافة التحولات الجيوسياسية التي تعصف بالنظام الدولي والإقليمي، وكذا يأتي تماهيًا مع الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها الدولة المصرية على عدة مستويات، سواء ما يتعلق بالجغرافيا السياسية أو ديناميات العمل السياسي التي عرفتها مصر في تاريخها الطويل، ثم ثقل الدور المنوط بها في كافة التفاعلات الخارجية في منطقتها الحيوية. وعلى الجانب الآخر، تتمتع دول الخليج بموقع استراتيجي متميز، وتطور هائل في اقتصادياتها استنادًا إلى القيمة المضافة التي حازتها نتيجة التطور في أسعار الطاقة.

أدى هذا إلى أهمية صياغة مقاربة ورؤى استراتيجية فاعلة بين مصر من جهة ودول الخليج العربي من جهة أخرى. وكان ذلك ماثلًا عبر العقود الماضية بوتيرة منتظمة عبر العديد من المستويات، سواء على الجانب السياسي، أو الجانب الاقتصادي. واتسمت، من خلال ذلك، بالنمو والتفاعل على كافة الأصعدة. وجاءت خلال السنوات الأخيرة متماشية مع كافة المتغيرات التي طرأت على المنطقة، والسيولة التي صاحبت أحداث عام 2011، وتداعي بعض الأنظمة سواء في اليمن أو العراق وليبيا، وما ترتب على ذلك من انخراط القوى غير العربية واشتباكها مع تلك الأوضاع. الأمر الذي فرض جملة من التحديات على واقع الشرق الأوسط.

فالمتتبع لحال الواقع الإقليمي يدرك أن الأفق المنظور يحمل درجة أو أخرى من ضرورة العمل العربي المشترك، خاصة فيما بين القاهرة ودول الخليج العربي؛ لصياغة قواعد الحركة وتوجهاتها، حيث يحقق ذلك مستهدفات رئيسة تبتغي الاستقرار الإقليمي الذي يسمح بانطلاق كافة عمليات النمو واستغلال موارد المنطقة، وإمكاناتها الاستراتيجية واللوجستية في حركة البضائع نحو كافة دول العالم، مما دفع هدف تصفير المشاكل وإعادة ضبط نسق العلاقات مع كافة القوى في المنطقة كخيار استراتيجي ينبغي العمل على تحقيقه والحفاظ على ثبات أدائه.

بدت القاهرة ودول الخليج العربي خاصة فيما يرتبط بعلاقاتها مع الرياض وأبوظبي مراكز قوى فاعلة في جغرافيا الشرق الأوسط، لا سيّما مع حالة السيولة التي اتسمت بها المنطقة خلال العقد الفائت وما طرأ من إعادة في تشكيل ملامح العلاقات والتفاعلات بين الدول العربية وتركيا وإيران، مما أحدث تغيرات بنيوية في المعادلة السياسية التي تحكم منسوب وعمق التحالفات فيما بين الدول. الأمر الذي ينبغي النظر فيه صوب نمو تلك العلاقات وتماثل الرؤى البينية بقدر منضبط يسمح بتأثيرات إيجابية في ضبط إيقاع النظام الإقليمي، والمرور بأمان نحو التحولات الهيكلية في الأنساق الاقليمية والدولية.

كان التطور الإيجابي في منحى علاقات المملكة العربية السعودية مع تركيا وإيران، لا سيما مع الاتفاق الأخير الذي عقدته الرياض مع طهران برعاية الصين، وكذا أبو ظبي مع أنقرة وطهران، فضلًا عن مسار تنامي العلاقة بين القاهرة وأنقرة مما يشي بتغيرات في موازين التفاعل الإقليمية. وهي تحتم الاعتبار لفهم ديناميات الحركة وميكانيزمات التفاعل الضرورية فيما بين الدول العربية كافة، خاصة المرتبطة بحدود التفاعلات ونمط التحالفات فيما بين القاهرة ودول الخليج لاعتبارات الخارطة السياسية التي ستتمخض عن المنطقة خلال السنوات القادمة.

إن إعادة الاعتبار لمفهوم الواقعية السياسية يستوجب ضرورة التقدير المنطقي لكافة محددات الصراع والتنافس التي تجتذب الواقع الإقليمي، ونسقه الأمني، خاصة من خلال القوى الشرق الأوسطية غير العربية التي تحركت خلال السنوات الأخيرة على تخوم السيولة السياسية التي عرفتها مناطق عديدة مؤثرة في الاعتبارات الجيوسياسية للدول العربية، الأمر الذي ينبغي أن تدرك من خلاله القوى العربية والخليجية أهمية الاقتراب الآمن من المقاربات البينية التي تحفظ مفهوم الأمن القومي، وتصون محدداته، وتعمل على تنمية الجوانب المشتركة فيما بينهم.

العلاقات المصرية الإماراتية التي احتفلت خلال العام الماضي بمرور نصف قرن تبدو نموذجًا حيويًا في رسم وصياغة صورة ذهنية للتوافق في توجهات السياسة الخارجية، مع الاحتفاظ بخصوصية كل دولة في ملفاتها الذاتية، مما سمح بتشكل آلية عمل متزنة صوب قضايا الإقليم بشكل عام وخاصة أنساقه المتعارضة. الأمر الذي يستحق معه أنها أضحت تعرف حدود التمركز، حيث أسس التعاون المتكامل وتعظيم المصالح والمنافع والتكاتف في مواجهة التحديات والأزمات. بيد أن واقع السياسة الدولية والإقليمية وما اعتراها من متغيرات وسيولة بدأ يسمح بوجود بعض التقاطعات إزاء بعض القضايا، الأمر الذي يعكس حالة المرونة التي تتسم بها طبيعة التحالفات بين الدول الفاعلة في محيط جغرافي مشترك.

ثمة ضرورة لفحص وتدبر كافة العوامل التي تسهم في تطور العلاقات الشاملة بين القاهرة من ناحية ودول الخليج العربي من ناحية أخرى، وسط كافة التحديات التي تواجه المنطقة وتعصف بمرتكزات أمنها واستقرارها من خلال بعث كافة النقاط الموضوعية المشتركة فيما بينهما، والعمل على تنمية عناصرها وتوظيفها بالشكل الذي يستجيب مع كافة التحديات، خاصة وأن جميعهم استطاعوا خلال الفترة الماضية الوصول الى عتبة مستقرة في تصفير الصراعات والأزمات؛ مرة حينما تحقق مع بيان العلا في مطلع العام 2021، ثم مع فتح أبواب الدبلوماسية مع تركيا وايران.

كافة العوامل والاعتبارات السابقة ستخلق بالضرورة حالة مختلفة من شكل العلاقات العربية العربية عمومًا أو المصرية الخليجية بشكل خاص. وستعمل على طرح رؤية توافقية فيما بين دول المنطقة حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، فضلًا عن كونها ستتحرك من خلال عديد الآليات، والتي ما زالت تنقب عن هيئتها وملامح بواعثها الراهنة. غير أن الضرورة تعكس أن ثمة حالة ممتدة ومتجذرة عبر تجارب ممتدة في تاريخ العلاقات المشتركة تسمح بأن تكون قاعدة صلبة ينبغي البناء عليها وتنمية كافة أطرها كاستجابة واقعية لحال الشرق الأوسط وواقعه واعتباراته الجيوسياسية.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى